الأحد، 14 أبريل 2013




***

نبذة الموزع
ينطلق الدكتور "عزمي بشارة" من مقولة أساسية تقول: إن المجتمع المدني من دون سياسة وخارج سياق المعركة من أجل الديمقراطية هو عملية إجهاض لمعاني المجتمع المدني التاريخية وطاقته النقدية، فضلاً عن نزع قدرته التفسيرية على فهم البنى الاجتماعية والسياسية. واليوم، يأتي كتاب "المجتمع المدني" في خضم أحداث مهمة تعصف بالمنطقة وتنهي حالة الجمود التي عاشتها في العقود الثلاثة الأخيرة. ويطغى في هذه التطورات البعد السياسي، ذلك المتعلق بمسألة نظام الحكم، كما سيتضح في هذا الكتاب. وتعود فيها المسألة الديمقراطية كمسألة سياسية. يعتبر عزمي بشارة أن "السياسي" عائد بقوة إلى الحراك الاجتماعي وعبر الثورات العربية التي تداعت أحداثها بسرعة من تونس إلى مصر إلى اليمن وليبيا وسوريا - فأين يقع "المجتمع المدني" في هذا الحراك؟ (...) تشهد المجتمعات العربية عملية إعادة تشكل، تعمل فيها الهوية العربية كخلفية ثقافية وجدانية مشتركة (...) ولكن الفاعل على الأرض هو جموع المواطنين - الواعين لحقوقهم كمواطنين والمدركين أن عليهم واجباً سياسياً يتمثل بمشاركتهم الفاعلة في الحيز العام. إن ما يجري تشييده عبر هذه الصيرورة الثورية هو مجتمع مدني وأمة مواطنية في الوقت ذاته (...) من هنا تبرز أهمية فهم المجتمع المدني كصيرورة دمقرطة، وليس كمجرد إسقاط نظام. فإسقاط النظام ربما لا يقود إلى الديمقراطية، ولا سيما إذا لم يتوافر لدى قوى الثورة برنامج انتقال إلى الديمقراطية، وإذا ما اكتفت بدور هو ترداد ما يردّده الشارع من دونها أصلاً. وفي هذا السياق يؤكد الكاتب على أمر مهم وهو أن خطاب الثورات العربية القائم اليوم هو تأكيد على المواطنة والهوية القائمة عليها، من دون المس بالهوية العربية التي عبَرت عليها جائحة الثورة. ولكن التحدي الكبير بنظر بشارة والذي يواجهه المشرق العربي تحديداً هو تحوُّل الصراع ضد النظام إلى صراع هويات لا يفتت المشترك القومي فقط، بل يمنع تشكل أمّة مواطنية أيضاً. إزاء هذا الخطر لا يجوز الاكتفاء بشعار إسقاط النظام في المشرق، بل من واجب القوى الديمقراطية التأكيد على البعد المدني المتعلق بالمواطنين ككل، وعلى البعد الديمقراطي الذي لا يتعامل مع الأقلية الطائفية كأنها أقلية سياسية، ومع الأكثرية السياسية كأنها أكثرية سياسية، فهذا ليس تعبيراً عن نظام مدني على الإطلاق. وليس لدى الكاتب أدنى شك في أن المواطنة العابرة للهويات الثقافية والإثنية والطائفية والقبلية من جهة، والقومية القائمة على اللغة التي تكرسها وسائل الإعلام الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي من جهة أخرى، هي كيانات تتطور وتتبلور من دون توقف. ومن مهمة المثقف برأي بشارة أن يطرح لها صياغة واعية، لأن الصياغات الواعية المناقضة قد تقف في طريق عملية تحول نراها طبيعية ومنطقية، فتتحول الأمور إلى المجتمع الطبيعي وروابطه الوشائجية وحروب الكل ضد الكل، بدلاً من التطور الطبيعي نحو المجتمع المدني والديمقراطية كبديل للاستبداد، وهو التحدي الحالي للمجتمع المدني. إن هذا العمل على الرغم من أنه كتاب نظري يبحث في تطوّر هذا المفهوم (أي في تعريفه التاريخي) عبر مراجعة الفكر السياسي الغربي، وما يوازي ذلك من تطورات اجتماعية، إلا أن الهدف من الكتاب أهم من ذلك بكثير وهو تفكيك حالة الاستهلاك الرائج لمفهوم "المجتمع المدني"، التي تنزع عنه قدرته التفسيرية ومفعوله النقدي إلى مفهوم آخر ديناميكي وبتعبير الكاتب، "إلى مقولة تاريخية متحركة تظهر الطاقة الكامنة فيها من خلال بحث طريق تطورها التاريخي. فتاريخ تطور الأفكار لا يمكن له العودة إليها بمجرد الاستدارة إلى الخلف والعودة القهقرى وإنما يحتاج إلى عملية حفريات". وهكذا يبدأ الكتاب بالأسئلة الفلسطينية وينتهي بالأسئلة العربية، ويتناول التطور التاريخي لمفهوم المجتمع المدني، كعملية تأريخ للتطور السياسي الغربي الحديث.
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق