الأربعاء، 31 أكتوبر 2012



الكتاب يقع ضمن سلسلة ” الإسلام واحدًا ومتعددًا”  ، لـ محمّد بوهلال ، رابطة العقلانيين العرب ، عن دار الطليعة ببيروت .
يقع الكتاب في 248 صفحة من القطع المتوسط ، لونه أخضر قبيح ، يشبه لون طاولة المدرسة !
جاء الكتاب في 7 فصول :
- في حدّ علم الكلام ومنزلته التاريخية .
- الكلام السّياسيّ .
- المنعرج المعتزلي .
-الكلام العلمي .
- المتكلم . ( أمتع فصل تقريبًا ، هو ولاحقه) .
-الفرقة .
- حول وحدة علم الكلام .
فهرس المصادر والمراجع متعة وبوابة عظيمة جميلة .

القراءة لأوّله فقط :
الكتاب لا يرمي – كما جاء في مقدمته – إلى ” التأريخ العام لعلم الكلام ، ولا الدراسة المجهريّة لمقالاته واتجاهاته وأطواره وقضاياه ، … إنما نروم الوقوف عن كثب على الإشكاليات التي يطرحها علم الكلام من حيث هو حقل دراسي وعلم من العلوم الإسلامية القديمة وضرب من النشاط الفكري الإنساني وتعبير مخصوص عن الدين ، كان في تواشج مع حقول معرفيّة أخرى وتفاعل مع سلطات وأنشطة اجتماعية وسياسيّة وظروف تاريخية خاصّة عرفها المجتمع الإسلامي القديم ، والدور الذي نهض فيه إضافة إلى ثقافة العصر “

الفصل الأول جاء بعنوان ” في حدّ علم الكلام ومنزلته التاريخية” ، تحدّث فيه الكاتب عن تعريف علم الكلام ، والذي ” حدّه عضد الدين الإيجي ( المتكلم الأشعري) بكونه علمًا يقتدر معه على إثبات العقائد الدّينية بإيراد حجج ودفع الشبهة ” .

( إلى حدٍّ ما يشبه كثيرًا تعريف العدليّة الذي يقول أن علم الكلام موضوعه إثبات العقيدة بالبراهين والأدلة المنطقية ، وسمّي علم الكلام لأنه في أوائل القرن الثاني برز المتكلمون في الإسلام ، وهم من يثبتون وجود الصانع واجب الوجود من خلال الأدلة العقلية والمنطقية إضافة إلى الشرعية. )
- العدليّة هم المعتزلة والشيعة الإمامية ، سمّوا بذلك كونهم يجعلون العدل الإلهي أصلاً من أصول الدين .

” تعريف الإيجي غير مذهبيّ إذ يتسع للمعتزلي والأشعري والشيعي وغيرهم ، وهذا يعني إقرارًا بأن المتكلم المخالف يبقى متكلمًا وبأن كلامه يظلّ جزءًا من علم الكلام وإن كان خاطئًا” .

جاء عبد الرحمن بن خلدون في نفس الحقبة تقريبًا و ” حدد الكلام بكونه علمًا يتضمّن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة ” .

” يُكرس تعريف ابن خلدون واقع المعرفة في عصره : الانغلاق ضمن مذهب واحد واستبعاد التعدد والاقتصار من المعرفة على ما يؤكد الاعتقاد ويكرسه ” !

لا يزال تعريف ابن خلدون – أو منهجه في التعريف – ساريًا يا بني قومي حتى الآن ، طريقة التدريس لمناهج الدين والتاريخ تجهر بذلك !

بعد هذا تحدّث عن أبعاد المحنة ( محنة خلق القرآن ) ، إذ أثرت المحنة على علم الكلام فأقصت المتكلّمة عن الحكام واستأثرت بجلّ الاهتمام ، ورغم هذا فلم تنهه إطلاقًا ، فـ ” النسق المعتزلي لم ينضج ولم يكتمل إلا مع الجبّائيّان ، أي بعد المحنة بحوالي قرن ، وبعد المحنة أيضًا أنتج علم الكلام مدارس شيعيّة وسنّيّة هيمن بعضها على الفكر الكلامي مدة قرون ” .

وما كان للمحنة أن تحدث التأثير الكارثي المزعوم على علم الكلام فحسب، وتقصيه بمفردها، بسبب لا مركزيّة الدولة – إذ ضعفت الدولة العباسية وتفككت بعد الرشيد- ، وبسبب اعتماد الفقه والحديث على بعضيهما ، واعتماد الناس عليهما في الحياة اليومية ، وانتشار الرسائل الكلامية المختصرة الوجيزة التي تكتب فيها العقائد للعامة .

بعد هذا تحدث الكاتب عن أطوار علم الكلام ، وهو هنا يصوغ نظرة جديدة للكلام، إذ كل من قرأت لهم كانوا يرون بداية الكلام في نهاية الأول على أقصى التقادير ، بينما هو يرى الكلام بدأ – سياسيًا – مع موت عثمان بن عفّان ، إذ تشكلت الرؤى منذ ذلك الوقت تقريبًا .

بعد طور البدايات يأتينا الطور العلمي  “الذي امتد من القرن الثاني وحتى منتصف القرن الخامس ” ، وبعد القرن الخامس اختلط الكلام بالفلسفة ، وامتدّ هذا حتى عصر ابن خلدون .
انتقل الكلام بعد ذلك إلى طور الشروح والمختصرات ، ثم طور “الكلام الجديد ” الذي انقسم إلى إثبات للقديم ودفاع عنه ، ودعوة لتجاوزه والبدأ بموضعة الوعي الديني في سياق فلسفي وروحي حديث .



في الفصل الثاني تحدّث عن الكلام السياسي ، ” ذهب أحمد محمود صبحي إلى أن القرآن منهجيًا منطلقًا لنشأة علم الكلام ” ، وإن كان لي أن أدافع عن رأيه ، فأنا أثبته بأمر واحد فقط هو أبسط وأوضح تجليات ذلك ، وهو إثبات الله عزّ وجل وجوده بالعقل المجرّد فقط ، وبالعقل المجرّد فقط صدّق محمّدًا من لم يتفكّر ليرى الإله في كل ما حوله .

يعني الكاتب” بالكلام السياسيّ الشعارات والمقالات والأفكار والنصوص التي أنتجتها الجماعات السياسيّة التي بدأت تتشكّل في خضم الفتنة الكبرى ( إبان مقتل عثمان ) ، واستمرّ وجودها فترة من الزمن ثم اندثرت أو تطورت إلى أحزاب سياسيّة وفرق كلامية أكثر نضجًا ” .

لعلّ أكثر ما شدّني هو كون الإباضيّة خوارج ، لا شيعة !
دأبت على اعتبارهم شيعة بإيعاز من معلومات مغلوطة أخذتها من ماما !

الأمر الذي شدّني أيضًا هو اعتباره أن الشيعة الإمامية والزيدية معتدلون ، رغم ” طنطنة” العالم كله بغلو الأول على الأقل، و ” مفهوما الغلو والاعتدال يثيران غير قليل من الإشكال والاعتراضات ” فعلاً ! استند في هذا حسب ظنّي إلى أنّهم لا يؤلهون عليًّا ع بل يرون إمامته فقط ، فوقفوا في هذا وسطًا بين من ألهه وبين من أنكر إمامته .

انتقل بعد هذا للحديث عن المقالات السياسيّة ، ذهب إلى أن المواقف السياسية والاجتماعية للمتكلمة تحددت في ضوء أمور هي :

  1. فهمهم العام للدين .
  2. انتماءاتهم القبليّة والسياسيّة .
  3. مصالحهم الظرفية .

  4. وترتب على هذا مواقفهم العملية التي تراوحت بين :
  5. تبرير موقف السلطة .
  6. إنكار شرعيتها مما يستلزم الخروج عليها بالسيف .
  7. الاكتفاء بنقدها وتوجيه النصائح إليها .

  8. لا أظن أحدًا يخالفني في كون الجميع ” متكلمين ” في هذا الجانب !


    بعد هذا بدأ بذكر أحزاب سياسيّة ثلاثة ، أولها كان الخوارج الذي بني مذهبهم على ” إنكار التحكيم ثم إدانة الظلم السياسيّ عامّة والأموي خاصة ، الموقف السياسيّ هو أس الدين لدى الخوارج ، لا العكس !
    حيثما كان الخوارج التزموا الصّدق وأظهروا جرأة تثير الإعجاب في ذكر عيوب خصومهم وأخطائهم وإن كانوا أمراءً أو ملوكًا ، فانجذب كثير من الناس إليهم وأحبوهم .
    من أبرز خصالهم السياسية التي لا نجدها لدى أي حزب آخر هي أن الإمام عندهم لا يتمتع بأي قداسة أو حصانة ، فكان يخلع بسهولة ويبطش به إذا أخطأ ولم يتب !
    تتلخّص مبادئهم الأساسيّة في أربع مبادئ سياسيّة -أو دينيّة لكنّها موظفة سياسيّا- هي :

  9. التقيّد التام بتعاليم القرآن وبسيرة النبي وخليفتيه أبي بكر وعمر والخوارج الأول، وهو معنى الشريعة عندهم .
  10. إكفار عثمان وعلي ( هنا تتجلّى لي سذاجة اعتقادي بان الإباضيّة شيعة! ) وأصحاب الجمل والراضين بالتحكيم ومرتكبي الكبائر .
  11. الإقرار بوجوب الخروج على الإمام الجائر مع الاختلاف في أن ذلك يكون في كل حال أو في حال القوّة فحسب .
  12. مراعاة واجبات الناس وحقوقهم بنفس القدر ومعاملتهم بالعدل والتسوية بينهم من  دون اعتبار أصولهم العرقية والاجتماعية والجنسية . ”

  13. الثاني كان المرجئة ، والذين صنفوا تحت المواقف السياسيّة لأن غرض وجودهم كان سياسيًا ، “فعدوا جميع المسلمين مؤمنين وإن ارتكبوا الكبائر” وذلك للحفاظ على نظرتهم الإيجابية لجميع الصحابة وعدم تكفير أحد منهم .
    ” مالوا إلى اتخاذ موقف مسالم من الدولة أيًا كانت سياستها ، وإلى التعامل بتسامح مع المخالفين أيًا كانت مقالاتهم . ولم يميّزوا في الحكم بين السلوك الواضح والسلوك الملتبس إذا لم يعاينوه بأنفسهم فأرجأوا الكل إلى الله، لأن الحكم على مصير العباد من اختصاص الله وحده .
    رفض الخوارج الإرجاء بهذا المعنى لأنه يسوّي بين القاتل والمقتول ن الصحابة، ورأوا فيه إبطالاً صريحًا للوعيد الوارد في القرآن ، ورفضه المعتزلة ، ولم تكن مقالة واصل بن عطاء في المنزلة بين المنزلتين إلا هروبًا منه ومن المقالة الخارجية المكفّرة للصحابة . وقد رفضه الشيعة لأنه لا ينتقد الخلفاء الذين سبقوا عليًّا ع واغتصبوا الخلافة منه ، ورأوا في القائلين به أعوانًا للحكام الظلمة ” ، ما كان بوسع المرجئة اعتماد مذهبهم إلا بصوغ مفهوم جديد للإيمان يستبعد العمل من دائرته ويحصره في القلب .


    الثالث كان القدرية ، و ” قد يبدو من الوهلة الأولى أن القدرية الأوائل مثلوا جماعة بالمعنى الديني لا السياسيّ لأن مقالتهم المركزيّة تتعلق بإشكال ديني عقائديّ انبثق من التعارض الظاهر بين الآيات القرآنية الدالة على معنى حريّة الإنسان والآيات الدالة على معنى خضوعه للجبر الإلهي ، كانت هذه المقالة شائعة في البصرة ودمشق والمدينة .
    إن القدر والجبر موقفان دينيّان لهما انعكاس سياسيّ مباشر  يمكن أن يأخذ شكل ثورة إذا اقترنا بقيم تدفع إلى الثورة كقيمتي العدل والمساواة ، كما يمكن أن يأخذ شكل عمل سلمي يرمي إلى إصلاح المجتمع بإصلاح النفس وتغيير السلوك الشخصي “.

    بعد هذا تطرق إلى استخدام القوة والعنف ، ولعلّ أكبر خطأ ارتكبه هو قرن الحسين بن علي بالخوارج الذين ثاروا على أبيه !
    كان الخوارج في البداية ثائرين محاربين ،بعد ذلك قعدوا ( في الأغلب ) ، لكن استفزاز السلطات الأموية لهم ومساءلتهم عن مواقفهم واعتقاداتهم ثم قتلهم بناء على ذلك كان من أهم العوامل التي دفعتهم إلى نبذ القعود والخروج مجددًا ، ” ينطبق هذا بصفة خاصة على زعمائهم الأكثر تشددًا مثل أبي بلال مرداس بن حدير ونافع بن الأزرق ” خرج مرداس مع 40 رجلاً وقال :”والله إن الصبر على هذا لعظيم وإن تجريد السيف وإخافة السبيل لعظيم ، ولكننا ننتبذ عنهم ولا نجرّد سيفًا ولا نقاتل إلا من قاتلنا ” ، لكنّ الأمويين لحقوهم وتعقبوهم وفرضوا عليهم الحرب فرضًا ، فخاضوها وهزموا الأمويين رغم تفوقهم العددي الهائل .
    يمكن تفسير انتصارات الخوارج المفاجئة بأمرين أولهما رغبتهم بالموت والتعرض للتنكيل والأذى ، والثاني طريقتهم الخاصة في القتال المتمثلة في المباغتة بمجموعات صغيرة جدًا ، والثبات في المعركة حتى الموت .

    طرق التعامل مع السلطات والمكافحة للبقاء عمومًا بغير الحروب  كانت ثلاثًا ، أولها ترويع الأعداء وقتلهم غيلة، وهي طريقة غلاة الشيعة والباطنية ، والثاني هو الانفصال عن المجتمع وبناء مجتمعات منغلقة في الجبال والأماكن البعيدة عن مراكز الخلافة ، وهو ما اختاره الإباضيّة ، والأخير هو الالتجاء إلى التقيّة ، وهو خيار الشيعة الاثنا عشرية .

    انتقل الكاتب بعد هذا إلى ” ترويج الأفكار الميثولوجية المغالية ” ، ويقصد بالغلو هنا ظاهرتين هما تبنّي مقالات متطرفة مثل تكفير مرتكبي الكبائر وإباحة قتل المخالف ، والثانية في تأويل آي القرآن باطنيًا وإدخال معتقدات ذات طابع أسطوري لا سند لها من العقل أو التجربة .

    ” كان التشيّع في حياة علي بن أبي طالب تشيّعًا سياسيًّا وعاطفيًا ، أخذ شكل ولاء غير مشروط لسياسته ، وتعلق حميمي بشخصه ، وتريد بعض الأخبار أن تؤكد أن الغلو نشأ في حياته على يد شخصيّة غامضة تدعى عبد الله بن سبأ، وليس من الهين التسليم بهذا ” .

    كان مظهر غلو الشيعة يتمثل في اعتقادهم ن عليًا لم يمت وأنه سيعود ” حتى يسوق الأرض بعصاه ويملك الأرض” ، بعد ذلك شاع الغلو بفضل الحركة القائلة بإمامة محمد بن الحنفيّة وهي الكيسانية ، ثم المغيرية وهي التي أشاعها المغيرة بن سعيد العجلي .

    ” كان هناك مبررات تسمح بنشأة الغلو وانتشاره ، من أهمها احتكار الأمويين للسلطة ومقابلتهم تسامح خصومهم بالعنف والاضطهاد ، ويندرج في هذا السياق أمر الوالي الأموي زياد بن أبيه بإذن من معاوية بلعن عليّ على منبر الكوفة ” .
    مثل النهج الذي اختطه كلّ من علي بن الحسين زين العابدين ومحمّد بن عليّ الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق ع أقدم وأنجح محاولة تاريخية جدّية لتخليص التشيع من مظاهر الغلو فيه ، ومن أبرز مظاهر الغلو هي الارتفاع بعليّ وذريّته إلى مرتبة الألوهية ، وتكفير من يعتقد الغلاة أنهم لا يؤمنون بذلك ، وإباحة دمائهم ، وإباحة المحرمات الدينية وحطّ التكاليف الشرعية عمن يعلن الطاعة للإمام وموالاته .


    النتائج التي ترتبت على هيمنة الكلام السياسيّ على الساحة الفكرية هي :
  14. تحويل الشأن السياسي إلى فضاء يغري الجميع بالخوض فيه .
  15. المزج التام بين الشأن الديني والسياسي .
  16. بسبب الخلط بين الدين والسياسة أصبح الحق السياسي حقًا دينيًا إلهيًا فلم يعد من الممكن في نطاق المذهب الواحد إعادة النظر في المنطلقات والمبادئ .
  17. الانجرار إلى التناحر والحروب الأهليّة بسبب تضارب المصالح .


  18. الفصل الثالث جاء بعنوان ” المنعرج المعتزلي” وتحدّث فيه عن زمن التحوّل الذي قاده المعتزلة لعلم الكلام ، وروّاد هذا الزمن ، وعدّ الكاتب نقطة التحول في الجيل الثالث أو الرابع ويمثله أبو الهذيل العلاف وابن أخته إبراهيم النظام .
    ووضح المعتزلة نقطة مهمة هنا هي أن الاعتزال لا يعني الحياد السلبي بقدر ما يعني عدم الانخراط في الثورة بالسيف رغم عدم الرضا السياسي .

    ثم يأتي على أسباب التحوّل التي يلخصها في التحالف بين المفكرين والدولة بداية القرن الثالث ،نتيجة الاستقرار السياسي في الحواضر الكبرى وعناية الدولة بشؤون المعرفة تبعًا لذلك .
    وظهور الحاجة إلى الاختصاص في مختلف المجالات ومن بينها مجال العقائد وأصول الدين .
    وتضاعف الحاجة إلى الرد على النزعات الدينية والفكرية الإسلامية المغالية واللاعقلانية ،وعلى غير الإسلامية المعترضة أو المنافسة .

    ويسترسل في الحديث عن كل سبب بعد ذلك .

    ثم يأتي على خصائص الكلام العلمي ، أولاً أولويّة المعرفة ، و” لم يؤد توجّه المتكلمين صوب المعرفة إلى إهمال القضايا السياسية القديمة ، بل احتفظوا بها ولكنهم أجروا عليها تعديلين مهمين يتمثل الأول في تحويلها إلى موضوع نظري للمعرفة بعد ان كانت مادة للممارسة ،ويتمثل الثاني في وضعها في إطار فكري جديد تغلب عليه المسائل المتافيزيقية ، وقد أدّى ذلك بصورة تلقائيّة إلى تراجع مكانتها ” عدا الشيعة الذي لم تؤثر عليهم كثيرًا لاحتفاظ الكلام لديهم بمكانته .
    غلبت التصانيف والإملاءات ، وكانوا يفرقون بين ما يوجّه إلى المتضلع في العلم ، وما يوجه إلى المبتدئ والعوام .

    ثانيًا الانفتاح على الآخر ، وتجلّى هذا كما أرى في الاعتراف بوجود الآخر ومكانته وإن اعتقد بطلان ما هو عليه ( كما ظهر جليًا في تعريف الإيجي لعلم الكلام ) ، ويتجلّى أيضًا خلال إحصاء الأطراف التي جادلها المتكلمون وردّوا عليها .

    ثالثًا الطابع الحجاجي ، ويعني به الكاتب “قيام الكلام العلمي على المناظرة والجدل واستحضار الآخر المخالف وإقامة الحجة عليه ” ، ” فليس الكلام مجرّد خطاب مرسل ، لذلك لا تندرج فيه العقائد والمقالات إلا إذا كانت مدعومة بالحجج المثبتة المقرونة بالردود على الآراء المناقضة ” .
    يتجلّى الطابع الحجاجي في بنيته الداخلية من حيث عرض الرأي والاستدلال عليه واستعراض آراء الخصوم والرد عليها وافتراض ما يمكن أن يردوا به والرد على ردودهم المفترضة ، ويتجلّى أيضًا في جنس الكتب المصنّفة حيث يميل المتكلمة إلى الردّ على الخصوم ونقض مذاهبهم .

    المعتزلة مالوا إلى الرد علي المعتزلة الآخرين في المقام الأول ، مما يكشف عن تنوع الرؤى داخل المعتقد الواحد ، وتستهدف الرد على مفكرين منشقين في المقام الثاني ، والمخالفين المسلمين في المقام الثالث، والمخالفين من غير المسلمين أخيرًا .

    الشيعة غلب على مصنفاتهم إثبات الإمامة ومذهب خصومهم تجاهها ، ثم الرد على غلاة الشيعة ومن سموا بأهل الحشو ،وبداية من القرن الخامس أصبح الخصم هو أهل السنة، خصوصًا الأشاعرة والحنابلة منهم .

    الأشاعرة استهدفوا بالدرجة الأولى الخصوم من داخل الملة باعتبارهم مبتدعة ضلالاً ، وأبرزهم المعتزلة والمشبّهة ، وتستهدف بالدرجة الثانية أرباب الديانات الأخرى والفلاسفة .

    الفصل الرابع أتى عن ” الكلام العلمي ” وتحته وضع ( من يشمّ رائحة أحد سئم الكتابة ؟ :-# ) المنظومة الأصولية ، وعرفت الأصول بأنها الأمور الاعتقاديّة التي ليس وراءها عمل، وفي تعريف أخر :” الأصول هي كل ما هو معقول يتوصّل إليه بالنظر والاستنتاج ”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق