الخميس، 26 يوليو 2012

قراءة في كتاب النضال الجبلي : الأنظمة الجبلية - الجزء الثالث - للمريني العياشي -  بقلم: خاليد فؤاد طحطح

تكمن اهمية هذا المقال في كونه يلقي الضوء على مجموعة من العادات والتقاليد بالبادية المغربية، مما يفتح المجال للاخوة الباحثين من المشرق التعرف على هذه التقاليد، ربما لاول مرة كما انهم سيتعرفون على اسماء للمزروعات وانواع المغروات التي تختلف عن الاسماء في المشرق لتعم الفائدة ، في اطار التنوع الثقافي للدول العربية

خاليد طحطح

في المقدمة يشير الكاتب المريني العياشي إلى أهمية دراسة الاقتصاد باعتباره أساس كل تنظيم اجتماعي ويفصح عن الطريقة التي اتبعها في جمع المعلومات وهي التجوال والاتصال المباشر بسكان المداشر والقرى حتى وصفه البعض بالحمق.

وخلال هذه الاتصالات أشار إلى أهمية الوثائق والمعلومات التي حصل عليها وقد دامت دراسته لها اثنا عشر سنة.

يضم الكتاب مواضيع لها علاقة بالجانب الاقتصادي لمنطقة جبالة كالتنظيم المالي الجماعي ومنظومة الطرق والأنشطة الزراعية والرعوية وكذا التجارة

التنظيم المالي الجماعي – الخزين

كان تنظيما فريدا من نوعه، فلكل مدشر مكان بالمسجد يسمى الخزين يدخر فيه أهل المدشر كل أنواع الحبوب والزيوت والنقود والبارود لوقت الحاجة: ( تكاليف حرب / أجور الأئمة/ دفع الضرائب/ إصلاح الطرق/ الآبار .).

وتتعدد طرق تمويل الخزين ، لكنها جميعا ناشئة عن الإحساس بأهمية العمل الجماعي من طرف أفراد المدشر كل حسب طاقته ومن موارد هذا الخزين – مردود توازة- وتوازة تطلق على كل عمل جماعي تعاوني .

وقد جعلت الجماعة تمليك عقاراتها لمؤسسة المسجد ، وكانت الجماعة تنتخب شخصا تسند له مهمة الإشراف والموازنة يكنى المقدم له حق التصرف بيعا وشراء في لوازم المسجد فهو أمين مال القرية، لكن لا يطلق له العنان، بل لا بد له من مشورة مجلس الجماعة والتصرف وفق قراراتها .

وتنتهي مهمة المقدم بانتهاء السنة الفلاحية فيقدم التقرير الشامل ويحاسب محاسبة دقيقة ثم يعاد ترشيحه أو غيره وهكذا .

في بداية الموسم الفلاحي تذهب الجماعة بجميع أفرادها لحرث أرض توازة بما توفر لهم من الوسائل ويدشنون عملهم بإخراج قدر من الحبوب من القراب وزرعه فيما يعرف بمطيرة الولي ، والمطيرة قطعة أرضية (10 أمتار طولا و4 أمتار عرضا) تنسب إما لأحد الأولياء أو المسجد ، وهذه العادة تكرر سنويا، والهدف منها تقوية المردود والمحصول ودعم توازة حتى لا يصاب الخزين بالعجز.

أثناء العمل بتوازة يتكلف المقدم بتهيئة طعام الغذاء الذي يتناوله الجميع، ثم يعودون للعمل حتى مغيب الشمس ، وبعد صلاة العشاء يجتمعون لتناول الطعام وترتيل الامداح، وذلك مدة 3 أيام .

وفي فصل الربيع تخرج نساء القبيلة لتنقية زرع توازة، ويتبارون بالتزيين والحلي ويقضين النهار كله في التنقية وترديد الأهازيج الشعبية ، وتختم عملية التنقية بلعبة الخيل المسماة بماطة التي يشارك فيها الشبان بفرسانهم، وهذه العادة تمارس ببعض القبائل التي تلائم تضاريسها ذلك،

في الصيف تستعد الجماعة لحصد توازة وجمع المحصول بطريقة منظمة (تقسيم العمل الحصاد- النقل- الدرس) وتدوم العملية يومين أو ثلاث.

وتختم عمليات الحصاد بوضع تمثيلية هزلية يشارك فيها الفلاحون والفلاحات، وتنتهي عمليات الحصاد بذبح عدد من رؤؤس الماعز أو بقرة أو ثور وتقسم على الجميع وما تبقى يهيأ به طعام يأكل بالمسجد بعد صلاة العشاء .

بعد انتهاء أشغال توازة يحصي المقدم بشكل دقيق هذه المداخل .

 ومن الموارد الأخرى للخزين

- مداخيل أرض المسجد

- مداخيل كراء رحى الزيت بقدر معين من الزيت وهذا الكراء يسمى النقص على الرحى وقد يبقى هذا الزيت أعواما في المسجد ليصبح ترياقا للتسمم يباع بثمن مرتفع

- زيتون المسجد تتولى شؤونه الجماعة مقابل ثلث كأجرة لعملها

- رحى الماء أو الطاحونة التي تدور بقوة الماء

- قطعان الماشية المنسوبة للزاوية او المسجد، والتي يرجع إليها عند وليمة توازة أو ليلة 27 او فاتح محرما وتسديد ضرائب او غرامات، وفي حال العجز يلجا إلى اكتتاب الصدقة وهو عمل تطوعي يتبارى فيه الناس بكل أنواع المزروعات

- كل الرهن وأنواع البيع للمسجد مما ساهم في توسع الأملاك المخزنية

 ومع كل هذا قد يصاب صندوق الجماعة بالإفلاس لعدة أسباب أهمها:

- نقص المردود نتيجة الجفاف أو الثلج أو الأمطار الطوفانية

- موت الماشية المنسوبة للمسجد بسبب الوباء

- تعرض الخزين للحرق او النهب

- وفي حال حصول ذلك يقوم مجلس الجماعة باعادة النشاط الى الخزين من جديد .

ملاحظات على هذا النظام – نظام الخزين

يلاحظ أنه نظام مالي قائم على التعاون الجماعي لغاية المصلحة العامة ويقوم بخدمات اجتماعية شبيهة بالمؤسسات التعاونية فهي ملاذ للفقراء والأرامل والمحتاجين

هذا التنظيم المالي لا ينطبق عليه لا النظام الرأسمالي ولا النظام الاشتراكي ولكنه نابع من التعاليم الدينية والعبقرية القروية الجبلية

- إن هذا الخزين يعتبر بمثابة مقتصدية فهو يزود السكان بالزيت والحبوب في حالة الانعدام أو النقص.

- تزويد الطلبة بما يحتاجون إليه لمتابعة دراستهم بفاس وتقديم إعانات لطلبة القران الذين يتابعون دراستهم بالجماعة.

للخزين أنشطة متعددة الجوانب غير ان هذا التنظيم بدا يتقلص منذ الحماية إلى ان انتهى نهائيا في بداية الاستقلال؟؟

التنظيم الجماعي القروي : الطرق

 الطريق هو المسلك الذي يسير فيه المارون للبلوغ إلى الهدف المنشود. واهم الطرق القروية:

1- المحج أو طريق السلطان : طريق متسع عام يربط بين القبائل والأسواق والأضرحة ويباح للماشية المرور فيه كمحج المولى عبد السلام بن مشيش.

2- المسرح : متسع في البداية والنهاية وضيق بينهما ، والفائدة من اتساعه ان ماشية القرية عندما تقاد من العريش تجتمع فيه وهذا يتطلب وجود ساحة كبيرة، كما يتحتم على أصحاب الغروس المجاورة تزريبه أو احاطته بسور حتى لا تتلف مزروعاتهم، وإصلاح المسرح وتصفيفه وتسويته من اختصاص الجماعة.

3- طريق الشبكة طريق خاص بمرور البهائم المحملة بالسنابل، وتنتهي مهمته بانتهاء حمل السنابل ويمنع المرور فيه بقية السنة .

4- الطريق الرابط بين قرية وأخرى.

5- طريق الزوجة والدابة وقت الحرث فقط.

6- طريق الساقية : لا يسمح استعماله الا لغرض تفقد القناة والساقية.

7- طريق السوق : لا يستعمل لتسريح الماشية إلا إذا كان متصل بالمحج.

8- طريق الرحى خاص بموسم تعصير الزيتون.

9- الطريق إلى البيدر النوادر يستغل خلال وقت الدرس وخزن الحبوب والتبن .

10- الطريق إلى الزيتون أو الشجرة أو البرتقالة.

11- الطريق إلى الغرسة أو الدمنة أو مكان الاستبراد.

12- طريق الهودج (العمارية) أو طريق الجنازة.

13- الطريق الخاص بجلب الحطب والفلين والأخشاب.

14- طريق الحضا يستخدم في فصل الربيع للصناعة المازوزية .

15- المورود أو المرفق يربط القرية بالمسرح وعلى جانبيه توجد المنازل.

16- الطريق إلى المسجد يمنع على الماشية.

17- الطريق الى المقبرة او الولي غالبا ما يكون متصلا بالمورد او المسرح وهو

طريق حمل الجنائز وزيارة الاولياء.

18- الطريق لجلب التراب الخاص بالتبييض .

هذه الطرق لها أهمية اقتصادية مهمة، لذلك أولتها الجماعة العناية الخاصة وحافظت عليها بعدة قوانين عرفية موثقة ذات صبغة قانونية ملزمة ، وقد أورد المؤلف وثائق مليئة بالمصطلحات المحلية في عقود البيع والشراء .

أنشطة السكان : الفلاحة

يعتمد الفلاح في ممارسة نشاطه على الأدوات التقليدية العتيقة مما لا يضمن تحسنا في الإنتاج

• المحراث : يصنع من الخشب ويكون ثقيلا.

• الزوجة عبارة عن ثورين أو بغلين أو حمارين أو فرسين مقرونين.

• البذور تكون متنوعة وغير منتقاة.

• التنقية إزالة الأعشاب الطفيلية المضرة بواسطة عتلة صغيرة وغادة ما تقوم بها المرأة يوميا الى نهاية الربيع

• الأسمدة والمخصبات : ان غلاء الأسمدة الصناعية جعلهم يستبدلونها بالأسمدة الطبيعية المكونة من روث الدواب والمعز والغنم(الغبار)، لكنه لا يستعمل إلا في حدود ضيقة فالأغلبية لا تستخدمه لقلته.

العمليات الفلاحية

* التعشيب والإحراق: تتم قبل الحرث والهدف منها تنقية الحقل من الحشائش والنباتات، وبعد ذلك تتم عملية الحرث بالزوجة المقرونة من رأسها، وتسمى الحراثة بالرواسي (المنحدرة والمحجرة) أو من كتفها وتسمى بالبطاني (الأراضي المنبسطة) أو من عنقها وتسمى بالركابي(الجهات الوعرة).

وتسمى الزراعة خلال هذه الفترة بالزراعة البكرية وتضم:

زراعة القمح : تباشر في الأراضي الطينية والصلصالية ولا يزرع في الأراضي الرملية ذات التربة الحمراء لفقرها.

الشعير: يزرع في الأماكن الفقيرة والرملية.

امركيس:خليط من القمح والشعير.

القطاني البكرية: الفول العدس الجلبان

أما القطاني المزوزية: حمص لوبيا والحمص الغليظ الذي يقضي عليه ضباب ماي لكنه يعطي الخصوبة للمزروعات التي تأتي بعده ، فهو مهم بالنسبة للدورة الزراعية الثنائية.

اللوبيا : هي زراعة مسقية تزرع في الأرض المجاورة لساحة الدار تحتاج للغبار والماء تصدر الى المدن القريبة.

الذرة: هي الآن في طريق الاضمحلال، زراعتها صعبة لأنها تمارس في فترة ارتفاع درجة الحرارة، ولابد من مراعاة أحوال الطقس ووقتها _من منزلة النطح والبوطايين والثريا إلى منزلة الدبران_ (الزريعة في الدبران لا ذرة ولا ثيران _ مثل محلي بالمغرب )وإذا سقط المطر على بذورها يعاد زراعتها مرة أخرى ورغم هذا المجهود يبقى المردود ضعيف .:

كرسنة: الهدف من زراعتها تقديمها علفا للبقر.

سلت= شنتين: يزرع في الأراضي الرملية، والغرض من زراعته الحصول على السقف ، وقد أوشك على الانقراض لأسباب عديدة.

اشقالية: كانت منتشرة بشكل واسع، ولا سيما في الأودية والمنخفضات، والهدف منها الحصول على السقف وتقديمها علفا للماشية، وهي في طريق الاندثار للصعوبة التي تلاقيها النساء أثناء تهييئها.

أنواع المزروعات.

الزراعة البورية : او الزراعة البعلية وهي الزراعة التي تعتمد على سقوط الإمطار .

الزراعة المسقية : هي التي تعتمد على السقي ووقتها الربيع وأوائل الصيف.

الزراعة البستانية: مزروعات ربيعية وصيفية وخريفية _الجزر، اللفت، الباذنجان، الكرنب،

القرعة ، البصل الطماطم..._ويتحدث عن صعوباتها _المواصلات والمناخ_

الزراعة العيشية: يقصد بها الحصول على الحبوب لسد حاجيات السكان.

الزراعة الكثيفة: تتميز باستخدام عدد كبير من العمال ومقادير كبيرة من رؤؤس الأموال بالنسبة لمساحة الارض وبكونها تترك الأرض تستريح.

الدورة الزراعية: يتبعون الزراعة الثنائية التي تتناوب فيها المزروعات البكرية والمازوززية

خصوصا بين الذرة والحمص من جهة والقمح والشعير وامركيس من جهة أخرى.

أنواع الشركات الفلاحية .

وعددها الكاتب جميعا، وأهمها الشركة بالمناصفة، والشركة بالخبرة، والشركة بالربع أو الخمس، والشركة بالتناوب، واستغلال الأرض بالكراء وخصوصا الحبسية ، وإعطاء الأرض بالمغارسة، وغيرها، وتعين الجماعة شخصا خبيرا للنظر في الشؤون الفلاحية وأنواع المنازعات ويسمى شيخ الفلاحة، كما يعين مثله على قضايا الماشية ويسمى شيخ الكسابة.

وقد أورد المؤلف جميع أنواع الماشية الموجودة بالمنطقة مفصلة في جدول (المعز والبقر

- الغنم- الفرسان، الدواب- الإبل ) مبينا أهميتها الاقتصادية.

كما تطرق المؤلف إلى نموذج طلب الغيث عند قبيلة بني عروس موردا طقوسها بتفصيل، كما تحدث عن المميزات الفلاحية لمنطقة بوحلو الموجودة بقبيلة بني يوسف، وما تعرفه من ازدهار في الإنتاج (خصوصا في مجال الزيتون والتين والكروم).

التنظيم الجبلي الحضا .

النموذج اختاره المؤلف من قبيلة بني عروس بشمال المغرب وهي منطقة توجد بين تطوان وشفشاون.

الحضا : مأخوذ من الحضية ، وهو المشي رويدا، ومنه الرعي رويدا رويدا ، وفي الاصطلاح اقتطاع ارض وتخصيصها للرعي الجماعي المنظم .

وقد تحدث عن طريقة تكوين الحضا ، فالجماعة تختار أرضا تكون عادة مشهورة بالإنبات الجيد للحشائش، وتزرب بعلامات أو قصب، وتحرم على الماشية إلى ان يقرر رفع الحرج

ويعين حارس للحضا يسمى الحضاي تعينه الجماعة ويتوفر على شروط محددة وتعطى له أجرة على شكل حبوب أو نقود.

 إن كتاب النضال الجبلي للأستاذ العياشي المريني، من الكتب التي أعطت أهمية كبرى للتاريخ الاجتماعي للمنطقة الشمالية المغربية، وخصوصا العادات والتقاليد بمنطقة جبالة، التي بدأت تندثر رويدا رويدا، وهو بهذا المجهود قد استطاع الحفاظ على جزء كبير من التراث الحضاري لهذه المنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق