السبت، 28 يوليو 2012


الملاحة عند العرب قبل الإسلام
   
1- التجارة البحرية:
      تحوط المياه بلاد العرب من ثلاثة جوانب فيقع الخليج العربي في شرقها والمحيط الهندي في جنوبها، والبحر الأحمر من غربها، وتقع الأقاليم الخصبة في بلاد العرب في واليمن وحضرموت وعمان والبحرين على ساحل البحر، ومن الطبيعي أن تكتسب هذه البقاع شيئاً من الأهمية كمراكز للتبادل التجاري، ولقد استهوت العرب الذين نزلوا حياة البحار فأصبحوا ملاحين وتجاراً عظاماً، وهكذا تمكن عرب سبأ في اليمن وقد تملكوا أرضاً خصبة يلطف البحر جوها، من أن يقوموا بتجارة رابحة مع الهند، وأصبحت " مأرب " عاصمتهم، كما أصبحت عدن لكونها الميناء الآمن الخالي من الأماكن الضحلة، والذي يقع بين السويس والهند السوق الرئيسي لتجارتها
 ولعب البطالمة دوراً بارزاً في اطراد التجارة البحرية مع الهند، ولو أنهم امتنعوا عن نقل البضائع بحراً إذ اعتبرها العرب حقهم المطلق الذي لا ينازعهم فيه أحد، واقتصروا على شغل أنفسهم بالخدمة البحرية المحلية في حيز لا يتعدى حدود البحر الأحمر ولا يهدد بأي وسيلة الأعمال التجارية الشاسعة التي يقوم بها السبئيون، ورضوا بأن يتركوا حركة الملاحة في المحيط الهندي للملاحين العرب الذين استغلوا البحر، ونجحوا في المحافظة على سر الرياح الموسمية على الإغريق فلم يتسرب إليهم، وقد اعتمد البطالمة على العرب في مدهم بالبخور اللازم للمعابد الكبيرة في مصر، كما تشهد بذلك كتاباتهم على الجدران، وأول سجل مكتوب عن هذا التبادل التجاري كتبه " أجاثا رشيدس " Agatharchides الذي وصف عرب سبأ بأنهم " ملاحون مهرة، ومحاربون أشداء يبحرون في سفن كبيرة إلى البلاد التي تنتج السلع العطرية، وهناك – في هذه البلاد – كونوا مستعمرات لهم استوردوا منها نوعاً من العطر لا يوجد في أي جهة أخرى، وفي واقع الأمر لم توجد دولة أغنى من السبئيين، ويرجع هذا الثراء إلى موقعهم وسط حركة التجارة التي تمر بين أسيا وأوروبا، وفي العبارة الآتية ينقل " استرابو " Strabo عن " ارتيميدورس " Artemidorus حين يتحدث عن عرب سبأ فيقول: " إن مدينة السبئيين – ماريابا Mariaba تقع على جبل تغطيه الأشجار، ويقوم بعضهم بالزراعة بينما يتاجر الآخرون بالتوابل التي هي من نتاج بلادهم، أو يأتون بها من الحبشة التي يبحرون إليها في سفن مصنوعة من لحاء الأشجار ".

نقل البضائع بحراً كان حقاً مطلقاً للعرب أما الرومان – المهيمنون على العالم في ذلك الوقت – فقد فشلوا في وضع النير على رقاب العرب فقد قام " أوجستن " بمحاولات جبارة للحد من نشاط العرب الذين سادوا البحر، ووقفوا كسد منيع في سبيل تجارة الإمبراطور بين روما والهند عبر البحر، وكان أول محاولة قام بها كي يحرم العرب من احتكار التجارة الهندية في العام الرابع والعشرين ق.م حين أرسل الإمبراطور " أوغسطس " حملته المشهورة التي تتكون من عشرة آلاف محارب أرسلها من مصر تحت إمارة واليه " آليوس جاليوس " بغرض كشف كل من جنوب بلاد العرب والحبشة على وجه السرعة، وقد باءت كل المحاولات للقضاء على قوة الحميريين بالفشل، وبذلك تبدد هذا الحلم الذي كان يراوده في السيطرة على التجارة الشرقية من التوابل والأحجار الكريمة.

2- سر الرياح الموسمية:
      يرجع رخاء العرب وثرائهم إلى الحفاظ على سر الرياح الموسمية، ولقد مكنهم هذا من أن يحصلوا على أسباب الترف والرفاهية التي دفع الرومان بسخاء من أجلها، ويبدو أن اليونانيين قد عرفوا فقط عن وجود هذه الرياح، أما الاستفادة منها استفادة تامة فقد غابت عن الرومان، ويشهد بذلك ما قاله " بليني " Pliny حين يقص: " أنه بينما كان عبد، أعتقه سيده، يبحر من بلاد العرب وجد نفسه في جزيرة سيلان بعد أن قضى تحت رحمة هذه الرياح مدة أسبوعين "، وبعد ذلك بقليل حوالي عام / 45م / أكتشف الربان " هيبالس " أن هذه الرياح لها موسم خاص، فتهب بانتظام مدة ستة أشهر من الشرق إلى الغرب، ثم تعكس اتجاهها مدة ستة أشهر أخرى، وأخيراً ذاع سرها نهائياً إبان حكم " كلوديوس "/ 41-54م/، ولقد كان لهذا الكشف أهمية سامية إذ كانت للرومان بمثابة مفتاح ألغاز، فبمجرد أن تبينوها اطردت التجارة بانتظام بين مصر والهند، وصدق " بليني " حين قال:   " إن الهند أصبحت قريبة "، ورغم كل هذا فما زال العرب هم المسيطرون على الكثير من التجارة، وكان لهم اليد العليا كوسطاء.
      ولو أن العلم بكنه الرياح الموسمية كان حافزاً لا يستهان به إلا أن النقص في البحارة، وعدم وجود البوصلة البحرية، جعلت الملاحة تقتصر على الإبحار بمحاذاة الشاطئ.
      ولحسن الحظ فهناك دليل بحري عن البحر الأحمر والمحيط الهندي الذي يعد مرجعاً للمعرفة الصحيحة المسهبة عن شواطئ الجنوب العربي، وظهر هذا الدليل تحت عنوان  " Periplus of the Erythrean sea " كتبه كاتب إغريقي مجهول في مصر قبل عام  / 71م / حين أصبح الطريق البحري إلى الهند ممهداً أمام الناس بفضل كشف " هيبالس
 ومن بين الثورة التاريخية من المعلومات التي أدلى بها هذا الدليل ملاحظات عن الرياح والأمواج والصخور ومشيدي السفن والسماسرة وربابنة المراكب وكل ما يتعلق بتجارة العرب التي فيها سادوا وحدهم عصراً ليس بالقصير، كما أبان روح المخاطرة عند الرومان.
      ومن الهام أيضاً أن نذكر أن كاتب هذا الدليل يحيطنا بالمعرفة الأصلية عن أمور لم يسبق لغيره أن عالجها بمثل هذا الإدراك والشمول.
      ولقد أشار Periplus إلى الزيادة في حجم السفن بعد كشف " هيبالس " فيقول:" قامت شحنة كبيرة من الدار الصيني من موقع Mossylum حيث يتطلب هذا الميناء التجاري سفناً أكبر حجماً ".
      ويسترعي " بليني " انتباهنا إلى هذا حين يصف التجارة بين ملبار وسيلان فيقول " إن الملاحة من قبل قاصرة على سفن مصنوعة من نبات الحلفاء الموثوقة ببعضها بعضاً كما هو متبع في السفن التي تبحر فوق النيل، وأما السفن الحديثة فشيدت بمقدمة في كل من طرفيها حتى لا يستدعي الأمر دورانها إثناء إبحارها في هذه القنوات الضيقة، وكانت حمولة هذه السفن تبلغ 33طن ".
      ومنذ القرن الرابع ق.م استخدم كل من العرب والهنود مراكب شراعية مثل السفن العربية المسماة بالدّهو " Dhow " التي رغب عنها كل من للمصريين والإغريق، وكان هناك وسيلة أخرى للنقل البحري حيث كان الرمث المملوء بالهواء، وكان هناك عوامات بدائية من الجلد مستعملة من عهد بعيد في أرض الجزيرة في العراق استخدمتها القبائل التي كانت تعيش على الشاطئ الجنوب لبلاد العرب، ويشير المؤلفون من الإغريق والرومان إلى هؤلاء البحارة " بالعرب مستخدمي القرب " Arabes Ascitae ولا يستسيغ " بليني "، وهذا التفسير بحجة أن هذا الاسم أطلق على القبائل الإفريقية التي كانت تستخدم هذه القرب المنفوخة المسماة Ascitae، وبناءً على ما قال فإن العرب استخدموا هذا النوع من الرمث في إحضار المر والبخور إلى الجنوب العربي.
      وقصة الرمث المنفوخ لها دلالة على صحتها إذ أنه  " القلق " Kelek المعروف، والذي مازال مستعملاً لنقل البضائع والناس على نهر الفرات، وأصل الكلمة مأخوذ من اللفظ الآشوري " قلاقى " Kalaka الذي يرجع استخدامه إلى عصر سرجون، وكان يطلق عليه العرب لفظة " قلاق " Kalak ثم حرفها أرض الجزيرة إلى " قلق " Kelek في لغتهم العامية، ومما لا مراء فيه أن المهاجرين العرب إلى الشواطئ الجنوبية من بلادهم قد أحضروها معهم، ولعل هذا النوع هو سفينة شحن البضائع التي أرسلت من " كانا " Cana إلى جزيرة " سارابيس " Sarapis طلباً في صدف السلحفاة في عصر الـ Periplus.

3- موانئ الجنوب العربي :
      بناء على ما ذكر في Periplus كان للجنوب العرب أن يفخر بثلاثة موانئ غنية وهي موانئ غنية مثل موزا Muza وكانا Cana وموسكا Moscha، ويبدو أن موزا كانت مركزاً هاماً للتجارة حتى أصبحت في وقت ما أهم موانئ البحر الأحمر، ويقول  الـ Periplus إن التجارة الهندية والعربية تقتصر على رأس إفريقية فقط
، بل امتدت حتى " أزانيا "
Azania " أو ساحل إفريقية الشرقي حتى " رابطة " Rhapta، وكان أهالي موزا يرسلون إليها سفناً كبيرة علها ربابنة وسماسرة من العرب الذين ألفوا السكان هناك، وتزاوجو معهم، وعرفوا لغتهم، وكل جزء منم أجزاء سواحلهم".
      ويبدو أن " موزا " لم يكن لها منافس على الساحل الغربي، ويذكر الـ Periplus  " أوكيليس " Ocelis عند مضيق باب المندب " كسوق ومرسى للسفن تزود فيها بالماء، وأول مكان ترسوا فيه السفن المبحرة في الخليج "، ورغم هذا فإن موزا كان يواجهها منافسان خطيران في المحيط الهندي وهما عدن العربية و " كانا " التي كانت لا تقل عن  " حصن غراب " ويسترسل الـ Periplus ذاكراً " أن هناك ما يفوق أوكيليس فهناك عدن في بلاد العرب وهي قرية على الشاطئ لها ميناء صالح لرسو السفن، وينابيع يستمد منها ماء عذب وأحسن مما في أوكيليس، وفضلاً عن ذلك فإنها تقع عند مدخل الخليج وعندها تنحسر الأرض، وربما حلت " كانا " محلها كسوق ساحلي حيث كان ينقل إليها عطر البخور في رموث تحملها قرب منفوخة إلى " كانا " كما هو متبع في هذا البلد أو في قوارب.
      وكانت " موسكا " محط الرحال المألوف حيث وجدت السفن مكاناً مفتوحاً لها لا حراسة عليه كأنه كان في رعاية الآلهة، وكذلك كانت السفن تمر على ميناء " أومانا " Ommana حيث كان البخور المجلوب من كانا ينقل منها إلى قوارب العرب التي ربطت أو خيطت مع بعضها بعضاً كما كان متبعاً في هذا المكان، وكانت تسمى هذه القوارب " مداراتا " madarata.

4- اضمحلال عرب الجنوب :
      بدأ في القرن الرابع الميلادي آثار تدخل الأحباش في بلاد العرب بشكل جلي، فإن ضعف عرب حِمْير الذي بدأ مباشرة بعد أوائل القرن الخامس الميلادي قد وصل ذروته في عام / 522م / عندما حض إمبراطور الدولة البيزنطية ملك الأحباش ليثبت نفوذه وسيطرته على جنوب بلاد العرب، ولقد تنازع الحميريون والأحباش حقبة طويلة من الزمن للسيطرة على مدخل البحر الأحمر الذي كانت تعتمد عليه تجارة الغرب، ونتيجة لهذه الحملة انتقل النفوذ على هذا الطريق البحري الهام إلى أيدي الأحباش، ما نسميه بالتجارة مع الهنود هو في الواقع مع الأحباش الين كانوا يرسلون سفنهم حاملة منتجات إفريقية من ميناء " أدوليس" Adulis ليتبادلوها بالسلع الهندية،ـ وكان التجار البيزنطيون يبحرون على هذه السفن من وقت لآخر ولكن القسطنطينية فضلت أن تشتري البضائع من الأحباش المسيحيين على أن تشتريها من أعدائها الفرس.
      وقعت اليمن في أيدي الفرس قرب نهاية القرن السادس الميلادي، وما كان وقوع هذه الغنيمة الدسمة في أيديهم بالشيء الهين، بل تحقق ذلك لهم بعد نضال عنيف، وبسقوطها في أيدي الفرس تحققت لهم السيطرة على أرض كانت موطن البحارة منذ زمن بعيد، وقد ساعدت إقامة حكومة فارسية في اليمن على تفوق الأباطرة الساسانيين في الشرق، وكثيراً ما أرسلوا سفنهم إلى موانئ الهند، وسجل " بركوبيوس "  Procopiusهذه الحقيقة التاريخية فقال: " تعذر على الأثيوبيين شراء الحرير من الهنود لأن التجار الفرس كانوا دائماً ما يستوطنون الموانئ التي ترسو فيها السفن الهندية قبل غيرها واعتادوا شراء حمولة مراكبهم كلها ".
      كذلك قضى الفرس على التجارة العربية في الخليج الفارسي بعد أن جعلوا من البحرين وما جاورها من بلدان وحدة واحدة، وبذلك أصبحت طرق التجارة بحراً وبراً وتلك التي تصل بين الشرق والغرب في أيديهم.
      ويمكننا أن نتابع الشواهد اللغوية على ذلك في كلمات بحثها " فراند " Ferrand في محاولة تبيان امتداد الملاحة الساسانية فيقول: إن كلمة Cinnamon يقابلها في اللغة العربية " دار صيني "، وكلمة " داراً " في الفارسية معناها خشب، لذا كان معنى الكلمة  " الخشب الصيني " أي الخشب الوارد من الصين، كلمة جوز بالفارسية معناها بندق، وقد وردت بين أسماء الفاكهة التي تنمو في الشرق الأقصى والهند التي وصفها الكتاب العرب ومن بينها " جوزيوا " وهو " جوز الطيب "، وبناء على ما ذكره " ديوجو دي كوتو " Diogo de Couto فإن Nut-meg يسمى " جوز بندا " ومعناها الحرفي الجوز الوارد
 من الهند، وفي تاريخ الأسر الملكية الصينية التي يختص بالفترة ما بين نهاية القرن الرابع والسابع الميلادي كانت جميع السلع الواردة من الهند الصينية وسيلان والعرب وساحل إفريقية الشرقي تسمى " بوسي " Po-se أي " الواردة من فارس موطن معظم موردي هذه السلع إلى الصين ".
      ويضيف " فراند " قائلاً إنه يظهر بكل بساطة أن العرب اتبعوا الطريق الذي فتحه الفرس الذين كان لهم السبق على العرب في التبادل التجاري في الشرق الأقصى، ولم يتبقى شيء مما أرخه الفرس عن هذه الرحلات البحرية، ومع ذلك فإنه ليس من الإنصاف أن نقدر الملاحة الساسانية دون الاعتراف بالدور الذي لعبه التجار العرب الذين ولدوا وهم ملاحون ووارثوا حضارة قديمة عظيمة القدر، فلمدة ألف سنة تعلموا كيف يسودون أمواج البحر، وكشفوا للعالم مجاهل الطريق من المحيط الهندي إلى الغرب، ويقول " فهيان " Fahian الذي زار سيلان عام / 414م / " إن ديار تجار عرب سبأ مزينة بأبهج الزينات "، ويمكن أن ننسب ما سجل عن كيفية وصول العرب إلى بلاد الصين إلى النصف الأول من القرن الخامس الميلادي.
      ويبدو أن أعمال هؤلاء المشتغلين بالملاحة المحفوفة بالمخاطر قد استمرت حتى الأزمنة الإسلامية، ويقول المسعودي " وقد كانت مراكب الصين في بدء الزمان تأتي بلاد عمان وسيراف وساحل فارس وساحل البحرين والأبلة والبصرة وكذلك كانت المراكب تختلف عن المواضع المذكورة إلى هناك ".
      ويبين التاريخ البحري لعمان أن الرحلات البحرية التي قام بها المسلمون إلى الهند كانت من هذا الإقليم، ويقول " فراند ": " إن العرب وهم قوم بسطاء وحضارتهم تميل إلى البساطة لم يكونوا في حال تسمح لهم أن يطبقوا علم الفلك في الملاحة أو أن يقوموا بأسفار طويلة في البحر إلى الصين وشبه جزيرة الملايو ".
      ويستدل على صدق قوله بما كتبه " ابن خلدون " حيث قال:" إن العرب لبداوتهم لم يكونوا أول الأمر مهرة في ثقافة البحر وركوبه والروم والفرنجة لممارستهم أحواله ومزاياهم في التغلب على أعواده مرنوا عليه وأحكموا الدراية بثقافته ".
      والواقع أن السبئيين ما كانوا همجاً ولا بسطاء، بل كان السبئيون فينيقيو البحر الجنوبي على علم بالمسالك البحرية والصخور والموانئ، وأمكنهم السيطرة على الرياح الموسمية الغادرة. 
 المسالك البحرية في المغرب الوسيط خلال القرنين 5و6هـ/11و12م
الطاهر قدوري
اعتبرت المسالك البحرية في الحوض الغربي من المتوسط استمرارا لتلك التي كانت تربط بين بلاد المغرب وبلاد السودان، وذلك بالنظر إلى العلاقات التجارية التي كانت تربط بين بلاد المغرب وأوروبا من جهة وبين المغرب, وبلاد السودان من جهة أخرى، فنشطت العديد من الخطوط التجارية البرية والبحرية. لكن يلاحظ أن الخطوط التجارية البرية الرابطة بين المغرب, وجنوب الصحراء حظيت باهتمام كبير من قبل ثلة من الباحثين(1) الذين انطلقوا من المادة المصدرية التي توفرها كتب المسالك والجغرافية التي خلفها الجغرافيون والرحالة المسلمون(2). وعضدوها بأبحاث أركيولوجية، فأمكننا تشكيل صورة واضحة نسبيا عن هذه الطرق، وهذا بخلاف المسالك البحرية التي لا تتجاوز معلوماتنا عنها بعض الإشارات المقتضبة، ولا شك أن الأمر هنا تقني إذ إن معالم الطرق البرية واضحة ويمكن تتبعها على عكس المساك البحرية التي يصعب تعيين خط بعينه، فالغالب على الخطوط البحرية خضوعها لظروف خاصة سنعرض لها فيما بعد.
 وتجدر الإشارة إلى أن الصلات بين الشمال الإفريقي, ودول جنوب الصحراء لم تكن وليدة الدول المركزية التي قامت ببلاد المغرب عقب الفتح الإسلامي, والتي سعت إلى تفعيل دورها التجاري بين بلاد السودان والدول الأوروبية، ولكن يمكن إرجاعها إلى عهود غابرة على الأقل في عهد الإمبراطورية الرومانية التي اشتهرت ببناء العديد من الطرق(3)، والتي كانت نفسها تتوغل في مجاهل الصحراء إلى بلاد السودان، وتولى الإشراف عليها وتنظيم التجارة عبرها قبائل الجرمانت التي كانت تضطلع بدور الوساطة بين الشمال والجنوب(4). ويرى أحد الباحثين(5) أن هذه المسالك مرت بمرحلتين رئيسيتين، المرحلة الرومانية التي تميزت بترصيف هذه الطرق والمرحلة الثانية التي اتسمت بتوسعها واستعمال الجَمَل فسماها "الطرق الحوافرية"(6).
إلا أن محاولة التتبع الدقيق لهذه المحاور التجارية كثيرا ما تصطدم باضطراب المادة التي تقدمها كتب المسالك والممالك مما يصعب معه الوقوف عن كثب عند التحولات التي كانت تطرأ عليها، ومما يزيد في تعقيد الأمور اندراس العديد من المدن والمحطات التجارية التي أشار إليها الجغرافيون خاصة البكري, والتي كانت توجد على المحاور الرابطة بين الشمال والجنوب.
لكن مع كل هذا، نسجل كثرة المسالك التي كانت تربط بين بلاد المغرب وبلاد السودان, والتي تنطلق من عدة مدن رئيسية مثل فاس وقلعة بني حماد، والقيروان وطرابلس لتنتهي إلى المراكز الرئيسية في مجاهل الصحراء كتوزر والمسيلة ووركلان وسجلماسة ودرعة وتغازى، وصولا بعد ذلك إلى المراكز التجارية الرئيسية: أوليل وأودغيست وغانا وكاو.
وإذا كانت هذه -باقتضاب شديد- أهم المسالك التجارية البرية التي كانت تربط بلاد المغرب ببلاد السودان، فماهي أهم المسالك البحرية التي كان عبرها يتصل المغاربة بدول شمال البحر المتوسط وشرقه؟.
تعد الدراسات التي أنجزت حول المسالك البحرية في الحوض المتوسطي عامة, والجزء الغربي منه خاصة -قليلة جدا- وذلك قياسا بالدراسات التي أنجزت حول المسالك البرية، فإذا كانت القوافل الصحراوية سواء تلك المتجهة إلى بلاد السودان انطلاقا من المحطات التجارية في بلاد المغرب أم تلك التي تنطلق من بلاد السودان نحو المغرب، تكاد تكون معروفة مسالكها ومعالمها، إما بفضل التجربة المكتسبة بتكرار المداومة على طرق بعينها, وإمـا بفضل الاستعانة بالأدلاَّء، إلا أن الأمر يختلف عند الحديث عن المسالك البحرية، حيث يصعب تحديد طرق بعينها اللهم إلا إذا استثنينا تلك المسالك التي كانت تحاذي البر في إطار الإبحار الملازم للساحل، أما باقي الخطوط فإما أنها كانت تربط بين ميناءين متقابلين كما هو الشأن بالنسبة لتلك التي تحدث عنها البكري(7)، وإما أنها كانت تربط بين ميناءين أو عدة موانئ بين ضفتي المتوسط، كما هو الشأن بالنسبة لموانئ إفريقية وبجاية, والمدن الإيطالية.
وهذه المسالك غالبا ما كانت تتخذ من الجزائر الشرقية وصقلية نقطة استراحة للتزود ثم تستأنف الرحلة من جديد، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوط كانت حركتها غير منتظمة, وتخضع في الأساس إلى مجموعة من الشروط منها ما هو اقتصادي, ومنها ما هو طبيعي، فالرحلة البحرية كانت تتم في أوقات محددة مرتبطة بالظروف العامة للإبحار -هبوب الرياح- هدوء البحر- مما يتلاءم والفصل المعتدل الذي تنشط فيه الملاحة، كما أنها - أي الرحلة البحرية- كانت مرتبطة بتوفر البضائع والمسافرين، فهذان العاملان أثرا بشكل كبير في مدى انتظام المسالك البحرية التي كانت تتغير تبعا للتغيرات الفجائية التي تطرأ على الأحوال الجوية ففي كثير من الأحيان كان الربان يضطر إلى تغيير مسار الرحلة أمام اشتداد الرياح وكثرة الأنواء أو السماع بوجود عدو يتهدده.
ورغم كل هذا سنحاول تحديد مجموعة من الخطوط البحرية التي كانت أكثر ارتيادا في المرحلة الوسيطية(8).
الطريق الساحلي للضفة الجنوبية من المتوسط
تتعدد نقط انطلاق هذا الخط، إما من إشبيلية التي كانت لها علاقات قوية بمدينة الإسكندرية(9), وإما من سبتة وجزيرة طريف(10), وإما مباشرة من ألمرية التي انطلق منها ابن رشيد السبتي(11), وإما من مالقة التي انطلق منها أبو بكر بن العربي المعافري(12)، ثم بعد ذلك تسير السفن محادية لسواحل بلاد المغرب إلى أن تصل إلى الإسكندرية ومنها تتابع رحلتها نحو سواحل بلاد الشام خاصة موانئ عكا وصور وصيدا(13).
لقد اعتبر هذا الخط أنشط الخطوط البحرية في الحوض المتوسطي, وقد كان مرتادا أساسا من قبل الحجاج (المسلمين والنصارى) الذين كانت تتولى البحرية الإيطالية نقلهم إلى الديار المقدسة، ونظرا لهذه الأهمية، فإن العديد من الباحثين وقفوا عنده محاولين تفسير سبب تفضيل الحجاج والتجار المغاربة لهذا الطريق البحري على الطريق البري الذي كان يربط بين بلاد المغرب ومصر(14)، وقد أرجعوا ذلك إلى ما عرفته إفريقية من اجتياح للقبائل العربية، فأضحى الطريق البري غير آمن مما دفع بالمسافرين القاصدين إلى مصر, وما بعدها إلى ركوب البحر، وقد لاحظ أحد المهتمين بالمادة التي وفرتها وثائق الجنيزة أن النصف الثاني من القرن (5 هـ/11م) شهد كثرة الوثائق التي تشير إلى شحن التجار لبضائعهم بحرا, وذاك خوفا من أي أذى يمكن أن يسببه لهم الوجود العربي هنالك(15).
لكن إذا أمكننا أن نساير طرح جواتياين مع نوع من التحفظ- فلماذا استمر استعمال الطريق البحري الرابط بين بلاد المغرب ومصر على عهد الدولة الموحدية التي تمكنت من إخضاع بلاد المغرب لسيطرتها، ومع ذلك لا نعدم إشارات توضح تفضيل استخدام الطريق البري على الطريق البحري، ولعل الأمر هنا يرجع في الأساس إلى عامل الوقت فالمدة الزمنية التي يتطلبها قطع الطريق البري أكثر من تلك التي يتطلبها قطع الطريق البحري، ولعل في حملة الأخماس التي قام بها الموحدون على عهد عبد المؤمن في اتجاه إفريقية وطرابلس خير دليل على هذا الأمر، إذ كانت حركة السفن أسرع من حركة الجيوش البرية، ومن هنا نرى أن عامل السرعة كان يفعل فعله في تفضيل طريق على آخر, وذلك رغم الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها الحجاج والتجار.
والسالك لهذا الخط كان عليه أن يتوقف بميناء الإسكندرية، ثم يستأنف سيره العادي نحو بلاد الشام(16)، أو أن يتوقف بالإسكندرية ليتوجه بعد ذلك إلى سواحل البحر الأحمر, ومنها إلى جدة فالديار المقدسة(17). كما أن السفن المارة عبر هذا الخط كثيرا ما كانت تفضل الرسو في جزيرة صقلية التي ينطلق منها خطان، أحدهما في اتجاه الإسكندرية والآخر نحو ميناء عكا(18)
لكن من خلال تتبعنا لرحلة ابن جبير, يتضح مقدار ما كان يعانيه الحجاج المغاربة من تعسفات رجال الديوانة في مصر الذين لم يترددوا في إخضاع جميع الأغراض التي يحملها التجار لعمليات التفتيش, وأداء الضرائب عنها(19)، ومن ثم فربما نشط الخط الرابط بين صقلية, وعكا لهذا السبب(20).
وبالإضافة إلى هذا الخط -يشير أحد الباحثين إلى وجود خط بحري يربط الأندلس ببلاد الهند عبر مصر والبحر الأحمر، وقد سلك هذا الخط في أواخر القرن (3هـ/9م). من قبل أحد المحدثين رفقة جماعة من أهل الأندلس كانت متجهة نحو الهند(21).
الخط البحري الرابط بين الجمهوريات الإيطالية, والسواحل الجنوبية للمتوسط:
لا تقل أهمية هذا الخط عن الخط السالف الذكر، ولا نبالغ إذا قلنا: إنه كان شريان الحياة الاقتصادية في الحوض الغربي من المتوسط، وذلك بالنظر لما تميزت به الجمهوريات الإيطالية خاصة كومونات جنوة, وبيزا, والبندقية من اتصال مستمر ببلاد المغرب عبر مجموعة من الخطوط البحرية منها:
خط ينطلق أساسا من إيطاليا, ويصل إلى سواحل بلاد المغرب بطريقة عرضية بعد أن يتخذ من جزر البليار محطة أساسية له، وهذا الخط في كثير من جوانبه يمكن إدراجه ضمن عمليات الإبحار التي كانت تتم في أعالي البحار، إلا أن الرحلة الإيطالية لم تكن لتغامر على قطع هذا الطريق دون التوقف في الجزائر الشرقية إما مباشرة(22)، أو بعد التوقف في السواحل الجنوبية لفرنسا خاصة مرسيليا ثم سواحل قطلانية خاصة برشلونة ثم تتجه بعد ذلك إلى ميورقة(23). ومنها نحو سواحل بلاد المغرب, وبصفة خاصة نحو بجاية التي كانت تقابل ميورقة(24)، وأما تلك التي كانت تتجه إلى سبتة فإنها كانت تعرج على الموانئ الشرقية للأندلس خاصة ميناء بلنسية, ومن ثم نحو جبل الفتح لتصل بعد ذلك إلى سبتة(25).
وهناك طريق فَضَّلَهُ تُجارُ البندقية عن غيره فكانوا يتوجهون إلى الإسكندرية ثم بعد ذلك يستأنفون رحلتهم نحو موانئ المغرب(26)، وقد كانت صقلية في هذه الطريق مركزا رئيسيا بوصفها محطة تتوقف فيها السفن الإيطالية لتجدد زادها ثم تتوجه بعد ذلك إلى السواحل المغربية.
وبالإضافة إلى هذه الخطوط التي كانت تعرف حركة ملاحية كثيفة, ورسمية في كثير من الأحيان، يمكن أن نذكر مجموعة أخرى من الخطوط البحرية التي يمكن أن نصطلح على تسميتها بالخطوط "الجهوية", والتي كانت تربط بين موانئ بعينها وغالبا ماكانت متقابلة ولا تفصل بينها مسافة كبيرة، ومن بينها يمكن أن نذكر:
خط صقلية وموانئ إفريقية: حول هذا الخط نتوفر على إشارات عديدة تفيد قدم اتصال صقلية بسواحل إفريقية، ولعل عامل القرب يمكنه أن يفسر لنا هذه العلاقة بين إفريقية وصقلية، ويكفي أن ندلل على هذا باهتمام الدولة الإسلامية بهذه الجزيرة، إدراكا منها لأهميتها والدور الذي يمكن أن يؤديه المتحكم فيها من مراقبته للملاحة في الحوض الغربي من المتوسط، كما أن الدول النصرانية من جانبها قد أدركت أهمية صقلية في تموين الحملات الصليبية التي كانت تستهدف المشرق الإسلامي(27).
أما من الناحية التجارية فقد نشطت عدة موانئ في إفريقية مع جزيرة صقلية كما هو الشأن بالنسبة لتجار صقلية(28), وسوسة(29), وصفاقس(30), وهذا النشاط التجاري المكثف قد يكون المسؤول عن تحريك أطماع النورماند للاستيلاء على موانئ إفريقية.
خط بجاية ميروقة: نشط هذا الخط بفعل العلاقات التي كانت تربط بين المدينتين، وقد ساعد تقابل المدينتين على تعديد الرحلات البحرية بينهما والتي ستتضاعف بفعل استقرار بني غانية في جزر البليار الذين سعوا إلى توطيد علاقتهم بتجار المدينة، فكان الميورقيون يصرفون في بجاية بضائعهم, ويتزودون بمنتجات المدينة خاصة العبيد(31).
خط جزائر بني مزغنة ميورقة: استعمل هذا الخط الناصر الموحدي إبان تحرك أساطيله في اتجاه الجزائر الشرقية في إطار صراعه مع بني غانية وذلك حسب رواية ابن أبي زرع التي تخالف ما أورده الحميري الذي ذكر أن الحملة انطلقت من سبتة نحو دانية فميورقة(32).
الخط العسكري: يضم هذا المحور خطين رئيسيين أحدهما ينطلق من قصر المجاز (القصر الصغير) إلى جزيرة طريف والآخر ينطلق من سبتة إلى الجزيرة الخضراء، وكانت الصفة الغالبة على هذا الخط هي المهمة العسكرية، سواء على عهد المرابطين أم على عهد الموحدين.
فالمرابطون لما رغبوا في تلبية داعي الجهاد في الأندلس، عملوا على تنظيم جواز أجنادهم عبر محور سبتة الجزيرة الخضراء، وهذا المحور نفسه استمر نشاطه مع الموحدين الذين أضافوا إليه محور قصر المجاز- جزيرة طريف، والذي سيعرف أقصى نشاطه على عهد المنصور والناصر الموحديين(33).
ويجب التنبيه إلى أن استعمال أي محور من هذا الخط كان له مايسوغه، إذ كانت الملاحة تعتمد الإبحار عبر ميناءين متقابلين، فالسالك لمحور سبتة- الجزيرة الخضراء كان عليه أن يتوقف بجبل طارق (جبل الفتح خلال المرحلة الموحدية)، والمسافة بين هاتين النقطتين (سبتة- الجزيرة الخضراء) قدرها الإدريسي بثمانية عشر ميلا(34)، أما المسافة الفاصلة بين الميناءين المتقابلين قصر المجاز وجزيرة طريف فقد قدرها الإدرسي باثني عشر ميلا(35). خط سواحل الريف، جنوب شرق الأندلس: يبرز في هذا الخط ميناء المزمة الذي ارتبط بعدة موانئ أندلسية أهمها مالقة وتستغرق مدة الإبحار عبر هذا الخط "مجرى يوم بالريح الطيبة المعتدلة"(36).
الخط الأطلنطي
بالإضافة إلى هذه الخطوط البحرية التي نشطت في البحر الأبيض المتوسط فإننا لا نعدم إشارات تفيد وجود خطوط ملاحية تنطلق من موانئ المغرب الأقصى على الساحل الأطلنطي لترتبط أساسا بموانئ شرق الأندلس، إلا أن هذه الخطوط كانت قليلة وتعتمد على عمليات الإبحار الساحلي (المساحلة)، فالسفن خلال الفترة الوسيطية لم تكن مجهزة بالشكل الذي يسمح لها بتنظيم رحلات طويلة في" المحيط الأطلنطي" الذي ارتبط عند الجغرافيين بعدة أوصاف مثل بحر الظلمات والبحر المحيط(37), والتي تفيد مدى الرعب الذي كان يقذفه هذا البحر في نفس من يحاول اقتحام أهواله(38).
 لكن رغم كل هذا، فقد أثبت العديد من الدارسين قدم الملاحة "بالساحل المحيطي"، معتمدين على المعلومات التي خلفها "هيرودوت" حول رحلة حانون, وذلك عندما أشار إلى عدة مواقع على الساحل الغربي لإفريقيا وما تزخر به من معطيات طبيعية وبشرية وحيوانية وقد تم تأكيد العديد من هذه المعلومات في رحلة المؤرخ الإغريقي بوليبوس (Polybius). ومن هذه المعلومات انطلق أحد الباحثين(39) ليؤكد وجود صلات بحرية بين الشمال الإفريقي وبلاد السودان عبر" المحيط الأطلسي", ويرد بذلك على "موني" الذي ينفي أن تكون سفن هذه المرحلة قادرة على مجابهة قوة التيارات وصعوبات الإبحار في" المحيط الأطلسي"(40).
 ويورد أحد الباحثين(41) العديد من الرحلات التي يزعم أصحابها أنهم قاموا بها بعيدا عن ساحل ليكسوس إلا أنه يذيل معلوماته هذه بشهادة "سترابون" الذي يعتبر-كل ما حكي عن "المحيط الأطلسي" فيما قبل الميلاد هو من قبيل الأسطورة.
 إلا أن معلوماتنا عن الساحل الأطلنطي أخذت تتضح تدريجيا مع كتابات الجغرافيين المغاربة كالبكري والإدريسي وابن عبد ربه الحفيد، ومن خلال ما أورده البكري فإن الملاحة في الساحل الأطلنطي كانت تتوقف عند أصيلا(42). أما في عهد الدولة الموحدية التي كانت تراقب رقعة مجالية واسعة فإن الملاحة في "البحر المحيط " تجاوزت مدينة أصيلا, وكانت تصل إلى نول لمطة(43)، ونعتقد أن نشاط الخط التجاري المساحل للمحيط والرابط بين نول وأوليل قد يكون شجع التجار على ركوب البحر المحيط منذ عهد المرابطين على الأقل، وذلك لما كانت تعرفه منطقة السوس الأدنى من ازدهار على المستوى الفلاحي لانفتاح على منتجات بلاد السودان(44).
 وانطلاقا من هذا الخط الأطلنطي فإن مدينة سلا كانت تتصل بإشبيلية بواسطة خط مباشر استعمله أبو يعقوب يوسف لما توصل بخبر وفاة والده عبد المؤمن(45)، وكانت المدة الفاصلة بين المدينتين قد استغرقت يوما وليلة واحدة وهي المدة نفسها الفاصلة بين سلا وسبتة(46).
وهكذا، وبعد استعراضنا لأهم المحاور التجارية الصحراوية والمحاور البحرية يمكن أن نخلص إلى نتيجة أساسية مفادها أن المحاور الصحراوية كانت امتدادا للمحاور البحرية، فالمحاور المارة بالمغرب كانت تنتهي إلى مدينة فاس ومنها إما إلى سبتة أو إلى تلمسان ومينائها هنين لتنطلق بعد ذلك المحاور البحرية إما في اتجاه الأندلس وإما في اتجاه الجزائر الشرقية وإيطاليا، ثم من بجاية نحو ميورقة وإيطاليا، أما الخطوط الصحراوية التي كانت تنتهي إلى موانئ إفريقية فإنها كانت تتجه إما نحو صقلية وإما نحو المشرق العربي، خاصة ميناء الإسكندرية.
******************
الحواشي
*) باحث من المغرب.
1 - لمزيد من المعلومات حول الطرق التجارية الصحراوية يرجع إلى: -R. Ma uny , Tableau géographique de l’ouest Africain au Moyen age d’après les sources écrites, la tradition et l’archéologie, Amsterdam 1967, p 426 et ce qui suit, J.Devisse , « Route de commerce et Echange en Afrique Occidentale en relations avec la Méditerranée » in R.H. E. S année 1972, pp 43-73, J Heers , « Le Sahara et le commerce méditerranée à la fin du moyen age », in A.I.E.O, Tome XVI , Année 1958 Alger , pp 247 -255, C. Vanker , « Géographie Economique de l’Afrique du Nord selon les auteurs arabes du Ix siècle au milieu du XII siècle », in A.E.S.C , 28ème année N° 3 mai, juin 1973, pp 659-679.
J. M. Lessard , « Sijilmassa la ville et ses relations commerciales au XI ème siècle d’après ELBAKRI, in Hes. Ta, Vol X fax 1-2 -1969, p 27 et ce qui suit, M. Delafousse ,les Relation du Maroc avec le soudan a travers les âges », in Hes. Vol 4, 1924, pp 153-174.   
مولاي هاشم القاسمي، مجتمع المغرب الأقصى في منتصف ق4هـ/ق10م، الدار البيضاء 1995م، ص359. وما بعدها. عز الدين أحمد عمر موسى، النشاط الاقتصادي في المغرب الإسلامي خلال القرن6هـ، ط1، دار الشروق1983م، ص305. وما بعدها، عبد الإله بنمليح، إفريقية الزيرية وعلاقاتها السياسية بدول جنوب حوض البحر المتوسط والأندلس، رسالة د.د.ع مرقونة، كلية الآداب، وجدة ص304. وما بعدها، -الناني ولد الحسين، صحراء الملثمين وعلاقاتها بشمال وغرب إفريقيا من منتصف ق 2هـ 8م إلى نهاية ق 5 هـ/11م رسالة دكتوراه مرقونة، كلية الآداب الرباط، الجزء 2، ص. 386 وما بعدها، حسن حافظي علوي، سجلماسة وإقليمها في ق 8هـ/14م، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1،1987، ص346. وما بعدها.
2 - ابن حوقل: والإدريسي وابن عبد ربه الحفيد.
3 - حول الطرق الرومانية في الشمال الإفريقي يرجع إلى:  R. Chevalier , Les voies Romains, Librairie Armand colin Paris, 1972 p 167 et ce qui suit. بيير سلامة، الصحراء في التاريخ القديم، ضمن تاريخ إفريقيا العام، اليونسكو- تورنيو 1985م، المجلد 2، ص. 528 وما بعدها ومولاي هاشم القاسمي، م. س، ص364. وما بعدها.
4- مولاي هاشم القاسمي، م.س، ص365. ب -واي انداه، غرب إفريقيا قبل 7م، تاريخ إفريقيا العام، م ج2، ص633. ب سلامة، تاريخ إفريقيا، م ج 2، ص542.
5 - مولاي هاشم القاسمي، م. س، ص. 365، وص371.
6 - نفسه.
7 - البكري، المغرب في ذكر بلادإفريقيا و المغرب، تقديم وتحقيقM.G.Deslane، د.ت، ص81. وما بعدها.
8 - اهتم نعيم زكي فهمي بالبحث في الطرق التجارية الرابطة بين الشرق والغرب في الفترة الوسيطية وعقد للطرق البحرية جزءا من دراسته إلا أنه لم يخص بلاد المغرب بأي حديث عن الطرق البرية. كما أنه لم يتعرض لموانئ المغرب ولا للطرق البحرية المعروفة التي كانت تربط بين بلاد المغرب وأوروبا والأندلس: طرق التجارة الدولية ومحطاتها بين الشرق والغرب أواخر العصور الوسطى، القاهرة 1973، ص.117 وما بعدها.
9- Ch. Picard, L’Océan atlantique musulman de la conquet arabe à l époque Ahmohade,Paris,1999, p 408.
10- ابن جبير: رحلة ابن جبير، مقدمة مصطفى زيادة، د.ت، ص41.
11- ابن رشيد السبتي رحلة ابن رشيد السبتي، تحقيق أحمد حدادي، رسالة مرقونة بمكتبة المجلس العلمي بمدينة وجدة، السفر2، ص230.
12- أبو بكر بن عبد الدين العربي المعافري الإشبيلي، قانون التأويل، تح، محمد السليماني ط2، دار الغرب الإسلامي،1990م، بيروت، ص79. وحول المحطات التي كانت تشكل هذا المحور حسب قول ابن العربي "فكان أول بلدة دخلت مالقة...ثم طفرت من غرناطة.. إلى ألمرية وركبت البحر..فارفأنا إلى بجاية...ثم خرجت عنها... فلقيت بيونة...ودخلنا تونس...ثم دخلت سوسة والمهدية...فلما حان وقت إقلاع المراكب في البحر إلى ديار الحجاز، اعتزمنا فركبنا..وانتهينا بعد خطب طويل إلى بيوت بني كعب من سليم..وسرنا حتى انتهينا إلى ديار مصر...ثم رحلنا عن ديار مصر إلى الشام...فدخلنا الأرض المقدسة وبلغنا المسجد الأقصى...ودخلنا البحر في الحين إلى عكا وأنجدنا إلى طبرية وحوران وصمدنا دمشق...ثم خرجنا إلى العراق..حتى بلغنا بغداد.." ص79-109.
13 - حسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام، القاهرة، د.ت، ص296.
14 - مولاي هاشم القاسمي: م. س، ص379-380.
15- جواتياين: دراسات في التاريخ الإسلامي والنظم الإسلامية، ترجمة عطية القوي، ط1، الكويت1971م، ص2. عز الدين أحمد موسى، النشاط..، م. س، ص321. بنمليح، م. س، ص370. وما بعدها.
16 - نموذج رحلة ابن العربي: قانون..، م. س، ص79-100.
17 - رحلة ابن جبير: م. س، ص56-57.
18 - أحمد عز الدين موسى: النشاط..، م. س، ص321-322.
19 - ابن جبير: م. س، ص43.
20 - عز الدين أحمد موسى: م. س، ص321.
21- مولاي هاشم القاسمي م. س، ج1، ص381.
 22- مصطفى نشاط، جنوة وبلاد المغرب من سنة 609إلى759هـ/1212-1358م، رسالة مرقونة بكلية الآداب وجدة، ص. 208-209.
23 - نعيم زكي فهي، م. س، ص. 184، مصطفى نشاط، م. س، ص. 208.
24 - فهذه الوضعية الجغرافية مكنت بني غانية من ربط علاقات قوية مع بجاية.
25 - زكي فهمي، م. س، ص. 182، مصطفى نشاط، م. س، ص209.
26 - زكي فهمي، نفسه، ص. 179.
 27- حول علاقة المرابطين والموحدين بالنورماند يرجع لدراستنا، النشاط البحري في العصرين المرابطي والموحدي، رسالة مرقونة بكلية الآداب وجدة، ص.208.209و225.220.
28 - البكري، م. س، ص. 10.
29 - نفسه، ص. 36.
30 - البكري، م.س، ص. 20. كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار، تحقيق سعد زغلول عبد الحميد، الدار البيضاء.1985م، ص. 116 -117.
31 - الغبريني، عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، تحقيق عادل نويهض، ط2، بيروي1979م، ترجمة رقم 4، ص. 46.
32 - ابن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرب بروض القرطاس..، دار المنصور للطباعة، الرباط. 1972م، ص.2. الحميري، الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس، ط2، 1984، ص. 567-568
33- ابن عذاري المراكشي، البيان..، القسم الخاص بالموحدين، تحقيق جماعة، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1985 ص. 204، القرطاس، م. س، ص. 234.
34- الإدريسي، المغرب العربي من كتاب نزهة المشتاق، حققه ونقله إلى العربية محمد حاج صادق، O.P.U بلجيكا، 1983م، ص. 181.
35- نفسه.
36- الإدريسي، م. س. ص.581، البكري، م. س، ص.97. ابن عذاري، البيان المغرب..، ج 1تحقيق ج.كولان وليفي بروفنصال، ط2، دار الثقافة، بيروت 1980م، ص.175.
37- أفلاطون يسمي هذ البحر المحيط نسبة للملك أطلس والذي كان آسمه يطلق كذلك على جزيرة Atlantide وهناك من يرى أن الرعايا الأطلسيين وجبل أطلس المرتفع ينتسبان للملك أطلس ملك هذه البلاد، وبالإضافة إلى هذا فإن المحيط الأطلسي كان يسمى تارة بالبحر الكبير أو البحر الخارجي أو بحر الظلمات "La mer des ténèbres" هذه التسميات مأخوذة عن محمد مجذوب، " البحر في المغرب القديم"، مقال سابق، ص147-148.
38 - الإدريسي، م. س، ص.179.
39 - ب.سلامة، م. س، ج2، ص.528.
40 -R. Mauny," La navigation sur les côtes des Sahara pendant l’antiquité", in R.E.A, N°1-2, 1955 , p99.
41 - محمد مجدوب، "البحر في المغرب القديم"، ندوة البحر في تاريخ المغرب، نشر جامعة الحسن الثاني، سلسلة ندوات رقم7، سنة 1999م، ص156-157.
42 - البكري، م. س، ص86-87-113-153-154.
43- الاستبصار، م. س، ص. 141، ابن الزيات التادلي، التشوف إلى رجال التصوف..، تحقيق أحمد توفيق، ط1، منشورات كلية الآداب الرباط، جامعة محمد الخامس،  -----------------
*************1984..، ص.189. 361، ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة..، تحقيق عبد الهادي التازي، ط1، دار الغرب الإسلامي، 1987، ص. 173، محمد زنبير، المغرب في العصر الوسيط، ط1، نشر كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، 1999، ص. 355. Ch picard , l’Océan…, op cit, p 59..
44 - التشوف، م. س، ص189 و 196.
45 - القرطاس، م. س، ص209.
46- Ch Picard, L’Océan.. , p 419

هناك 3 تعليقات:

  1. ارجو من سيدي الكريم رفع مراجع عن التجارة في المغرب الاقصى في العصر الوسيط خاصة كتاب جنوة ولاد المغرب لصاحبه مصطفى نشاط

    ردحذف
  2. ارجو من سيدي الكريم رفع رسالة النشاط التجاري في المغرب الاقصى لمصطفى نشاط جازاكم الله خيرا

    ردحذف
  3. ارجو من سيدي الكريم رفع رسالة التجارة و التجار في المغرب الوسيط احتاجها كثيرا شكرا على مساهمتكم

    ردحذف