الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

         مصطفى نشاط 

تقديم

توصل الضمير العالمي إلى الإعلان عن حقوق الإنسان سنة 1948، بعد مجموعة من المحطات في سبيل إقرار هذا الحق أو ذاك، وصونا لكرامة الإنسان التي تعد من مطالبه الطبيعية. وإذا كانت مسألة حقوق الإنسان قد انتهت إلى"المأسسة" مع ذلك الإعلان، فإن الأصوات الصادحة، والتحركات المنادية بالحفاظ على حقوق الإنسان، لم تنقطع عبر حقب التاريخ. وقد يكون الحق في الحرية من أهم المطالب الطبيعية التي طفت على تاريخ حقوق الإنسان، بما أن كرامته تتأسس في جوهرها على الحرية التي تتوافق وقانون الطبيعة ونواميسها.
ومن هذا المنظور، فقد شكل السجن –خاصة بسبب الاختلاف السياسي- أحد مظاهر مصادرة حرية الإنسان، فالسجن يظل هو السجن، حتى لو كانت قضبانه من فضة، لأنه سالب لقيمة الحرية، ذلك المشترك الذي يجتمع الناس عليه، وتنزع إليه فطرتهم.وإن الدراسة التي نقدمها عن تاريخ السجن والسجناء بالمغرب الوسيط محاولة لرصد الخلفية التاريخية للسجن في المغرب الوسيط باعتباره فضاء مصادرا للحرية، شأنه في ذلك شأن السجن في أي منطقة من المعمور، وفي أية فترة من فترات التاريخ.
وتستمد دراسة السجن والسجناء في مغرب العصر الوسيط أهميتها من ارتباطها الوثيق بالغلبة، ومن كون الغلبة قائمة وقتئذ على العصبية بالمفهوم الخلدوني، والتي كانت مرتبطة بمزاج الحاكم، في غياب أي مؤسسات قانونية تنظم العلاقات بين الحاكم والمحكومين. ولاغرو أن الغلبة بما تقتضيه من امتلاك لوسائل الإخضاع والاستتباع، فضلا عن الدعوة الدينية والتحكم في طرق التجارة بعيدة المدى، كانت الضامن الأساسي لاستمرار الحكم بالمغرب الوسيط. وإن مما له دلالته أن الاسطغرافية المغربية الوسيطية، وخاصة منها كتب التاريخ العام، تطنب في الحديث عن مختلف أشكال العنف، حتى ليبدو أن الإشادة باستعمالها جزء من تمجيد الحكم وانتصاره في دحر خصومه. ويعتبرالسجن أحد وسائل العنف المتداولة بكثرة من لدن العصبيات المتعاقبة على تاريخ المغرب الوسيط في تقليم أظافر من لم يكن منسجما مع توجهاتها. وإذا تحول السجن إلى فضاء مصادر للحرية وتعد على الحياة، بما ينجر عنه من ألم وعناء وخدوش نفسية، فإنه يبقى أكبر شاهد على حضور العنف. ومهما اختلفت فترات ممارسة العنف وأماكنه، فإنه يظل منبوذا لعدم توافقه مع إنسانية الإنسان، وإن حاولت بعض الأدبيات والتأويلات تسويغه وشرعنته.
تسعى هذه الدراسة إلى استقراء فضاء السجن في تاريخ المغرب الوسيط من خلال توطينها بمجموعة من الأسئلة، من قبيل: ما هي الجنح ذات الطابع العام التي كانت ترمي بأصحابها في أتون السجن؟ وما هي أصناف السجناء؟ وهل غلب السجن السياسي على وظيفة السجن؟ وهل ثمة تجليات لأدب السجن بالمغرب الوسيط؟ وما هي مصائر السجناء........ ؟ هذه الأسئلة وغيرها، تم التعامل معها بالتوسل بمنهج تاريخي يقوم على التوثيق، وعلى جمع شتات الإشارات التاريخية المتناثرة بالمظان عن هذا الموضوع.
ولا يمكن إلا أن ننوه بالتفاتة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بإدراجه هذه الدراسة ضمن منشوراته، وانفتاحه على الوسط الأكاديمي. كما نثمن مد الجسور بين مؤسسة تعنى بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ومؤسسة منشغلة بالأسئلة والهموم العلمية، توخيا للمساهمة في تقدم وطننا ورقيه. والله ولي التوفيق.
 
 
للتحميل الكتاب
 

هناك تعليقان (2):

  1. ماستر تاريخ المقارن للمجتمعات الوسيطية(المسيحية و الاسلام ) شكون ليعطيني فكرة عليه و شكرا مسبقا و الاستاذ الغرايب من خيرت الاستاذة هو الاستاذ رويان 😍

    ردحذف