الخميس، 26 يوليو 2012

فن الطغيان في بلاد اليونان، (مقتطفات من تأليف أرسطو)، ترجمة وإعداد: المصطفى مولاي رشيد، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2012.


 fen toghyan

















يندرج كتاب فن الطغيان في بلاد اليونان ضمن سلسلة المؤلفات المهتمة بحقل الترجمة؛ فهذا المجال المعرفي الهام هو من المجالات التي تيسر –لا محالة- للقارئ العربي فهم الآخر، وبالتالي تتيح له إمكانية التواصل مع فكره وإدراك حقيقة تراثه. صدر الكتاب في مستهل سنة 2012م عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، في حلة أنيقة، من الحجم المتوسط، ويتكون من 111 صفحة.
يكتسي مؤلف فن الطغيان في بلاد اليونان أهميته لكونه يؤرخ لمرحلة دقيقة من تاريخ بلاد اليونان شهدت ظهور نوع خاص من التنظيم السياسي ممثلاً في النظام الطغياني الذي ساد أواخر القرن السابع وطيلة القرن السادس قبل الميلاد سواء ببلاد الإغريق القارية أو البحرية، كنتيجة للتحولات العامة التي مست حواضر العالم الإغريقي. استقى المصطفى مولاي رشيد كتابه من ترجمته لبعض نصوص الفيلسوف الإغريقي المشهور أرسطو(384-322ق.م)، وهذه النصوص اقتطفت من ثلاثة من مؤلفاته هي: في السياسة، البلاغة، دستور أثينا. وقد أورد تسمياتها في المتن باختزال وضحه (ص.10) كالتالي: س/ب/د.أ. واستهل المترجم التأليف بتقديم (ص.7-9) شرح فيه موضوعه، كما توقف عند مختلف الألفاظ الواردة في العنوان، ومنها الألفاظ التالية:
-         فن (فن الطغيان) "لأن الطغيان" بمنهجه الخاص أنتج نظاماً وتصرفاً جديداً "، (ص.8-9).
-         طغيان – الدلالات: "تركز السلط بيد شخص واحد "، (ص.7-8 ).
-         مجالات انتشار الطغيان: "ببلاد الإغريق القارية والبحرية" (ص.7).
-         العوامل المساعدة أو ما سماه المترجم بالظرفية العامة: "التحولات التي شهدتها حواضر العالم اليوناني أواخر القرن السابع وطيلة القرن السادس"، (ص.7-8).
-         تعريف الأشخاص الذين نعتوا بالطغاة: "هم الأشخاص الذين وصلوا إلى سدة الحكم بطرق غير مشروعة (بالحيلة أو بالعنف). ناهز عددهم المائتين كما هو وارد في كتابات القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد"(ص.8).
لقد اقتصر المصطفى مولاي رشيد على مؤلفات الفيلسوف أرسطو واعتبرها مصدره الأساسي ليس لترجمة النصوص الأرسطية التي تدور حول موضوعه هذا فحسب، بل التقديم لها والتمهيد لكل محور، والعنونة لمباحثه والتنسيق بين مضامينها، ووضع الهوامش، والختم العام ثم الفهرسة. وزع المترجم النصوص الأرسطية حسب مضامينها إلى تسعة محاور كبرى، هي على النحو التالي:
1-                 حول أسس الفن السياسي
2-                 الطغيانية والأنظمة السياسية الأخرى
3-                 نشأة الطغيانيات
4-                 مقاربة الطغيانيات
5-                 أهداف وممارسات الطغيانية
6-                 الطاغية والفئات الإجتماعية
7-                 الطغيانية – الحياة الخاصة – تدبير الشأن العام؟
8-                 الطغيانية الآثينية خلال عصر بزاسطراط
9-                 قصر عمر الطغيانية

1-                حول أسس الفن السياسي (ص.13-23).
يتضمن هذا المحور 20 نصاً أرسطياً تهم مفهوم السياسة (فهو علم المنفعة العامة، وبذلك فهو أسمى العلوم والفنون) عند الدستور أو البوليتيا (فالدستور هو السلطة العليا)، وتقسيماته ثلاثية وأمثله، أي: أفضله (هو الدستور الذي يضمن للمواطنين أفضل عيش)، وتوقفت النصوص عند سبل حفظه (إدراك المقاصد من طرف رجل دولة حقيقي/ تجنب أن تصير الوظائف العمومية مصدراً للأرباح). تشير النصوص الأرسطية كذلك إلى أثر العوامل البيئية على الشعوب (منها الشعوب السيدة، ومنها الشعوب المسودة)، ولهيكلة الشرائح الاجتماعية ببلاد اليونان (سماها المترجم طبقات، وهي مشكلة من ثلاثية ممثلة في النبلاء والطبقة المتوسطة والفقراء وهم الذين يشكلون المواطنين، ناهيك عن العبيد)، واستعراض مختلف تمفصلات هذه الطبقات، وأدوارها ومكانتها. ثم ترصد مختلف الخصال الواجب توفرها في رجل الدولة (الإخلاص للدستور/ القدرة على الإدارة/ الفضيلة والاستقامة)، ويدور النص الأخير حول عامل التغيير المفيد الذي لا يمس فقط الفنون والقدرات كالطب مثلاً، بل يشمل كذلك السياسة.
2-                الطغيانية والأنظمة السياسية الأخرى (ص.27-31)
يحتوي هذا المحور على 13 نصاً أرسطياً تعرف بمهام الملك وأدوار الملكية، ومنها ملكية اسبرطة التي تمتعت بالحكم المطلق في المجالين الحربي والديني فحسب. أما بالنسبة للحكم الفردي الذي يسود فيه فرد واحد على جميع الأمور، فإذا خضع هذا الفرد لنظام معين، فهو قد سلك نظام الملكية، ومن لا تحكمه حدود فقد اتبع نظام الطغيانية.
3-                نشأة الطغيانيات (ص.35-37)
يشتمل هذا المحور على 5 نصوص أرسطية تبين انحدار الطغاة من الديماغوجيين المنتمين لأوساط عسكرية الذين اكتسبوا ثقة الشعب من جهة، ومن جهة ثانية من الأوليغارشيين الذين تملكوا مناصب سامية ومارسوها لآماد طويلة.
4-                الطغيانية – مقاربات (ص.41-43)
يضم المحور الرابع 9 نصوص أرسطية تدور حول موضوع الطغيانية التي ميزها المترجم إلى طغيانية عادية وطغيانية قصوى. تبين النصوص المدرجة ضمن هذا المحور بأن الطغيانية تستمد من الأوليغارشية الاهتمام بالثروة، ومن الديموقراطيات محاربة النبلاء سراً وعلانية. وتبلغ الطغيانية أقصى درجاتها عندما لا يميز الحاكم عند ممارسته لسلطته بين المواطنين سواء كانوا متساوين أو متفوقين؛ لأنه لا تهمه إلا مصلحته الشخصية.
5-                أهداف وممارسات الطغيانية (ص.47-53).
يتضمن هذا المحور 14 نصاً أرسطياً تم تمييزها وفق موضوعاتها إلى مبحثين، أولها خاص بالأهداف، والثاني متعلق بممارسات الطاغية. بالنسبة للأهداف يسعى الطاغية، حسب أرسطو، لتحقيق أهداف ثلاثة تتمثل فيما يلي: إهانة كرامة رعاياه – زرع الاحتراس فيما بينهم – إبعادهم عن الاشتغال بالشؤون العمومية. تتنوع أيضاً ممارساته كأن يتحلى بنصف الفضيلة، ويتجنب أصحاب الانفعالات السريعة، ويحدث الحروب لشغل رعاياه، بل يثير بينهم الخلافات، ويكثر المنصتين (الجاسوسية)، ويسعى لإفقار رعاياه بجعلهم ينهمكون في الأشغال اليومية؛ لكي لا يبقى لهم وقت فارغ للتآمر. ويبيد المواطنين الذين يرتفعون إلى أعلى وكذا المفكرين المرموقين. يمنع الطاغية وجبات الأكل العمومية والجمعيات والأندية الثقافية، وكل ما من شأنه نسج التعارف بين الأفراد الذي "يصون الثقة المتبادلة فيما بينهم"(ص.53).
6-                الطاغية والفئات الاجتماعية (57-60)
يشتمل هذا المحور على 7 نصوص أرسطية توضح السلوكات المتبعة من لدن الطاغية إزاء كل فئة اجتماعية على حدة سواء كانوا أصحاب النفوذ أو من الخيرين أو المستحقين للمكافآت أو المرشحين للمناصب الشرفية أو المتملقين أو الفلاحين، وكذلك النساء والعبيد. فهو يحد من تسلط أصحاب النفوذ ويعتبر الخيرين مدمرين لسلطته، ويحرص على توزيع المكافآت بنفسه على مستحقيها، ويعمم الامتيازات. وهو في حاجة للمتملقين لأنه يحبذ أن يكون موضوع تزلف، بل يسعد الفلاحون وكذا النساء والعبيد في العيش تحت ظله، لأنه لا يسلب الفلاحين أملاكهم، ويترك للنساء السلطة المطلقة في البيوتات، وللعبيد حرية العصيان ضد الأسياد.
7-                الطاغية/ الحياة الخاصة/ تدبير الشأن العام (ص.63-67)
 يضم هذا المحور 10 نصوص أرسطية توضح من جهة تصرفات الطاغية، ومن جهة ثانية كيفية تدبيره للشأن العام. يعرف الطاغية باستسلامه للملذات وتركه الحبل على الغارب بالنسبة للعبيد والنساء والأطفال، بل لا يكترث بأسلوب عيش المواطنين، ويجعلهم يعمهون في الفوضى. يقرب له الأجانب عوض مواطنيه لأنه يحس بأنهم لا يضمرون له أية معارضة، ويمقت أصحاب الفضائل، في حين يلزمه أن يكون مفعماً بالكرامة ويقوي قيمته العسكرية ليسند لنفسه صيتاً في هذا الميدان.
وفي مجال الشأن العام، يمكن للطاغية أن يفرض ضرائب، ويتظاهر بالحرص على تدبير المال العام كما لو تعلق الأمر بأموال ليست في ملكه ولكن في ملك العموم. يسعى الطاغية لإفقار رعاياه بجعلهم يسددون نفقات حرسه الخالص أو بالانشغال بالأعباء اليومية متفادياً بذلك تملكهم لأوقات الفراغ التي تدفعهم للتآمر ضده. لقد قدم المترجم نصوصاً لأرسطو ممثلة لهذا الشأن، معتبراً على سبيل الذكر الأهرامات كأحد مظاهر إفقار الشعب بمصر الفرعونية. بَيَّن النصان الأخيران الأرسطيان اللذان تضمنهما هذا المحور –فضلاً عما ذكر- أن الطاغية يسعى لتجهيز وتجميل المدن، ويظهر بمظهر المتدين، ولكن بدون مغالاة هوجاء.
8-                الطغيانيات الأثينية، عهد بزسطراط نموذجاً (ص.71-78)
يتشكل هذا المحور من 11 نصاً أرسطياً حاول من خلالها المترجم تتبع نشأة الطغيانية. إذ تقف النصوص عند إصلاحات المشرع الإغريقي صولون ومآل الأوضاع بأثينا بعده، وكيف تحول بزسطراط أحد أتباعه من حاكم معتدل إلى طاغية. وتوقف عند بعض تصرفاته، ومنها رفضه مساءلة الأثينيين له في الشأن العام، ومآل الطغيانية بعده.
9-                قصر عمر الطغيانيات (ص.81-82)
يتشكل هذا المحور من نصين أرسطيين يبينان أسباب انهيار الطغيانية ومددها القصيرة. فعلى رأس عوامل فشل الطغيانيات استسلام من يرثونها للترف وسقوطهم السهل بين يدي مهاجميهم. كما أن الأمثلة العديدة للطغيانيات التي عمرت، لم تتجاوز مدة بقائها في دفة الحكم قرناً من الزمن (طغيانية أرثاغوراس بمدينة سيكيون)، وعمرت طوال هذه الفترة بفضل اعتدالها.
أنهى المصطفى مولاي رشيد الكتاب بخاتمة عامة هامة (ص.85-87)، عرض فيها لمسار الطغيانية وأسباب انبثاقها ببلاد الإغريق ورفض الطاغية للقانون والتنظيمات المؤسسة للحياة المشتركة، وبالتالي اقترافه لمخالفة اجتماعية، بل بشرية على حد اعتبار المترجم. وضمن المترجم كتابه نصوصاً إضافية(ص.91-97)، تشتمل على تعاريف للفن والسياسة، ومفاهيم أخرى، منها ما يخص المساواة وعدمها، والملكية والتشريفات وما إلى ذلك، وأدرج لائحة قيمة بالمصادر والمراجع(ص.101-102) التي اعتمد عليها في المتن لتحديد مضامين النصوص المترجمة أو البيبليوغرافيا التي استأنس بها، وهي في معظمها مكتوبة بلغة أجنبية. وقدم لائحة بالعربية والفرنسية تتضمن أسماء الأشخاص والمجموعات البشرية والأماكن المذكورة في الكتاب(ص.105-107). ولم ينس وضع خارطة لبلاد اليونان(ص.109). والأمر بديهي، إذ بحكم تخصص المصطفى مولاي رشيد في الجغرافية التاريخية يقدر الخرائط حق قدرها، ويعتبرها أس التوطين ومجال الرصد الدقيق للمعالم الجغرافية. ويجد القارئ تفصيلاً بمحتوى الكتاب بالصفحة 111.
يتيح كتاب فن الطغيان في بلاد اليونان للمهتمين بالفكر الإغريقي بشكل عام، وللمتخصصين في الفكر السياسي بشكل خاص، وللدارسين للفكر الأرسطي خاصة – التزود بمادة علمية قيمة ممثلة في النصوص الأرسطية التي بلغ عددها حوالي 90 نصاً، ولم يستعمل المؤلف مرتين إلا القليل منها لتوافقها مع محاور مختلفة من كتابه. توفق المترجم في ترجمة أغلب النصوص ترجمة مرنة، بالرغم مما تكتسيه النصوص القديمة من صعوبة لتبسيطها حتى يهون إدراكها. وبما أن الكتاب هدية من المترجم للباحثات والباحثين في التاريخ القديم، فما قراءتي هاته إلا تذكار متواضع باسمي وباسم كل قارئ للكتاب، وهي كذلك عربون تقدير للمصطفى مولاي رشيد الذي نأمل له مزيداً من التألق والتوفيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق