الجمعة، 26 أكتوبر 2012


حركة القرامطة في العراق  والخليج... اقتصادها وفلسفتها الجزء الثالث و الأخير )..د.عبد الجبار منديل


يقول الإمام الغزالي وهو احد الفقهاء المناوئين بشدة للقرامطة حيث يتهمهم بالكفر والإلحاد، انهم نظموا حيلهم وظلالاتهم على سبع درجات لكي يخدعوا الناس حيث وضعوا لكل درجة اسم وهذه الدرجات هي 1 :
1- الزرق والتفرس : اي ان يكون الداعي القرمطي فطنا وذكيا صحيح الحدس صادق الفراسة .
2- التأنيس : اي تأنيس المستجيبين للدعوة القرمطية بالكلام الرقيق والمواعظ اللطيفة وتلاوة القرأن الكريم وذلك من خلال المبيت كل ليلة عند واحد منهم .
3- التشكيك : اي الإجتهاد في تغير اعتقاد المستجيب والتشكك في مقررات الشرائع وفي خلق الله  للعالم عن طريق الجدل الفلسفي والمناقشات الفكرية .
4- الربط : اي اخذ العهد والميثاق على كل مستجيب بالإخلاص للحركة .
5- التدليس : وذلك بتشجيع المستجيب عن البحث في باطن القرأن لصالح فلسفة الحركة وانتصارها .
6- الخلع : اي ترك العمل بالتكاليف .
7- السلخ : اي ترك الدين والعقيدة .
وبالطبع هناك الكثير من المبالغة في بعض هذه النقاط فعملية الإنسلاخ عن الدين غير ثابتة لأن القرامطة كانوا يتمسكون ببعض الشعارات الدينية ويستشهدون بالأيات القرأنية ويقول ابن الأثير 2 ان أعلام القرامطة كانت بيضاء مكتوب عليها الأية ( ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ) .
ومهما تعددت الإتهامات الموجهة للقرامطة فإنه يمكن القول ان الحركة القرمطية قامت بتأويل الأفكار الدينية الإسلامية وسعت الى توظيفها في خدمة الحركة السياسية والإجتماعية القرمطية مستندة الى بعض الأفكار الفلسفية التي تتعلق بالخلق والخالق والعدالة السماوية مع التشكيك ببعض الأصول الدينية التي تستخدمها الطبقات الحاكمة لخدمة مصالحها .
في الفكر الإقتصادي القرمطي
من الخطأ التصور ان الحركة القرمطية كانت تمتلك نظرية اقتصادية متاكاملة او انها تمتلك نظرية واحدة موحدة في كل المناطق التي سيطر عليها القرامطة . فالنظام الإقتصادي القرمطي في العراق هو غير النظام الإقتصادي القرمطي في الخليج . ومع ذلك يمكن القول ان هاجس القرامطة في الأمصار كافة كان تحقيق شكل من اشكال المساواة والعدالة الإقتصادية .
في سواد العراق كانت مسألة الأرض هي الشعار المركزي للقرامطة وذلك استجابة لظروف العراق الذي كانت فيه هذه المسألة تعد القضية الأكثر الحاحا والتي تساعد عملية طرحها على اثارة حماس الفلاحين لذلك كان شعارهم الرئيس هو ( تمليك اهل القرية املاك اصحابهم ) ومن ثم العبور الى الملكية العامة للأرض على اساس ان تكون القرية هي وحدة التنظيم الأساسية وفقا
للمقريزي 3 . ويكون المختار هو زعيم القرية الذي يجمع الأموال ويشرف على انفاقها على الفقراء والمعوزين. ويقول المقريزي انه لم يمتلك احد منهم الا سيفه وسلاحه 4 . وكل شئ ما عدا السيف والسلاح بما في ذلك المال و الأرض كان مشاعا .
اما في الخليج حيث ملكية الأرض لا تحظى بذات الأهمية التي تحظى بها في سواد العراق فإن التنظيم الإقتصادي القرمطي كان يهتم بشؤون التجارة وتنظيم المعاملات بين المواطنين . يقول احد المؤرخين واصفا نظامهم الإقتصادي  والذي هو نوع من انواع التكامل الإقتصادي  او النظام التعاوني ... ( انهم يأخذون عشورا في الرعية واذا افتقر انسان او استدان يتعهدونه حتى يتيسر عمله . واذا كان لأحدهم دين على الأخر لا يطالبه بأكثر من رأس المال .) ... ( وفي مطاحن مملوكة للسلطان تطحن الحبوب للرعية مجانا ويدفع السلطان نفقات اصلاحها واجور الطحانين , والبيع والشراء والعطاء يتم بواسطة رصاص في زنابيل يزن كل منها ستة الاف درهم . فيدفع الثمن عددا من الزنابيل وهذه العملة لا تسري في الخارج ) 5 .
وعلى ذلك يمكن القول ان الدعوة القرمطية وضعت شكلا من اشكال النظرية الإقتصادية البسيطة التي تستند في اصولها الى الدين الإسلامي او تستفيد من بعض طروحاته وتستخدم الأيات القرأنية كأسس اقتصادية نظرية . وهذه الأسس يتم تطبيقها على مراحل ابتداء من المراحل البسيطة وصولا الى المجتمع القرمطي الكامل الذي يمثل مجتمع الحلم بالنسبة لهم . او حسب المصطلحات الحديثة المدينة الفاضلة واليوتوبيا . وهذه المراحل هي :
المرحلة الأولى : الفطرة وهي ان يؤدي كل رجل او امرأة درهما واحدا الى بيت المال بمثابة الصندوق المالي الإحتياطي .
المرحلة الثانية : مرحلة الهجرة وهي ان يؤدي كل رجل او امرأة دينارا واحدا حسب الأية ( خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن عليهم والله سميع عليم ) 6 .
المرحلة الثالثة : مرحلة البلغة وهي فرض ( البلغة ) التي هي سبعة دنانير وقالوا ان ذلك بلاغ لمن يريد الإيمان والدخول مع السابقين المذكورين في الأية ( والسابقون السابقون اولئك هم المقربون) .7
المرحلة الرابعة : مرحلة الخمس وذلك بفرض جباية خمس ما يملكون وما يكسبون استنادا الى الأية ( واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه ) 8 .
المرحلة الخامسة : مرحلة الإلفة وهي المرحلة الأخيرة التي يقام فيه المجتمع الكامل والمدينة الفاضلة وسميت الألفة استنادا الى الأية ( واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا ) 9 . وكذلك الأية ( لو انفقتم ما في الأرض جميعا ما الفت بين قلوبكم ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم ) 10 .
ومجتمع الإلفة كما يقول المقريزي هو ( ان يجمعوا اموالهم في موقع واحد وان يكونوا فيه اسوة واحدة لا يفضل احد منه صاحبه واخاه في ملك يملكه * 11 .
الخلاصة :
صفوة القول فيما سبق ومن خلال استعراضنا لأفكار الحركة القرمطية فانها كانت حركة جريئة في ذلك الوقت المبكر من التاريخ وانها برغم عدم امتلاكها نظرية متكاملة فقد وضعت هدفها الأساسي في اجراء تغيرات بنيوية في المجتمع ورفع الحيف عن الطبقات المسحوقة وتحطيم الأطر الإجتماعية القائمة واحلال اطر جديدة بدلا منها مع استخدام الدين او تحديدا بعض الأيات القرأنية لتحقيق ماربها السياسية والإقتصادية والإجتماعية .
الهوامش :
1- الغزالي – فضائح الباطنية – ص 21 .
2- ابن الأثير – الأكليل ج 8 ص 69 .
3- المقريزي – اتعاظ الحنفا,  ص157 .
5- ناصر خسرو – سفرنامة, القاهرة 1945 ص92-93 .
6- القرأن الكريم سورة التوبة الأية 104 .
 7- القرأن الكريم , سورة الواقعة , الأية 10 .
8- القرأن الكريم , سورة الأنفال , الأية 41 .
9- القرأن الكريم , سورة ال عمران, الأية 103 .
10- القرأن الكريم , سورة الأنفال , الأية 63 .
 11- المقريزي , اتعاظ الحنفا , ص 157 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق