الجمعة، 6 يوليو 2012

الله والمخلوقات الماورائية الأخرى

نشوء العقيدة القرآنية في التوحيد
 
لجزء الأول
ملخص
القرآن مصدر تاريخي فريد، من حيث أنه مثّل بشكل دائم وواضح استجابة لوضع محمد خلال العشرين سنة الأخيرة (أو قريباً من ذلك) من حياته. إلا أنه من الصعب تماماً تفسير ذلك بأن القرآن هو مصدر تاريخي، وخاصة لفترة ما قبل الهجرة (622م)، ذلك أنّنا لا نملك إلا تواريخ قليلة معتمدة، إضافة إلى أن النص الحالي لم يُرتب ترتيباً كرونولوجياً. ومهما يكن، إنه من الممكن إعادة صوغ الخطوط الرئيسية لمنحى تطور العقائد القرآنية الرئيسية والتعاليم الأخرى، لكن فقط بتطبيق المناهج النقدية ومعالجة مقتطفات أو آيات بعينها أكثر منه السور بأكملها. تبرهن الدراسة الحالية أن عقيدة «التوحيد» المركزية للمسلم بالله، قد ظهرت وتطورت بنحو تدريجي في القرآن. لم يكن ربُّ محمد في البداية يحمل اسماً محدداً، ثم بعد ذلك تماثل مع الإله العربي العلوي، «الله»، بعد فترة وجيزة، كما يظهر، في الوقت الذي كان فيه اسم الرحمن هو المفضل، ثم وأخيراً تمّ الاعتراف به كـ إله اليهود والمسيحيين. وبالتوازي مع هذا التطور، يمكن أن نرى مراحل عدة في الاستقطاب التدريجي لقوى ماورائية أخرى، تبدأ بالتسليم بالمفاهيم العربية القديمة للآلهة الأخرى والجن، وتنتهي بالمفهوم الأساسي لليهو-ميسحي عن الإله الواحد وملائكته والشيطان. وصحيح أنه لا يمكن إعطاء تواريخ دقيقة لهذه المراحل، إلا أن الخطوط الرئيسية لهذا التطور واضحة إلى حدّ ما. تنحو هذه الدراسة لتأييد النتائج الرئيسية لـ ريتشارد بل Richard Bell في الترتيب الكرونولوجي للقرآن، كما تزيد من حدة الشك بشأن التأريخ التراثيّ الإسلاميّ والترتيب الأوربي العام لمدرسة فايل Weil ونولدكه Noldeke وبلاشير Blachere.

ولكون عقيدة "وحدانيّة الله(2)" مسيطرة بشكل كبير في القرآن، فإنه من السهل تجاوز حقيقة أن هذه الموضوعة لا تظهر في «النصوص الأولى أو المبكرة للوحي Earliest Revelations»(3)، والتي هي ملفتة، ليس من أجل ما تقوله عن الله وعلاقته بالكائنات العلوية الأخرى والأرواح، وإنما لما لم تقله. إنّ تحليلاً شاملاً للسياقات القرآنية في ورود الله والآلهة الأخرى، وكائنات العالم "الدنيا" (من ملائكة وجنّ وشياطين …الخ)، يظهر تطوراً واضحاً وحقيقياً للأفكار أو التعاليم في القرآن. وهذه الدراسة الحالية لن تدرس بعض المظاهر المهمة الكبيرة لتعاليم القرآن حول الله، مثل طبيعته وصفاته وعلاقته بالإنسان؛ بدلاً من ذلك، ستركز الدراسة بداية على مسألة هويته، متضمنة بذلك التطور المبكر بخصوص التحديدات القرآنية لـ رب محمد، ومن ثم قوة ووجود الكائنات العلوية الأخرى وعلاقتها بالله، كما صُوّر ذلك في القرآن.

أسماء وهوية رب محمد
لم يُطلق اسم الله على الشخصية في النصوص الأولى للوحي التي وجهت للسامعين لكي يعبدوه، ولكن أشير إليه ببساطة بـ رب (أو إله) في تعابير مثل "ربك، ربكم"، و"ربه"…الخ. ومثال هذه الاستخدامات المبكرة ما ورد في بداية سورة [الأعلى 87]: «سبح اسم ربك الأعلى… سنقرئك (رب محمد) فلا تنسى». إنّ غياب اسم الله من النصوص التي تؤرخ في بداية دعوة محمد العامة ملفت، كما نرى في الآيات الخمس الأولى من سورة [العلق 96]: «اقرأ باسم ربك…»، وفي الآيات السبع الأولى من سورة [المدثر 74] التي تبدأ: «يا أيها المدثر، قم فأنذر، ولربك فكبر»(4). وهكذا، فإن مصطلح "رب" يظهر في الآيات الأولى للقرآن كمصطلح عام أساسي لـ "إله" أو"الإله" لشخص أو أناس محددين. وقد استمر هذا الاصطلاح بالورود حتى في آيات الوحي المتأخرة مع المعنى العام الأساسي بوضوح أكثر ربما في سياقات معينة حيث ترد لفظة الجمع "أرباب"، كما في السياق اللاحق للقرآن [يوسف 12: 39] (أواخر المكي أو أوائل المدني)، حيث يقول يوسف لأصحابه السجناء: «أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟».

ثم وفي لاحق، بعد بداية الدعوة العامة [تسمّى في كتب التراث: الدعوة جهراً. م]، ربما خلال سنة (أو من المرجح لاحقاً أكثر قليلاً) وقت تشريع الصلاة، دُعي رب محمد بـ "الرحمن". ففي سورة [الفرقان 25: 60] يُدعى المكيون للسجود للرحمن: «وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن، قالوا وما الرحمن، أنسجد لما تأمرنا؟». وثمة إشارة أخرى بأن المكيين لم يعرفوا أو لم يؤمنوا بالرحمن في سورة: [الرعد 13: 30]: «..وهم يكفرون بالرحمن، قل [أي محمد] هو ربي لا إله إلا هو(5) عليه توكلت وإليه متاب». كما يظهر اسم الرحمن بشكل متكرر في سورة [مريم 19]، الأجزاء المبكرة منها تعود للفترة هذه نفسها. أما السورة رقم [55] المعنونة بـ "الرحمن" تبدأ: «الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان…»، ثم تستمر السورة وكأنها دعاء طويل تعيد ذكر الفضائل الممنوحة لـ "الإنس والجن" بواسطة ربهم: الرحمن(6).

إنه في هذا الوقت، بدأ يدعى رب محمد في آيات الوحي تحت اسم «الله»(7). وقد كان هذا الاسم مألوفاً للمكيين ولم يعترضوا عليه. إنّ كلا الاصطلاحين «الرحمن» و«الله» دخلا سياق القرآن كـ اسمي عَلَم، وكلاهما عُرفا كـ اسمي للآلهة من خلال النقوش قبل زمن محمد. ولوقت قصير، وبعد دخولهما القرآن، لا بدّ أنهما قد أحدثا بعض التخبط [الفكري. م] عند المسلمين، ذلك أنّ الآية من سورة [الإسراء 17: 110] من الواضح أنها قد أشارت إلى تلك المرحلة التاريخية عندما قررت أنّ أيّاً من الاسمين هو مقبول: «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بصلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً». يُظهر التأكيد الأخير، أنّ المشكلة في استخدام أيّ من الاسمين، قد نشأ في سياق عملية مأسسة الصلاة الشعائريّة. وفي وقت قصير لاحق، وبفترة سريعة كما يظهر، توقف استخدام اسم الرحمن في الوحي اللاحق، رغم وروده يشكل نادر، كـ صفة إلهية، إضافة إلى وجوده في البسملة، التي تعود على الأرجح بعد وقت قصر من آية [الإسراء 17: 110] (الآنفة الذكر)؛ وبالتالي لم تكن غائبة عن أجواء الإشكال التاريخي المشار إليه في هذه الآية: [الإسراء 17: 110](8).

وهكذا، أصبح اسم الله بعد ذلك مقبولاً، والاسمَ المفضل للإشارة إلى رب محمد كما ورد في عدد كثير من النصوص القرآنية مثل الآية: «قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ… قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ» [الرعد 13: 16]؛ وأيضاً الآية: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ والأرض قُلِ اللَّهُ» [سبأ 34: 24]. وبالتالي، إنّ محمداً وأتباعه تعلموا كيفية استخدام اسم الله. وربما كان ذلك نتيجة لمسألة الأسماء وتقرير الآية: «فَلَهُ [أي لله.م] الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى» [الإسراء 17: 110]، و الآية: [طه 20: 8]، حيث بدأت كثير من الألقاب تظهر في القرآن لتشير إلى صفات الله.

القول أنّ الوثنيين المكيين كانوا يعلمون مسبقاً الله ومقرين بوجوده ودوره كخالق، قول أكدته عدة نصوص في القرآن مثل: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ [يا محمد] مَنْ خَلَقَهُمْ [أي الوثنيين] لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ» [الزخرف 43: 87]، وأيضاً: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ والأرض أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبصار وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمر فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أفلا تَتَّقُونَ» [يونس 10: 31](9). ويمكن قراءة صورة أوضح بعض الشيء لاعتقاد المكيين حول الله في آية: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» [يوسف 12: 106]، وفي سياقات مثل: «فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ» [العنكبوت29: 65](10). لقد آمن الوثنيون المكيون بـ الله كـ «آلهة عليا»، لكنهم فعلياً عبدوا آلهة أخرى «أدنى مرتبة»، والذين اعتقدوا فيهم أنهم يتوسطون مع الله نيابة عنهم(11). وهذا ما هو مقرر بنحو واضح في الآية: «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ ولا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ» [يونس10: 18]. وكون أنّ المكيين كانوا يؤمنون مسبقاً بوجود وقوة الله، فقد كانت مهمة محمد أن يرشدهم لعبادة (والإيمان بـ) الله وحده؛ أي ليقنعهم للتوقف عن عبادة الآلهة الأخرى. لكن ماذا كان موقف القرآن تجاه وجود وقوة تلك الآلهة؟
قوة ووجود الآلهة الأخرى «غير الله»
تزود الكثير من النصوص القرآنية معلومات مفيدة وتاريخية عن اعتقادات المكيين الوثنيين وتعالج مسألة آلهتهم. وفي الرد على تلك الاعتقادات، يشير القرآن، بعض الأحيان بنحو واضح وفي أحيان أخرى بإشارات ضمنية، عن موقفه الخاص في معالجة وجود وقوة هذه الآلهة. فبداية الآية [يونس10: 18] التي تشير إلى أنّ آلهتهم تتوسط مع الله نيابة عن الذين يعبدونهم، قد أشرنا إليها أعلاه. وتستمر تلك الآية: «قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ ولا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ». جدال القرآن هنا ليس حول عدم وجود آلهة أخرى، أو عدم وجود قوة لهم، بل أن الله هو فوقهم وأعلاهم، وهو مسبقاً يعلم كل شيء؛ لذا، الله ليس بحاجة أن يتعلم من الآخرين. الموضوعة نفسها نقرأها: «وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ/ ولا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» [الزخرف 43: 85-86]. لا تدعي الجملة الأخيرة من هاتين الآيتين فقط، وجود الآلهة المكية، بل تؤكد على الأقل إمكانية قيامهم بالشفاعة [الوساطة.م]. وهذا ما يظهر أيضاً في الآيات: [يونس10: 3] و[طه20: 109] و[الأنبياء21: 28] و[النجم 53: 26] وأيضاً كما سنقرأ: «قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولا فِي الأرض وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ/ ولا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ…» [سبأ34: 22-23]. إنّ وجود الآلهة الأخرى كما هو واضح من هذه النصوص هو مقرر أو مُدعى؛ وقد صُوروا أنهم يملكون، على الأقل إمكانية القوة للتأثير على حياة الناس ومصائرهم.

وفيما يتعلق بسياقات الشفاعة هذه، هناك مجموعة من النصوص ترد فيها الآلهة المنكرة التي ستظهر في اليوم الآخر وتستنكر على الناس الذين عبدوهم. ثمة مثال قصير لكنه واضح هو الآية: «وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا/ كلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» [مريم 19: 81-82]. الصورة هذه نفسها وردت بنحو أكثر وضوحاً في [يونس10: 28- 29] حينما يقول الله: «وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ/ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ». ثم تكمل الآيات [الصافات 37: 22-23 ومابعدهما] باستنكار الآلهة المنكرة لجهنم: «[يُخبر الملائكة حرّاس جهنم] احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ/ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ». لا يجب أن تفسر النصوص الدراماتيكية هذه، بالطبع بنحو حرفي، كما لو أنهم يخبرون بحوادث فعلية في المستقبل؛ لكن لا يمكن إنكار أنّ هذه الآيات تصور الآلهة المنكرة وجودَها وبأنها ثانوية بالنسبة إلى الله.

إنّ التأكيد على وجود الآلهة المكيةوثانويتها، وردت بنحو أوضح في نصوص مكية محدودة لاحقة(12)، حيث يروى أن الآلهة الأخرى من دون الله، قد خُلقت بواسطته لكنّ عجزهم قد أُكد عليه الآن (في هذه المرحلة التاريخية.م) كما في: «وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ولا يَمْلِكُونَ لأنفسهم ضَرًّا ولا نَفْعًا ولا يَمْلِكُونَ مَوْتًا ولا حَيَاةً ولا نُشُورًا» [الفرقان25: 3 وما بعدها]، وفي الآيات [الأعراف7: 191-197]، والتي لا بد أنّ محمداً هو «المتكلّم» فيها، فيتحدى الوثنيين بجرأة، ويرد عليهم بشعور قوي لأن يتخلوا عن آلهتهم؛ والمواضيع هذه نفسها قد كُررت، والآلهة هذه ورد أنها هي نفسها «عبيد» لله: «أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ/ ولا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا ولا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ… إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ/ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فلا تُنْظِرُونِ/ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ/ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ولا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ». إنّ موقف القرآن في تأكيده للآلهة الأخرى غير الله، في الوقت الذي أوحي فيه أولاً هذا المقطع (تقريباً في السنوات المكية اللاحقة)، جليٌّ بشكل تام. فالقول أنّ هذه الآلهة ضعيفة وعاجزة، قول قد أُكد عليه بنحو ثابت، إلا أنّ «وجودهم» لم يُنكر. بل على العكس، فلو أُخذت هذه الآيات حرفياً، لتبين التأكيد على «وجود» آلهة أخرى غير الله. لكن ما هي طبيعتهم؟ وما هي كيفية ارتباطهم بـ الله؟

العنوان الأصلي للمقال:
Welch, Alford T.: ‘Allah and Other Supernatural Beings: The Emergence of the Quranic Doctrine of tawhid’, JAAR, thematic issue, Studies in Quran and Tafsir (Guest ed. Alford T. Welch), 47 (Dec. 1979), no. 4 S, 733–53.
الملاحظات والهوامش:
(1) ألفرد ولش (جامعة إدنبرة) الأستاذ المساعد للدراسات الدينية في جامعة ميشيغان. له أبحاث عديدة منها حول «أركان الإسلام» والمناسبات الإسلامية السنوية في Der Islam (Stuttgart 1980) الجزء الأول، وقد كتب مع مونتغمري وات؛ ومقالة «القرآن» في الطبعة الجديدة لـ Encyclopaedia of Islam.

(2) الاصطلاح المستخدم في هذه المقالة هو الاصطلاح العربي «الله»، بدلاً من الاصطلاح الإنكليزي «God»، لدقة الترجمات للآيات القرآنية، ولكون أنّ هذه الدراسة تتعامل مع هوية وأسماء مختلفة لرب محمد.

(3) إنّ التعبير «نصوص الوحي المبكرة earliest revelations» بدلاً من «السور المبكرة أو الأولى» هو المستخدم هنا، وبخاصة أنّ معظم سور القرآن مجموعة جمعاً وتحمل أجزاء تعود إلى تواريخ مختلفة. وما لم يُشر إلى تواريخ بعينها، فإنّ كل ما يرد في هذه المقالة بشأن التأريخ هو من استنتاجاتي. وفي معظم الحالات، إنّ معظم تحليلاتي تنحو لدعم النتائج التي توصل إليها "بل"، 1937، و 1939 حيث تمّ تأريخ أجزاء بعينها بدلاً من السور كلها.

(4) إنّ القصص التراثية التي تؤكد أنّ هذه النصوص هي من نصوص الوحي الأول، والتي تعود إلى حوالي سنة 610 لا يمكن قبولها كتأريخ دقيق. انظر على سبيل المثال: Zamakhshari, IV:180, translated in Gatje: 62f.; also Bell, 1939: 616, 667

(5) إنّ استنتاج "بل" (1937:232)صحيح بأن الجزء الأخير من هذه الآية يعود تأريخه لفترة لاحقة.

(6) إنّ غياب اسم الله واضح أيضاً في سور مثل [الواقعة56] و[القلم68] و[النبأ78] و[ الفجر 89] و[الضحى93]، حيث ترد فقط اصطلاحات اسم الرب والرحمن. أمّا في سورة [العنكبوت 29] من سور المائة وأربعة عشر (أي في الربع الأول منهم)، فإنّ اسم الله لا يرد على الإطلاق. ولا يمكننا حسم التأريخ الدقيق لهذه السور؛ إلا أنهم تقريباً كلهم يعودون لفترة مبكرة. وطبقاً لترتيب "فايل" و"نولدكه" و"بلاشير" فإنهم كلهم، لكن آيتين من سورة [29] هم من «المكي المبكر». ويُظهر إحصاء تقريبي طبقاً لـ "بل" في تأريخ أجزاء منفردة للقرآن بأنّ اسم الله يرد بمعدل مرة واحدة كل سطرين من سور القرآن التي تنتمي بنحو تام إلى الفترة المدنية؛ بينما يظهر بمعدل مرة واحدة فقط كل 24 سطر في سور هو يعتبرها بأنها مكية بنحو تام؛ كما يظهر اسم الله بمعدل مرة واحدة كل ستة أسطر في سور يعتبر "بل" أجزاءً منها مكية وأجزاءً منها مدنية (تتضمن هذه المجموعة من السور نصف سور القرآن تقريباً).

(7) بالرغم أنّه من الصعب إعطاء تاريخ دقيق للمرة الأولى التي ظهر فيها اسم الله، إلا أنه من الصحيح تماماً بأنه لم يرد في آيات الوحي الأول. وليس صحيحاً تماماً ما يقرّه "غاردت Gardet" بأنّ «الرسالة التي سلمت إلى محمد كانت منذ البداية تبليغ كلمة الله»؛ ولا حتى حينما يكتب بأنّ: «الله –كما قيل لمحمد- في أول سورة من القرآن هو "ربك" [العلق96: 1]….».

(8) يكتب وات (Bell/Watt: 153) حول اسم الرحمن: «إنّ الظهور المفاجئ لهذا الاسم يبقى من الأمور الغامضة؛ إلا أنّ اختفاءه وعدم وردوده ربما كان بسبب أنّ أشخاصاً جاهلين قد مالوا للاعتقاد بأنّ "الله" و"الرحمن" هما آلهتين منفصلتين، كما أشير فعلاً حول إمكانية ذلك بواسطة مفسرين مسلمين عند تفسير [الإسراء17: 110]». انظر على سبيل المثال: Zamakhshari, II, 470

(9) See also 29.61, 63, 31.25, 39.38 and other verses discussed by Macdonald (33).

(10) ربما هذا يشير إلى أنّ الوثنيين العرب اعتبروا الله آلهة أو حامياً للناس عندما يكونوا في البحر (أو الصحراء)، أي خارج مجال الآلهة المحددة ذوي المرتبة "الدنيا". لكن انظر الآيات [يونس10: 22] و[النحل16: 53] و[لقمان31: 32] حيث يقول القرآن أنّ الوثنيين يلجئون إلى الله في أوقات الشدّة.

(11) تنعكس مواقف المكيين تجاه الله في آية: « وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا». وحول الدليل القرآني حول هذا، هناك الإيجاز المفيد لوات 1971.

(12) See, e.g., Bell, 1939:345f.

المصادر والمراجع:
- al-Bayawi, Abd Allah ibn Umar, 1846, Anwar at- tanzil wa-asrar at-tawil , 2 vols. H. O. Fleischer, ed. Leipzig: Vogeli.
- Beck, Edmund, 1976, "Iblis und Mensch, Satan und Adam: Der Werdegang einer koranischen Erzahlung," Le Museon, 89:195-244.
- Bell, Richard, 1937- 1939, The Qur’an Translated with a critical rearrangement of the Surahs. 2 vols. (paginated as one). Edinburgh: T. and T. Clark.
- Bell, Richard, and Watt, W. Montgomery, 1970, Bell’s Introduction to the Qur’an completely revised and enlarged. Edinburgh: Edinburgh University Press. First edition published in 1953.
- Bouman, Johan, 1977, Gott und Mensch im Koran: Eine Strukturform religioser Anthropologie anhand des Beispiels Allah und Muhammad. Darmstadt: Wissenschaftliche Buchgesellschaft.
- Burton, John, 1970, "Those Are the High-flying Cranes," Journal of Semitic Studies[ 15:246-65.
- Eichler, Paul A., 1928, Die Dsohinn Teufel und Engel im Koran. Leipzig: Klein.
- Gatje, Helmut, 1976, The Qur’an and its Exegesis: Selected Texts with Classical and Modern Muslim Interpretations. Alford T. Welch, trans. and ed. London: Routledge and Kegan Paul, Berkeley: University of California Press.
- Gardet, Louis, 1960, "allah," Encyclopedia of Islam. New Edition. 1:406-17.
- Ibn Ishaq, Abu Abd Allah Muhammad, 1952, The Life of Muhammad: A Translation of Ishaq’s Sirat Rasul Allah. A. Guillaume, trans. and ed. Oxford: Oxford University Press.
- Ibn al-Kalbi, 1952, The Book of Idols. N. A. Faris, trans. Princeton: Princeton University Press.
- Izutsu, Toshihiko, 1964, God and Man in the Koran: Semantios of the Koranic Weltanschauung. Tokyo: Keio Institute of Cultural and Linguistic Studies.
- Jalalayn, 1970, Ja1al ad-Din al-Mahalli and Jala1 ad-Din as-Suyuti, Tafsir al-Jalalayn. Cairo: Dar ash-Shab. Many editions.
- Macdonald, Duncan Black, 1965, "Allah," Shorter Encyclopedia of Islam, 33-41;" reprint of 1913 article.
- Noldeke, Theodor, and Schwal1y, Friedrich, 1909, Geschichte des Qorans. Vol. I. Second ed. Leipzig: Dieterich.
- Paret I Rudi, 1977, Der Koran: Kommentar und Konkordanz. Second ed. Stuttgart: Kohlhammer.
- At-atabari, Abu Jaafar Muhammad ibn Jarir, 1903- 1904, Jami al-bayan fi tafsir al- Quran. 30 vo1s. Cairo: Maymuniyya Press. Available in many editions.
- At-atabari, Abu Jaafar Muhammad ibn Jarir, 1961, Tarikh ar-rusul wa-l-muluk Cairo: Dar alMarif.
watt, W. Montgomery, 1953, Muhammad at Mecca. Oxford: Clarendon Press.؛ 1956, Muhammad at Medina. OXford: Clarendon Press.؛1971, "Belief in a ’High God’ in Pre-Islamic Mecca," Journal of Semitic Studies, 16:35-40.
- Winnett F. V. 1938, "Allah Before Islam," The Muslim World, 28; 239-48.
- Winnett F. V. 1940, "The Daughters of Allah," The Muslim World l 30:113-30.
- Az-Zamakhshari, Mahmud ibn Umar, 1972, Al-kashaf, 4 vols. Cairo: Shirka Maktaba.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق