الأحد، 25 نوفمبر 2012


من تاريخ الرق بالمغرب

من تاريخ الرق بالمغرب


مما لا شك فيه أن دراسة الرق تندرج ضمن حقل التاريخ الاجتماعي بامتياز، باعتبار أنها تهتم بفئة اجتماعية معينة وتحاول الكشف عن تطورها ، وطبيعة علاقاتها المتشابكة مع المجتمع ومع السلطة الحاكمة باعتبار دخول الرقيق وانتشاره في المؤسسات الإدارية والعسكرية للدولة وفي الحياة الزراعية والحرفية والتجارية .

وتناول ظاهرة الرقيق هو نبش في تاريخ فئة مستضعفة داخل المجتمع المغربي، تحتاج إلى إضاءة شاملة لجانب مغمور من التاريخ الاجتماعي، مازالت في حاجة إلى البحث والتنقيب.

وقد عرفت ظاهرة الرقيق في المغرب جدلاً سياسياً وفقهياً، اتسعت حدته أحياناً كثيرة (كما في عهد المولى إسماعيل).

وتوجد رسالة أشار إليها المنوني رحمه الله ، وهي لجعفر الكتاني، وفيها يقرر أن الأمة التي يصح تملكها شرعا هي المسبية من بلاد الكفر، حيث أشار لها بين تآلفه التي سرد عناوينها غير أن هذه الرسالة لم يعثر عليها.

وللناصري رأي مشابه في المسالة قيده في كتاب الاستقصاء عند حديثه عن أخبار السودان إذ يقول:

(قد تبين لك بما قصصناه عليك ... ما كان عليه أهل تلك البلاد من الأخذ بدين الإسلام من لدن قديم وأنهم من أحسن الأمم إسلاماً وأقومهم ديناً وأكثرهم للعلم وأهله تحصيلاً ومحبة وهذا الأمر شائع في جل ممالكهم الموالية للمغرب كما علمت، وبهذا يظهر لك شناعة ما عمت به البلوى ببلاد المغرب ... من استرقاق أهل السودان مطلقاً، وجلب القطائع الكثيرة منهم في كل سنة وبيعهم في أسواق المغرب حاضرة وبادية، يسمسرون فيهم كما تسمسر الدواب بل أفحش، قد تمالأ الناس على ذلك وتوالت عليهم أجيالهم حتى صار كثير من العامة يفهمون أن موجب الاسترقاق شرعاً هو اسوداد اللون وكونه مجلوباً من تلك الناحية، وهذا لعمر الله من أفحش المناكر وأعظمها في الدين، إذ أن أهل السودان قوم مسلمون فلهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولو فرضنا أن فيهم من هو مشرك أو متدين بدين آخر غير الإسلام فالغالب عليهم اليوم وقبل اليوم بكثير إنما هو الإسلام والحكم للغالب، ولو فرضنا أن لا غالب وإنما الكفر والإسلام متساويان هنالك، فمن لنا بأن المجلوب منهم هو من صنف الكفار لا المسلمين ، والأصل في نوع الإنسان هو الحرية والخلو عن موجب الاسترقاق ، ومدعي خلاف الحرية مدع لخلاف الأصل ، ولا ثقة بخبر الجالبين لهم والبائعين لهم لما تقرر وعلم من الباعة مطلقاً من الكذب عند بيع سلعهم وإطرائها ، وفي باعة الرقيق خصوصاً مما هو أكثر من ذلك ، كيف ونحن نرى أن الذين يجلبونهم أو يتجرون فيهم إنما هم من لا خلاق لهم ولا مروءة ولا دين، والزمان كما علمت وأهله كما ترى، ولا يعتمد أيضاً على قول العبد أو الأمة نفسها كما نص عليها الفقهاء لاختلاف الأغراض والأحوال في ذلك، فان البائع لهم قد يضربهم حتى لا يقرون إلا بما لا يقدح في صحة بيعهم. وقد يكون للعبد أو الأمة غرض في الخروج عن ملك من هو بيده بأي وجه كان...

وقد استفاض عند أهل العدل وغيرهم أن أهل السودان اليوم وقبل اليوم، يغير بعضهم على بعض ويختطف بعضهم أبناء بعض ويسرقونهم...والكل مسلمون ، وإنما الحامل لهم على ذلك قلة الديانة وعدم الوازع ، فكيف يسوغ للمحتاط لدينه أن يقدم على شراء ماهو من هذا القبيل ..وقد قال الشيخ أبو حامد الغزالي...بأن البائع إذا كان متهماً على ترويج سلعته لا يُعْتَمَد على قوله، فإذا كان هذا في الأموال فكيف باسترقاق الرقاب.

وقد ذكر الشيخ أبو العباس أحمد بابا في تقييده الموضوع في هذه المسألة (بمعراج الصعود) تفصيلاً ختم به كلامه وذكر قبائل من كفار السودان.. وقال كل من كان من هؤلاء القبائل يجوز استرقاقه...لكن هذا التفصيل عند الناصري إنما ينفع أهل تلك البلاد المجاورين والمطلعين على المجلوب منهم ومن غيرهم، فأما أهل المغرب... فمن الذي يحقق لهم ذلك ، وقد قلنا انه لا يجوز الاعتماد على قول الجالبين لهم، وأيضا فمن لنا بأن أولئك القبائل لا زالوا على كفرهم إلى الآن، على أن الناس لا يلتفتون إلى ذلك أصلاً، ومهما رأى احدهم العبد أو الأمة يسمسر في السوق لا يسأل إلا عن عيوب بدنه .. بل صار الفسقة .. يختطفون أولاد الأحرار من قبائل المغرب وقراه وأمصاره ويبيعونهم في الأسواق ... وصار النصارى واليهود يشترونهم ويسترقونهم.

فالحاصل أنه لما كان الأصل في الناس هو الحرية، وعلم تواتراً أن أهل بلاد السودان الموالية لنا جلهم أو كلهم مسلمون...لم يبقى لنا توقف في أن الإقدام على شراء هذا الصنف محظور في الشرع والمقدم عليه مخاطر في دينه...فنسأله سبحانه أن يوفق من ولاه أمر العباد ، لحسم مادة هذا الفساد ، فان سبب الاسترقاق الشرعي الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح مفقود اليوم ، وهو السبي الناشئ عن الجهاد المقصود به إعلاء كلمة الله تعالى .

وللسلطان الحسن الأول موقف مشابه لما تقدم فقد كتب أنه (من المنكر الذي لا يسع التغافل عنه والتساهل في أمره هذا الخطب النازل الوقتي الذي هو المجاهرة باستعباد الأحرار واسترقاقهم بدون وجه شرعي، فان المستعبد هو أحد الثلاثة الذين لا يقبل الله عنهم صلاة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دبارا، ورجل استعبد حرا، وهو أيضا أحد الثلاثة الذين قال الله تعالى فيهم أنه سبحانه خصمهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى عهدا ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى ولم يوفه أجره)

ورغم صدور مثل هذه الفتاوى، وكذا تغير الظروف الدولية بشأن تحريم الرق، فإن الملاحظ أن هذه الظاهرة في المغرب بقيت سارية إلى حدود بداية القرن العشرين، وقد أثارت اهتمام الأوربيين، إذ تحدث «اوجوين اوبان» عنها سنة 1902 عندما وصل إلى مراكش التي شاهد بها سوق الرقيق الذي يقام ثلاث مرات في الأسبوع (الأربعاء ، الخميس، الجمعة) ولاحظ أن أسواق النخاسة في المشرق سرية لا يراها الأجانب بعكس الحال في مراكش ، وقلة الأوربيين تسمح لهم بالحضور دون صعوبة ، وزاره لأول مرة وخاب ظنه لأنه كان يتصور خدمة الرقيق في منازل الأسر المسلمة بأقصى حد من اللطف لكنه شاهد في السوق منظراً كريها حيث السوق عبارة عن فناء محاط بأروقة يشكل فيها المشترون حلقات، ويطوف سماسرة عديدون رافعين أصواتهم من طرف إلى طرف ومعهم البضاعة المعروضة على طريقة البيع بالمزاد العلني وهكذا تسير الزنجيات في مجموعات صغيرة ، وقد أتت بهن قوافل الجنوب أو أرسلهن سادتهن للتخلص منهن، فكان الجمهور لا يبالي يجس الأذرع والسيقان.. للزنجيات أو يفحص أسنانهن.
 









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق