الخميس، 8 نوفمبر 2012

برج روتنبورغ أو البرج الكبير (برج هرفي)
تراث ثقافي وذاكرة ذات قيمة حضارية

"...
الاهتمام بالتراث العسكري المكتوب منه والمنقول لحفظ ذاكرة أمتنا وضمان استمرارية تاريخ وطني تستمد منه الأجيال عبرا ودروسا جاعلة منه حلقات مترابطة يشد بعضها البعض كالبنيان المرصوص"
مقتطف من الأمر اليومي، لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، ، 14 ماي 2003.
ط نظرة تاريخية حول اهتمام سلاطين الدولة العلوية بمسألة التحصينات:
لقد ولد هاجس الهجمات التي كان يتعرض لها المغرب عبر مختلف فتراته التاريخية، سواء الأجنبية أم تلك التي كانت ناتجة عن بعض الاضطرابات الداخلية، الحاجة إلى ضرورة تشييد عدد من التحصينات بأهم المدن الساحلية والداخلية وبالمناطق الحساسة بهدف المراقبة وضبط الأمن والاستقرار في البلاد، فكانت تلك التحصينات من أبواب وقصبات وأبراج وقلاع وحصون أحزمة دفاعية واقية تحفظ للبلاد أمنها مما جعل جل السلاطين المغاربة يعتبرون مسألة الحفاظ عليها عنصرا أساسا من عناصر تحقيق السيادة، دأبهم في ذلك ما سار عليه بقية حكام الدولة الإسلامية، فقد كان السلطان يحتفظ لنفسه بصلاحية اتخاذ قرار إقامة التحصينات أو إعادة تجهيزها، وأحيانا إعادة بناء ما تعرض منها للدمار وإصدار الظهائر والأوامر في هذا الشأن وذلك حسب قناعاته وما تفرضه ضرورة الدفاع عن دار الإسلام. فكيف سيتعامل سلاطين الدولة العلوية مع مجمل التهديدات التي كانت تتعرض لها البلاد؟
لقد ظل هذا الهاجس حاضرا مع الدولة العلوية الشريفة منذ أن تسلمت قيادة المغرب فاهتمت بالتحصينات للدفاع عن البلاد فنجد أن السلطان مولاي الرشيد قد خصص ألف مثقال لبناء القصبة الجديدة بفاس، وألف دينار لبناء قصبة الخميس وبناء قصبة شراردة عام 1670، كما عمد السلطان مولاي إسماعيل إلى تشييد وتجديد العديد من القصبات، فيحيل المؤرخون على 76 قصبة، وهي عبارة عن أحزمـة دفـاعية، ومراكز مراقـبة في مواجهة القبائل الثائرة، كقصبة تادلا بالأطلس، وقصبة حميدوش بالضفة اليمنى لتانسيفت أو قصبات لإسكان قبائل الكيش مثل قصبة كناوة بمدينة سلا وقصبة مكناس... أما السلطان سيدي محمد بن عبد الله فقد اهتم بدوره ببناء العديد من التحصينات فضلا عن بناء مدينة الصويرة وتحصينها. فكيف سيواجه المغرب تحديات قرن الاستعمار وتكالب القوى الأوربية عليه؟
لم يغفل سلاطين المغرب في المراحل اللاحقة أي القرن التاسع عشر مسألة التحصينات العسكري على طول المجال المغربي؛ فلقد تميزت المرحلة التاريخية الممتدة زمنيا من سنة 1830، والمتزامنة مع احتلال الجزائر إلى سنة 1912 (فرض معاهدة الحماية)، بكونها مرحلة مهمة وحاسمة في التاريخ العسكري المغربي، فخلالها بدل سلاطين المغرب جهودا كبيرة لإصلاح هذا القطاع الذي كان قد امتحن مرتين الأولى بإيسلي عام 1844 والثانية بتطوان عام 1859-1860، وظهر جليا للسلاطين المغاربة ضرورة القيام بمحاولات للإصلاح بدعم من العلماء والأعيان وجميع مكونات المجتمع المغربي الذي أحس بحساسية المرحلة وتعرض البلاد لضغوط من مختلف القوى المتصارعة، والمتفقة سريا على تقسيم مناطق نفوذها.
فبتسلم السلطان مولاي الحسن الحكم سنة 1873، عمل على نهج أسلوب مميز اقترن بفكر عسكري منفتح لعبت فيه حنكته السياسية دورا في تأجيل احتلال المغرب، وسطر لنفسه فكرا يتخذ من سياسة التوازن مجالا للاستفادة من ما كان يحاك داخل كواليس السياسة الدولية من تحالفات وصراعات، للاستفادة منها والمحافظة على استقلال البلاد، في مرحلة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها "مرحلة مخاض الإمبريالية الأوربية بامتياز".
إن النهج الذي اتبعه السلطان مولاي الحسن كان يعتمد على خلق صراع بين مختلف القوى المتصارعة وذلك بالعتماد على جميع الدول التي كانت لها مصالح بالمغرب، فتم جلب البعثة الفرنسية في 1877 بقيادة إركمان (Erckman)، تم الإنجليزية بقيادة الحراب ماكلين (Mac Lean) لتدريب الجيش المغربي، كما سمح بمجيئ البعثة الإيطالية عام 1888، والتي خولها بناء ماكينة السلاح وضرب العملة، كما تم استقدام بعثة إسبانية للمساهمة في القيام بإنجاز بعض المشاريع كشق الطرق، كما أكد على تكوين وحدات نظامية مغربية مدربة على الطريقة الأوربية، تم بموجبها إعادة النظر في قوانين التجنيد (السن، الصحة، توحيد البذلة العسكرية)، وغدت الخدمة العسكرية وظيفة يتقاضى الجندي راتبا، وإرسال طلبة مغاربة إلى أوربا للأخذ بأساليب العلم والاستفادة من التجارب في المجال العسكري؛ وقد شكلت تلك البعثات نواة للهندسة المعمارية الحربية والدراسات التقنية والطب العسكري وغيره من المجالات ذات الصلة بالجانب العسكري والمدني، كما تم توقيع مجموعة من الاتفاقيات بين المغرب ودول أوربية (فرنسا، إنجلترا، إيطاليا، ألمانيا،...) من أجل اقتناء الأسلحة للتقوية وتدعيم التحصينات وإمداد الجيش بالعتاد الحربي. وأصبح المخزن يعقد صفقات مـع الشركات الأجنبية مباشرة كـ : شركة كروب (Krupp) بمدينة إيسـن (Essen) بألمانيا، وشـركة فليكس وترومان (Félix & Truman)) بمدينة لييج (Liège) البلجيكية، وشركة ونشستر (Winshester) بالولايات المتحدة الأمريكية. . إذن كيف سيواجه السلطان مولاي الحسن التهديدات القادمة من البحر؟
كما انصب اهتمام المغرب بتحصين المراسي المغربية كإعادة بناء وإصلاح الأبراج بمدها بالأسلحة وإصدار أوامر صارمة مـن أجـل الاهتمام بها لكونـها الواجهة الأولى للاحتكاك مـع الأجنـبي، وتـفقد الثـغور والأمر بإحصاء ما فيها من مدافع، ونورد هنا مقتطف من ظهير للسلطان مولاي الحسن جاء فيه: " ... فقد وجهنا حملته كاتبنا مولاي أحمد بن العربي البلغيثي، وخديمنا مولاي عبد الرحمن بن أحمد البوكيلي، والمهندس الطالب أحمد الشادلي البخاري، والطالب المختار الرغاي، لمعاينة أبراج الثغور، وتفقد أحوالها، ثغرا بعد ثغر حتى تفتر مباسمها عن دور هاتيك الثغور، ويصير طيها لديهم في حيز النشور، ويعرفوا الصالح منها وغيره، وكذا المطافي وما هو من ذلك مفتقر للإصلاح، وقد ما يقام به تقدير أرباب البصر العارفين بذلك الإصطلاح، ويعرفوا عدد المدافع في كل برج، والمهراس، وفرمة كل منهما، وكونهما من المدبر، أو خالص النحاس، والصالح والفاسد، والمستعمل والكاسد، وعدد المدافع الفاسدة المنبوذة في الفضاء والأزقة وبالصقاقيل وغيرها، التي لا تصلح لصالحة... وكذلك عدد الكراريط وما يطابق منها كل فرمة من فرم مدافع تلك الأبراج كما وكيفا، وصلاحا وفسادا، وما يعمل فيه العلاج، وسائر الآلات الجهادية، وما يحتاج إليه كل برج من الأجزاء المادية، وما هو معين لكل مدفع في كل برج أو في الخزائن من البنب والكور الموجودة فرمته في المدافع والمهارس...ويسردوا جميع الطبجية والعساكرية في كل ثغر، ويعرفوا منهم الاسم والعين، والقادر والعاجز، والمعلم والمتعلم....في 3 ربيع الثاني عام 1300./1883م. محمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، مطبعة الأمنية.
ط مسألة التحصينات واهتمام مولاي الحسن بها:
إذا كان الجانب العسكري قد شكل أولى الأولويات في فكر السلطان مولاي الحسن، والذي توصل إلى قناعات بأن تكوين جيش عصري يوازيه الاهتمام بالعدة والعتاد لا يكفيان للمحافظة على التراب المغربي، فكانت حياته كما أشار إلى ذلك جل معاصريه أنه كان عرشه فوق فرسه، فهذه الحقائق الثايثة تاريخيا تدل على أن هذا السلطان كان مدركا للحالة السياسية الدولية، وما تخططه من مخططات نخرت بها الجسم المغربي وأضعفته باعتماد الحماية القنصلية وخلق الاضطرابات وفرض الاتفاقيات التجارية، كتلك المبرمجة مع إنجلترا 1856 أو إسبانيا 1862، أو ما أعقبها من وفق بيكلارد 1863، وعقد مؤتمر مدريد، وظهور قوى أخرى لها أطماع مباشرة أو تريد المقامرة باستقلال المغرب.
ط التحصينات ودور ألمانيا في المجال العسكري المغربي
لقد ظهرت ألمانيا في المسرح السياسي الدولي بعد تحقيق وحدتها السياسية ونهج بيسمارك سياسة انفتاح على العالم ومقارعة الدول العظمى آنذاك، فتم الاهتمام بالمغرب حيث تم إرسال مبعوث يدعى تيدور فيبر Theodor Webber ، سنة 1877، ليقدم مشروع اتفاقية تجارية ألمانية مغربية، تتضمن بيع المغرب مدافع مصنوعة يشركة كروب، وتدريب الجيش المغربي وإرسال الطلبة إلى ألمانيا، لكن بالرغم من الدور المحدود الذي كان لألمانيا في مؤتمر 1880، فإن المغرب وفق سياسة ألمانية التي كانت تنادي بالمحافظة على استقلال المغرب، كان يروم الضغط بالورقة الألمانية على فرنسا وإنجلترا. وتساوقا مع التوجه الذي اعتمده السلطان مولاي الحسن والحكومة الألمانية فقد تم توقيع اتفاقية تجارية في يونيو 1890، وبعد هذه الاتفاقية عقدت صفقات بين المغرب وألمانيا يستورد بموجبها المغرب الأسلحة، ويصدر الحبوب وما تحتاجه ألمانيا من مواد مغربية، هذه النتيجة كانت وليدة مجهودات قامت بها ألمانيا من جهة والمغرب من جهة ثانية بواسطة إيفاذ السفارات وعقد سلسلة من اللقاءات السرية بين الطرفين، مبتغاها الحد من الهيمنة الإنجليزية والفرنسية على المغرب.
إن اهتمام السلطان مولاي الحسن بالجانب العسكري استدعى ضرورة الاعتماد على جلب الأسلحة والذخيرة، حيث تشير العديد من المراسلات السلطانية إلى عماله بالثغور بضرورة تسليح الحصون وتقويتها بالمدافع وإصلاح ما فسد منها، بل أن بعض المراسلات تتعرض بالتوبيخ لبعض القواد على الإهمال الذي طال المدافع المنصوبة فوق الأبراج والخراب الذي تعرفه تلك الحصينات، فكان أن تم شراء العديد من المدافع كتلك التي تم شرائها من إنجلترا سنة 1889 لنصبها فوق أبراج طنجة من نوع أمسترونغ (Armstrong) وهذا ما يحيل عليه هذا النص التاريخي لعبد الرحمان بن زيدان:
«وقد كان له [يقصد به مولاي الحسن]اعتناء عظيم واهتمام كبير بتحصين الثغور وبناء أبراجها وإقامة معداتها وجلب لذلك مهرة المهندسين من الأجانب ألمان وانجليز وعين أخيرا بكل مرسى مهندسا لتفقد قوتها وبيان أحوالها وأنفق على ذلك أموالا ولم يأل جهدا في الاستعداد وأخذ الأهبة والاحتياط فاشترى لطنجة ستة من كبار المدافع العظام من معامل (ارم سطرونغ) من بلاد الإنجليز وأمر بإصلاح أبراجها وبناء خزائنها المعدة للذخائر وتركيب مدافعها وكلف بذلك المهندس الإنجليزي (ضولان) ثم (إدوارد سيلبه) ثم مساعدة السيد الزبير سكيرج وجلب لها ما تحتاج إليه من المقومات الحربية من بارود وكور وغير ذلك حسبما تشرحه لك الظهائر المولوية والرسائل الوزيرية الصادرة في هذا الموضوع وإليك نص أحدها وهو ما كتبه الحاجب السلطاني للأمين الزبيدي في شأن تقرير المهندس الكبير الذي قدم من جبل طارق لتفقد حالة طنجة الحربية :
"محبنا الأعز الأرضى الأمين الأجل المرتضي السيد الحاج محمد الزبيدي رعاك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته بوجود مولانا نصره الله وبعد، فقد وصلنا كتابك وعرفنا ما ذكرته في شأن المهندس الكبير الذي وجهه قائد جبل طارق من طوافه بأبراج طنجة كلها وبسورها ونظره البناء الذي فيه رجوعه لجبل طارق ليبين ما تستحقه الأبراج من تجديد بناء أساسها وبناء المخازن لإقامتها وغير ذلك وتوجيهه بعد ذلك تقييد ما ذكر الموجه تعريبه مع كتاب الباشدور كما علمنا ما أشار به الباشادور من إجابته بما تضمنه التقييد الذي وجهت ليطالع به قائد جبل طارق والكرنيل المهندس فقد أجبناه بما تضمنه وها الجواب يصلك ... وأما تعريب تقييد المهندس الكبير فقد أحاط سيدنا نصره الله علما بما فيه وأجبنا عنه الباشادور وعلي المحبة، والسلام في شعبان عام 1294" موسى بن أحمد لطف الله به». -عبد الرحمان بن زيدان ، " إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس" مطبعة إديال، الدار البيضاء، 1990 ، الجزء الثاني، ص.ص.482-481 .
ووعيا منه بمسألة الدفاع عن السواحل المغربية ونتيجة الضغط البحري للقوات الأجنبية على السواحل المغربية، فقد عمد السلطان مولاي الحسن إلى هج أسلوب جديد في مجال الهندسة المعمارية المرتبطة بالتحصينات العسكرية وإمدادها بوسائل دفاعية تضمن لها صد كل هجوم محتمل، فجاء ترميم تحصينات طنجة والعرائش مستجيبا لهذا التوجه الذي واكب إلى حد ما ما وصلت إليه العلوم المرتبطة بمجال الدفاع، حيث نجد هذا السلطان يقوم بزيارة إلى مدينة تزنيت وينشأ بها تحصينات منها السور الحسني الذي يعتبر آخر سور سلطاني في تاريخ المغرب، ليركن في مرحلة أخرى إلى اعتماد التقنية الحديثة في التصميم المعماري للتحصينات والتي يمكن أخذ برج روتنبورغ كنموذج جديد وبناء غريب عن الوسط المعماري المغربي، إذن ماهي هذع البناية وما دورها ؟
يذكر ابن زيدان في إتحافه الجزء الثاني أن السلطان مولاي الحسن، بى البرج العظيم خارج باب العلو من الرباط، ويسمى البرج الكبير، أو البرج الألماني، لكونه بني على يد مهندس ألماني يدعى روتنبورغ بمساعدة المهندس المغربي السكيرج، وقد بني على هندسة جديدة لم تكن معروفة بالمغرب من قبل، وجهز بأحدث المدافع المجلوبة من معامل كروب بألمانيا (مقدمة الفتح لمحمد بوجندار، ص. 134.
وقد اشار الطالب الحسين الزعري، في مذكراته، التي نشرت بمجلت البحث العلمي، العدد 9، السنة 3، تحت عنوان : "مذكرة طالب مغربي أرسل في بعثة مغربية إلى إيطاليا منذ ثمانين عاما"، إلى هذا البرج، حيث قال : " جاء الجنرال ماكلين إلى المهندس الألماني وأخبره أن الكومندان الفرنسي أخبر جلالة السلطان [المقصود مولاي عبد العزيز] بأن البرج الذي بني بضاحية الرباط غير متين وأنه سيهدم بمجرد إخراج الطلقة الأولى من المدفع، فرغب جلالة السلطان أن يقف على الحقيقة بنفسه وفعلا حضر إلى القلعة فوجد هيئة المدفعيين حاضرة مصطفة على أحسن حال حييناه بإجلال وتعظيم وأمرنا جلالته أن نطلق المدفع وبقي ينتظر خارج القلعة، وبعد إخراج طلقتين ووصول الطلقة إلى البحر بمسافة 20 كيلومترا تفضل جلالته ودخل القلعة ووقف بنفسه على كيفية إخراج الطلقة المدفعية للمرة الثالثة، وبعد ذلك أخذ جلالته يحضر كل مساء للبرج وينصب له المهندس مدفعا من العيار الصغير فيقوم ببعض الرماية.
وبعد نجاح التجربة ذهب المهندس الألماني إلى ساحة سلا ورسم مركز القلعة الثانية على بعد من قصبة سيدي موسى واختار المكان ربوة رملية لاخفاء القلعة من مرمى العدو من البحر وأخذ المهندس ينتظر الجواب للبدء في العمل، لكن جاء أمر من سفارته بأن يكف عن العمل نظرا للتوتر في الجو السياسي وهكذا لم تبنى سوى قلعة واحدة من قلاع كان من المقرر بناؤها".
وجاء عند روبير شاستيل عند حديثه عن البرج في كتابه: "الرباط-سلا، عشرين قرنا لوادي أبي رقراق"، ص.123. إن بناء هذا البرج جاء نتيجة الضغوط المتكررة من قبل البعثة العسكرية الألمانية، حيث استجاب السلطان بإعطاء الأمر ببناء الحصن، الذي سمي البرج الكبير أو برج روتنبورغ وبعد ذلك برج هرفي (نسبة إلى ضابط فرنسي (Capitaine Hervé) قتل نتيجة حادث انفجار البارود في 7 شتنبر 1911.
هذا الحصن عبارة عن قلعة بنيت فوق شاطئ صخري ذي منحدر رأسي (escarpée)، يبعد بحولي 800 متر عن قصبة الاوداية، كان الهدف من بنائه هو حماية المرسى (rade)، ولم ينتهي إلا سنة 1900، بعد أن كانت المفاوضات قد ابتدأت 1885، وهي سنة وصول البعث الألمانية والتي اقترحت إنشاء مدرسة للمدفعية، المقترح الذي تم التخلي عنه بسبب الضغوط الفرنسية، لكي يتم بواسطة أسرة بركاش تقديم مشروع لبناء التحصينات التي واقف السلطان مولاي الحسن عليه والترخيص للوزير المفوض الألماني بطنجة الكونت طاطنباخ (Tattenbach)، ببناء مجموعة من التحصينات على ضفاف وادي أبي رقراق للدفاع عن العدوتين في حالة هجوم محتمل من البحر.
وتم اختيار الموقع جنوب قصبة الأودايا، وكلف ضابط الهندسة العسكرية التابع للبعثة الألمانية المهندس فالتير روتنبورغ (ولد سنة 1851، وهو مهندس مدني، وقبطان في الجيش الاحتياطي الألماني، كان في خدمة شركة كروب، وصل إلى المغرب في 1881، أوكل إليه بناء العديد من الأبراج بمدينة الرباط وسلا، وبمدينة تطوان حيث لم يكتمل بناؤها، واستمرت إقامته بالمغرب إلى حدود مارس 1906) (للشروع في البناء نهاية 1885، حسب ابن زيدان)، واستمرت الأشغال إلى غاية 1900 نظرا للمشاكل اللوجيستيكية، لكن من خلال وثائق بركاش يتضح أنه في خريف 1888، توجه المهندس فالتيرروتنبورغ الذي كان سنه 37 سنة إلى مكناس للقاء السلطان رفقة المترجم بالقنصلية الألمانية اليهودي منصور ملحمة (Mensour Malhama)، وعبد الرحمان بركاش هذا الأخير استند على رسالة للسلطان مولاي الحسن يؤكد فيها دعوة المهندس الألماني من أجل بناء تحصينات بمدينة الصويرة والرباط لتحمل مدافع تزن 26 طن، طالبا منه ربط الاتصال بالمترجم، وتحديد التكاليف ووضع اتفاقية لتحديد مدة بناء كل حصن، والمواد واليد العاملة المتخصصة وغير المتخصصة، وإمكانية مباشر ة العمل بسرعة، وأن العمل بدأ في شهر يونيو 1888، وتمت الأشغال الكبرى نهاية خريف 1889 (أسرة في قلب التاريخ لمحمد بركاش،ص. 251)، (Mohmed Bargach, une famille au cœur de l’(histoire) وجاء قبته على شكل ظهر سلحفاة، بأبراج على شرفته (tours crénelées) ووضع فوقها مدفعين ضخمين زنتهما حوالي 30 طن من عيار 240 ملم، وقد جاء هذا البناء مكمل لتحصينات الرباط الممتدة من قصبة الأودايا مرورا بالصقالة وبرج الدار ثم برج السراط، ونشر على طول السور مدافع موجهة نحو البحر، والتي تعتبر حزاما دفاعيا ضد أي هجوم من البحر.
ومن حيث مواد البناء فقد اعتمد على الحجر المنحوت الذي تم جلبه من محاجر الرباط وسلا، كما تم جلب الأسمنت من ألمانيا وبالخصوص من هامبورغ بواسطة مركب "التركي " الذي اشتراه المخزن من ألمانيا حيت تم وضع سكك حديدية للوصول إلى مكان بناء البرج قصد وضع مستلزمات البناء،
وابتداء من 1894، تم جلب مدرب ألماني من شركة كروب لتعليم المغاربة كيفية التعامل مع المدفعين الضخمين. وقد صرفت أموال ضخمة على ها المشروع الذي كان يهدف من خلاله السلطان مولاي الحسن حماية ثغر مدينة الرباط وسلا سيرا على نهج السلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي زود العدوتين بسلسلة من التحصينات كان له دور في حماية المنطقة ككل. كما تم إرسال بعثة مغربية يترأسها أحمد الجبلي العيدوني إلى إيسن لشراء المدافع من شركة كروب.
وقد وصف الكمندار فيري (Commandant Ferry)، هذا البناء كما يلي : "شيدت شركة كروب قلعة تحيط بها خنادق وشبابيك من الحديد تطل منها مدافع ضخمة، إن قلعة روتنبورغ هذه بضخامة وبروز مدافعها العارية لتنسجم وشكل المدينة التاريخي" (Commandant Ferry), la réorganisation militaire marocaine, publication, Comité du Maroc, Paris 1905, p. 24.

محمد أمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق