الخميس، 19 يوليو 2012

تاريخ الصلاة في الإسلام










عن دار الجمل كتاب تاريخ الصلاة في الإسلام للكاتب جواد العلي


سألت أي مسلم كان عن صلاته : كيف فرضت عليه ؟ كان جوابه في الأغلب: لا أدري، لقد فرضها الله علينا، وكفي. ولو سألت اليهودي أو النصراني هذا السؤال، كان جوابه ذلك الجواب أيضا : إنه يصلي، لأنه وجد آباءه يصلون، فهو يصلي بصلاتهم، وقد تعلمها منهم.




وهذا الكتاب للعالم العراقي الراحل د.جواد علي والذي ينشر لأول مرة بحث في تأريخ الصلاة في الإسلام، يبين متى فرضت، وكيف تطورت، ليقف القارئ على منشأ عبادة هي ركن من أركان الإسلام، وقد قارن المؤلف بين الصلاة في الإسلام والصلاة في الديانتين اليهودية والنصرانية، كاشفا الصلوات المشابهة في الديانتين المذكورتين.


والدكتور جواد علي ولد في الكاظمية بالعراق عام 1907، وتخرج من دار المعلمين العالية عام 1931، وحاز درجة الدكتوراه من جامعة هامبورج عام 1939، وقد تعرض للاعتقال عام 1942 لأسباب سياسية، ومارس التدريس في المعاهد والجامعات العراقية والأجنبية، وعين عضوا في المجمع العلمي العراقي عام 1948 وعضوا مراسلا لمجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1956، وتوفي عام 1987، ومن أهم مؤلفاته : صورة الأرض (1951)، أصنام العرب (1967)، معجم ألفاظ الجاهليين (1968)، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (1976).


يحدد المؤلف في بداية الكتاب الموارد التي استند إليها في كتابه، ثم يبدأ في تناول لفظ ( الصلاة ) معناه ودلالته، ثم يتطرق بشكل منفصل متصل إلى كل ما يتعلق بالصلاة شكلها وأوقاتها، الأذان، الطهارة والوضوء، القبلة، التيمم، الفاتحة في الصلاة، الكلام في الصلاة، صلاة الجمعة، صلاة العيدين، إلى آخره. يرى د.جواد علي في مقدمته أن القرآن الكريم الذي أمر بالصلاة، لا يتعرض للشروح والجزئيات، لذلك لزمت الاستعانة بكتب الحديث والتفسير وأسباب النزول ثم بكتب السير والأخبار.


ويضيف: إن علماء التدوين أخذوا مادتهم من علماء آخرين استقوا رواياتهم ممن سبقهم من أفواههم، شفاهاً وسماعاً، إذ قل منهم من دوّن وسجّل. فلما جاءت أيام التدوين، وشاعت طريقة حفظ الخبر بتدوينه، دونت الروايات والأخبار. جاء ذلك على عهدة الراوي وثوقاً من المدون بصدق الرواية التي تروي الخبر وقد أنفقوا جهداً في التعديل والجرح للتأكد من صدق الرواة، ولكنهم لم ينفقوا الجهد عينه في نقد الروايات والأخبار، أي مضمون الرواية ومادتها، علماً أنها هي الأساس فأصبحنا اليوم أمام روايات كثيرة ذات سند، قد ترجع إلى رجل واحد.


ولكن إذا درست جيداً، وجدنا بعضها يناقض بعضاً؛ وان الرجل ليقول قولاً، في بعض الأحيان، ثم يروي قولاً آخر يناقض قوله السابق، والنتيجة، في نظر المؤلف أننا بتنا أمام مشكلة عويصة جداً تتمثل في تدقيق الخبر ونقده من حيث المضمون. وإذا أخذنا موضوع زمن فرض الصلوات الخمس، وزمن فرض الوضوء، نجد أن الراوي يفيد بأنهما فرضتا بنزول الوحي على الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أي في اليوم الأول من النبوة. ثم نرى أن الراوي يعود وكأنه نسي ما قال، فيذكر أن الصلوات الخمس والوضوء فرضا ليلة الإسراء.


وينطبق هذا الأمر على صلاة الجمعة، أو صلاة الخوف، أو أي من المسائل الأخرى التي ينطوي عليها هذا البحث. سنجد، في هذا السياق أننا أمام روايات متعددة يناقض بعضها بعضاً. ومرد ذلك إلى وثوق الرواة بالرواية وثوقاً واعتمادهم على الراوي، لا على الخبر الذي يرويه. ثمة سبب آخر يدرجه المؤلف في حيثيات هذا المنهج التحليلي، هو أن ذاكرة الرواة الحفاظ وان تمكنت من المحافظة على مضمون الخبر وجوهره، إلا أنها لا تستطيع المحافظة على جزئياته، وتفاصيله، لاسيما تلك المتعلقة بالتأريخ، أي بالأيام، والشهور والسنين.


لذلك يؤكد د. علي أن الروايات تتباين وتتصارع في ما بينها، فنجد راوية يروي تأريخاً، ثم نجد راوية آخر يروي تأريخاً آخر، وهكذا دواليك. وقد حصل ذلك لآفة طبيعية لدى الإنسان، هي النسيان. فالإنسان ينسى ويزداد نسيانه كلما ابتعد زمن الحادث عنه. ولأن التدوين لم يكن شائعاً في أيام الرسول، وجدت هذه الآفة مجالاً واسعاً للعبث في الأخبار.


بعد يبدأ د. جواد في تعريف معنى ودلالة وأصل كلمة الصلاة فيقول: كلمة (صلاة) آرامية في الأصل أخذت من أصل (ص ل ا) (صلا) ومعناها ركع وانحنى، ثم استعملت في التعبير عن الصلاة بالمعنى الديني المعروف، ثم استعملها اليهود فأصبحت لفظة عبرانية، دخلت العربية قبل الإسلام عن طريق أهل الكتاب.


والصلاة في أغلب الأديان صلاتان: صلاة مفروض على الإنسان أن يؤديها لخالقه، لأن الرب فرضها عليه، وصلاة غير مفروضة يستحب القيام بها، ولا يؤنب العبد على تركها، يقوم بها من يريد زيادة التقرب إلى ربه، وقد أهمل اليهود والنصارى بعض الصلوات التي كان يؤديها أجدادهم وأسلافهم في الماضي، ولذلك قل عددها اليوم عما كانت عليه، كما تساهلوا في أوقاتها. والصلاة في الإسلام صلاتان كذلك، صلاة مفروضة هي الصلوات الخمس التي يجب على الإنسان أداؤها في أوقاتها وصلاة غير مفروضة، تقسم إلى سنة ومستحب وتطوع.


ويشير د. جواد علي إلى أن الأمر بالصلاة في الإسلام لم ينزل دفعة واحدة، بل نزل الأمر بها بالتدريج، وذلك في مكة أولا، ثم في المدينة ثانيا، فكملت وتمت بعد هجرة الرسول إلى يثرب، وسوف نرى أن الصلاة بمكة كانت صلاة ذات ركعتين، أما صلاته في المدينة، فقد زيد عليها، فصارت صلاتين: صلاة حضر وصلاة سفر، كما أقيمت في المدينة صلوات لم يكن الأمر قد نزل بها بمكة، وقد حدث كل ذلك بسبب طبيعة النبوة، فإنها لم تكمل ولم تتم إلا في المدينة وبالتدريج، والصلاة هي ركن من أهم أركان الإسلام، وقد تطورت بتطوره.


ويضيف د. جواد: المشهور بين العلماء أن افتراض الصلاة كان في ليلة الإسراء، ففي هذه الليلة فرضت عليه الصلوات الخمس، وقد اختلفوا في وقت وقوع تلك الليلة، فذهب بعضهم إلى أنه كان قبل الهجرة بثلاث سنوات، وذهب بعض آخر إلى أنه كان قبل سنة واحدة، وقيل: وله من العمر إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر، وقيل: كان الإسراء بين بيعتي الأنصار في العقبة، وقيل: كان بعد المبعث بخمسة عشر شهرا إلى غير ذلك من الأقوال. ومعنى هذا أن نزول الأمر بافتراض الصلوات اليومية الخمس إنما كان في خلال هذه المدد المتنازع عليها.


وقد ذهب لما تقدم من حديث الإسراء جمع إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة، لا عليه ولا على أمته، إلا ما كان يفعله الرسول من التهجد أثناء الليل، وقد نسخ قيام الليل بالصلوات الخمس ليلة الإسراء، وقال ابن حجر الهيتمي: لم يكلف الناس إلا بالتوحيد فقط، ثم استمر مدة مديدة، ثم فرض عليهم من الصلاة ما ذكر في سورة المزمل، ثم نسخ كله بالصلوات الخمس، ثم لم تكثر الفرائض وتتابع إلا بالمدينة. ولما ظهر الإسلام وتمكن في القلوب وكان كلما زاد ظهورا وتمكن، ازدادت الفرائض وتتابعت.


أما القرآن الكريم فقد ورد فيه أمر بالصلاة وحث عليها وتقريع لمن لا يقوم بواجبه في أدائها، غير أننا لا نجد فيه للصلوات الخمس اليومية المفروضة ذكرا صريحا، ولهذا صعب علينا تعيين الزمن الذي فرضت فيه استنادا إلى أسباب النزول، كذلك لا نجد فيه كيفية الصلاة وعدد ركع كل واحدة منها، فصار كل اعتمادنا في دراسة هذا الموضوع على كتب الحديث وكتب أهل الأخبار. ولم يتمكن المفسرون على الرغم من الجهود التي بذلوها، من تعيين آية صريحة في القرآن الكريم تذكر بصراحة الصلوات اليومية الخمس وتذكر عدّاً دون تفسير ولا تأويل.


ويقول د. جواد علي: وليس لدينا من شك في أن الأمر بالصلاة كان قد نزل على الرسول وهو بمكة وذلك قبل الهجرة لورود (الصلاة) في سورة مكية مثل سورة المدثر وسورة الكوثر وهي السورة الثانية عشرة من السور بحسب ترتيب النزول، وقد نزلت كلها في مكة، وورد فيها (فصلّ لربك وانحر) وفي سورة مكية أخرى.


ويؤيد هذا الرأي ما نراه في كتب السير والأخبار من أن الرسول كان يصلي بخديجة وذلك حتى وفاتها، وكانت وفاتها قبل الإسراء، ومن أنه كان يخرج مع علي بن أبي طالب إذا حضرت الصلاة إلى شعاب مكة، فيصليان الصلوات فيها، فرآهما أبو طالب مرة وهما يصليان، فسأل الرسول عن هذه الصلاة التي يصليها، وقد كانت وفاة أبي طالب قبل الإسراء، ومن أخبار أخرى تفيد أن أول الناس إسلاما كانوا يصلون وذلك قبل الإسراء، ففي كل ذلك دلالة إذن على أن الأمر بالصلاة كان بمكة وقد كان قبل الإسراء.


ويخلص د. جواد علي من هذه الدراسة التي استخلصها من الروايات العديدة، بنتيجة هي أن الصلاة في الإسلام قد كملت وتمت واتخذت شكلها النهائي في المدينة. وأن في المدينة ظهرت صلوات لم يكن الأمر قد نزل بها في مكة، وذلك لتغير الظروف ولتبدل الأحوال ولانتشار الإسلام. فصار من الممكن تعبّد المسلمين علناً وجهاراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق