مصادر التاريخ المغربي في المكتبات.
دعوة الحق
العددان 194 و195
مــــــدخـل:
مصادر تاريخ المغرب المحفوظة بالمكتبات كثيرة و متنوعة، لا يزال معظمها مخطوطا في أصوله الأولى أو منقولا عن الأصول بواسطة أو سائط. و لن نتعرض في هذه العجالة للمصادر التاريخية الموجودة خارج المغرب، فهي كثيرة جدا تحتاج لبحث مستقل، و قد نشر من الوثائق المغربية في أوربا مجموعة مصادر غير منشورة لتاريخ المغرب في نحو ثلاثين مجلدا ضخما، و ما تزال وثائق أخرى منها في المركز المغربي بباريز تنتظر النشر. أما المخطوطات و الوثائق المغربية الموجودة في أفريقيا و آسيا و أمريكا فلم ينشر منها و لا عنها شيء لحد الآن.
سيقتصر هذا المدخل على ذكر أهم المكتبات العامة و الخاصة داخل المغرب المحتوية على مصادر التاريخ المغربي، سواء احتوت على النوعين التاليين أو احدهما:
أ – كتب مخطوطة الفت لأول مرة في جانب من الجوانب التاريخية، كتاريخ عصر من العصور أو إقليم أو مدينة أو زاوية، أو تراجم شخصيات علمية أو دينية، منفردة أو مجتمعية لفترات معينة، أو يشبه تراجم ذاتية في الفهارس و الأجازات. و مثلها مخطوطات أخرى في مواضيع لا صلة لها بالتاريخ في الظاهر، كالفقه و النوازل والعقائد و التصوف، و اشتملت مع ذلك على استطرادات تاريخية ذات بال.
ب – وثائق مكتوبة أو غير مكتوبة، كالظهائر السلطانية و المعاهدات الدولية و المراسلات الرسمية و غير الرسمية، و سجلات الحسابات و الأحكام، و حوالات أوقاف المساجد و المدارس و الزوايا، و عقود المعارضات و انكحة و التركات. و كذلك مجموعات النقود و لآلات و الآنية و الخراط و الصور و ما إلى ذلك. و في هذا الصنف أيضا وثائق مقحمة في كتب لا يظن أن توجد بها، من شروح و حواش و رحلات و دواوين شعرية.
أهم مكتبة في المغرب تشمل مصادر تاريخية هي:
المكتبة الملكية بالرباط.
و تجمع في حظيرتها ألاف المخطوطات التي كانت من قبل موزعة في القصور الملكية بفاس و مراكش و الدار البيضاء و دار السلام بالرباط، و من ضمنها عدد وافر من المؤلفات التاريخية بخطوط مؤلفيها.
و نقلت إليها أخيرا المكتبة الزيدانية الشهيرة بمخطوطاتها و وثائقها المنشور بعضها في الأجزاء الخمسة المطبوعة من كتاب أتحاف أعلام الناس.
و تحتوي المكتبة الملكية أكثر من ذلك على آلاف مؤلفة من المراسلات الرسمية و دفاتر الحسابات لمداخيل الدولة و مصارفها. و كم من كتاب كان يعد ضائعا أو لم تكن تعرف إلا بعض أجزائه، فوجد في هذه الخزانة العامرة. و الجهود مبذولة منذ سنوات فهرسة ذخائرها و تنظيم وثائقها. و قد تم فعلا فهرسة أكثر من عشرة آلاف مخطوط، و ترتيب آلاف الوثائق في ملفات ترتيبا زمنيا يسهل تناولها و الرجوع إليها(1). و من اشهر المكتبات العامة المشتملة على مصادر التاريخ المغربي:
1 – المكتبة ( أو الخزانة) العامة بالرباط:أسست سنة 1919 تابعة لمعهد الدراسات المغربية العليا، و لم يكن بها آنذاك غير بضع مآت من المخطوطات فهرسها ليفي بروفنسال سنة 1920، و طبع هذا الفهرس ضمن مطبوعات معهد الدراسات المغربية العليا. و ما زالت هذه المخطوطات حتى اليوم في المكتبة تحمل الأرقام من 1 إلى 531. ثم صدر ظهير سنة 1926 الذي أصبحت هذه المكتبة بمقتضاه مؤسسة عمومية ذات كيان قائم يسمى «الخزانة العامة للكتب و الوثائق» لها الصلاحية في ممارسة شؤونها الإدارية و الفنية بتسيير من مجلس إداري يضم عناصر حكومية مختلفة. و صدر سنة 1934 ظهير آخر ينص على إدخال الوثائق و المستندات الحكومية إلى الخزانة العامة. و اقتنت المكتبة مخطوطات أخرى بلغت 1189 مخطوطا سنة 1953، و هي الحاملة للأرقام من 532 أبي 1720 د، فهرسها في جزأين عبد الله الرجراجي و علوش، نشرا كذلك ضمن مطبوعات نعهد الدراسات المغربية العليا سنة 1954-1958. ز بلغ ما اقتنته المكتبة في السنوات الثلاث التالية 1954-1957 ستمائة مخطوط حملت الأرقام من 1721 إلى 2321 د، و فهرسها كذلك محمد إبراهيم الكتاني في جزأين طبع اولهما بالرباط سنة 1973، و الثاني مهيأ لم ينشر بعد.
و في المكتبة العامة قسم يختص بتاريخ المغرب يدعى قسم البيبلوغرافية المغربية يضع كشفا عاما لكل ما يكتب عن المغرب من بحوث و مقالات، يسجل في جذاذات مزدوجة مرتبة حسب المواضيع و أسماء المؤلفين، و يجمع في فهرس خاص كان يطبع أولا على الراقنة ثم على المكررة بالفرنسية، كل مجاد لسنة، ابتداء من سنة 1929. و بعد الاستقلال أصبحت البيبلوغرافية الوطنية المغربية تطبع بالعربية و الفرنسية في شكل مجلة شهرية.
و قد تطور أمر المخطوطات و الوثائق بالمكتبة العامة بعد الاستقلال، فدخلتها آلاف مؤلفة منها، بعضها و هو القليل بالشراء، و أكثرها عن طريق إلهيات أو نقل مكتبات كبرى إليها، كمكتبات الشيخ عبد الحي الكتاني، و الباشا التهامي الجلاوي، و الصدر المقري، و وزير العدل محمد المحجوب.
و منذ سنة 1969 أسست جائزة الحسن الثاني السنوية للمخطوطات و الوثائق، فعرض منها في السنة الأولى 2000 مخطوط و وثيقة، و في السنة التالية 3000 و هكذا ف يتصاعد مستمر. و اكتشف بهذه الطريقة مخطوطات نادرة وثائق غريبة صورتها المكتبة العامة في أشرطة أو أخرجتها على الورق أو اقتنتها من أصحابها.
هذه الثروة الضخمة من المخطوطات، و من بينها عدد كثير من المخطوطات التاريخية، فهرست فهرسه تقريبية و جزئية، و كذلك الوثائق و المستندات الحكومية. و يوم يتم تنظيم كل هذه المدخرات ستصبح المكتبة العامة بالرباط اكبر معين يرده المتعطشون لتاريخ هذه البلاد.
2 – المكتبة العامة بتطوان:
كانت هذه المكتبة في النصف الأول من هذا القرن تقوم في المنطقة الشمالية أو الخلفية الخاضعة للحماية الأسبانية بالدور الذي تقوم به المكتبة العامة بالرباط. وتحتوي بدورها على عدد هام من المخطوطات و الوثائق، فهرست أولا فهرسة تقريبية. و طبع فهرس المؤلفين و عناوين الكتب المحفوظة في المكتبة العامة بتطوان للمرحوم احمد المكناسي عام 1952 في 602 صفحة، كما طبع جزأين من سلسلة وثائق لدراسة تاريخ المغرب، اختص اولهما بمراسات
السلطان مولاي الحسن الأول، و ثانيهما بمراسلة وزرائه. و لما تم الفهرس الجديد المحتوي على أزيد من عشرين ألف وثيقة أصدر الأستاذان المهدي الدلير و مدير المكتبة و محمد الغازي الرويفي رئيس قسم الوثائق بها سنة 1970 سلسلة جديدة بعنوان: فهرس الوثائق التاريخية اشتمل الجزء الأول منها على السنوات العشر الأولى من عصر السلطان مولاي الحسن الأول (1291-1300هـ/1874-1883). و نشير إلى انه كان يصدر بتطوان سنويا مجلة البيبلوغرافية المغربية، من وضع بعض المثقفين هناك.
3 – مكتبة القرويين بفاس:
أقدم المكتبات المغربية و اشهرها، احتوت على بقايا مخطوطات فريدة من العصر الوسيط، و رغم ما حل بها من نهب و اختلاس في المدة الأخيرة، خاصة أيام الحماية الفرنسية، فإنها ما زالت تحتفظ بمخطوطات تاريخية قيمة. و قد فهرسها الأول مرة المستشرق الفرنسي بيل فهرسة تقريبية بمساعدة بعض المغاربة المشتغلين بها آنذاك، و طبع هذا الفهرس بفاس سنة 1918. ثم فهرسها محافظها السابق المرحوم محمد العابد الفاسي فهرسة علمية مدققة، إلا أن هذا الفهرس لم يطبع بعد. و نشر محمد العابد الفاسي كذلك دراسة قيمة عنها و عن المكتبات المغربية عموما في كتيب بعنوان: الخزانة العلمية بالمغرب، اشتمل على ذكر بعض نفائس القرويين، و ذلك بمناسبة عيد جامعة القرويين عام 1380 هـ/1960 م.
4 – مكتبة ابن يوسف بمراكش:
هي ثانية المكتبات المغربية القديمة بعد القرويين، إلا أن يد الإهمال أصابتها فيما أصاب معالم مراكش حين تخلى عنها المرينيون كحضارة لدولتهم. و تضم هذه المكتبة اليوم بين جناباتها بقايا المخطوطات التي أوقفها الملوك السعديون على مساجد مراكش و مدارسها و أضرحتها، و عددا من مؤلفات علماء و مؤرخي عاصمة الجنوب و بخاصة في القرون الأربعة الأخيرة.
فهرس مخطوطات هذه المكتبة محافظا الأستاذ الصديق بن العربي فهرسة مدققة، و طبعها على الآلة المكررة.
5 – مكتبة الجامع الأعظم بمكناس:
يكفي للدلالة على أهمية هذه المكتبة احتوائها على بقايا مكتبة السلطان العظيم مولاي إسماعيل الذي بلغت عاصمة مكناس في عصره درجة عالية في الرقي و الحضارة، و تزاحم على بلاطه السفراء و العلماء من أوربا و غيرها من أقطار المعمور غير أن مخطوطات هذه المكتبة لم تفهرس بعد، و إنما وضعت قائمة تقريبية ببعض محتوياتها.
6 – مكتبة الجامع الأعظم بسلا:
هذه المكتبة العلمية عتيقة، يرجع تاريخ تأسيسها و المسجد الأعظم و المدارس المتصلة به إلى عصر الموحدين فالمرينيين، و رغم قلة المخطوطات الباقية بها فإنها تمتاز بما تحتوي عليه من مؤلفات علماء هذه المدينة القدماء و المحدثين.
و قد جددت بنايتها ادخل المسجد الأعظم في السنوات الأخيرة، و فتحت لعموم و لو أن فهرسة كتبها غير تامة.
7 – مكتبة الجامع الكبير بتازة:
يرجع عهد الكتب الوقفية بتازة إلى عصر السلطانيين المرينيين يوسف بن يعقوب و ابنه أبي الحسن، حيث بنيا هنالك المسجد الأعظم و المدرسة العليمة و شحنا خزانتهما بالكتب. ونظرا للاتصال العلمي الوثيق الذي كان قائما طوال القرون الماضية بين تازة و تلمسان، فان هذا المكتبة حوت في جملة ما احتوت عليه مخطوطات أصيلة تاريخية أو قريبة الصلة بالتاريخ لمؤلفين تازيين و تلمسانيين.
8 – مكتبة وزان:تتصل هذه المكتبة بضريح المؤسس الحقيقي لمدينة وزان مولاي عبد الله الشريف العلمي جد الشرفاء الوزانيين. و قد بدأت حركة الكتب في هذه المدينة مع الحركة الصوفية العلمية التي أحدثها هناك هذا الشيخ و آله و ابتاعه العلماء أواخر القرن الهجري الحادي عشر -17م. و ما تمتاز به مكتبة وزان كتب المناقب التي تؤرخ للحركة الصوفية الشاذلية بالمغرب في العصر الحديث.
9 – مكتبة المعهد الإسلامي بترودانت:
مدينة ترودانت المتواضعة اليوم على ضفاف نهر سوس، كانت في القرنين العشر و الحادي عشر للهجرة/16 و 17 م العاصمة الأولى للسعديين قبل أن ينتقلوا إلى مراكش، و ثالثة الحواضر الكبرى بالمغرب. تعددت مساجدها و مدارسها و اكتضت بالمعلمين و المتعلمين، كما امتلأت خزائنها باعلاق الكتب. و قد عدت عوادي الزمن على معظم تلك الذخائر، و جمع ما بقي منها أخيرا في مكتبة المعهد الإسلامي. و يجد الباحث في تاريخ سوس بهذه المكتبة على قلة مخطوطاتها ما لا يجده ف يغريها من المكتبات.
10 – المكتبة الصبيحية بسلا:
من أغنى المكتبات الحديثة بالوثائق و المخطوطات التاريخية، أصلها مكتبة خاصة بباشا مدين سلا المرحوم الحاج محمد الصبيحي، و أوقفها قبيل وفاته على المستفيدين من الباحثين و الطلبة، و بنى لها ولده الأستاذ عبد الله الصبيحي بناية فاخرة و أعطاها كل وقته و تفكيره تنظيما و فهرسة و إنفاقا بغير حساب. و لما كان البيت الصبيحي من اعرق البيوتات السلوية نبلا و علما و جاها، فان المكتبة الصبيحية حوت كثيرا من المراسلات السياسية المتبادلة خلال القرنين التاسع عشر و العشرين بين حكومت المخزن و رجال هذه الأسرة أو بينهم و بين ممثلي الدول الأجنبية في نطاق المهام الإدارية المنوطة بهم. كما انفدرت هذه المكتبة بوثائق و مخطوطات أصيلة لعدد من الأسر السلوية النابهة في القرنين الأخيرين و حتى في القرون السابقة لهما. و قد خص المحافظ الأستاذ عبد الله الصبيحي وثائق كل أسرة بخزانة زجاجية عرض فيها وثائقها و مخطوطاتها. و بهذه الخزانات زينت قاعة المطالعة العليا بالمكتبة.
و في ميدان المكتبات العامة بالمغرب ظاهرة تثير الانتباه، ألا و هي مكتبات في البادية لا تقل أهمية عن مكتبات الحاضرة، سواء من حيث عد المخطوطات أو محتواها. و لعل ذلك راجع إلى الحركة الصوفية المصطبغة بالصبغة العليمة التي عمت مدن المغرب و قراه في القرون الماضية. و قد أصاب هذه المكتبات إبان الحماية الفرنسية نوع من الإهمال، و انتهت من بعضها مخطوطات قيمة، في حين توفق بعض المشرفين إلى التستر على مدخرات مكتباتهم و حججها عن أعين المطلعين. و كان الفضل في إحياء هذه المكتبات وتنظيمها بعد الاستقلال لوزارة الأوقاف و الخزانة العامة للكتب و الوثائق على يد الأستاذين محمد إبراهيم الكتاني و محمد المنوني.
و سنقتصر في هذا المجال على ذكر أربعة من كبريات هذه المكتبات الوقفية القروية:
أ – دار الكتب الناصرية بتمكروت:
تقع هذه المكتبة في أسفل وادي درعة بالصحراء جنوبي زكورة، أسسه الشيخ امحمد ابن ناصر الدرعي في منتصف القرن الهجري الحادي عشر/17 م. و أوقفها في آخر حياته على طلبة العلم المتكاثرين في زاويته. و قد أضاف أبناء الشيخ و حفدته إلى هذه المكتبة عددا من مؤلفاتهم و مقتنياتهم من المخطوطات في رحلاتهم بالمغرب و المشرق. و تضم اليوم زهاء 4200 مخطوط.
فهرس هذه المكتبة الأستاذ محمد المنوني فهرسة مدققة، و كتب عنها بحثا قيما بعنوان حضارة وادي درعة: و طبع هو و الفهرس على الآلة المكررة، و نشر تباعا في مجلة دعوة الحق.
ب – المكتبة العياشية أو الحمزاوية:موقع هذه المكتبة في جبل ايت عياش بالأطلس الكبير الجنوبي ميدلت. أسسها الرحالة الصوفي الشهير أبو سالم العياشي مؤلف الرحلة الحجازية ماء الموائد أواخر القرن الهجري الحادي عشر /17م. و شحنها بمؤلفاته، و ما نسخه أو استنسخه أو اشتراه في رحلاته العديدة الطويلة. و زاد هذه المكتبة إغناء ولده الصوفي العالم حمزة الذي تنسب إليه اليوم المكتبة و الزاوية.
فهرس هذه المكتبة أيضا الأستاذ محمد المنوني إلا أن الفهرس لم يطبع بعد.
ج – مكتبة تنغملت بتادلا:توجد مكتبة تنغملت في هضاب تادلا غير بعيدة عن الشلال الشهير أزود. و تحتضن عددا من مؤلفات علماء وسط المغرب في منطقة الدير و حدود الأطلس المتوسط. و يقال أن عددا غير قليل من مخطوطات مكتبة الزاوية الدلائية الشهيرة آلت إلى مكتبة تنغملت. و انصب شر المستعمرين على هذه المكتبة أكثر من غيرها فاختلسوا منها أشياء كثيرة جعلت سلطات المغرب تغضب و تحتج على الفرنسيين باعتبار أن مخطوطات المكتبة وقفية لا يجوز إخراجها من موضعها. و وضعت قائمة آنذاك بما بقي فيه امن مخطوطات ما تزال محفوظة حتى اليوم. و قد نقل بعض تلك المخطوطات إلى المكتبة العامة بالرباط.
د – مكتبة بزو:
تقع قرية بزو على الهضاب المشرفة على وادي العبيد بين مراكش و بني ملال، و مكتبتها كمدرستها قديمة تحتوي على مخطوطات كتب لا توجد ف يغريها. ألا أنها للأسف لم تفهرس بعد، و إنما يعثر فيها بين الفينة و الأخرى على بعض النوادر.
أما المكتبات الخاصة التي تحتوي على وثائق و مخطوطات تاريخية و غيرها فلا يكاد يأتي عليها الحصر، و هي في القرى و الجبال أكثر منها في الحواضر و المدن. و كنموذج لما تزخر به مكتبات الخواص في البادية المغربية، فنحيل من يريد التعرف على المكتبات الخاصة بإقليم سوس وحده على رحلة المرحوم محمد المختار السوسي خلال جزولة المطبوعة أجزاؤها الأربعة بالمطبعة المهدية بتطوان أوائل عهد الاستقلال، فقد سجل فيها عشرات المكتبات السوسية التي زارها، و تحدث عن آلاف المخطوطات والوثائق فيها، و وصف المئات من هذه المخطوطات التي قراها أو تصفحها. ذلك أن الفرنسيين نفوا محمد المختار السوسي أيام طغيان الحماية بمسقط رأسه سوس، فمكث هنالك نحو 10 سنوات...في قرى و مداشر سوس سهلا و جبالا، و اطلع على ذخائر المكتبات و مدخرات الأسر التي تضن عادة بالإطلاع الناس عليها، و سجل كل ذلك في كتابه القيم خلال جزولة.
و سنجتزئ هنا بذكر بعض المكتبات الخاصة الغنية، إذ لا مناص من الاكتفاء بأقل القليل في هذا المجال. منها:
1 – المكتبة الفاسية: للمرحوم محمد العابد الفاسي، من أغنى المكتبات بالمخطوطات عموما، و مخطوطات الأسر الفاسية التي توارثت العلم طول قرون خصوصا. و قد آلت إلى هذه المكتبة معظم مؤلفات و كنانيش العلماء الفاسيين بخطوط أصحابها، كمحمد العربي الفاسي، و عبد الرحمن عبد القادر الفاسي، و محمد المهدي الفاسي، و أبي حفص عمر الفاسي و غيرهم كثير.و رغم أن صاحب المكتبة كان محافظ مكتبة القرويين و واضع فهرسها، فان مكتبته الخاصة غير مفهرسة، و كم كان رحمه الله يلاقي من عنت في استخراج بعض الكتب التي نرغب في الإطلاع عليها.
2 – المكتبة الاحمدية بفاس: لعبد السلام ابن سودة مؤلف دليل مؤرخ المغرب الأقصى، الكتاب الذي لا غنى عنه لمن يريد البحث في ماضي بلادنا. و ليست ثروة هذه المكتبة في العدد العديد من المخطوطات التاريخية التي كونت المادة الأساسية لكتاب دليل المؤرخ و ذيله الذي لم يطبع بعد، و إنما تتجلى أهمية المكتبة الاحمدية أيضا فيما تحتوي عليه من وثائق كثيرة تتعلق بتاريخ مدينة فاس خاصة.
3 – المكتبة الناصرية بسلا لآل الشيخ احمد بن خالد الناصري مؤلف الاستقصا، ففيها مصادر هذا الكتاب القيم، و منها مخطوطات فريدة بخطوط مؤلفيها من مختلف قرون العصر الحديث. و أغنى هذه المكتبة ولدا مؤلف الاستقصا بتأليفها التاريخية باللغتين العربية و الفرنسية، و بما اقتنياه طولب نصف قرن من المخطوطات و الوثائق المتعلقة بتاريخ المغرب عموما و مدينة سلا خصوصا.
4 – مكتبة ابن غازي بالرباط، للأستاذ محمد المنوني العالم المنقطع للبحث و الكتابة
في تاريخ المغرب منذ نحو أربعين سنة و الذي لا ينقطع عن العمل على استكشاف و اقتناء كل ما له صلة قريبة أو بعيدة بتاريخ هذه البلاد من مخطوطات و وثائق.
5 – مكتبة الأستاذ إبراهيم الكتاني بالرباط، فيها من نفائس المخطوطات التاريخية أو القريبة من التاريخ الشيء الكثير، و هي بما تحتوي عليه من مؤلفات الأسرة الكتانية العالمة شبيهة بما في المكتبة الفاسية للعلماء الفاسيين، و من ضمنها مؤلفات والد المؤلف احمد بن جعفر الكتاني، و عددها 96 كتابا كلها بخط المؤلف.
6 – المكتبة الكنونية بطنجة:
هي مكتبة العالم المغربي الشهير عبد الله كنون مؤلف كتاب النبوغ المغربي، و فيها جميع مصادر هذا الكتاب الذي كان له دوى هائل في الشرق و الغرب. و اصل المكتبة للشيخ التهامي بن المدني كنون جد عبد الله كنون.
هذه نظرية عجلى على بعض ظروف تاريخ المغرب، أما المضمون و المحتوى فذلك ما سنقدم نماذج منه بعد بحول الله.
(1) انظر بحث محمد الفاسي عن الخزانة السلطانية و بعض نفاسها في مجلة البحث العلمي، أعداد 3-4-5-6-7 شتنبر 1964 ابريل 1966.
مصادر تاريخ المغرب المحفوظة بالمكتبات كثيرة و متنوعة، لا يزال معظمها مخطوطا في أصوله الأولى أو منقولا عن الأصول بواسطة أو سائط. و لن نتعرض في هذه العجالة للمصادر التاريخية الموجودة خارج المغرب، فهي كثيرة جدا تحتاج لبحث مستقل، و قد نشر من الوثائق المغربية في أوربا مجموعة مصادر غير منشورة لتاريخ المغرب في نحو ثلاثين مجلدا ضخما، و ما تزال وثائق أخرى منها في المركز المغربي بباريز تنتظر النشر. أما المخطوطات و الوثائق المغربية الموجودة في أفريقيا و آسيا و أمريكا فلم ينشر منها و لا عنها شيء لحد الآن.
سيقتصر هذا المدخل على ذكر أهم المكتبات العامة و الخاصة داخل المغرب المحتوية على مصادر التاريخ المغربي، سواء احتوت على النوعين التاليين أو احدهما:
أ – كتب مخطوطة الفت لأول مرة في جانب من الجوانب التاريخية، كتاريخ عصر من العصور أو إقليم أو مدينة أو زاوية، أو تراجم شخصيات علمية أو دينية، منفردة أو مجتمعية لفترات معينة، أو يشبه تراجم ذاتية في الفهارس و الأجازات. و مثلها مخطوطات أخرى في مواضيع لا صلة لها بالتاريخ في الظاهر، كالفقه و النوازل والعقائد و التصوف، و اشتملت مع ذلك على استطرادات تاريخية ذات بال.
ب – وثائق مكتوبة أو غير مكتوبة، كالظهائر السلطانية و المعاهدات الدولية و المراسلات الرسمية و غير الرسمية، و سجلات الحسابات و الأحكام، و حوالات أوقاف المساجد و المدارس و الزوايا، و عقود المعارضات و انكحة و التركات. و كذلك مجموعات النقود و لآلات و الآنية و الخراط و الصور و ما إلى ذلك. و في هذا الصنف أيضا وثائق مقحمة في كتب لا يظن أن توجد بها، من شروح و حواش و رحلات و دواوين شعرية.
أهم مكتبة في المغرب تشمل مصادر تاريخية هي:
المكتبة الملكية بالرباط.
و تجمع في حظيرتها ألاف المخطوطات التي كانت من قبل موزعة في القصور الملكية بفاس و مراكش و الدار البيضاء و دار السلام بالرباط، و من ضمنها عدد وافر من المؤلفات التاريخية بخطوط مؤلفيها.
و نقلت إليها أخيرا المكتبة الزيدانية الشهيرة بمخطوطاتها و وثائقها المنشور بعضها في الأجزاء الخمسة المطبوعة من كتاب أتحاف أعلام الناس.
و تحتوي المكتبة الملكية أكثر من ذلك على آلاف مؤلفة من المراسلات الرسمية و دفاتر الحسابات لمداخيل الدولة و مصارفها. و كم من كتاب كان يعد ضائعا أو لم تكن تعرف إلا بعض أجزائه، فوجد في هذه الخزانة العامرة. و الجهود مبذولة منذ سنوات فهرسة ذخائرها و تنظيم وثائقها. و قد تم فعلا فهرسة أكثر من عشرة آلاف مخطوط، و ترتيب آلاف الوثائق في ملفات ترتيبا زمنيا يسهل تناولها و الرجوع إليها(1). و من اشهر المكتبات العامة المشتملة على مصادر التاريخ المغربي:
1 – المكتبة ( أو الخزانة) العامة بالرباط:أسست سنة 1919 تابعة لمعهد الدراسات المغربية العليا، و لم يكن بها آنذاك غير بضع مآت من المخطوطات فهرسها ليفي بروفنسال سنة 1920، و طبع هذا الفهرس ضمن مطبوعات معهد الدراسات المغربية العليا. و ما زالت هذه المخطوطات حتى اليوم في المكتبة تحمل الأرقام من 1 إلى 531. ثم صدر ظهير سنة 1926 الذي أصبحت هذه المكتبة بمقتضاه مؤسسة عمومية ذات كيان قائم يسمى «الخزانة العامة للكتب و الوثائق» لها الصلاحية في ممارسة شؤونها الإدارية و الفنية بتسيير من مجلس إداري يضم عناصر حكومية مختلفة. و صدر سنة 1934 ظهير آخر ينص على إدخال الوثائق و المستندات الحكومية إلى الخزانة العامة. و اقتنت المكتبة مخطوطات أخرى بلغت 1189 مخطوطا سنة 1953، و هي الحاملة للأرقام من 532 أبي 1720 د، فهرسها في جزأين عبد الله الرجراجي و علوش، نشرا كذلك ضمن مطبوعات نعهد الدراسات المغربية العليا سنة 1954-1958. ز بلغ ما اقتنته المكتبة في السنوات الثلاث التالية 1954-1957 ستمائة مخطوط حملت الأرقام من 1721 إلى 2321 د، و فهرسها كذلك محمد إبراهيم الكتاني في جزأين طبع اولهما بالرباط سنة 1973، و الثاني مهيأ لم ينشر بعد.
و في المكتبة العامة قسم يختص بتاريخ المغرب يدعى قسم البيبلوغرافية المغربية يضع كشفا عاما لكل ما يكتب عن المغرب من بحوث و مقالات، يسجل في جذاذات مزدوجة مرتبة حسب المواضيع و أسماء المؤلفين، و يجمع في فهرس خاص كان يطبع أولا على الراقنة ثم على المكررة بالفرنسية، كل مجاد لسنة، ابتداء من سنة 1929. و بعد الاستقلال أصبحت البيبلوغرافية الوطنية المغربية تطبع بالعربية و الفرنسية في شكل مجلة شهرية.
و قد تطور أمر المخطوطات و الوثائق بالمكتبة العامة بعد الاستقلال، فدخلتها آلاف مؤلفة منها، بعضها و هو القليل بالشراء، و أكثرها عن طريق إلهيات أو نقل مكتبات كبرى إليها، كمكتبات الشيخ عبد الحي الكتاني، و الباشا التهامي الجلاوي، و الصدر المقري، و وزير العدل محمد المحجوب.
و منذ سنة 1969 أسست جائزة الحسن الثاني السنوية للمخطوطات و الوثائق، فعرض منها في السنة الأولى 2000 مخطوط و وثيقة، و في السنة التالية 3000 و هكذا ف يتصاعد مستمر. و اكتشف بهذه الطريقة مخطوطات نادرة وثائق غريبة صورتها المكتبة العامة في أشرطة أو أخرجتها على الورق أو اقتنتها من أصحابها.
هذه الثروة الضخمة من المخطوطات، و من بينها عدد كثير من المخطوطات التاريخية، فهرست فهرسه تقريبية و جزئية، و كذلك الوثائق و المستندات الحكومية. و يوم يتم تنظيم كل هذه المدخرات ستصبح المكتبة العامة بالرباط اكبر معين يرده المتعطشون لتاريخ هذه البلاد.
2 – المكتبة العامة بتطوان:
كانت هذه المكتبة في النصف الأول من هذا القرن تقوم في المنطقة الشمالية أو الخلفية الخاضعة للحماية الأسبانية بالدور الذي تقوم به المكتبة العامة بالرباط. وتحتوي بدورها على عدد هام من المخطوطات و الوثائق، فهرست أولا فهرسة تقريبية. و طبع فهرس المؤلفين و عناوين الكتب المحفوظة في المكتبة العامة بتطوان للمرحوم احمد المكناسي عام 1952 في 602 صفحة، كما طبع جزأين من سلسلة وثائق لدراسة تاريخ المغرب، اختص اولهما بمراسات
السلطان مولاي الحسن الأول، و ثانيهما بمراسلة وزرائه. و لما تم الفهرس الجديد المحتوي على أزيد من عشرين ألف وثيقة أصدر الأستاذان المهدي الدلير و مدير المكتبة و محمد الغازي الرويفي رئيس قسم الوثائق بها سنة 1970 سلسلة جديدة بعنوان: فهرس الوثائق التاريخية اشتمل الجزء الأول منها على السنوات العشر الأولى من عصر السلطان مولاي الحسن الأول (1291-1300هـ/1874-1883). و نشير إلى انه كان يصدر بتطوان سنويا مجلة البيبلوغرافية المغربية، من وضع بعض المثقفين هناك.
3 – مكتبة القرويين بفاس:
أقدم المكتبات المغربية و اشهرها، احتوت على بقايا مخطوطات فريدة من العصر الوسيط، و رغم ما حل بها من نهب و اختلاس في المدة الأخيرة، خاصة أيام الحماية الفرنسية، فإنها ما زالت تحتفظ بمخطوطات تاريخية قيمة. و قد فهرسها الأول مرة المستشرق الفرنسي بيل فهرسة تقريبية بمساعدة بعض المغاربة المشتغلين بها آنذاك، و طبع هذا الفهرس بفاس سنة 1918. ثم فهرسها محافظها السابق المرحوم محمد العابد الفاسي فهرسة علمية مدققة، إلا أن هذا الفهرس لم يطبع بعد. و نشر محمد العابد الفاسي كذلك دراسة قيمة عنها و عن المكتبات المغربية عموما في كتيب بعنوان: الخزانة العلمية بالمغرب، اشتمل على ذكر بعض نفائس القرويين، و ذلك بمناسبة عيد جامعة القرويين عام 1380 هـ/1960 م.
4 – مكتبة ابن يوسف بمراكش:
هي ثانية المكتبات المغربية القديمة بعد القرويين، إلا أن يد الإهمال أصابتها فيما أصاب معالم مراكش حين تخلى عنها المرينيون كحضارة لدولتهم. و تضم هذه المكتبة اليوم بين جناباتها بقايا المخطوطات التي أوقفها الملوك السعديون على مساجد مراكش و مدارسها و أضرحتها، و عددا من مؤلفات علماء و مؤرخي عاصمة الجنوب و بخاصة في القرون الأربعة الأخيرة.
فهرس مخطوطات هذه المكتبة محافظا الأستاذ الصديق بن العربي فهرسة مدققة، و طبعها على الآلة المكررة.
5 – مكتبة الجامع الأعظم بمكناس:
يكفي للدلالة على أهمية هذه المكتبة احتوائها على بقايا مكتبة السلطان العظيم مولاي إسماعيل الذي بلغت عاصمة مكناس في عصره درجة عالية في الرقي و الحضارة، و تزاحم على بلاطه السفراء و العلماء من أوربا و غيرها من أقطار المعمور غير أن مخطوطات هذه المكتبة لم تفهرس بعد، و إنما وضعت قائمة تقريبية ببعض محتوياتها.
6 – مكتبة الجامع الأعظم بسلا:
هذه المكتبة العلمية عتيقة، يرجع تاريخ تأسيسها و المسجد الأعظم و المدارس المتصلة به إلى عصر الموحدين فالمرينيين، و رغم قلة المخطوطات الباقية بها فإنها تمتاز بما تحتوي عليه من مؤلفات علماء هذه المدينة القدماء و المحدثين.
و قد جددت بنايتها ادخل المسجد الأعظم في السنوات الأخيرة، و فتحت لعموم و لو أن فهرسة كتبها غير تامة.
7 – مكتبة الجامع الكبير بتازة:
يرجع عهد الكتب الوقفية بتازة إلى عصر السلطانيين المرينيين يوسف بن يعقوب و ابنه أبي الحسن، حيث بنيا هنالك المسجد الأعظم و المدرسة العليمة و شحنا خزانتهما بالكتب. ونظرا للاتصال العلمي الوثيق الذي كان قائما طوال القرون الماضية بين تازة و تلمسان، فان هذا المكتبة حوت في جملة ما احتوت عليه مخطوطات أصيلة تاريخية أو قريبة الصلة بالتاريخ لمؤلفين تازيين و تلمسانيين.
8 – مكتبة وزان:تتصل هذه المكتبة بضريح المؤسس الحقيقي لمدينة وزان مولاي عبد الله الشريف العلمي جد الشرفاء الوزانيين. و قد بدأت حركة الكتب في هذه المدينة مع الحركة الصوفية العلمية التي أحدثها هناك هذا الشيخ و آله و ابتاعه العلماء أواخر القرن الهجري الحادي عشر -17م. و ما تمتاز به مكتبة وزان كتب المناقب التي تؤرخ للحركة الصوفية الشاذلية بالمغرب في العصر الحديث.
9 – مكتبة المعهد الإسلامي بترودانت:
مدينة ترودانت المتواضعة اليوم على ضفاف نهر سوس، كانت في القرنين العشر و الحادي عشر للهجرة/16 و 17 م العاصمة الأولى للسعديين قبل أن ينتقلوا إلى مراكش، و ثالثة الحواضر الكبرى بالمغرب. تعددت مساجدها و مدارسها و اكتضت بالمعلمين و المتعلمين، كما امتلأت خزائنها باعلاق الكتب. و قد عدت عوادي الزمن على معظم تلك الذخائر، و جمع ما بقي منها أخيرا في مكتبة المعهد الإسلامي. و يجد الباحث في تاريخ سوس بهذه المكتبة على قلة مخطوطاتها ما لا يجده ف يغريها من المكتبات.
10 – المكتبة الصبيحية بسلا:
من أغنى المكتبات الحديثة بالوثائق و المخطوطات التاريخية، أصلها مكتبة خاصة بباشا مدين سلا المرحوم الحاج محمد الصبيحي، و أوقفها قبيل وفاته على المستفيدين من الباحثين و الطلبة، و بنى لها ولده الأستاذ عبد الله الصبيحي بناية فاخرة و أعطاها كل وقته و تفكيره تنظيما و فهرسة و إنفاقا بغير حساب. و لما كان البيت الصبيحي من اعرق البيوتات السلوية نبلا و علما و جاها، فان المكتبة الصبيحية حوت كثيرا من المراسلات السياسية المتبادلة خلال القرنين التاسع عشر و العشرين بين حكومت المخزن و رجال هذه الأسرة أو بينهم و بين ممثلي الدول الأجنبية في نطاق المهام الإدارية المنوطة بهم. كما انفدرت هذه المكتبة بوثائق و مخطوطات أصيلة لعدد من الأسر السلوية النابهة في القرنين الأخيرين و حتى في القرون السابقة لهما. و قد خص المحافظ الأستاذ عبد الله الصبيحي وثائق كل أسرة بخزانة زجاجية عرض فيها وثائقها و مخطوطاتها. و بهذه الخزانات زينت قاعة المطالعة العليا بالمكتبة.
و في ميدان المكتبات العامة بالمغرب ظاهرة تثير الانتباه، ألا و هي مكتبات في البادية لا تقل أهمية عن مكتبات الحاضرة، سواء من حيث عد المخطوطات أو محتواها. و لعل ذلك راجع إلى الحركة الصوفية المصطبغة بالصبغة العليمة التي عمت مدن المغرب و قراه في القرون الماضية. و قد أصاب هذه المكتبات إبان الحماية الفرنسية نوع من الإهمال، و انتهت من بعضها مخطوطات قيمة، في حين توفق بعض المشرفين إلى التستر على مدخرات مكتباتهم و حججها عن أعين المطلعين. و كان الفضل في إحياء هذه المكتبات وتنظيمها بعد الاستقلال لوزارة الأوقاف و الخزانة العامة للكتب و الوثائق على يد الأستاذين محمد إبراهيم الكتاني و محمد المنوني.
و سنقتصر في هذا المجال على ذكر أربعة من كبريات هذه المكتبات الوقفية القروية:
أ – دار الكتب الناصرية بتمكروت:
تقع هذه المكتبة في أسفل وادي درعة بالصحراء جنوبي زكورة، أسسه الشيخ امحمد ابن ناصر الدرعي في منتصف القرن الهجري الحادي عشر/17 م. و أوقفها في آخر حياته على طلبة العلم المتكاثرين في زاويته. و قد أضاف أبناء الشيخ و حفدته إلى هذه المكتبة عددا من مؤلفاتهم و مقتنياتهم من المخطوطات في رحلاتهم بالمغرب و المشرق. و تضم اليوم زهاء 4200 مخطوط.
فهرس هذه المكتبة الأستاذ محمد المنوني فهرسة مدققة، و كتب عنها بحثا قيما بعنوان حضارة وادي درعة: و طبع هو و الفهرس على الآلة المكررة، و نشر تباعا في مجلة دعوة الحق.
ب – المكتبة العياشية أو الحمزاوية:موقع هذه المكتبة في جبل ايت عياش بالأطلس الكبير الجنوبي ميدلت. أسسها الرحالة الصوفي الشهير أبو سالم العياشي مؤلف الرحلة الحجازية ماء الموائد أواخر القرن الهجري الحادي عشر /17م. و شحنها بمؤلفاته، و ما نسخه أو استنسخه أو اشتراه في رحلاته العديدة الطويلة. و زاد هذه المكتبة إغناء ولده الصوفي العالم حمزة الذي تنسب إليه اليوم المكتبة و الزاوية.
فهرس هذه المكتبة أيضا الأستاذ محمد المنوني إلا أن الفهرس لم يطبع بعد.
ج – مكتبة تنغملت بتادلا:توجد مكتبة تنغملت في هضاب تادلا غير بعيدة عن الشلال الشهير أزود. و تحتضن عددا من مؤلفات علماء وسط المغرب في منطقة الدير و حدود الأطلس المتوسط. و يقال أن عددا غير قليل من مخطوطات مكتبة الزاوية الدلائية الشهيرة آلت إلى مكتبة تنغملت. و انصب شر المستعمرين على هذه المكتبة أكثر من غيرها فاختلسوا منها أشياء كثيرة جعلت سلطات المغرب تغضب و تحتج على الفرنسيين باعتبار أن مخطوطات المكتبة وقفية لا يجوز إخراجها من موضعها. و وضعت قائمة آنذاك بما بقي فيه امن مخطوطات ما تزال محفوظة حتى اليوم. و قد نقل بعض تلك المخطوطات إلى المكتبة العامة بالرباط.
د – مكتبة بزو:
تقع قرية بزو على الهضاب المشرفة على وادي العبيد بين مراكش و بني ملال، و مكتبتها كمدرستها قديمة تحتوي على مخطوطات كتب لا توجد ف يغريها. ألا أنها للأسف لم تفهرس بعد، و إنما يعثر فيها بين الفينة و الأخرى على بعض النوادر.
أما المكتبات الخاصة التي تحتوي على وثائق و مخطوطات تاريخية و غيرها فلا يكاد يأتي عليها الحصر، و هي في القرى و الجبال أكثر منها في الحواضر و المدن. و كنموذج لما تزخر به مكتبات الخواص في البادية المغربية، فنحيل من يريد التعرف على المكتبات الخاصة بإقليم سوس وحده على رحلة المرحوم محمد المختار السوسي خلال جزولة المطبوعة أجزاؤها الأربعة بالمطبعة المهدية بتطوان أوائل عهد الاستقلال، فقد سجل فيها عشرات المكتبات السوسية التي زارها، و تحدث عن آلاف المخطوطات والوثائق فيها، و وصف المئات من هذه المخطوطات التي قراها أو تصفحها. ذلك أن الفرنسيين نفوا محمد المختار السوسي أيام طغيان الحماية بمسقط رأسه سوس، فمكث هنالك نحو 10 سنوات...في قرى و مداشر سوس سهلا و جبالا، و اطلع على ذخائر المكتبات و مدخرات الأسر التي تضن عادة بالإطلاع الناس عليها، و سجل كل ذلك في كتابه القيم خلال جزولة.
و سنجتزئ هنا بذكر بعض المكتبات الخاصة الغنية، إذ لا مناص من الاكتفاء بأقل القليل في هذا المجال. منها:
1 – المكتبة الفاسية: للمرحوم محمد العابد الفاسي، من أغنى المكتبات بالمخطوطات عموما، و مخطوطات الأسر الفاسية التي توارثت العلم طول قرون خصوصا. و قد آلت إلى هذه المكتبة معظم مؤلفات و كنانيش العلماء الفاسيين بخطوط أصحابها، كمحمد العربي الفاسي، و عبد الرحمن عبد القادر الفاسي، و محمد المهدي الفاسي، و أبي حفص عمر الفاسي و غيرهم كثير.و رغم أن صاحب المكتبة كان محافظ مكتبة القرويين و واضع فهرسها، فان مكتبته الخاصة غير مفهرسة، و كم كان رحمه الله يلاقي من عنت في استخراج بعض الكتب التي نرغب في الإطلاع عليها.
2 – المكتبة الاحمدية بفاس: لعبد السلام ابن سودة مؤلف دليل مؤرخ المغرب الأقصى، الكتاب الذي لا غنى عنه لمن يريد البحث في ماضي بلادنا. و ليست ثروة هذه المكتبة في العدد العديد من المخطوطات التاريخية التي كونت المادة الأساسية لكتاب دليل المؤرخ و ذيله الذي لم يطبع بعد، و إنما تتجلى أهمية المكتبة الاحمدية أيضا فيما تحتوي عليه من وثائق كثيرة تتعلق بتاريخ مدينة فاس خاصة.
3 – المكتبة الناصرية بسلا لآل الشيخ احمد بن خالد الناصري مؤلف الاستقصا، ففيها مصادر هذا الكتاب القيم، و منها مخطوطات فريدة بخطوط مؤلفيها من مختلف قرون العصر الحديث. و أغنى هذه المكتبة ولدا مؤلف الاستقصا بتأليفها التاريخية باللغتين العربية و الفرنسية، و بما اقتنياه طولب نصف قرن من المخطوطات و الوثائق المتعلقة بتاريخ المغرب عموما و مدينة سلا خصوصا.
4 – مكتبة ابن غازي بالرباط، للأستاذ محمد المنوني العالم المنقطع للبحث و الكتابة
في تاريخ المغرب منذ نحو أربعين سنة و الذي لا ينقطع عن العمل على استكشاف و اقتناء كل ما له صلة قريبة أو بعيدة بتاريخ هذه البلاد من مخطوطات و وثائق.
5 – مكتبة الأستاذ إبراهيم الكتاني بالرباط، فيها من نفائس المخطوطات التاريخية أو القريبة من التاريخ الشيء الكثير، و هي بما تحتوي عليه من مؤلفات الأسرة الكتانية العالمة شبيهة بما في المكتبة الفاسية للعلماء الفاسيين، و من ضمنها مؤلفات والد المؤلف احمد بن جعفر الكتاني، و عددها 96 كتابا كلها بخط المؤلف.
6 – المكتبة الكنونية بطنجة:
هي مكتبة العالم المغربي الشهير عبد الله كنون مؤلف كتاب النبوغ المغربي، و فيها جميع مصادر هذا الكتاب الذي كان له دوى هائل في الشرق و الغرب. و اصل المكتبة للشيخ التهامي بن المدني كنون جد عبد الله كنون.
هذه نظرية عجلى على بعض ظروف تاريخ المغرب، أما المضمون و المحتوى فذلك ما سنقدم نماذج منه بعد بحول الله.
(1) انظر بحث محمد الفاسي عن الخزانة السلطانية و بعض نفاسها في مجلة البحث العلمي، أعداد 3-4-5-6-7 شتنبر 1964 ابريل 1966.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق