الاثنين، 2 يوليو 2012

طرز الفن الإسلامي في بلاد المغرب والأندلس

  دعوة الحق
30 العدد
للفــن الإسلامي في بلاد المغرب والأندلس طرز أربعة لكل منها معالمه الخاصة ومميزاته الواضحة وهذه الطرز هي:

أولا: الطراز المغربيوهو الفن الذي قام به البربر في ظل الإسلام سواء كان هذا في تونس أو الجزائر أو المغرب الأقصى (مراكش) فيما بين سنتي (27-479هـ) 647-1086م) أي منذ أول اصطدام بين العرب والروم في سبيطلة وهوالفتح الأول لتونس على يد عبدالله بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان حتى موقعة الزلافة وبداية ضم الأندلس للمغرب على يد المرابطين.

ثانيا: الطراز الأندلسيوهو الطراز الذي قام به المسلمون في الأندلس فيما بين سنتي (92-479) (710-1086م) أي منذ أن فتحها جيش موسى بن نصير حاكم بلاد المغرب بقيادة طارق بن زياد في خلافة الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي، حتى موقعة الزلاقة وبداية ضم الأندلس الى المغرب على يد المرابطين.

ثالثا: الطراز الأندلسي المغربيوهو مزيج من فن المغاربة والأندلسيين ويشمل الفنون الإسلامية التي ازدهرت في الأندلس ومراكش والجزائر وتونس فيما بين (479-898هـ) (1086-1492م) فان ضم المرابطين للأندلس سهل على الفن الأندلسي أن ينفذ إلى المغرب وأن يؤثر فيه، كما أن اتساع فتوح الموحدين قد أخضع الفن الأندلسي المغربي لمؤثرات جديدة أتته من القيروان وقلعة بني حماد التي نلحظ في فنها التأثيرات العراقية والمصرية، وقد عاش الطراز الأندلسي المغربي حتى سقوط بني الاحمر في غرناطة وذهاب ملك المسلمين في الأندلس.

رابعا: طراز المدجنين
هو فن المدجنين، وهم المسلمون الدين عاشوا تحت حكم المسيحيين، وقد نشأ  هذا الطراز في طليطلة وانتشر في كافة أنحاء اسبانيا في زخرفة الكنائس والدور وغيرها.
الطـراز المغــربي
ونستطيع الآن أن نتناول الموضوع الأول وهو: الطراز المغربي، ونعني بهذا الطراز، طراز الفن الإسلامي الذي ازدهر في بلاد المغرب، وقبل أن نمضي في عرضنا لهذا الطراز كما يتجلى لنا من التحف التي وصلت الينا، ينبغي أن نقف قليلا لنعرف أولا ما هو المقصود بالضبط ببلاد المغرب ثم نستعرض في إيجاز تاريخ هذه البلاد في العصور الوسطى الذي ازدهر فيها الفن الإسلامي.
مدخـل تاريــخي
ان بلاد المغرب هي البلاد الواقعة بشمال قارة افريقيا اذا استثنيا مصر، ولفظ افريقيا تحريف من اثكلمة اللاتينية AFRICA التي أطلقها الرومان على الاقليم الذي سيطروا عليه بعد تخريبهم قرطاجنة (ومعناها المدينة الجديدة) (264 ق.م) ومحلها الآن مدينة تونس، ثم انصرفت هذه الكلمة للدلالة على بلاد البربر أولا، ثم على جميع القارة فيما بعد. وقد اختلف مؤرخو وجغرافيو العرب في تحديد معنى (افريقيا).
ويكفي أن نشير الى بحث كلمة (افريقيا) بدائرة المعارف الاسلامي وان نعرف الآن ان افريقيا كانت تطلق عند العرب على الاقليم الذي يسمى الآن (طرابلس وتونس) وكانت عاصمته القيروان، ويعرف كذلك بالمغرب الأدنى، وانه وبلاد الجزائر أو المغرب الاوسط، ومراكش أو المغرب الاقصى، تكون معا وحدة جغرافية قائمة بذاتها تسمى بلاد المغرب، وان الصحراء الشاسعة التي تفصلها عن غيرها في الشرق والجنوب، والبحر في الشمال والغرب، جعلها في عزلة عن غيرها، ولكن انعزالها هذا لم يمنع التوسع العربي، وانما جعل للمغرب طابعه الخاص، ولهذا فقد كانت مظاهر الحضارة فيه أكثر محافظة وتمسكا بالقديم مع اتصالها بالشرق، حيث نستطيع أن ننقل حدها الشرقي الى الإسكندرية التي هي باب المغرب.
وقد كانت هذه البلاد قبل الفتح العربي خاضعة للدولة الرومانية، وما كاد يستقر الامر لعمرو بن العاص في مصر حتى دفعته همته الى السير غربا ليقضي على سلطان الروم في بلاد المغرب، ويؤمن بذلك حدود مصر الغربية.
وقد تم الفتح على دفعات متقطعة لا دفعة واحدة كما حدث في سوريا مثلا،  واستلزم الامر اتخاذ قواعد على حدود مصر، ولهذا طال دور الفتح وكان بطيئا، ولقد كان قتال العرب مع البربر والروم قتالا شاقا استغرق نحو نصف قرن تناوب فيه النصر بين الفريقين، وكان أول ذلك غزو عمرو بن العاص لبرقة وطرابلس عام 21 للهجرة في خلافة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب، يقول صاحب الاستقصا "فكان عمرو بن العاص أول أمير للمسلمين وطئت خيله أرض المغرب، لكنه لم يصل الى افريقيا ولا كان منه الببابر اسلام". ثم كان غزو عبد الله بن سعد بن أبي سرح لطرابلس وافريقية عام 26 للهجرة في خلافة أمير المؤمنين عثمان ابن عفان.
ثم جاء دور بني أمية وهم الذين رتبوا هذا الفتح ونظموه، فكانت غزوة معاوية بن خديج في خلافة معاوية ابن أبي سفيان عام 45 للهجرة والثانية غزوة (القيروان) على يد عقبة بن نافع الفهري سنة 50 للهجرة (670م) ويصفها ليفي بروفنسال بأنها الغزوة التي ارتكز عليها الفتح، وذلك انه حين بلغ المغرب اتخذ بها قاعدة سماها (القيروان) ومعناها المعسكر في العربية، وهي تقابل CARAVANNE بالفرنسية، وقيروان، سراي بالتركية قال صاحب قال صاحب الاستقصا: قال صاحب الخلاصة النقية:"اختط عقبة بن نافع القيروان سنة  خمسين وجعل دور سورها اثنى عشر ميلا وبنى بها الجامع الأعظم". والحق أن السلطان العربي ظل مزعزعا في تلك البلاد حتى انتزع حسان بن النعمان عام 74  للهجرة في خلافة عبد الملك بن مروان من البربر والروم، جميع ما يعرف اليوم باسم بلاد تونس، وشيد قرب قرطاجنة قرية صغيرة كبرت فيما بعد وسميت بمدينة تونس واتخذ بها دارا لصناعة الآلات البحرية، ثم استولى  خلفه موسى بن نصير عام 88 للهجرة في خلافة الوليد بن عبد الملك على معظم بلاد المغرب قال ابن خلدون:"غزا موسى بن نصير طنجة وصراء تافيلالت وأرسل ابنه الى السوس" وقد شيد  في هذا الصر مسجد الزيتونة الشهير بتونس  الذي شيده ابن الحبحاب سنة (114هـ).
وفي عهد الدولة العباسية، حكم البلاد سلسلة من الولاة كثرت توليتهم وعزلهم فضاع بذلك عنصر الثبات وساد القلق، فلم يأت القرن الثالث الهجري حتى كانت البلاد مستعدة للاستقلال ن الخلافة.
فظهر في المغرب ثلاثة أقاليم تذكر بالتقسيم الروماني وبالتقسيم الحديث واصبح  تاريخ البلاد منذ ذلك الوقت هو تاريخ الأقاليم الثلاثة في هذه المنطقة عندما نشأت دول ثلاث هي:

أولا: الدولة الادريسية في المغرب الأقصى:أسسها ادريس بن بدالله بن الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم، قال ابن أبي زرع في القرطاس (ان ادريس بن عبد الله لما قتلت عشيرته بفخ (عام 169 هجرية قرب مكة) فر بنفسه متسترا في البلاد يريد المغرب). فر ادريس ابن عبدالله من وجه المهدي الخليفة العباسي وأسس دولة بالمغرب ومد نفوذه حتى تلمسان وبنى بها  مسجدا كتب على منبره "بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به الامام ادريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم وذلك في شهر صفر سنة اربع وسبعين ومائة 174هـ) قال ابن خلدون:(واسم ادريس مخطوط في صفحة المنبر لهذا العهد).
وكان مقره في مدينة وليلي قاعدة جبل زرهون حيث دفن رضي الله عنه وظل قبره محجا للمسلمين في المغرب الى وقتنا هذا.
وفي سنة 192  للهجرة بنيت مدينة فاس وهي تعتبر من أغنى مدن العالم الاسلامي بالآثار المعمارية والفنية. وقد ضعف امر هذه الدولة عندما اصبح ينازعها الملك دولة الفاطميين في تونس والدولة الاموية الغربية في الأندلس.

ثانيا: الدولة الرستمية حول تاهرت بالمغرب الأوسط: وحكامها خوارج جاءوا من فارس وهم بنو رستم الاباضيون وكانوا تابعين لقرطبة من الناحية الاقتصادية وينالون تأييدها السياسي، وانتهت هذه الدولة على يد الفواطم سنة 296هـ.

ثالثا: دولة الاغالبة بافريقية او المغرب الادنى:أولهم ابراهيم بن الأغلب، وكانت من أزهر الأقاليم عمرانا في ذلك الوقت، واسم الدولة يقترن بالقيروان، ففي عصرهم بدأ مسجد القيروان يتخذ زينته الفنية وقد درسه العالم الفذ الدكتور أحمد فكري أستاذ الحضارة الاسلامية في كتابه "المسجد الجامع بالقيروان". وكان لهم غير ذلك مدينتهم الخاصة وهي رقادة (مثل الزهراء ومن رأي في فكرتها). وأسسوا كذلك مدينة تونس وبنوا حصونا جعلوها رباطات على الساحل مثل ثغر سوس وصفاقص فنشأ فن معماري افريقي له صفته الخاصة.
ولقد فوض هارون الرشيد الى ابن الأغلب حكم البلاد والاستقلال بأمرها وتورثها نظير جزية سنوية تبلغ 000 .40 دينار، وأن تصرف الرشيد على هذه الصورة والدولة العباسية في عنفوان قوتها ليكشف عن حسن سياسته نظرا لبعد هذا الأقاليم عن مقر الخلافة وتعذر حكمه حكما حازما.
والذي تحسن الاشارة اليه ان للاغالبة أثرا ملحوظا في الحضارة التي تسود العالم اليوم لا ينبغي أن نجهله فقد عملوا على توسيع أملاكهم فأرسلوا اسطولا عظيما فتحوا به جزر صقلية ومالطة وسردينية، وغزوا به شواطئ فرنسا الجنوبية وشواطئ ايطاليا وحاولوا أن يفتحوا روما، فإذا عرفنا ان هذه الجزر وتلك البلاد هي في الحقيقة جزء منن أوربا، وإذا عرفنا أن أسرة الأغالبة تلك الأسرة المستنيرة كانت تعمل على نشر الحضارة الإسلامية في جميع البقاع التي حكمتها، اذا علمنا كل ذلك استطعنا أن ندرك أهمية هذه الدولة التي كانت همزة الوصل بين المدينة الإسلامية وبين أوربا، كما نثرت في بلاد المغرب بذور تلك الحضارة الرائعة التي تعتبر احدى الأسس القوية التي قامت عليها الحضارة الرائعة التي تعتبر احدى الأسس القوية التي قامت عليها الحضارة الأوربية التي تسود العالم في الوقت الحاضر.
سقطت دولة الأغالبة على ايدي الفاطميين الذي أسسوا مدينة المهدية (بني سوس وصفاقص) سنة 303 للهجرة (906م) في عصر أول خلفائهم عبيد الله المهدي وقد ضم هذا الميناء كما تدل آثاره وأقوال المؤرخين على اسوار وأبواب وقصرين متواجهين ودار لصناعة السفن، ومسجد المهدية هو أول المساجد الفاطمية وقد انتقلت مميزات تلك العمارة كلها إلى عمائر الفاطميين بمصر فكات واجهة للمسجد وبابه البارز هما مبعث الوحي لمهندس مسجد الحاكم بالقاهرة. وقد ظلت المهدية عاصمة لهم حتى حل محلها مدينة صبرة الزاهرة التي عرفت بالمنصورة نسبة الى مؤسسها الخليفة المنصور ثالث خلفاء الفاطميين الذي أنشأها قرب القيروان.
ولكن الفاطميين لم يستمروا في افريقية لأن هدفهم الأصلي كان مصر، وعندما نجحوا في الاستيلاء عليها في خلافة المعز لدين الله رابع الخلفاء الفاطميين تركوا افريقيا والمغرب الأوسط في أيدي حكام من البربر كانوا يدينون لهم بالطاعة فكان بنو زيري في تونس وبنو حماد في الجزائر.
وقد قام الجنرال دي بيلي DE BAYLIE بعمل حفائر في هذه المنطقة، فكشف عن كثير من الآثار الهامة التي ترجع الى القرن الخامس الهجري بقلعة بني حماد(1) وتعد هذه البقعة ثالثة البقاع الهامة  التي اشتغل فيها علماء الآثار (بعد سر من رأى والزهراء). وأهمية هذه البقاع انها هجرت من مؤسسها وظلت اسيرة الجهل رهينة الاهمال حتى كشفت عنها معاول رجال الآثار.
وقد شق بنو زيري وبنو حماد عصا الطاعة على الفاطميين وأعلنوا الخطبة للخليفة العباسي فانتقم منهم الخليفة الفاطمي المستنصر بالله فأطلق عليهم جماعات من أعراب بني هلال الذين كانوا ينزلون في صعيد مصر فعاثوا في تونس فسادا ونشروا الفوضى في كل مكان، وقد صورت حوادثهم هذه في القصة الشعبية المعروفة بقصة "ابو زيد الهلالي"، وظلت هذه الفوضى الى أن خضعت هذه البلاد أخيرا لدولة الموحدين.
وبعد فهذه صورة تاريخية نستطيع أن نسترشد بها كلما تصدينا لدراسة الفن الإسلامي المغربي أو أقدمنا على تحليل احدى روائعه الفنية الثابثة أو المنقولة مما نتعرض له في حديثنا القادم ان شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق