الخميس، 8 نوفمبر 2012

الوضعية بالمغرب قبل تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال
محمد أمين
تشكل هذه المناسبة، ذكرى من الذكريات العظيمة التي أظهرت مدى أصالة الشعب المغربي بجميع فئاته، أصالة تعود جذورها إلى ما اتسم به المغاربة منذ القدم من خصوصيات حضارية وإنسانية، جعلتهم من الشعوب التي يضرب بها المثل في مسألة الارتباط بالوطن والذود عن استقلاله، في التحام متين ووثيق بين عاهل البلاد وشعبه. فهذه الملحمة التي نخلد ذكراها الخامسة والستين اليوم، والتي قادتها الأسرة العلوية الشريفة والشعب المغربي لم تأتي من فراغ، بل لها امتداد في أعماق التاريخ، ولا يمكن تفسير ذلك التلاحم المشترك لمواجهة جيوش الاحتلال، إلا بدافع قوي يتغذى بروح الجهاد والإيمان القوي الذي جبل عليه المغاربة، بجميع شرائحهم.
ولعل هذه الخصوصيات ومميزات أخرى مرتبطة بالمجال الجغرافي، والموقع الاستراتيجي، مما جعل المغرب على الدوام محط أنظار أعتا الإمبراطوريات على مر التاريخ، فكان المغاربة دائما في حالة استنفار لفرملة كل خطر يتهدد البلاد، فسجلت صفحات التاريخ أن القبائل المغربية في كل جهات البلد قد تصدت لكل أشكال الغزو الخارجي تحت شعار الجهاد في سبيل الله، والذود عن حمى الوطن، فهذه الميزة تحكمت في عقلية القبائل المغربية وفسرت مدى الارتباط بالوطن، سلوك لم يزدها توالي السنين إلا رسوخا وحماسا، وقدمت للجيش المغربي أفضل ما لديها من محاربين في إطار منظم للتأكيد على وجود الدولة المغربية المستقلة. لكن يحق لنا اليوم ونحن إزاء هذه الملحمة الوطنية أن نتساءل عن حالة المغرب في مرحلة مهمة من تاريخه، مرحلة الحماية وما أعقبها من ردود فعل مغربية واجهت فيها بكل حماس الجيوش الفرنسية والإسبانية في شمال المغرب ووسطه وجنوبه وشرقه.
إن الحديث عن مرحلة مهمة من تاريخ المغرب المعاصر، والمتمثلة في مرحلة الحماية التي تم توقيع عقدها في 30 مارس 1912، يستوجب بالضرورة أخذ فكرة عن حالة المغرب قبل فرض عقدها، فقد عملت جميع القوى الأوربية على إضعاف البلاد ونخر جسدها عن طريق الاتفاقيات الثنائية والمساومات الدبلوماسية التي عقدتها فرنسا مع مختلف منافسيها، ابتداء من بداية القرن العشرين مرورا بمؤتمر الجزيرة الخضراء في العام 1906، حيث تم فيها إطلاق يد كل من فرنسا وإسبانيا للتحكم في مصير المغرب. بعد أن تمت قنبلة مدينة الدار البيضاء واحتلال وجدة في العام 1907.
لقد شكل فرض توقيع عقد الحماية على السلطان مولاي عبد الحفيظ في 30 مارس 1912، نهاية مرحلة طويلة من تاريخ المغرب المستقل، فقد دخل مرحلة لم تكن هزيمة في معركة أو حرب أو احتلال ثغر، بل مرحلة فقدان استقلال البلاد كلها، فقد ولد هذا الإحساس لدى المغاربة، شعورا قويا بالانتماء إلى هذا الوطن فهبت كل شرائح المجتمع المغربي للمقاومة،
لقد قدم الشيخ ماء العينين بالصحراء المغربية وموحا أوحمو الزياني وباسلام بالأطلس المتوسط في معركة الهري عام 1914 وعبد الكريم الخطابي في معركة أنوال عام 1921 بالريف، أعظم صور من صور المقاومة المغربية الشريفة التي أعطت دروسا بليغة في معنى التشبث بالوطن، وقد استمرت تلك المقاومة المسلحة في مجموع التراب المغربي من جبال الريف في الشمال والأطلس المتوسط والأطلس الكبير، التي استمرت فيه المقاومة إلى حدود 1935 وناحية تافيلالت والصحراء المغربية، وقد واكب هذه المقاومة، انتفاضات وإضرابات داخل المدن كالرباط وسلا والجديدة والصويرة في العام 1920 .
الحركة الوطنية ودورها الأساس في تأطير المغاربة
عرفت فترة منتصف عشرينات القرن الماضي نشأة الحركة الوطنية، والتي تبلورت كحركة في بداية الثلاثينيات واكب ذلك تطور في طرق عملها وفي مطالبها، وقد ساهمت مساهمة فعالة في تحقيق المغرب لاستقلاله، وقد تكونت الحركة الوطنية في البداية من شباب مغاربة متحمسين درس بعضهم في المدارس المغربية كجامعة القرويين، والبعض الآخر في جامعات غربية. واتسمت الوضعية السياسية بالمغرب والتي أفرزت تأسيس الحركة الوطنية بتراجع المقاومة المسلحة، والاستغلال الاستعماري البشع للمغرب وأثره على المجتمع المغربي، و ظهور الحركة السلفية ودورها في تأطير الحركة الوطنية، باعتبارها نهضة فكرية عملت على تحرير العقل المغربي من التخلف الفكري وسيطرة الخرافة والتواكل والعودة إلى المنابع والأصول الأولى للدين الإسلامي الحنيف، وكان من روادها محمد بن العربي العلوي 1880-1964، وأبو شعيب الدكالي 1878-1937، وقد كان دور الحركة السلفية كبيرا في زرع دم جديد لدى المغاربة، بعد الانكسارات التي منيت بها المقاومة المغربية خصوصا في الأطلس والريف. فقد أعادت لهم هذه الحركة الثقة بالنفس باعتبار أن الإسلام هو المنبع الأصيل الذي نهل منه المغاربة قدرتهم على مواجهة التحديات التي كانت تجابههم عبر التاريخ. إضافة إلى الظهير البربري الذي تم إصداره من قبل سلطات الحماية يوم 16 مايو1930 ، والذي كان يهدف إلى التفريق بين المغاربة من عرب وأمازيغ، وذلك بخلق شرخ بينهم في محاولة لضرب أسس الوحدة المغاربة التي تشبثوا بها منذ قرون خلت.
لقد عمل المغاربة جميعهم على التصدي لهذا الظهير في كثلة واحدة فجهروا باللطيف في مدينة سلا لتنطلق المظاهرات والاحتجاجات إلى باقي المدن المغربية التي خرجت لتعبر عن الوحدة الوطنية المغربية، فتكون وفد سافر في 26 غشت 1930 إلى الرباط حاملا معه مجموعة من المطالب كان من بينها : - توحيد التعليم في سائر المدارس في المدن والقرى - تعميم اللغة العربية - تعميم التعليم الديني الإسلامي - احترام اللغة العربية في الإدارات والمحاكم، وقد تم استقباله من قبل السلطان سيدي محمد بن يوسف، الذي عبر عن أسفه ودعمه لجميع مطالب الشعب المغربي، إلا أن سلطات الحماية حاولت إجهاض تلك المطالب. ولا يمكن نسيان ما قام بها المغاربة في الشمال من ردود فعل قوية تبلورت في عمل سياسي ضد الاستعمار الإسباني وزاد ذلك من التمازج والانسجام بين شمال المغرب وجنوبه، وبجميع شرائح الشعب المغربي. حيث عملت الكتلة الوطنية بتقديم عريضة لحكومة الجمهورية الإسبانية، ضمنتها مجموعة من المطالب، لكن الجمهوريين الذين كانوا قد وصلوا إلى الحكم آنذاك جابهوا تلك المطالب المغربية بالعنف، خصوصا بمدينة تطوان.
عموما فقد كان للظهير البربري، دور في جمع شمل المغاربة، وأعطى صورة أخرى من صور التلاحم المغربي، فكان ذلك الدرس بمثابة إنذار لسلطات الحماية التي زادت من قوتها القمعية، خصوصا أنها كانت تدرك أن مطالبة المغاربة بالإصلاحات لم تكن سوى بداية للمطالبة بالاستقلال، علما أن رواد الحركة الوطنية بدأوا في 8 مايو 1934، بالاتصال بالسلطان للتنسيق معه، خصوصا أن دورهم كان مهما في الاحتفال بأول عيد عرش في تاريخ المغرب في 18 نونبر 1933.
لقد تعددت وسائل عمل الحركة الوطنية، واعتمدت أساليب مختلفة كان من أهمها : تأسيس تنظيمات سياسية كان أبرزها كتلة العمل الوطني سنة1933 من قبل علال الفاسي ومحمد حسن الوزاني ,آخرون، وحزب الإصلاح الوطني من قبل عبد الخالق الطريس وآخرون، كما تم إصدار العديد من الجرائد والمجلات أبرزها : جريدة "عمل الشعب" والتي كان يديرها الوزاني و"المغرب" لأحمد بلافريج و"الحياة" للطريس...، فضلا عن إنشاء المدارس الحرة وتأسيس الجمعيات الثقافية والعلمية.
بصفة عامة يمكن تلخيص مطالب الحركة الوطنية خلال ثلاثينيات القرن الماضي والتي قدمت خلالها "كتلة العمل الوطني" لسلطات الحماية الفرنسية وبالضبط يوم فاتح دجنبر من عام 1934، مطالب الشعب المغربي ضمن برنامج الإصلاحات المقترحة والمتمثلة في مطالب : سياسية، بإنشاء نظام إداري يرتكز على ما ورد في معاهدة الحماية، وإلغاء الإدارة المباشرة وتكوين حكومة مغربية. مطالب اقتصادية ومالية كتكوين تعاونيات فلاحية، حماية الصناعة التقليدية من المنافسة، تأميم مصادر الطاقة والسكك الحديدية... مطالب اجتماعية كإجبارية التعليم الابتدائي،و إحداث المستوصفات والمستشفيات وتحديد 8 ساعات للعمل.
إن النضج الذي وصلت إليه الحركة الوطنية المغربية عبر مجموع التراب الوطني دفع المغاربة بالانتقال من مجرد المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال، حيث ساهمت مجموعة من الظروف المؤثرة في تطوير تلك المطالب والتي يمكن تلخيصها في : • تعرض بعض قادة الحركة الوطنية في نهاية الثلاثينات للاعتقال أو النفي،وخاصة بعد أحداث بوفكران سنة1937 والتي نتجت عن تحويل المعمرين لمياه النهر لأراضيهم.
• تأسيس أحزاب جديدة منها حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال و"حزب الوحدة المغربية"و"حزب الإصلاح الوطني"و"الحزب الشيوعي".
• عقد لقاء آنفا في يناير1943، الذي كان فرصة للقاء بين السلطان سيدي محمد بن يوسف والرئيس الأمريكي روزفلت حيث عرض السلطان مطالب المغرب المشروعة.
تقديم أعضاء الحركة الوطنية وثيقة يوم 11 يناير1944، طالبوا فيها باستقلال المغرب ووحدة ترابه،علما أن السلطان سيدي محمد بن يوسف كان مطلعا على مضامين الوثيقة، بعد الاتصالات السرية التي كانت بينه وبين الوطنيين، وقد عبر جلالته عن حماسه وموافقته عليها، وتم تحديد موعد تقديمها صباح يوم 11 يناير 1944. وكان رد سلطات الحماية الفرنسية بشن حملة اعتقالات بعد أيام من تقديم الوثيقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق