الجمعة، 26 أكتوبر 2012


أبو القاسم الغول الفشتالي


كنت قد عرّفت في حلقة سابقة من "علماء وصلحاء" (عدد 74) بعالم طبيب نباتي من العصر السعدي هو أبو القاسم الوزير الغساني صاحب "حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار"، وأبو القاسم الوزير من أهل فاس، وكان طبيباً ماهراً، اختص به السلطان أحمد المنصور الذهبي فصيره من أطبائه وقربه إليه. قال عنه المقري في "نفح الطيب": "العلَم الجليل علماً وقدراً العلامة المتفنن، ذو التآليف المفيدة والعلم الغزير الفقيه أبو القاسم بن محمد الوزير الغساني".. ألف كتاباً سماه: "حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار"، وهو المعروف بكتاب "الأدوية المفردة". وفي حق هذا الكتاب يقول المقري: "حديقة الأزهار في الأعشاب والعقار" كتاب في بابه لم يؤلف مثله، يذكر سائر الأعشاب والعقاقير بما سميت به في الكتب، ثم يذكر اسمها بلسان العامة، ثم يذكر خواص الأعشاب على وجه عجيب وأسلوب غريب. وله كتاب ثان هو "شرح على نظم ابن عزرون في الحميات" الذي ذيّل به أرجوزة ابن سينا في الطب. وألف كتاباً آخر سماه: "مغني الطبيب"، قام أبو القاسم الوزير بترجمته بأمر من السلطان أحمد المنصور الذهبي، وكان أبو القاسم الوزير على دراية باللغات الأجنبية، ولعلها اللاتينية القديمة والبرتغالية والإسبانية (عبد الله كَنون جريدة الميثاق، عدد 266..).



أبو القاسم الغول الفشتالي
      إن قوة هذا العالم الفذ وتفتحه على الثقافة العالمية وإسهامه في تقدم الطب في العصر السعدي جعلتني أتساءل حول حالة الطب وعلم النبات الطبي خلال العصر السعدي، وهل كان الغساني منعزلا وحالة خاصة، أم كان معبرا عن عصر زاهر في ميدان الطب والصيدلة..

      وقد بدا -والحق يقال- أن العصر السعدي، وخصوصا فترة المنصور الذهبي، تحتاج إلى دراسة معمقة فيما يتعلق بالمكانة التي حظيت بها العلوم التطبيقية ضمن باقي العلوم، خصوصا قطاع الطب والصيدلة والفلاحة.. 

      وكمقدمات أولية أقول أن هذا العصر عرف ازدهارا مهما في ميدان الطب وعلم النبات الطبي والصيدلة، يشهد على هذا كثرة الأطباء المؤلفين الذين تألقوا في هذا العصر، فبالإضافة إلى صاحبنا الوزير الغساني نبغ طبيب آخر حصل الإجماع حول نبوغه وقوة علمه ونفعه للناس، يتعلق الأمر بأبي القاسم أحمد الغول الفشتالي.. 

      لقد نبغ أبو القاسم بن أحمد بن عيسى المعروف بالغول الفشتالي نسبة إلى فشتالة القبيلة المعروفة بشمال المغرب، والتي أنجبت عدداً من الرجال المشهورين؛ وقد ترجم العلامة المرحوم سيدي عبد الله كنون لأبي القاسم الغول الفشتالي في جريدة الميثاق (العددان: 227 و 228) وقال أن أبا القاسم أحمد الغول الفشتالي كان فقيهاً مشاركاً في جملة من العلوم، مبرزاً في الطب متفرداً فيه وفي الهندسة والحساب..".

أبو القاسم الغول الفشتالي
ما تنبغي الإشارة إليه حول مرحلة التحصيل العلمي عند الأستاذ أبي القاسم الغول الفشتالي أنه تلميذ العلامة الكبير أبي المحاسن يوسف الفاسي الذي كان إضافة إلى دوره الفكري والتربوي رجل سياسة ومجتمع، كما كان له دور بارز في الإصلاح السياسي، ومن أمثلة ذلك الدور الذي قام به بمعية تلاميذه في معركة وادي المخازن إضافة إلى الدور العلمي والإصلاحي الذي كان يقوم به؛ وكان أبو المحاسن القصري الفاسي واحدا من خيرة علماء المغرب المشهود لهم بالعلم والصلاح، ويعتبر أستاذا لعلماء أفذاذ، منهم أبو حامد محمد العربي بن يوسف الفهري (1580-1642م)، ويكفي أن نعرف أنه أستاذ العالم الكبير والطبيب الماهر ورجل الهندسة المتفرد أبي القاسم أحمد الغول الفشتالي صاحب أرجوزة الفشتالي في الطب، وهو العالم الطبيب الذي قال عنه العلامة عبد الله كنون في ترجمته له بـ "الطبيب الذي رفع من قيمة العصر الذي عاش فيه".. 

      وفي خبر طريف نعرف أن أبا القاسم الغول الفشتالي شغل منصب القضاء بفشتالة وكتب عقد زواج لالة الغزوانية بنت الشيخ أبي الشتاء الخمّار سنة 1011هـ، الذي سمى ابنته تيمّنا بشيخه أبو محمد عبد الله الغزواني؛ لقد وجدتُني مرة أخرى على أثر سيدي الغزواني، الرجل الفاضل وأحد رواد "المدرسة الجزولية" التي كانت مدرسة فكرية تربوية عمرانية كما أوضحت ذلك في مقالات سابقة.. 

      وللإشارة فإن لقب الفشتالي عرف به أكثر من عالم خلال العصر السعدي، خصوصا في عهد المنصور الذهبي، وفشتالة التي نسب إليها علماء من هذا العصر قبيلة في شمال المغرب أنجبت كثيرا من النوابغ.. 

      نذكر عبد العزيز بن عمر بن إبراهيم  الفِشتالي (1549 - 1621 م)، وزير أحمد المنصور وأحد أكبر الشعراء والأدباء، قرأ بفاس ومراكش، وهو صاحب "مناهل الصفاء في أخبار الشرفاء"، ومن كتبه "مدد الجيش" ذيّل به "جيش التوشيح" للسان الدين بن الخطيب، وله "مقدمة" في ترتيب ديوان المتنبي على حروف المعجم؛ وهناك فشتالي آخر هو محمد بن علي الفشتالي، صاحب كتاب "النفحة المسكية في السفارة التّركية"، وهو كاتب المنصور الذهبي الذي قال له وقد مرض له ولد، فلم ينجع فيه دواء طبيب: "إن أمراض الصبيان قلما ينجع فيها إلا طب العجائز ولا كعجائز دارنا، فابعث من يسألهن" (الاستقصا، ج 3، ص: 95).. وهذا خبر يؤكد اعتناء المنصور بعلم الطب وسعيه إلى إصلاحه وتنظيمه والارتقاء به، وهو هنا يتحدث عن "طب العجائز" في نازلة معينة، وهو المحاط بالأطباء الكبار من كل جانب؛ قلت هذا لكي لا يقلل من "طب العجائز"، وأحمد المنصور يعرف جيدا ما يقول.. 

      في دراسته حول تاريخ الطب بالمغرب يصرح مؤرخ الطب الفرنسي رونو "أن المغرب في العهد السعدي عرف في بدايته ركودا في ميدان العلوم الطبيعية"، وهو على الحقيقة ركود موروث عن الفترات السابقة -منذ أواخر العصر المريني وخلال العصر الوطاسي- وعرفت هذه الحقبة انحسارا للعلم والمعارف بفعل الفوضى السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد؛ ويستثني رونو في دراسته أسماء عالِمين برزا خلال العصر السعدي هما ابن عزوز عبد الله المراكشي المعروف بـ "بَلّا"، وهو مؤلف كتاب "ذهاب الكسوف في الطب"، و أبو القاسم الوزير الغساني صاحب كتاب "حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار".. ويبدو أن أحمد المنصور شجع نشر كتاب الغساني في "إطار مشروع إصلاحي" لقطاع الطب والصيدلة بالمغرب فيما يمكن اعتباره تنظيما وتقعيدا لقطاع عرف ضعفا كبيرا في مراحل اللا استقرار السياسي التي عرفها المغرب في أواخر الحكم المريني وخلال العصر الوطاسي.. 

      نقرأ في كتاب "النبوغ المغربي في الأدب العربي" لسيدي عبد الله كنون (ط 2، 1960، ص: 242):  أن كل القرائن تشهد أنه قد كان للطب في العصر السعدي مزيد اعتناء بأهله واهتمام بشأنه، ومما يدل على ارتقاء شأن الطب في هذا العصر ما وصفه السلطان أحمد المنصور الذهبي في كتابه لولده بمراكش عند ظهور الوباء من أنواع الوقاية والعلاج ونص المراد منه: وإلى هذا -أسعدكم الله- أول ما تبادرون به قبل كل شيء هو خروجكم إذا لاح لكم شيء من علامات الوباء ولو أقل القليل حتى بشخص واحد، ثم لا تغفلوا عن استعمال الترياق أسعدكم الله، فالزموه إذا استشعرتم بحرارة وتخوفتموها فاستعملوا الوصف من الوزن المعروف منه ولا تهملوا استعماله. وأما ولدنا -حفظه الله لمكان الشبيبة- فحيث يمنعه الحال من المداومة على الترياق، فها هي الشربة النافعة لذلك قد تركناها كثيرة هُنَالِكُمْ عند التونسي فيكون يستعملها هو والأبناء الصغار المحفوظون بالله حتى إذا أحس ببرد المعدة من أجلها تعطوه الترياق فيعود إليها، والبراءة التي ترد عليكم من سوس أو من عند الحاكم أو من عند ولد خالكم أو من عند غيرهما لا تقرأ ولا تدخل داراً. بل تعطى لكاتبكم هو الذي يتولى قراءتها ويعرفكم مضمنها، ولأجل أن الكاتب يدخل عليكم ويلابس مقامكم فلا يفتحها إلا بعد إدخالها في خل ثقيف (ثقيل) وتنشر فتيبس وحينئذ يقرأها ويعرفكم بمضمنها إذ ليس يأتيكم من سوس ما يستوجب الكتمان"، وهذا يدل على معرفة المنصور الذهبي بالطب، ومنه نفهم أيضا اعتناءه بهذا الفن.. 

      وقد أشار الحسن الوزان (ليون الإفريقي) في كتابه "وصف إفريقيا" إلى الأمراض التي كانت منتشرة في هذا العصر (القرن 16م) منها الطاعون والصرع ومرض الزهري (النوار)، وداء المفاصل والجرب والقرع، وتضخم الغدة الدرقية، وداء الجذام الوراثي.. (أنظر المرحوم عبد العزيز بنعبد الله، الطب والأطباء بالمغرب، ص: 62).. 

      وأريد أن أشير -تأكيدا لما كنت قلته حول ازدهار قطاع الطب والصيدلة خلال العصر السعدي- إلى ما يمكن تسميته "بالمجمع الطبي" الذي يشرف على تدبير هذا القطاع الحيوي.. 

      نقرأ في نبوغ كنون (المجلد 1 ص 240 وما بعدها) وفي مقالة عبد الصمد العشاب "مساهمة علماء المغرب في ميدان الطب والتطبيب" (مجلة التاريخ العربي عدد15): أن من أطباء العصر السعدي الفقيه المحدث المشارك أبو عبد الله محمد بن سعيد المرغيثي السوسي، المزداد بمرغيثة عام 1107 هـ/ 1598 م، نشأ مكباً على الدراسة حتى ظهر نبوغه في العلوم الدينية والأدب والحساب والتوقيت والطب. وكان هو بمراكش قد تصدر لعلاج الناس مدة، ولكنه اعتزل التطبيب بسبب أن إنساناً حمل إليه قارورة فيها بول مريض وهو بالمسجد؛ فاستاء من ذلك، وقال: إن عملاً يؤدي إلى أن أكون سبباً في دخول النجاسة للمسجد لا أشتغل به. وقد علق  العلامة كَنون على هذا الكلام بقوله: "وهذا تشدد منه رحمه الله؛ وإلا فهو يعلم من السّنة التي وصف بأنه إمام فيها أن النبي  كان ينصب في مسجده  خيمة لعلاج مرضى الصحابة، وأن أعرابياً بال في المسجد فابتدره الصحابة بالتعنيف عليه، فقال لهم: لا تزرموه، وأمر بإفراغ دلو ماء على مكان بوله؛ توفي المرغيثي عام 1089 هـ/ 1678م. 

      ومن العهد السعدي كذلك نذكر أبا علي الحسن بن أحمد المسفيوي المراكشي الأديب الطبيب المزداد عام 968 هـ/ 1560م. أخذ علم الطب على شيخه أبي القاسم الوزير الغساني، وأخذ المنطق والحساب والهندسة على الشيخ أحمد القاضي (أنظر عبد الله كَنون جريدة الميثاق: عدد 79)، وكان المسفيوي على إلمام ببعض اللغات الأجنبية،  ولذلك ذكر المقري في "النفح" أنه قام بتعريب بعض الكتب بإذن من السلطان أحمد المنصور الذهبي. غير أنه من المؤسف جداً أن تضيع آثار كثير من علمائنا ومنهم المسفيوي هذا،  الذي لم يبق من آثاره إلا بعض القصائد المديحية، مما ينبئ عن إهمال كبير تعرض له تراثنا في هذه الفترة والفترات الأخرى، توفي الطبيب المسفيوي عام 1003 هـ/ 1594م.. 

      ومن العصر السعدي نذكر طبيبا آخر هو أبو محمد سقين السفياني القصري أحد مشاهير رجال الحديث الشريف، ودرس ألفية ابن سينا في الطب، وعنه أخذها الناس عام 956 هـ/ 1549 م، ومثله الفقيه عبد الواحد بن عاشر المتوفى عام 1040 هـ/ 1630 م وكانت له معرفة بالطب. وأحمد بن عبد الحميد المعروف بالمريد المراكشي المتوفى عام 1048 هـ/ 1638 كان إماماً في جميع الفنون حكيماً ماهراً في الطب وحسين الشوشاوي السوسي، وهو من أهل القرن التاسع (الطب والأطباء لعبد العزيز بن عبد الله، ص. 57 وما بعدها..) وابن عزوز المراكشي الذي ألف كتابه "ذهاب الكسوف في طب العيون" (عبد الصمد العشاب: مرجع سابق).. 

      هذه باختصار البيئة العلمية والثقافية التي نبغ فيها أبو القاسم الغول الفشتالي؛ يقول سيدي عبد الله كنون في النبوغ المغربي في الأدب العربي (ج.1، ط 2: 1960ص: 255): هو أبو القاسم المعروف بالغول الفشتالي، الفقيه القاضي المتطبب المشارك في كثير من التعاليم، له رسالة في الطواعين، ونظم جيد في الطب، ورسالة في كيفية قسم المياه لقواديس الديار، وغير ذلك، توفي سنة 1059هـ.

أبو القاسم الغول الفشتالي
      ويقول عبد الصمد العشاب في مقاله "مساهمة علماء المغرب في ميدان الطب والتطبيب" (مجلة التاريخ العربي عدد: 15): "ألف أبو القاسم الغول الفشتالي في الهندسة والحساب كتباً منها "منظومة المخمس الخالي الوسط"، وشرح نصوص في كيفية  قسم الماء لقواديس الديار. أما في علم الطب، فنشير إلى ما ألفه فيه، منها "منظومة في الجمع بين الأحاديث النبوية وكلام الأطباء والحكماء في الطواعين والأوباء"، وكتاب "حافظ المزاج ولافظ الأمشاج بالعلاج" (مخطوط الخزانة الوطنية رقم د-1602) وهذا الكتاب عبارة عن منظومة رجزية تقع في نحو خمسمائة وألف بيت، مرتب على أربعة وعشرين باباً، فيها الحديث عن وجع الرأس والشقيقة والزكام والقروعة وجرب الرأس وداء الثعلب، وهو الذي نسميه بـ "التونية"، وختم بالباب الرابع والعشرين الذي تحدث فيه عن أنواع الأشربة والمربيات والأدهان والأوزان والمقادير. 

      ذكر العلامة المرحوم سيدي محمد المنوني في كتابه "منتخبات من نوادر المخطوطات" (منشورات الخزانة الحسنية، 2004 ص: 193) أرجوزة الفشتالي في الطب ضمن مخطوطات الخزانة الحسنية (رقم 3620): فيها وصف لعدد من الأمراض ووسائل علاجها كما تتعرض لحفظ الصحة والتجميل مطلعها: 

          نحمدك اللهـــم ذا الآلاء          منزل الــــــدواء للــــداء 

      وآخرها: 

          وصلــــوات الظــــاهر التــــواب          علـى الرسول الطاهر الأواب 

          محمــد بـــدر الهــدى والأهـل          وصحبـــه شهب ظلام الجهـل 

      النسخة مكتوبة بخط مغربي وسط عليها طرر مكتوبة بخط دقيق لم يرد فيها اسم الناسخ ولا تاريخ الفراغ من كتابتها.. 

      يقول أبو القاسم الغول الفشتالي في أرجوزته: 

          وبعــــد؛ فاعلــــم أن علــــم الطـب          عـلـــــم شريـــف للخبيــــر الطيـب 

          لأنــــــــه مـنـــعـــــش الأبـــــــــدان          للعـــــون فــــــي عبـــــادة الديـــان 

          فصغــــت فيــــــــه درراً يتيــمـــــــة          لـــــــــم يحـــوهــــا طالبهــا بقيمـه 

          أدويـــــــــــة وجودهــــــا معـــــروف          يدركهــــــا الشريـــف والمشــــروف 

          وكلـــــهـــا فـــي قطرنـــــا ميســـر          إلا يسيــــــــــراً أصلــــــــــه ييســــر 

      ويمكن أن نلمس في "أرجوزة الفشتالي" تأثرا بأرجوزة ابن سينا في الطب، التي اعتبرت والحق يقال مرجعا لكثير من الأطباء في الغرب والعالم الإسلامي، بل يمكن اعتبارها رائدة في هذا الباب. وقد قام المستعرب الإيطالي  Gérard de Crémone (1114- 1187م) بترجمة أرجوزة ابن سينا في الطب، كما ترجم كتاب "القانون في الطب" أيضا (أنظر جميلة زيا، تأثير ابن سينا في الغرب، مجلة طهران عدد 48، 2009، بالفرنسية)، وقد أبرز العلامة محمد المنوني أثر كتب ابن سينا في طب الغرب الإسلامي في دراسته "دَوْرَ اثنين من مُؤلفات ابن سينا في تطعيم الدّراسات الطبيّة بمغرب العَصْر الوَسيط (مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العددان 6/5- السنة الثانية - حزيران "يونيو" 1982).. 

      وقد أثار انتباهي قول الفشتالي في الأرجوزة: 

          أدويــــــة وجودهـــا معــروف          يدركهـا الشريف والمشروف 

          وكلهــــا فــي قطرنــا ميسر          إلا يسيـــــراً أصلــــــه ييسـر 

      وهو ما يمكن أن نستشف منه عنصران حاسمان في ممارسة الطب فوق قواعد العلم والمنهج وهما: التيسير، بحيث يشترك في علم الطب الشريف والمشروف، والكل راجع إلى الهمة والتحصيل وسلامة المنهج؛ العنصر الثاني هو أن كل الأدوية ميسرة في القطر، إلا يسيرا أصله ييسر، بمعنى أن طبيعة المغرب المتنوعة خزان طبيعي للأدوية والعقاقير والفوائد العلاجية، يكفي أن تُعرف لتدرس لاستخلاص فوائدها، والحق يقال أن هذه الفكرة المحورية في أرجوزة الفشتالي تكفي لحل كثير من معضلات الطب ببلادنا، فلا يعقل أن تضيع الثروات النباتية دون القدرة على الاستفادة منها لنفع الناس.. 

      وفي أفق إنجاز دراسة شاملة ومعمقة لأرجوزة الفشتالي، أقول أن هذه المقالة المركزة (une note) إنما قصدت بها الحديث عن ازدهار الطب خلال العصر السعدي كإسهام متواضع في التاريخ الفكري لهذه الحقبة من حقب مغربا المبارك، وقد خصصت أبا القاسم الغول الفشتالي بشيء من التفصيل تمهيدا لدراسة وافية حوله.. توفي الطبيب الفشتالي عام 1059 هـ/ 1649 م، رحمه الله وجازاه عن المغرب والإنسانية خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق