عرض: سجلماسة : - دراسة تاريخية وأثرية -
سجلماسة :
- دراسة تاريخية وأثرية -
- KHADIJA BIHI
- ABDELGHANI AITELFAKR
محاور البحث :
المحور الأول: الإطار التاريخي و الجغرافي.
1.الإطار التاريخي.
2-1. أصل التسمية
2-2. لمحة تاريخية عن المدينة
2. الإطار الجغرافي.
المحور الثاني: الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية بسجلماسة.
1. الأنشطة الإقتصادية:
2-1. الفلاحة
2-2. الصناعة
2-2. التجارة
2. الحياة الإجتماعية.
3 .العنصر السكاني.
المحور الثالث: دراسة عمرانية لمدينة سجلماسة.
_ I المرافق الأساسية.
_ II المرافق الخاصة .
خاتمة
بيبلوغرافيا
تقديم:
تردد كثيرا اسم مدينة سجلماسة في المصادر التاريخية، وهي من أكثر المدن المغربية المندثرة شهرة على الرغم من اختفاء أغلب معالمها و شواهدها التاريخية التي لم يعد طاهرا منها غير بعض البقايا القليلة جدا. سجلماسة المدفونة تحت تراب المواقع الأثرية المجاورة لمدينة الريصاني، يحكي التاريخ الكثير عنها، وعن الأحداث التي مرت بها، وعن المكانة الهامة التي كانت تحتلها حين كانت ثاني مدينة إسلامية تشيد بالمغرب الإسلامي بعد مدينة القيروان، وعاصمة أول إمارة مستقلة عن الخلافة بالمشرق في بلاد المغرب وهي إمارة بني مدرار.
وقد
كانت هده المنطقة ابان الفتوحات الاسلامية من اغنى المناطق في المغرب ودلك
للارباح التي كانت تدره عليها التجارة مع السودان حيث كانت تبادل الافارقة
الملح والتوابل بالعاج والتبر.
لقد
كانت سجلماسة مثال المدينة النموذجية التي قدمت الكثير للحضارة الإسلامية
وساهمت بشكل فعال في بناء الشخصية المغربية المعروف عنها خصال التمسك
بالأصالة مع الانفتاح على الجوانب الإيجابية للحضارات المجاورة. وبالتالي
التحلي بمبادئ التسامح والتواصل مع الآخر وحرية المبادرة والاعتقاد. تجسيدا
للقولة المشهورة لابن خلدون " إن الإجتماع البشري ضروري وهو معنى العمران". وبهذه الجوانب الإيجابية وصلت مدينة سجلماسة إلى أعلى مستويات الرقي والتقدم. وأثرت
بشكل إيجابي على الأقطار المجاورة، إلا أن مصيرها المحتوم كان مرتبط
بتجارة القوافل الصحراوية، مما جعلها أتعس حظاً, لما تحولت هذه التجارة نحو
المحيط الأطلسي، حيث كانت نهايتها المؤلمة. ومع ذلك فإن دورها في التواصل
الثقافي والاجتماعي استمر لعدة قرون أخرى إلى حدود الاحتلال الاستعماري حيث
حاول بكل قواه تقويض هذه العلاقات المتميزة بين سجلماسة والضفة الجنوبية
للصحراء.
لذلك فالتراث العمراني لهذه المدينة يمثل الذاكرة الظاهرة المجسدة للأحداث التاريخية, إذ المكونات المعمارية الشاهد الوحيد الذال على المنجزات الإنسانية. وهو ما يستدعي الإهتمام بهذا "التراث" من كل زواياه, من أجل التدقيق في المعرفة التاريخية وفهم تطور الحضارة السجلماسية العريقة.
المحور الأول: الإطار التاريخي و الجغرافي.
1.الإطار الجغرافي.
الموقعّ:
تقع سجلماسة
في قلب واحة تافيلالت والتي يبلغ أقصى علوها 765متر فوق سطح البحر, وتنخفض
باستمرار في اتجاه الجنوب, تبلغ مساحة الواحة حوالي 300 كلم, وتتخللها بعض
المرتفعات الجبلية مثل "تيغراس" و"الجبيل" وريش هارون. وبالضبط عند التقاء النطاق المعتدل والنطاق الصحراوي "شبه صحراوي", وملتقى الأطلس و"حمادة كثير".
1.الإطار التاريخي.
2-1. أصل التسمية
من
حيث الإسم لم تحظ سجلماسة بأي اشارة أو اهتمام من طرف المؤرخين المشارقة
المشهورين أمثال الطبري, وابن الحكيم والواقدي. وكذلك نفس الشيء ينطبق على
المؤرخين الإغريق والرومان مثل : هيرودوت, وسالوست, وبيلين .
ظهر
هذا الإسم أول مرة عند اليعقوبي الذي ذكر أن سجلماسة كانت تضم قرى تعرف
ببني درعة وهنا يشر ياقوت الحموي" هي مدينة صغيرة في الجنوب المغربي, في
اتجاه بلاد السودان تقع بناحية دون وسط الرمال, يخترقها نهر عظيم". كذلك يضيف البكري,"ليس في قبليها ولا غربيها عمران".
هناك
إشارة لحسن الوزان في كتابه "وصف افريقيا", أن تسمية المدينة جاءت مع قائد
روماني احتل نوميديا بأسرها, ثم زحف شطر الغرب حتى ماسة فبنى المدينة
وسماها سلجوم اخر مدن ماسة والخاتم الذي يسجل نهاية فتوحاته.
2-2. لمحة تاريخية عن المدينة
وإذا
كانت سجلماسة ظلت مستقلة زهاء ثلاثة قرون، ومجالها الطبيعي يمتد على
الأراضي الواقعة ما بين وادي درعة وبين جبال الأطلس، فإنها شهدت أوج قوتها
وازدهارها الاقتصادي حسب أحد الدارسين ما بين القرن 8 هـ و11 هـ.
وإذا رجعنا زمنيا إلى ما قبل فترة الدراسة، نجد أن المدينة تميزت بجاذبيتها واستقرار أعداد من التجار المشارقة فضلا
عن توافد العناصر السودانية، الذين كانوا يشتغلون مع التجار. وكل هذه
المعطيات أهلتها لكي تكون مركزا بشريا مهما يستقطب أعداد من السكان من
مختلف الجنسيات ويقع اندماج اجتماعي بين هذه العناصر، كما حظيت بمكانة
اقتصادية، إذ يروي ابن حوقل أن أهل سجلماسة بلغوا درجة كبيرة من الغنى، من
خلال تعاملاتهم التجارية مع أهل مدينة أودغشت، ويقول:".. وسائر أرباب
المدن دونهم في اليسار وسعة الحال. ولقد رأيت بأودغست صكا فيه ذكر حق
لبعضهم على رجل من تجار أودغست وهو من أهل سجلماسة باثنين وأربعين ألف
دينارا.."
اختلفت
الروايات حول تأسيس "سجلماسة", إلا أن أغلبها أجمع على سنة التأسيس في
(140هـ/757م).من طرف الخوارج الصفرية بزعامة أبي القاسم سمكو, استطاعت
الحفاط على استقلالها رغم الأطماع الخارجية (الفاطمية بإفريقية, والأموية
بالأندلس) رغم النزاعات الداخلية إلى حدود القرن الثامن الهجري, لتدخل بشكل
نهائي تحت سيطرة الحكم المركزي فتوالى على حكمها المرابطون (سنة 450هـ /1045م ولمدة 30 سنة) ثم الموحدون (ما بين 1139 و1145م), والمرينيون(1255-1393م). فأصبحت بذلك الممول الأساسي لخزينة الدولة.
المحور الثاني: الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية بسجلماسة.
الأهمية الاقتصادية التاريخية لهذه المدينة يسجل الباحث مصطفى ناعمي في دراسته من خلال بلاد تكنة : "كانت ثروات تجار سجلماسة تقدر بمائة ألف دينار (أي ما بين
275 و450 كلغ من الذهب الخالص)، وكانت السلفات تبلغ إلى 40 ألف دينار(أي
ما بين 150 و180 كلغ ذهبا)، وتعتبر هذه المبادلات من المؤشرات الممتازة لمعرفة طبيعة وكثافة العلاقات الاقتصادية بين المناطق الجغرافية البعيدة والمجاورة. فقد استمرت في تطورها، حتى بلغت قيمة ضرائب المرور بمدينة سجلماسة وحدها في منتصف القرن الخامس عشر معدلا سنويا يقرب 400 ألف دينار,تعتبر أهم مرحلة اقتصادية عرفتها مدينة سجلماسة هي فترة ارتباطها بمدينة أوداغست، و قد تميزت هذه المرحلة بازدهار كبير. فقد حصلت الدولة الفاطمية على 400 ألف دينار من مدخول ضرائب المدينة سنة 951هـ. وهو مبلغ يعادل نصف مجموع ضرائب الدولة.
1-1. الفلاحة :
ويتحدث ابن حوقل عن سجلماسة في كتابه صورة الأرض فيسجل: "وسجلماسة مدينة حسنة الموضع، جليلة الأهل، فاخرة العمل، على نهر يزيد في الصيف كزيادة النيل بسنبل لا يشبه سنبل سنبل والشعير ، لذيذ المطعم، و خلقه بين القمح والشعير، لها نخيل وبساتين حسنة، وأجنة، ولهم رطب أخضر من السلق، في غاية الحلاوة".
وفي ما يتعلق بالجانب الزراعي بمدينة سجلماسة، يسجل الشريف الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"
وأما مدينة سجلماسة، فمدينة كبيرة، كثيرة العامر، وهي مقصد للوارد
والصادر، كثيرة الخضر والجنات، رائقة البقاع والجهات، ولا حصن عليها، وإنما هي قصور وديار وعمارات متصلة على نهر لها كثير الماء يأتي إليها من جهة المشرق من الصحراء.
2-2. الصناعة :
"واشتهرت سجلماسة بالعديد من الصناعات، من أهمها صناعة المنسوجات، والتي قامت النساء فيها بدور كبير، وصناعة الفخار والذي لم تذكره المصادر القديمة، إذ عثرت عليه البعثات الأثرية في سجلماسة، والتي أظهرت مدى أهميته واعتماد التجارة على تلك الصناعة، وكانت مصانع الفخار خارج المدينة، وذلك للمحافظة على البيئة الطبيعية للمكان، وصناعة الحلي التي أتقنها اليهود".
1-2. التجارة :
التجارة وهي أساساية لنشأة المدينة، وهنا نتحدث عن تجارة داخلية، حيث حركة الأسواق في الداخل، تأثر في التجارة الخارجية و على حركة الأسواق الخارجية، وعملية البيع والشراء وبناء الخانات والوكالات لخدمة التجارة الخارجية، كما أن السوق في سجلماسة، يشبه الأسواق الأخرى في الدولة الإسلامية، وكان من أشهرها سوق ابن عقلة. فقد تحكمت سجلماسة في طريق الذهب السوداني، وكان هذا العامل الأول في طمع الدول المختلفة للسيطرة عليها، حتى تتمكن من التحكم في أبوابها ملك مفاتيحها.
كما أدت التجارة الخارجية إلى ربط سجلماسة بالعديد من الدول الإسلامية آنذاك، فهي محطة عبور لها، وامتدت منتجات سجلماسة لكثير من البقاع، ومن أهم السلع التي اشتهرت بها سجلماسة في تجارتها الخارجية، كان الذهب، والملح والرقيق ثم الفخار والذي كما عثرت عليه البعثات الأثرية في السودان، وأرجعت صناعته لسجلماسة، فكانت تجارة رابحة لها
أما وسائل المعاملات المالية، فقد كانت أهم العملات بها تلك المصنوعة من أجود أنواع الذهب.
أهم الطرق التجارية المستعملة في تلك الفترة :
.2 سجلماسة _ أوداغست51 مرحلة.
3 . سجلماسة – أوليل 60 مرحلة.
.4 سجلماسة – غانة/كاو 61 مرحلة.
.5 سجلماسة – بلاد التكرور90 مرحلة.
أما عن الحياة الاجتماعية فقد كانت سجلماسة خليطاً من السكان، وأهمهم الأمازيغ، ثم العرب، وأهل الذمة،
وأهمهم اليهود, كما كثرت بها الأجناس المختلفة، ليعيشوا معاً في وحدة سياسية واحدة، من أجل كسب الرزق وأهم وسائله التجارة. ومن حيث طبقات المجتمع السجلماسي، وتدرجها. يأتي الحكام على رأس الهرم السكاني. ومن الملاحظ في المجتمع السجلماسي صعود التجار الأثرياء ليكونوا بذلك ضمن الطبقة الأولى نظراً لثرائهم الكبير.
وأهمهم اليهود, كما كثرت بها الأجناس المختلفة، ليعيشوا معاً في وحدة سياسية واحدة، من أجل كسب الرزق وأهم وسائله التجارة. ومن حيث طبقات المجتمع السجلماسي، وتدرجها. يأتي الحكام على رأس الهرم السكاني. ومن الملاحظ في المجتمع السجلماسي صعود التجار الأثرياء ليكونوا بذلك ضمن الطبقة الأولى نظراً لثرائهم الكبير.
كان لوجود سجلماسة بالقرب من منابع الذهب، دوراً أساسياً وأولياً في نشأتها، وتعاقب وطمع الدول فيها، دولة تلو الأخرى للاستحواذ على تلك الثروات والخيرات. ورغم هذا ظلت قائمة الذات عدة سنوات حتى انهيارها واندثارها تماماً في القرن الثامن الهجري/ الخامس عشر الميلادي.
يمكن التمييز داخل هذه الساكنة بين العناصر الرئيسية التالية:
الأمازيغ: وهم من السكان الأصليين بالمنطقة ويتكونون من المجموعات الثلاث التالية:
- زناتة: وتشمل
قبائل مكناسة التي يرجع إليها الفضل في تأسيس سجلماسة وفي خلق أول نواة
للاستقرار بالمنطقة بل واستطاعت أن تكون إمارة سياسية لمدة قرنين من الزمان
[الدويلة المدرارية 772-976م]، ثم قبائل مغراوة والتي تحكمت في سجلماسة
ابتداءً من سنة 976م وإلى غاية دخول المرابطين للمدينة بصفة نهائية عام
1054م. وأخيراً نجد قبائل بني مرين التي استقرت بالمنطقة منذ بداية القرن
13م.
- صنهاجة : وتمل
العنصر الأكبر كثافة بالمنطقة وعرف معظمها الاستقرار مع سيطرة المرابطين
على سجلماسة بزعامة أبي بكر بن عمر اللمتوني ويوسف بن تاشفين سنة 1054م.
- مصمودة : استقرت
في الغالب مع تحكم الموحدين على سجلماسة ما بين سنة 1139 و1145م وكانت
القبائل المصمودية بالرغم من قلة عدد أفرادها تبسط نفوذها على دواليب
التجارة والجندية والقضاء والإدارة.
العرب :
ترجع
بداية استقرار الفئة الأولى منهم إلى عهد الفتوحات الإسلامية خلاف النصف
الثاني من القرن السابع الميلادي وهي الفئة التي يعود إليها الفضل في نشر
تعاليم الدين الإسلامي بالمنطقة وإن اتخذ مع ظهور إمارة سجلماسة الطابع
الخارجي الصفري. أما الفئة الثانية فتتمثل في قبائل بني هلال وبني معقل
والتي كانت في أول الأمر تعيش على نمط الترحال قبل أن تستقر بالمنطقة
وتتكيف مع الحياة العامة المحلية. الفئة الثالثة هي الشرفاء والذين لم
يظهروا بالمنطقة حسب أغلب المصادر التاريخية إلا خلال النصف الثاني من
القرن 13م عندما وصل إلى سجلماسة المولى الحسن الداخل جد الأسرة العلوية
سنة 1265م فاستقر بالمدينة وخلف بها ذريته التي استطاعت توحيد المغرب تحت
رايتها ابتداءً من النصف الثاني من القرن 17م.
الأندلسيون :
وقد
استوطنوا سجلماسة منذ نشأتها بل هناك من المصادر التاريخية ما يؤكد أنهم
ساهموا في تشييد هذه المدينة. إلا أن عددهم لم يكن مهماً سوى عقب فشل ثورة
الربض بقرطبة سنة 818م، حيث استقبلت سجلماسة أفواجاً من الفارين وكان من
بينهم الحرفيون، التجار والعلماء والذين لا شك قد لعبوا دوراً هاماً في
الأحداث التي عرفتها المدينة خلال فتراتها المتقلبة بين الازدهار والتدهور.
الأفارقة :
يرجع
أصلهم بدون شك إلى أفريقيا جنوب الصحراء وقد جلبوا إلى المنطقة بواسطة
تجارة القوافل. وربما لعبت كثافة هذا العناصر عند بداية بناء سجلماسة الدور
الحاسم في تعيين أحد أفرادها وهو عيسى بن يزيد الأسود كأول حاكم للمدينة
ما بين 757 و772م.
أهل الذمة:
وقد
ساهم هذا العنصر بشكل جلي في التطور الاقتصادي للمنطقة وخاصة في التجارة
وسك العملة والنسيج والصناعة الجلدية، ولكن يبقى تاريخ استقراره مجهولاً.
فبعض الروايات التاريخية تقول إنهم أتوا من المشرق خلال عهود قديمة قبل
الإسلام وبعضها الأخر لا يستبعد أن يكون مجيئهم من شبه الجزيرة الأبيرية
خلال القرنين 14م و15م.
الحراطين :
وهم
فئة ملونة تميل بشرتها إلى السواد، أصلها غير معروف بدقة وربما تكون بقايا
الأجناس البشرية الأفريقية القديمة من الجيتول أو النوميديين أو
الأثيوبيين، وعلى كل حال فهذا العنصر شكل عصب الحياة الاقتصادية السجلماسية
وتعاطى خاصة للفلاحة "الخماسة" ومن هنا ربما اشتق اسمه.
خلاصة
القول, أن ساكنة سجلماسة بالرغم من تشكلها الفسيفسائي استطاعت التأقلم
والتواصل فيما بينها وداخل محيطها الجغرافي وذلك من خلال تنظيم محكم يراعي
التوازن الطبيعي والاجتماعي ويوفر الاستقرار السياسي والاقتصادي. يتضح هذا
التنظيم من خلال ثلاث مستويات أساسية.
المحور الثالث: دراسة عمرانية لمدينة سجلماسة.
_ I المرافق الأساسية.
المسجد الجامع :
كما هو معلوم يعد المسجد من بين المرافق الأساسية في تشيد المدن الإسلامية , ويبقى المسجد احدى الخصائص العمرانية التي تحتفط بموضعها ومكوناتها
لعدة قرون لما تخضع له من عمليات الصيانة والإصلاح باستمرار ويتخد المسجد
موضعه في قلب المدينة ليتمكن السكان من الوصول إليه, "وكان يراعى فيه أن
يكون في وسط العمران وأن تكون مساحته واسعة".
وفيما
يخص المسجد الجامع "السجلماسي" فيمكن القول أنه لم يخرج عن العادة, فقد
شيد في مركز المدينة قرب دار الإمارة, وقد بني بإتقان ومتانة. يضم قاعة
للصلاة ومنبر وصحن وحراب, بالإضافة إلى المئذنة ودار للوضوء إلى جانب بيوت
لإيواء الطلبة, وقد أسس المسجد الجامع من طرف عيسى بن يزيد الأسود وأعيد
توسيعه على يد الأمير المدراري اليسع ابن النصور بن أبي القاسم سنة (
199هـ/418 أو 518م),وهذا ما يؤكده البكري في
كلامه: "وجامعها متقن البناء بناه اليسع فأجاده". وتحتفظ الذاكرة الشعبية
المحلية وتعيد بنائه إلى عهد محمد بن عبد الله الذي عمل على ترميمه وتغيير
سقفه. الأمر الذي أكدته البعثة المغربية الأمريكية التي قامت بحفريات في
المكان وأثبتت أنه تعرض لأربع تغيرات:
دار الإمارة
من
أهم المرافق الأساسية في المدينة الإسلامية وخاصة التي اتخذت كعواصم وتقع
غالبا في قلب المدينة بجوار المسجد الجامع وتمثل المقر الرئيسي لحاكم
المدينة وقد بني هذا المرفق في سجلماسة منذ بداية التأسيس على يد عيسى بن
مزيد الأحمر. ولا شك أنها خضعت لجملة من الترميمات إلا أن معرفتنا بها ظلت
قاصرة بسبب انعدام المعطيات التاريخية. من الناحية الأثرية فقد كشفت البعثة
المغربية الأمريكية خلال فترة (
1994/ 1996) عن وجود بنيات سكنية ضخمة تحت المستوى الأسفل للمسجد الجامع،
كما كشفت عن مكوناتها بحيث أن الجهة الغربية تحتوي على فناء مربع ذي أرضية
مبلطة بدقة تربطها شرقا وغربا على شكل أقواس يؤدي إلى غرف مجاورة وبهذه
المنطقة اكتشفت عدة قطع من الجبس المصبوغ ومن الخشب المزين برسومات جميلة
كما تمثل الزخرفة على الكلس والصباغة على الخشب نمطا متميزا. وحسب نتائج
(الكاربون 14) تم تأريخ هذه المرحلة ب770م عهد بني مدرار.
الحمامات:
وهو
مرفق ضروري ومهم في المدينة الإسلامية، حرص الحكام والسكان على حسن تدبير
مجاريه المائية, ويعكس إنشاء الحمامات بالمدينة الإسلامية مدى الحاجة
إليها." كما تشير بعض الدراسات
التاريخية إلى أن حمام سجلماسة كان يقع بعيدا عن المسجد الجامع وهو ما
أكدته الحفريات الأثرية وأضافت أنه يتكون من غرفتين كبيرتين والعديد من
الغرف الصغيرة وسط مجرى وادي زيز.
توفرت
سجلماسة على عدة شوارع وأزقة وقد أوردة المسعودي أـن المدينة كانت تمتد من
الشمال إلى الجنوب على مسافة تساوي نصف يوم على الأقدام، والرواية الشفوية
تِأكد ذلك بقولها أن المسافة بين مدخل المدينة من الشمال نحو الجنوب تساوي
مشي امرأة من طلوع الشمس إلى غروبها، وبالإعتماد على صور القمر الإصطناعية
تبين أن طول الشارع الرئيسي للمدينة يبلغ 7كلم أو أكثر.
ذكر
البكري أن المدينة تتوفر على بساتين كثيرة,وتأكد المصادر التاريخية
المكتوبة أن سجلماسة أسست وسط واحة خضراء وقرب نهر دائم الجريان وقد قام
عيسى بن يزيد الأسود بتنظيم قنوات الماء لكل حقل وقام بغراسة الكثير من شجر
النخيل والعنب والفواكه".وبذلك كانت سجلماسة كباقي المدن المغربية
المعاصرة وخاصة فاس, تتميز بوفرة المياه وببساط دائم الخضرة واشتهرت مع ذلك
بوجود النافورات والناعورات, وهذا ما كشفت عنه الحفريات الأثرية للبعثة
المغربية الإيطالية فيما بعد سنة(1971-1972).
المقابر:
وبالنسبة
للمقابر فإنها تشيد غالبا في المدن الإسلامية خارج الأسوار وبالأخص قرب
السور الخارجي, وغالبا ما تتوفر كل طائفة على مقبرتها الخاصة, وللأسف لا
نعرف شيئا عن مقابر وأطرحة مدينة سجلماسة القديمة فكل ما نجده حاليا من
مقابر إسلامية أو يهودية ترجع إلى القرن 13هـ/20م.
الجسور:
تعد
الجسور من المعالم الأثرية المهمة في المجال العمراني وغالبا ما تشيد من
الحجارة والجبس أو الخشب فوق الوديان والسواقي, كما يشير ابن الخطيب إلى
وجود مثل هذا المرفق العام بسجلماسة "وجسرها يعجز عن مثله معتصم ورشيد",
وهناك إشارة في الرواية الشفوية على أن مدينة سجلماسة كان يربطها مع سوق
ابن عقلة جسر على الوادي وممر طويل تحيط جوانبه جدران من الطابية, وهذا
أكدته البعثات الأثرية والصور الجوية وصور الأقمار الإصطناعية .
3. التحصينات الدفاعية:
3-1. الأسوار:
تعتبر
الأسوار في المدن القديمة رمزا للأمن والوقاية من كل تدخل خارجي بحيث تحاط
هذه المدن بأسوار متينة تتخللها عدة أبراج للحراسة وأبواب محصنة, وقد أشار
الإدريسي أن القصبة السجلماسية كانت خالية من كل تحصين, بينما
يشير المقدسي إلى أن السور الذي بني عليها كان من طين, وفي نفس السياق
يضيف البكري في قوله :" وسورها أسفله مبني بالحجارة وأعلاه بالطوب".
3-2. الأبراج:
وتلعب دورا المراقبة والإتصال في نفس الوقت وكانت ولا شك عديدة وتحتل الأماكن البارزة, وتتخد الأبراج شكلا مستطيلا تبلغ مساحته 18متر, زيصل علوه الى 7أمتار, وغالبا ما تتوفر هذه الأبراج على مدخل وسلالم وغرف وفتحات
للحراسة. وقد ثم العثور على برجين في حفريات 1990م, وثم حفرها لعمق 5
أمتار. أما الأبواب في المدن الوسيطية فكان لها دور هام, مما جعل وظائفها
تتعدد مع التطورات التاريخية. فكانت لها في العهد الموحدي :
الأبواب:
وقد
اختلف تاريخا في عدد الأبواب, والمرجح أنها كانت موزعة على كل الإتجاهات,
حتى تسهل مأمورية خروج القوافل التجارية نحو مقاصدها وهنا نستحضر كلام
القلقشندي بقوله:" من أي باب منها خرجت ترى النهر والنخيل وغير ذلك من
الشجر.", وكان يطلق على تلك الأبواب أسماء المناطق المطلة عليها أو اسم
محلي للدلالة على النشاط الذي كان يمارس في ذلك المكان, ويضيف البكري أن
سور سجلماسة كان له اتناعشر بابا منها ثمانية حديد, ويعتبر المقدسي الوحيد
الذي أورد أسماء بعض أبواب سجلماسة مشيرا إلى:" أن بسجلماسة الباب القبلي, والباب الغربي, وباب غدير الجزارين, وباب موقف زناتة وغيرها".
_ II المرافق الخاصة .
يرتبط
تنظيم السكن داخل القصبات والمدن المغربية الإسلامية, وبالبنية السياسية
والإقتصادية للساكنة, وتفسر طبيعة البناء حسب العوامل البيئية, من مناخ
وتضاريس وطبيعة التربة والمواد المتوفرة , وكذلك حسب التطور التقني وثقافة
كل مجموعة سكنية .
ففي
سجلماسة, وهي منطقة حارة وجافة, تلعب المواد الطينية المحلية دورا فعالا
في تكييف الهواء الأمر الذي ينعكس على شكل المنازل, فهي بذلك مغلقة على
نفسها وقليلة الفتحات, كما أنها تجمع المرافق للتقليل من شدة الحرارة. واستغلال
المرافق تحت أرضية والفتحات العمومية ( عين الدار, والصحن المكشوف).
بجدران محصنة من الطابية رغبة منها في الحفاظ على الوقار وفي الإقتصاد في
المواد المستعملة, وفي هذه النقطة بالذات يظل التنظيم المعماري للمنازل
السجلماسية مجهولا بسبب نذرت المعلومات التاريخية والأثرية. فاختلفت الآراء
حول طبيعة هذا المنزل والتي يمكن تصنيفها إلى :
_ الطرح الأول: يصف سجلماسة بأنها مدينة منظمة على شكل قصور متفرقة داخل وخارج السور المحيط . . . بالمدينة, وذلك اعتمادا على الحالة الراهنة لمعمار تافيلالت.
_ الطرح الثاني: اعتبر أن سجلماسة كانت مدينة كبيرة يحيط بها سور وتتوفر على دور جميلة تنتظم حولها . . المواصلات , وهو ما أشار إليه البكري حين قال:" بدخل المدينة قرى ودور جميلة, ومباني سامية".
ويمكن أن نقول أن سجلماسة وفقا لما جاءت هذه الكتابات من معلومات قليلة وكذلك وفقا
للظروف التاريخية التي مرت منها المدينة كانت مقسمة إلى أحياء سكنية
ومنازل تتنوع حسب تنظيم الشوارع والأزقة من جهة وعدد السكان من جهة أخرى
والإنتماء القبلي أو المكانة الإقتصادية والإجتماعية من جهة ثالثة, وقد
شبهها ابن حوقل بالكوفة حيث قال:" وأبنيتها كأبنية الكوفة...إلى أبواب
رفيعة على قصرها مشيدة عالية."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق