الأربعاء، 11 يوليو 2012

المسالك البحرية في المغرب الوسيط خلال القرنين 5و6هـ/11و12م
                                                                                                         الطاهر قدوري*
عتبرت المسالك البحرية في الحوض الغربي من المتوسط استمرارا لتلك التي كانت تربط بين بلاد المغرب وبلاد السودان، وذلك بالنظر إلى العلاقات التجارية التي كانت تربط بين بلاد المغرب وأوروبا من جهة وبين المغرب, وبلاد السودان من جهة أخرى، فنشطت العديد من الخطوط التجارية البرية والبحرية. لكن يلاحظ أن الخطوط التجارية البرية الرابطة بين المغرب, وجنوب الصحراء حظيت باهتمام كبير من قبل ثلة من الباحثين(1) الذين انطلقوا من المادة المصدرية التي توفرها كتب المسالك والجغرافية التي خلفها الجغرافيون والرحالة المسلمون(2). وعضدوها بأبحاث أركيولوجية، فأمكننا تشكيل صورة واضحة نسبيا عن هذه الطرق، وهذا بخلاف المسالك البحرية التي لا تتجاوز معلوماتنا عنها بعض الإشارات المقتضبة، ولا شك أن الأمر هنا تقني إذ إن معالم الطرق البرية واضحة ويمكن تتبعها على عكس المساك البحرية التي يصعب تعيين خط بعينه، فالغالب على الخطوط البحرية خضوعها لظروف خاصة سنعرض لها فيما بعد.
 وتجدر الإشارة إلى أن الصلات بين الشمال الإفريقي, ودول جنوب الصحراء لم تكن وليدة الدول المركزية التي قامت ببلاد المغرب عقب الفتح الإسلامي, والتي سعت إلى تفعيل دورها التجاري بين بلاد السودان والدول الأوروبية، ولكن يمكن إرجاعها إلى عهود غابرة على الأقل في عهد الإمبراطورية الرومانية التي اشتهرت ببناء العديد من الطرق(3)، والتي كانت نفسها تتوغل في مجاهل الصحراء إلى بلاد السودان، وتولى الإشراف عليها وتنظيم التجارة عبرها قبائل الجرمانت التي كانت تضطلع بدور الوساطة بين الشمال والجنوب(4). ويرى أحد الباحثين(5) أن هذه المسالك مرت بمرحلتين رئيسيتين، المرحلة الرومانية التي تميزت بترصيف هذه الطرق والمرحلة الثانية التي اتسمت بتوسعها واستعمال الجَمَل فسماها "الطرق الحوافرية"(6).
إلا أن محاولة التتبع الدقيق لهذه المحاور التجارية كثيرا ما تصطدم باضطراب المادة التي تقدمها كتب المسالك والممالك مما يصعب معه الوقوف عن كثب عند التحولات التي كانت تطرأ عليها، ومما يزيد في تعقيد الأمور اندراس العديد من المدن والمحطات التجارية التي أشار إليها الجغرافيون خاصة البكري, والتي كانت توجد على المحاور الرابطة بين الشمال والجنوب.
لكن مع كل هذا، نسجل كثرة المسالك التي كانت تربط بين بلاد المغرب وبلاد السودان, والتي تنطلق من عدة مدن رئيسية مثل فاس وقلعة بني حماد، والقيروان وطرابلس لتنتهي إلى المراكز الرئيسية في مجاهل الصحراء كتوزر والمسيلة ووركلان وسجلماسة ودرعة وتغازى، وصولا بعد ذلك إلى المراكز التجارية الرئيسية: أوليل وأودغيست وغانا وكاو.
وإذا كانت هذه -باقتضاب شديد- أهم المسالك التجارية البرية التي كانت تربط بلاد المغرب ببلاد السودان، فماهي أهم المسالك البحرية التي كان عبرها يتصل المغاربة بدول شمال البحر المتوسط وشرقه؟.
تعد الدراسات التي أنجزت حول المسالك البحرية في الحوض المتوسطي عامة, والجزء الغربي منه خاصة -قليلة جدا- وذلك قياسا بالدراسات التي أنجزت حول المسالك البرية، فإذا كانت القوافل الصحراوية سواء تلك المتجهة إلى بلاد السودان انطلاقا من المحطات التجارية في بلاد المغرب أم تلك التي تنطلق من بلاد السودان نحو المغرب، تكاد تكون معروفة مسالكها ومعالمها، إما بفضل التجربة المكتسبة بتكرار المداومة على طرق بعينها, وإمـا بفضل الاستعانة بالأدلاَّء، إلا أن الأمر يختلف عند الحديث عن المسالك البحرية، حيث يصعب تحديد طرق بعينها اللهم إلا إذا استثنينا تلك المسالك التي كانت تحاذي البر في إطار الإبحار الملازم للساحل، أما باقي الخطوط فإما أنها كانت تربط بين ميناءين متقابلين كما هو الشأن بالنسبة لتلك التي تحدث عنها البكري(7)، وإما أنها كانت تربط بين ميناءين أو عدة موانئ بين ضفتي المتوسط، كما هو الشأن بالنسبة لموانئ إفريقية وبجاية, والمدن الإيطالية.
وهذه المسالك غالبا ما كانت تتخذ من الجزائر الشرقية وصقلية نقطة استراحة للتزود ثم تستأنف الرحلة من جديد، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوط كانت حركتها غير منتظمة, وتخضع في الأساس إلى مجموعة من الشروط منها ما هو اقتصادي, ومنها ما هو طبيعي، فالرحلة البحرية كانت تتم في أوقات محددة مرتبطة بالظروف العامة للإبحار -هبوب الرياح- هدوء البحر- مما يتلاءم والفصل المعتدل الذي تنشط فيه الملاحة، كما أنها - أي الرحلة البحرية- كانت مرتبطة بتوفر البضائع والمسافرين، فهذان العاملان أثرا بشكل كبير في مدى انتظام المسالك البحرية التي كانت تتغير تبعا للتغيرات الفجائية التي تطرأ على الأحوال الجوية ففي كثير من الأحيان كان الربان يضطر إلى تغيير مسار الرحلة أمام اشتداد الرياح وكثرة الأنواء أو السماع بوجود عدو يتهدده.
ورغم كل هذا سنحاول تحديد مجموعة من الخطوط البحرية التي كانت أكثر ارتيادا في المرحلة الوسيطية(8).
الطريق الساحلي للضفة الجنوبية من المتوسط
تتعدد نقط انطلاق هذا الخط، إما من إشبيلية التي كانت لها علاقات قوية بمدينة الإسكندرية(9), وإما من سبتة وجزيرة طريف(10), وإما مباشرة من ألمرية التي انطلق منها ابن رشيد السبتي(11), وإما من مالقة التي انطلق منها أبو بكر بن العربي المعافري(12)، ثم بعد ذلك تسير السفن محادية لسواحل بلاد المغرب إلى أن تصل إلى الإسكندرية ومنها تتابع رحلتها نحو سواحل بلاد الشام خاصة موانئ عكا وصور وصيدا(13).
لقد اعتبر هذا الخط أنشط الخطوط البحرية في الحوض المتوسطي, وقد كان مرتادا أساسا من قبل الحجاج (المسلمين والنصارى) الذين كانت تتولى البحرية الإيطالية نقلهم إلى الديار المقدسة، ونظرا لهذه الأهمية، فإن العديد من الباحثين وقفوا عنده محاولين تفسير سبب تفضيل الحجاج والتجار المغاربة لهذا الطريق البحري على الطريق البري الذي كان يربط بين بلاد المغرب ومصر(14)، وقد أرجعوا ذلك إلى ما عرفته إفريقية من اجتياح للقبائل العربية، فأضحى الطريق البري غير آمن مما دفع بالمسافرين القاصدين إلى مصر, وما بعدها إلى ركوب البحر، وقد لاحظ أحد المهتمين بالمادة التي وفرتها وثائق الجنيزة أن النصف الثاني من القرن (5 هـ/11م) شهد كثرة الوثائق التي تشير إلى شحن التجار لبضائعهم بحرا, وذاك خوفا من أي أذى يمكن أن يسببه لهم الوجود العربي هنالك(15).
لكن إذا أمكننا أن نساير طرح جواتياين مع نوع من التحفظ- فلماذا استمر استعمال الطريق البحري الرابط بين بلاد المغرب ومصر على عهد الدولة الموحدية التي تمكنت من إخضاع بلاد المغرب لسيطرتها، ومع ذلك لا نعدم إشارات توضح تفضيل استخدام الطريق البري على الطريق البحري، ولعل الأمر هنا يرجع في الأساس إلى عامل الوقت فالمدة الزمنية التي يتطلبها قطع الطريق البري أكثر من تلك التي يتطلبها قطع الطريق البحري، ولعل في حملة الأخماس التي قام بها الموحدون على عهد عبد المؤمن في اتجاه إفريقية وطرابلس خير دليل على هذا الأمر، إذ كانت حركة السفن أسرع من حركة الجيوش البرية، ومن هنا نرى أن عامل السرعة كان يفعل فعله في تفضيل طريق على آخر, وذلك رغم الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها الحجاج والتجار.
والسالك لهذا الخط كان عليه أن يتوقف بميناء الإسكندرية، ثم يستأنف سيره العادي نحو بلاد الشام(16)، أو أن يتوقف بالإسكندرية ليتوجه بعد ذلك إلى سواحل البحر الأحمر, ومنها إلى جدة فالديار المقدسة(17). كما أن السفن المارة عبر هذا الخط كثيرا ما كانت تفضل الرسو في جزيرة صقلية التي ينطلق منها خطان، أحدهما في اتجاه الإسكندرية والآخر نحو ميناء عكا(18)
لكن من خلال تتبعنا لرحلة ابن جبير, يتضح مقدار ما كان يعانيه الحجاج المغاربة من تعسفات رجال الديوانة في مصر الذين لم يترددوا في إخضاع جميع الأغراض التي يحملها التجار لعمليات التفتيش, وأداء الضرائب عنها(19)، ومن ثم فربما نشط الخط الرابط بين صقلية, وعكا لهذا السبب(20).
وبالإضافة إلى هذا الخط -يشير أحد الباحثين إلى وجود خط بحري يربط الأندلس ببلاد الهند عبر مصر والبحر الأحمر، وقد سلك هذا الخط في أواخر القرن (3هـ/9م). من قبل أحد المحدثين رفقة جماعة من أهل الأندلس كانت متجهة نحو الهند(21).
الخط البحري الرابط بين الجمهوريات الإيطالية, والسواحل الجنوبية للمتوسط:
لا تقل أهمية هذا الخط عن الخط السالف الذكر، ولا نبالغ إذا قلنا: إنه كان شريان الحياة الاقتصادية في الحوض الغربي من المتوسط، وذلك بالنظر لما تميزت به الجمهوريات الإيطالية خاصة كومونات جنوة, وبيزا, والبندقية من اتصال مستمر ببلاد المغرب عبر مجموعة من الخطوط البحرية منها:
خط ينطلق أساسا من إيطاليا, ويصل إلى سواحل بلاد المغرب بطريقة عرضية بعد أن يتخذ من جزر البليار محطة أساسية له، وهذا الخط في كثير من جوانبه يمكن إدراجه ضمن عمليات الإبحار التي كانت تتم في أعالي البحار، إلا أن الرحلة الإيطالية لم تكن لتغامر على قطع هذا الطريق دون التوقف في الجزائر الشرقية إما مباشرة(22)، أو بعد التوقف في السواحل الجنوبية لفرنسا خاصة مرسيليا ثم سواحل قطلانية خاصة برشلونة ثم تتجه بعد ذلك إلى ميورقة(23). ومنها نحو سواحل بلاد المغرب, وبصفة خاصة نحو بجاية التي كانت تقابل ميورقة(24)، وأما تلك التي كانت تتجه إلى سبتة فإنها كانت تعرج على الموانئ الشرقية للأندلس خاصة ميناء بلنسية, ومن ثم نحو جبل الفتح لتصل بعد ذلك إلى سبتة(25).
وهناك طريق فَضَّلَهُ تُجارُ البندقية عن غيره فكانوا يتوجهون إلى الإسكندرية ثم بعد ذلك يستأنفون رحلتهم نحو موانئ المغرب(26)، وقد كانت صقلية في هذه الطريق مركزا رئيسيا بوصفها محطة تتوقف فيها السفن الإيطالية لتجدد زادها ثم تتوجه بعد ذلك إلى السواحل المغربية.
وبالإضافة إلى هذه الخطوط التي كانت تعرف حركة ملاحية كثيفة, ورسمية في كثير من الأحيان، يمكن أن نذكر مجموعة أخرى من الخطوط البحرية التي يمكن أن نصطلح على تسميتها بالخطوط "الجهوية", والتي كانت تربط بين موانئ بعينها وغالبا ماكانت متقابلة ولا تفصل بينها مسافة كبيرة، ومن بينها يمكن أن نذكر:
خط صقلية وموانئ إفريقية: حول هذا الخط نتوفر على إشارات عديدة تفيد قدم اتصال صقلية بسواحل إفريقية، ولعل عامل القرب يمكنه أن يفسر لنا هذه العلاقة بين إفريقية وصقلية، ويكفي أن ندلل على هذا باهتمام الدولة الإسلامية بهذه الجزيرة، إدراكا منها لأهميتها والدور الذي يمكن أن يؤديه المتحكم فيها من مراقبته للملاحة في الحوض الغربي من المتوسط، كما أن الدول النصرانية من جانبها قد أدركت أهمية صقلية في تموين الحملات الصليبية التي كانت تستهدف المشرق الإسلامي(27).
أما من الناحية التجارية فقد نشطت عدة موانئ في إفريقية مع جزيرة صقلية كما هو الشأن بالنسبة لتجار صقلية(28), وسوسة(29), وصفاقس(30), وهذا النشاط التجاري المكثف قد يكون المسؤول عن تحريك أطماع النورماند للاستيلاء على موانئ إفريقية.
خط بجاية ميروقة: نشط هذا الخط بفعل العلاقات التي كانت تربط بين المدينتين، وقد ساعد تقابل المدينتين على تعديد الرحلات البحرية بينهما والتي ستتضاعف بفعل استقرار بني غانية في جزر البليار الذين سعوا إلى توطيد علاقتهم بتجار المدينة، فكان الميورقيون يصرفون في بجاية بضائعهم, ويتزودون بمنتجات المدينة خاصة العبيد(31).
خط جزائر بني مزغنة ميورقة: استعمل هذا الخط الناصر الموحدي إبان تحرك أساطيله في اتجاه الجزائر الشرقية في إطار صراعه مع بني غانية وذلك حسب رواية ابن أبي زرع التي تخالف ما أورده الحميري الذي ذكر أن الحملة انطلقت من سبتة نحو دانية فميورقة(32).
الخط العسكري: يضم هذا المحور خطين رئيسيين أحدهما ينطلق من قصر المجاز (القصر الصغير) إلى جزيرة طريف والآخر ينطلق من سبتة إلى الجزيرة الخضراء، وكانت الصفة الغالبة على هذا الخط هي المهمة العسكرية، سواء على عهد المرابطين أم على عهد الموحدين.
فالمرابطون لما رغبوا في تلبية داعي الجهاد في الأندلس، عملوا على تنظيم جواز أجنادهم عبر محور سبتة الجزيرة الخضراء، وهذا المحور نفسه استمر نشاطه مع الموحدين الذين أضافوا إليه محور قصر المجاز- جزيرة طريف، والذي سيعرف أقصى نشاطه على عهد المنصور والناصر الموحديين(33).
ويجب التنبيه إلى أن استعمال أي محور من هذا الخط كان له مايسوغه، إذ كانت الملاحة تعتمد الإبحار عبر ميناءين متقابلين، فالسالك لمحور سبتة- الجزيرة الخضراء كان عليه أن يتوقف بجبل طارق (جبل الفتح خلال المرحلة الموحدية)، والمسافة بين هاتين النقطتين (سبتة- الجزيرة الخضراء) قدرها الإدريسي بثمانية عشر ميلا(34)، أما المسافة الفاصلة بين الميناءين المتقابلين قصر المجاز وجزيرة طريف فقد قدرها الإدرسي باثني عشر ميلا(35). خط سواحل الريف، جنوب شرق الأندلس: يبرز في هذا الخط ميناء المزمة الذي ارتبط بعدة موانئ أندلسية أهمها مالقة وتستغرق مدة الإبحار عبر هذا الخط "مجرى يوم بالريح الطيبة المعتدلة"(36).
الخط الأطلنطي
بالإضافة إلى هذه الخطوط البحرية التي نشطت في البحر الأبيض المتوسط فإننا لا نعدم إشارات تفيد وجود خطوط ملاحية تنطلق من موانئ المغرب الأقصى على الساحل الأطلنطي لترتبط أساسا بموانئ شرق الأندلس، إلا أن هذه الخطوط كانت قليلة وتعتمد على عمليات الإبحار الساحلي (المساحلة)، فالسفن خلال الفترة الوسيطية لم تكن مجهزة بالشكل الذي يسمح لها بتنظيم رحلات طويلة في" المحيط الأطلنطي" الذي ارتبط عند الجغرافيين بعدة أوصاف مثل بحر الظلمات والبحر المحيط(37), والتي تفيد مدى الرعب الذي كان يقذفه هذا البحر في نفس من يحاول اقتحام أهواله(38).
 لكن رغم كل هذا، فقد أثبت العديد من الدارسين قدم الملاحة "بالساحل المحيطي"، معتمدين على المعلومات التي خلفها "هيرودوت" حول رحلة حانون, وذلك عندما أشار إلى عدة مواقع على الساحل الغربي لإفريقيا وما تزخر به من معطيات طبيعية وبشرية وحيوانية وقد تم تأكيد العديد من هذه المعلومات في رحلة المؤرخ الإغريقي بوليبوس (Polybius). ومن هذه المعلومات انطلق أحد الباحثين(39) ليؤكد وجود صلات بحرية بين الشمال الإفريقي وبلاد السودان عبر" المحيط الأطلسي", ويرد بذلك على "موني" الذي ينفي أن تكون سفن هذه المرحلة قادرة على مجابهة قوة التيارات وصعوبات الإبحار في" المحيط الأطلسي"(40).
 ويورد أحد الباحثين(41) العديد من الرحلات التي يزعم أصحابها أنهم قاموا بها بعيدا عن ساحل ليكسوس إلا أنه يذيل معلوماته هذه بشهادة "سترابون" الذي يعتبر-كل ما حكي عن "المحيط الأطلسي" فيما قبل الميلاد هو من قبيل الأسطورة.
 إلا أن معلوماتنا عن الساحل الأطلنطي أخذت تتضح تدريجيا مع كتابات الجغرافيين المغاربة كالبكري والإدريسي وابن عبد ربه الحفيد، ومن خلال ما أورده البكري فإن الملاحة في الساحل الأطلنطي كانت تتوقف عند أصيلا(42). أما في عهد الدولة الموحدية التي كانت تراقب رقعة مجالية واسعة فإن الملاحة في "البحر المحيط " تجاوزت مدينة أصيلا, وكانت تصل إلى نول لمطة(43)، ونعتقد أن نشاط الخط التجاري المساحل للمحيط والرابط بين نول وأوليل قد يكون شجع التجار على ركوب البحر المحيط منذ عهد المرابطين على الأقل، وذلك لما كانت تعرفه منطقة السوس الأدنى من ازدهار على المستوى الفلاحي لانفتاح على منتجات بلاد السودان(44).
 وانطلاقا من هذا الخط الأطلنطي فإن مدينة سلا كانت تتصل بإشبيلية بواسطة خط مباشر استعمله أبو يعقوب يوسف لما توصل بخبر وفاة والده عبد المؤمن(45)، وكانت المدة الفاصلة بين المدينتين قد استغرقت يوما وليلة واحدة وهي المدة نفسها الفاصلة بين سلا وسبتة(46).
وهكذا، وبعد استعراضنا لأهم المحاور التجارية الصحراوية والمحاور البحرية يمكن أن نخلص إلى نتيجة أساسية مفادها أن المحاور الصحراوية كانت امتدادا للمحاور البحرية، فالمحاور المارة بالمغرب كانت تنتهي إلى مدينة فاس ومنها إما إلى سبتة أو إلى تلمسان ومينائها هنين لتنطلق بعد ذلك المحاور البحرية إما في اتجاه الأندلس وإما في اتجاه الجزائر الشرقية وإيطاليا، ثم من بجاية نحو ميورقة وإيطاليا، أما الخطوط الصحراوية التي كانت تنتهي إلى موانئ إفريقية فإنها كانت تتجه إما نحو صقلية وإما نحو المشرق العربي، خاصة ميناء الإسكندرية.
******************
الحواشي
*) باحث من المغرب.
1 - لمزيد من المعلومات حول الطرق التجارية الصحراوية يرجع إلى: -R. Ma uny , Tableau géographique de l’ouest Africain au Moyen age d’après les sources écrites, la tradition et l’archéologie, Amsterdam 1967, p 426 et ce qui suit, J.Devisse , « Route de commerce et Echange en Afrique Occidentale en relations avec la Méditerranée » in R.H. E. S année 1972, pp 43-73, J Heers , « Le Sahara et le commerce méditerranée à la fin du moyen age », in A.I.E.O, Tome XVI , Année 1958 Alger , pp 247 -255, C. Vanker , « Géographie Economique de l’Afrique du Nord selon les auteurs arabes du Ix siècle au milieu du XII siècle », in A.E.S.C , 28ème année N° 3 mai, juin 1973, pp 659-679.
J. M. Lessard , « Sijilmassa la ville et ses relations commerciales au XI ème siècle d’après ELBAKRI, in Hes. Ta, Vol X fax 1-2 -1969, p 27 et ce qui suit, M. Delafousse ,les Relation du Maroc avec le soudan a travers les âges », in Hes. Vol 4, 1924, pp 153-174.   
مولاي هاشم القاسمي، مجتمع المغرب الأقصى في منتصف ق4هـ/ق10م، الدار البيضاء 1995م، ص359. وما بعدها. عز الدين أحمد عمر موسى، النشاط الاقتصادي في المغرب الإسلامي خلال القرن6هـ، ط1، دار الشروق1983م، ص305. وما بعدها، عبد الإله بنمليح، إفريقية الزيرية وعلاقاتها السياسية بدول جنوب حوض البحر المتوسط والأندلس، رسالة د.د.ع مرقونة، كلية الآداب، وجدة ص304. وما بعدها، -الناني ولد الحسين، صحراء الملثمين وعلاقاتها بشمال وغرب إفريقيا من منتصف ق 2هـ 8م إلى نهاية ق 5 هـ/11م رسالة دكتوراه مرقونة، كلية الآداب الرباط، الجزء 2، ص. 386 وما بعدها، حسن حافظي علوي، سجلماسة وإقليمها في ق 8هـ/14م، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1،1987، ص346. وما بعدها.
2 - ابن حوقل: والإدريسي وابن عبد ربه الحفيد.
3 - حول الطرق الرومانية في الشمال الإفريقي يرجع إلى:  R. Chevalier , Les voies Romains, Librairie Armand colin Paris, 1972 p 167 et ce qui suit. بيير سلامة، الصحراء في التاريخ القديم، ضمن تاريخ إفريقيا العام، اليونسكو- تورنيو 1985م، المجلد 2، ص. 528 وما بعدها ومولاي هاشم القاسمي، م. س، ص364. وما بعدها.
4- مولاي هاشم القاسمي، م.س، ص365. ب -واي انداه، غرب إفريقيا قبل 7م، تاريخ إفريقيا العام، م ج2، ص633. ب سلامة، تاريخ إفريقيا، م ج 2، ص542.
5 - مولاي هاشم القاسمي، م. س، ص. 365، وص371.
6 - نفسه.
7 - البكري، المغرب في ذكر بلادإفريقيا و المغرب، تقديم وتحقيقM.G.Deslane، د.ت، ص81. وما بعدها.
8 - اهتم نعيم زكي فهمي بالبحث في الطرق التجارية الرابطة بين الشرق والغرب في الفترة الوسيطية وعقد للطرق البحرية جزءا من دراسته إلا أنه لم يخص بلاد المغرب بأي حديث عن الطرق البرية. كما أنه لم يتعرض لموانئ المغرب ولا للطرق البحرية المعروفة التي كانت تربط بين بلاد المغرب وأوروبا والأندلس: طرق التجارة الدولية ومحطاتها بين الشرق والغرب أواخر العصور الوسطى، القاهرة 1973، ص.117 وما بعدها.
9- Ch. Picard, L’Océan atlantique musulman de la conquet arabe à l époque Ahmohade,Paris,1999, p 408.
10- ابن جبير: رحلة ابن جبير، مقدمة مصطفى زيادة، د.ت، ص41.
11- ابن رشيد السبتي رحلة ابن رشيد السبتي، تحقيق أحمد حدادي، رسالة مرقونة بمكتبة المجلس العلمي بمدينة وجدة، السفر2، ص230.
12- أبو بكر بن عبد الدين العربي المعافري الإشبيلي، قانون التأويل، تح، محمد السليماني ط2، دار الغرب الإسلامي،1990م، بيروت، ص79. وحول المحطات التي كانت تشكل هذا المحور حسب قول ابن العربي "فكان أول بلدة دخلت مالقة...ثم طفرت من غرناطة.. إلى ألمرية وركبت البحر..فارفأنا إلى بجاية...ثم خرجت عنها... فلقيت بيونة...ودخلنا تونس...ثم دخلت سوسة والمهدية...فلما حان وقت إقلاع المراكب في البحر إلى ديار الحجاز، اعتزمنا فركبنا..وانتهينا بعد خطب طويل إلى بيوت بني كعب من سليم..وسرنا حتى انتهينا إلى ديار مصر...ثم رحلنا عن ديار مصر إلى الشام...فدخلنا الأرض المقدسة وبلغنا المسجد الأقصى...ودخلنا البحر في الحين إلى عكا وأنجدنا إلى طبرية وحوران وصمدنا دمشق...ثم خرجنا إلى العراق..حتى بلغنا بغداد.." ص79-109.
13 - حسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام، القاهرة، د.ت، ص296.
14 - مولاي هاشم القاسمي: م. س، ص379-380.
15- جواتياين: دراسات في التاريخ الإسلامي والنظم الإسلامية، ترجمة عطية القوي، ط1، الكويت1971م، ص2. عز الدين أحمد موسى، النشاط..، م. س، ص321. بنمليح، م. س، ص370. وما بعدها.
16 - نموذج رحلة ابن العربي: قانون..، م. س، ص79-100.
17 - رحلة ابن جبير: م. س، ص56-57.
18 - أحمد عز الدين موسى: النشاط..، م. س، ص321-322.
19 - ابن جبير: م. س، ص43.
20 - عز الدين أحمد موسى: م. س، ص321.
21- مولاي هاشم القاسمي م. س، ج1، ص381.
 22- مصطفى نشاط، جنوة وبلاد المغرب من سنة 609إلى759هـ/1212-1358م، رسالة مرقونة بكلية الآداب وجدة، ص. 208-209.
23 - نعيم زكي فهي، م. س، ص. 184، مصطفى نشاط، م. س، ص. 208.
24 - فهذه الوضعية الجغرافية مكنت بني غانية من ربط علاقات قوية مع بجاية.
25 - زكي فهمي، م. س، ص. 182، مصطفى نشاط، م. س، ص209.
26 - زكي فهمي، نفسه، ص. 179.
 27- حول علاقة المرابطين والموحدين بالنورماند يرجع لدراستنا، النشاط البحري في العصرين المرابطي والموحدي، رسالة مرقونة بكلية الآداب وجدة، ص.208.209و225.220.
28 - البكري، م. س، ص. 10.
29 - نفسه، ص. 36.
30 - البكري، م.س، ص. 20. كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار، تحقيق سعد زغلول عبد الحميد، الدار البيضاء.1985م، ص. 116 -117.
31 - الغبريني، عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، تحقيق عادل نويهض، ط2، بيروي1979م، ترجمة رقم 4، ص. 46.
32 - ابن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرب بروض القرطاس..، دار المنصور للطباعة، الرباط. 1972م، ص.2. الحميري، الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس، ط2، 1984، ص. 567-568
33- ابن عذاري المراكشي، البيان..، القسم الخاص بالموحدين، تحقيق جماعة، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1985 ص. 204، القرطاس، م. س، ص. 234.
34- الإدريسي، المغرب العربي من كتاب نزهة المشتاق، حققه ونقله إلى العربية محمد حاج صادق، O.P.U بلجيكا، 1983م، ص. 181.
35- نفسه.
36- الإدريسي، م. س. ص.581، البكري، م. س، ص.97. ابن عذاري، البيان المغرب..، ج 1تحقيق ج.كولان وليفي بروفنصال، ط2، دار الثقافة، بيروت 1980م، ص.175.
37- أفلاطون يسمي هذ البحر المحيط نسبة للملك أطلس والذي كان آسمه يطلق كذلك على جزيرة Atlantide وهناك من يرى أن الرعايا الأطلسيين وجبل أطلس المرتفع ينتسبان للملك أطلس ملك هذه البلاد، وبالإضافة إلى هذا فإن المحيط الأطلسي كان يسمى تارة بالبحر الكبير أو البحر الخارجي أو بحر الظلمات "La mer des ténèbres" هذه التسميات مأخوذة عن محمد مجذوب، " البحر في المغرب القديم"، مقال سابق، ص147-148.
38 - الإدريسي، م. س، ص.179.
39 - ب.سلامة، م. س، ج2، ص.528.
40 -R. Mauny," La navigation sur les côtes des Sahara pendant l’antiquité", in R.E.A, N°1-2, 1955 , p99.
41 - محمد مجدوب، "البحر في المغرب القديم"، ندوة البحر في تاريخ المغرب، نشر جامعة الحسن الثاني، سلسلة ندوات رقم7، سنة 1999م، ص156-157.
42 - البكري، م. س، ص86-87-113-153-154.
43- الاستبصار، م. س، ص. 141، ابن الزيات التادلي، التشوف إلى رجال التصوف..، تحقيق أحمد توفيق، ط1، منشورات كلية الآداب الرباط، جامعة محمد الخامس،
1984..، ص.189. 361، ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة..، تحقيق عبد الهادي التازي، ط1، دار الغرب الإسلامي، 1987، ص. 173، محمد زنبير، المغرب في العصر الوسيط، ط1، نشر كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، 1999، ص. 355. Ch picard , l’Océan…, op cit, p 59..
44 - التشوف، م. س، ص189 و 196.
45 - القرطاس، م. س، ص209.
46- Ch Picard, L’Océan.. , p 419

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق