الخميس، 28 فبراير 2013


التحصينات العسكرية بمدينة الصويرة

                                                     الأستاذة نعيمة الحضري
                                              جامعة ابن طفيل - كلية الآداب
                                                                          القنيطرة
                                     
يشكل الأمن قيمة أساسية في المدينة، فقلما نجد مدينة إسلامية دون تحصينات لأنها تلعب دوراً مهماً في الدفاع عن المدينة، واختلفت هذه التحصينات باختلاف مواقع المدن وتخطيطها ومواد بنائها، «ولقد أدرك المولى محمد بن عبد الله (1759-1790) الإستراتيجية الخاصة للسواحل المغربية المحيطية وأحس بالأخطار التي تهدد البلاد من جراء الأطماع الأوربية اقتصادياً وعسكرياً، فأقر سياسة دفاعية تهدف إلى تحصين تلك السواحل المغربية وتسليحها ليؤمن الحماية اللازمة للبلاد، وليدعم روابطها بالعالم الخارجي»([1]).
وانطلاقاً من هذه الأهمية، حصن السلطان المذكور ثغر الصويرة حماية لتجارتها وتنمية لعمرانها في نهاية القرن الثامن عشر. وقد أشار الضعيف إلى ذلك بقوله: «وفي سنة 1178 ﻫ/ 1764 م) حصنها - الصويرة - وأنفق عليها مالاً عظيماً»([2]).
وتخبرنا المصادر التاريخية أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله كان يسهر بنفسه على أشغال بناء تحصينات الصويرة، وقد كتب الرحالة الإنجليزي جاكسونJackson في هذا الشأن: «أمر السلطان سيدي محمد بن عبد الله الباشا ابن عمران وكبار أعيان المخزن الحاضرين معه آنذاك في المدينة أن يأتوه بالملاط والحجارة لكي يشارك في البناء بيده»([3]). كما استعان هذا السلطان بمهندس أجنبي لإنجاز أعمال التحصينات ويدعى تيودور كورنو Théodore Cornut وأصله من أﭬﻨﻴﻮن Avignonبفرنسا([4]). وقد قال عنه القنصل الدنمركي هوشت Host «وفي سنة 1765 وصل مهندس فرنسي يدعى كورنو إلى مراكش، وكان في خدمة الإنجليز بجبل طارق خلال الحرب الأخيرة، فكلفه السلطان سيدي محمد بن عبد الله ببناء المرسى وتحصينات الصويرة، إلا أنه سرعان ما استغنى عن خدماته لأنه كلفه كثيراً»([5]).
وبعد مغادرة كرونو عوض بمهندس من جنوة يدعى أحمد العلج الذي نجد اسمه منقوشاً على باب المرسى وبعض البنائين الأسرى والمعلمين المغاربة.
وتتكون تحصينات الصويرة من أسوار وأبواب وأبراج وصقالات.

تحصينات المدينة: قراءة أثرية ودراسة تفصيلية
الأسوار
السور هو الحائط الذي يطوق المدينة ويحيط بها من جميع جهاتها، وقد ارتبط إنشاء السور بالوظيفة التحصينية للمدينة لصد الأخطار الخارجية عنها وضمان حمايتها وأدت هذه الدوافع إلى إحاطة المدن الإسلامية بأسوار منيعة منذ فترة مبكرة وجعل ابن خلدون الأسوار شرطاً يجب توفره لبناء المدن «ويكون ذلك في ممتنع من الأمكنة إما على هضبة متوعرة من الجبل فيصعب منالها على العدو»([6]).
وتختلف أسوار المدن باختلاف المواقع والتخطيط ومواد البناء.
ومن خلال قراءتنا للمعالم الأثرية بمدينة الصويرة لاحظنا أنها لا تختلف كثيراً عن باقي المدن المغربية الساحلية، فنجد أن أسوارها نسجت على منوال الأساليب التقليدية المحلية التي ظهرت منذ العصر الموحدي والأساليب الهندسية المستوحاة من الغرب.
تحيط بمدينة الصويرة أسوار مختلفة من حيث مكوناتها التقنية المعمارية، وهي غير منتظمة في تخطيطها، ويبدو من خلال معاينتنا الميدانية أنها لم تنجز دفعة واحدة([7]).
تمتد أسوار هذه المدينة في شكل حزام بطول 2476 متراً ويربو عن إحدى عشر متراً. ويتراوح سمك جدرانها ما بين 1,20 م و1,70 م وتنتهي بسلسلة من الشرافات.
وما تزال هذه الأسوار رغم توالي القرون على تأسيسها قوية الدعائم عدا الأعالي منها التي بدأت تتآكل من جهة البحر.
أما من حيث طريقة البناء، فتختلف حسب الواجهات. فقد اتبعت الواجهة البرية في نظام بنائها فن العمارة المغربية الأندلسية أي استعمال الطابية([8]). أما الواجهة البحرية فبنيت بالحجارة وأدخلت عليها تأثيرات أوربية.
شكلت هذه الأسوار الدعامة الأساسية في حماية المدينة. كما عرفت تطورات نتيجة التفاوت الزمني في بنائها، فنجد أسوار القصبة القديمة، فأسوار المرسى، فأسوار المدنية ثم أخيراً أسوار القصبة الجديدة([9]).

أسوار المدينة: طريقة البناء والأسلوب المعماري
الواجهة البرية: بنيت على غرار المدن المغربية العتيقة بالطابية أو بالتراب المدكوك وهذه الطريقة كانت قد استعملت في العهد الموحدي ويرجع تفضيل هذه التقنية على الحجر إلى سهولة استعمالها وقلة تكلفتها، وتؤكد المعاينة الميدانية أن الطابية المستعملة في أسوار مدينة الصويرة، جاءت مختلفة من حيث الجودة والصلابة والموقع، ونجد هذا النوع من البناء في أسوار القصبة القديمة وأسوار المدينة وأسوار القصبة الجديدة.
الواجهة البحرية: وتتميز بمتانة بنائها الذي اقتضى استعمال الحجارة المنجورة والغير منجورة (الدبش) في تشييد أسوارها المطلة على البحر وفي الشرافات العريضة والفتحات الأسطوانية في الجدران، وهذا الأسلوب المعماري ذو طابع أوربي كلاسيكي.

الأبواب
الباب أحد العناصر المعمارية الأساسية فهو الذي يوصل ما بين داخل المباني وخارجها([10]).
والأبواب في أسوار المدينة تؤدي وظائف متعددة منها: حماية المدينة من كل تهديد خارجي، والتنقل وتحصيل المغارم والاستقبالات المخزنية، وكانت أبواب أسوار المدن عالية حتى أن الفارس يمكن أن يدخلها وهو يحمل العلم أو الرمح الطويل من غير أن يميل، وتقفل بإحكام، برتاجات حديدية ثقيلة وقوية([11])، وكانت خاضعة لبوابين مكلفين بمراقبة تنقل الأشخاص من وإلى المدينة نهاراً والقيام بالحراسة ليلاً إلى جانب السهر على ضبط أوقات فتح الأبواب وإغلاقها، كما كانت خاضعة لجباة الأبواب الذين كانت مهمتهم تتعلق بمراقبة مرور البضائع والمنتجات من أجل أخذ مستحقات الجباية عنها([12]).
وقد سعى المعمار إلى الزيادة في تحصين مداخل الأبواب وهي إما أن تكون مستقيمة أو منكسرة تؤلف زاوية قائمة لإعاقة المهاجمين([13]).
ويبدو أن اختيار مواقع الأبواب في الواجهات المكونة للسور بالصويرة، قد روعيت فيها هذه الاعتبارات، وتشتمل الصويرة على أبواب مختلفة هي:

باب المرسى
يعتبر باب المرسى من أهم الإنجازات الدفاعية للسلطان  سيدي محمد بن عبد الله، وهو معلمة تختزن جمالية فنية فريدة تبرز جلياً في تتويج ميناء مدينة الصويرة بمدخل رئيسي، وتجعل منه باباً ينفرد بخاصيته دون مدن المغرب الأخرى.
بني هذا الباب سنة 1770 م كما تخبرنا النقيشة التي توجد داخل الرصيعة médaillon بالباب، وقد نقشت بخط مغربي، وسجل فوقها بالأرقام تاريخ 1184 حيث نقرأ: «الحمد لله هذا الباب أمر ببنائه فخر الملوك، سيدي محمد على يد مملوكه أحمد العلج».
ويخبرنا بنوا فرنان Benoit Fernand أن المهندس تيودور كورنو هو من وضع تصميم باب المرسى، الذي شيد بعد مغادرته للمغرب في 1769([14]).
ولما كان هذا المدخل بارزاً في شكله الهندسي وغدا من أشهر أبواب المدينة، فقد أثار انتباه الرحالة وخاصة الإنجليزي لوكليرجون Leclercq Jean فذكره في رحلته سنة 1880، حيث قال: «عندما رسونا أمام باب من النوع الدوري dorique([15]) أصبنا بالاندهاش فهذا المدخل الذي يقع في مدينة موريسكية، يؤدي إلى حوض يحتل مكانة مهمة لاتصاله بتحصينات تدعى صقالة المرسى»([16]).

الخصائص المعمارية والفنية لباب المرسى
يبرز باب المرسى بشكله الهندسي، فهو محوري عرضه 10,60 م وعلوه 8 م.
حرص باني واجهته المطلة على البحر أن تكون بالحجارة المنجورة ذات مقاييس مختلفة مرصوفة تصفيفاً دقيقاً.
وتتكون فتحة بابه من عقد نصف دائري، قوامه من صنجات claveaux بارزة من حجر تحملها ركائز مضلعة وإفريز bandeau تتخلله أشكال هندسية، وثلاثة أهلة croissants، وقد لاحظ القبطان بوييه نوييل Boyer Noel أن هذا النوع من الأهلة هو رمز للجهاد البحري ويزين رايات البحارة([17]).
زينت ركنيتا الباب بهندسة نباتية علته جبهية مثلثة fronton([18])، وهذا العنصر المعماري لا نجد له مثيلاً في أبواب المغرب.
وسقف هذا الباب عبارة عن قبة رباعية من البرشلة وهذا النوع من الزخرفة كان سائداً في عدد كبير من البنايات العلوية في القرن الثامن عشر.
يتوسط باب المرسى مرقبين([19]) échauguettes يشرفان على تحصينات صقالة المرسى لغرض الحراسة وهو نوع نادراً ما يستعمل في إفريقيا([20]).
يعد باب المرسى بناءاً متميزاً في تاريخ العمارة المغربية، إذ يجمع بين الطرازين الأوربي والمغربي. فالأوربي نلمسه في نوعية العقد والصنجات والسواري والجبهية، والمغربي في القبة والأهلة مما جعل من هذا الباب لوحة أكسبته جمالية فريدة.

باب دكالة
يشكل مقدم بناء الزاوية الشمالية الشرقية للمدينة، وينفتح على الملاح وعلى المحور التجاري الرئيسي للمدينة ويعرف باب دكالة بباب آسفي، وهو يحمل اسم المنطقة التي يؤدي إليها.
تتفق جل المصادر على أن بناء هذا الباب يرجع إلى عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله.

الخصائص المعمارية والفنية لباب دكالة
من الناحية المعمارية يعد باب دكالة من أهم أبواب المدينة وأضخمها فهو باب مستقيم، يبلغ عرضه 15,60 م وعلوه 7 أمتار.
يتكون هذا المدخل من أبواب ثلاثة، باب كبير في الوسط، يبلغ عرضه 3 م ويفضي إلى دهليز طوله 7 م وعرضه 3,40 م. أما البابان الجانبان فلهما مقاييس متقاربة. مقاييس الباب اليسرى 2,20 م في العرض و2,30 م في العلو ومقاييس الباب اليمنى: 2 م في العرض و2,30 م في العلو.
يؤدي هذان البابان إلى غرفتين متقاربتين في المقاييس، الغرفة الشمالية (4,30 م-4,60 م) والغرفة الجنوبية (4,10 م-4,60 م)، وقد كانت هاتان الغرفتان بلا شك للحراس ونظراً لأهمية هذا الباب من الناحية العسكرية، فقد دعم بصقالة تتحكم في مختلف جوانب المدخل.
تنفتح أبواب هذا المدخل الكبير بواسطة أقواس نصف دائرية متجاوزة بارزة arcs en plein cintre outrepassés تشكل الحجارة المنجورة الإطار المحيط بفتحات الباب كما أن هذه الواجهة تنتهي بمتراس من الدبش ودعامات chainage من الحجر المنجور في الزوايا.
أما الواجهة الداخلية فتتكون من قطع الحجر المنجور المتفاوتة الأحجام وتشبه في هيئتها الواجهة الخارجية للباب.
وتجدر الإشارة إلى أن واجهات باب دكالة هي أقل زخرفة من الأبواب العلوية التي بنيت قبله باب الخميس وباب منصور العلج بمكناس([21])؛ ومع ذلك نصنفه من الأبواب الدفاعية الرئيسية لمدينة الصويرة، فمنه كانت تخرج القوافل المتجهة نحو مدينة أسفي.
وعرف باب دكالة كباقي الآثار بالمدينة، ترميمات تعود إلى نهاية القرن العشرين.

باب مراكش
يقع في أقصى شمال الجهة الجنوبية للمدينة، ما بين برج باب مراكش وبرج مولاي محمد. كان هذا الباب يؤدي إلى مقبرتين إسلاميتين خارج الأسوار([22]). أما اليوم فيطل على ساحة تدعى ساحة مولاي رشيد.
وحسب بعض الوثائق القديمة، فالواجهة الجنوبية كان يتخللها باب واحد، معناه أن باب مراكش كان أحد المداخل الرئيسية للمدينة قبل بناء باب السبع في منتصف القرن التاسع عشر، مما جعل مشيده يحصنه ببرجين، إذ كان لهذا الباب وظيفة دفاعية تتمثل في صد الهجومات الآتية من القبائل المجاورة مثل حاحا والشياظمة، كما كان له دور تجاري لأنه كان يشكل محطة للقوافل.
وفضلاً عن ذلك، فقد كان باب مراكش يتميز بوظيفة مجالية، إذ منه يمكن الولوج إلى شارع كبير يحمل اسم محمد القري، وإلى بعض المنشآت الدينية.

الخصائص المعمارية والفنية لباب مراكش
باب مراكش: باب ذو عطف واحد وعرضه 6,60 م وعلوه 6 م. تعتبر الواجهة الخارجية، أهم ميزة تذكر في وصف الباب، فهي واجهة تنفتح بعقد نصف دائري ومبني بالحجارة المنجورة، يقوم على ركائز من نفس المادة.
وقد ميز هذا النوع من العقود العمارة بالصويرة بشكل ملحوظ ونجده في عدة مآثر بالمدينة. ينتهي إطار هذه الواجهة بناتئة moulure من الحجارة المنجورة، يعلوها متراس ذو فتحات صغيرة.
يظهر من الداخل باب مراكش بقوس متجاوز يتقدمه عمودان من الحجر المنجور، واستعمل القبو لتغطيته.
بنيت جدران هذا الباب بالدبش والملاط enduit، بينما استعملت الحجارة المنجورة في الأقواس وفي إطار المدخل.

باب المشور
وهو مدخل المدينة من الجهة الغربية ويعرف باب المشور بباب الْمَنْزَه، لأنه كان يفضي في الماضي إلى حدائق. وأطلق عليه اسم باب المشور نظراً لقربه من ساحة المشور([23]).


كان هذا الباب مجاوراً لدار المخزن ومرافقها، وكان الاتصال عبر هذه المباني يتم عن طريق باب داخلية تسمى باب مسعود وباب القصبة القديمة([24]).
كان لباب المشور عدة وظائف منها: الوظيفة الدفاعية وهي وظيفة مشتركة بين أبواب المدينة والوظيفة المخزنية تتمثل في استقبال المخزن للوفود وخروج السلطان.

الخصائص المعمارية والفنية لباب المشور
باب المشور من حيث المكونات المعمارية، بسيط الشكل والزخارف، ويذكرنا بباب دكالة الذي يقابله في أقصى حدود المدينة من الجهة البرية.
ولا يختلف باب المشور في تصميمه عن الأبواب السابقة، فهو باب مستقيم، عرضه 18 م عمقه 4,60 م.
واجهته تتكون من ثلاث فتحات، الفتحة الرئيسية علوها 3,50 م وعرضها 3 م. أما الفتحتان الجانبيتان فتبلغ مقاييسهما 3,40 م × 2,40 م.
ينفتح باب المشور بأقواس نصف دائرية، تتألف من صنجات من الحجر المنجور.
تقابل هذه الأقواس، أقواس داخلية مماثلة للأقواس الخارجية. وعلى هذا الباب مبنى للسلطان وحاشيته، تحول اليوم إلى سكنى. أما المادة المستخدمة في بناء هذه المعلمة هي الحجارة المنجورة والدبش تغطيه طبقات من الملاط.

باب السبع
وهو المدخل الرئيسي للقصبة الجديدة، ويقع من الجهة الجنوبية من المدينة. تأسس في أواسط القرن 19 من طرف السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان (1859-1873).
باب السبع كان متعدد الوظائف، فمنه يتم الولوج إلى القصبة وساحة المشور ومحور باب دكالة بعد المرور على السوق الجديد وسوق الحدادين. كما أنه كان يضمن الأمن للقصبة ليلاً ونهاراً ويسهل الرواج والتنقل منها وإليها.

الخصائص المعمارية والفنية لباب السبع
على عكس باب المشور، يحتوي باب السبع على فتحة واحدة، تشكل بناء عرضه 12,60 م، وعلوه 5 م، هذه الفتحة تتكون من عقدين: نصف دائري، يتألف من صنجات من الحجر المنجور، يحمل نقيشة تؤرخ لهذا الباب ونصها: «لا إله إلا الله محمد رسول الله عام 1283 ﻫ».
أما العقد الثاني: فهو نصف دائري متشكل من زخارف من الحجر المنجور. وتتميز واجهة باب السبع، بوجود عمودين رشيقين من الحجر المنحوت، وهي مكللة بتيجان جاءت على جانب رفيع من الدقة في العمل ومن المحتمل أن هذه التيجان انتزعا من معلمة ما وأعيد تركيبهما في هذا الباب، لأن هذه التيجان لا يوجد لها مثيل في مباني المدينة. يطوق هذه الزخرفة التي تتسم بالدقة إطار من الحجارة المنجورة، وناتئة زخرفية. ويزين أعلى الباب متراس تعلوه شرافات.
تصميم هذا الباب بسيط، يتكون من دهليز يبلغ عمه 7 م وعرضه 4,50 م وهو مسقف بقبو نصف دائري. وتنفتح على جانبيه غرفتان: الأولى على اليمين تبلغ قياساتها 6 م طولاً و3,20 م عرضاً، تنفتحان بدورهما على الدهليز بعقدين مفصصين arcs lobés، يعلوهما إطار بصف من الحجارة. ويراقب المشرفون من هذه الغرف البضائع ويحصلون مستفاداتها، وكانت كذلك للمشرفين من أجل أخذ الجباية على الحراسة لذلك علا هذا الباب برج أسطواني صغير.


الأبراج
البرج مصطلح معماري عسكري أنشأ لمهمة الدفاع ويرى محمد حجي أن البرج الصغير يعني البستيون bastion وهي كلمة أعجمية، وقد انتشر هذا النوع من البنايات في القرن السادس عشر([25]).
أطلق اسم البرج على البناء المرتفع الذي يشكل عنصراً دفاعياً ملحقاً بأسوار المدينة أو منفصلاً عنها، وقد انتشر هذا النوع من المعمار العسكري في المغرب في عدد من المراكز الإستراتيجية سواء بالساحل أو بالداخل.
من الناحية المعمارية يتخذ البرج أشكالاً مختلفة، فنجده دائري الشكل أو مستطيلاً أو مربعاً أو مضلعاً. ومثلما تختلف أشكاله تنوعت مادة بنائه، حسب الزمان والمكان فتكون إما من الحجارة أو الأجور أو الطابية والخشب.
جل الدراسات التي تناولت بالبحث مصطلح البرج، أثبتت أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإنجازات الأندلسية بالدرجة الأولى تَمّ فيما بعد بالإنجازات الأوربية([26]).

أبراج الصويرة
حافظت أبراج الصويرة على وجه الشبه مع سابقاتها لذلك توزعت على طول سور المدينة وعلى واجهات الأبواب منفصلة عن بعضها البعض.
أما مادة بنائها فهي الدبش والحجارة المنجورة والطالبية. ومن أهم عناصر هذه الأبراج: المراقب والشرافات التي توزع في أماكن منتظمة على الجدران، وأهرية للمؤن والأسلحة وخزان مائي.
كباقي الأبراج، لم تكن أبراج الصويرة تقوم بالعمل الدفاعي فقط، بل لعبت دوراً آخر يتمثل في المراقبة عن بعد، حيث أن شكلها الهندسي البارز والمرتفع في سور المدينة يمكن الرقاب([27]) من رؤية ما قد يهدد المدينة من أخطار، ويسهل نقل الأخبار سريعاً بين الحراس.
عرفت أبراج الصويرة عدة ترميمات، في القرن التاسع عشر، حيث أورد ذلك الناصري قائلاً: «وجدد السلطان المولى عبد الرحمان ما تهدم من أبراج الصويرة واعتنى بها وصير عليها أموالاً ثقالاً فجاءت في غاية الإتقان والحصانة»([28]).

برج باب مراكش
وهو من أهم العناصر المعمارية الدفاعية بالصويرة ويشرف على المدينة من الواجهة الجنوبية. ويحمل برج باب مراكش اسم الباب الذي يجاوره.
أغلب الظن أن باني برج باب مراكش هو السلطان سيدي محمد بن عبد الله، لأن تصميم جاكسون جيمس Jackson James المؤرخ بسنة 1809 كان قد أشار إلى وجوده.
ولبرج باب مراكش عدة وظائف منها مراقبة المدينة، وحماية الساقية التي تزود سكانها بالماء وحراسة مدخل المرسى مما يؤكد تصميمه الدفاعي.
تتخذ هذه البناية شكلاً أسطوانياً قطره 35 م وعلوه 7 م، تَمَّ تشييدها بالحجارة المغطاة بطبقات من الملاط.
وتتخلل واجهاتها حلية معمارية من الحجر تبرز مستويين واضحين. أحدثت بجدار هذه الواجهة ثلاث عشرة فتحة للمراقبة، ذات شكل مستطيل، أحيطت بها إطارات وأقواس نصف دائرية مشرعة.
ويتكون البرج من مستويين: جزء أرضي معزز بغرف([29]) تتقارب قياساتها (5,50 م طولاً × 3 م عرضاً) بينما لا يتعدى علوها 1 م.
استعملت الأقواس النصف الدائرية المشرعة في فتحاتها، واستعملت السقوف النصف الأسطوانية في تغطيتها، وقد كان هذا الطابق مخصصاً للأسلحة والجند. يتوفر الجزء العلوي بدوره على بيوتات وسطيحة تنتهي بمتراس ذات شرافات من الحجر المنجور.
وبرج باب مراكش مسته ترميمات متتالية في القرن التاسع عشر أهمها تلك التي قام بها السلطان مولاي عبد الرحمان (1822-1859) كما تشهد بذلك نقيشة البرج «صنع هذا البرج السعيد عن إذن الملك ابن هشام 1262 ﻫ الموافق لسنة 1846 م». والظاهر أن البرج تهدم على إثر هجوم الفرنسيين على الصويرة يوم 15 غشت1844 ويقول دو جوانفيل De Joinville وهو الذي قاد الهجوم على البرج وتسبب في تخريبه «إن العرب هم الذين هدموا هذا البرج وقد أرادوا أن ينصبوا مدفعية ضدنا - نحن الفرنسيين - من برج كبير لإحدى أبواب المدينة، فنصبت فيه كمية هائلة من البارود من دون حيطة، فأطاحوا بالبرج وجزء من السور»([30]).

برج البرميل
يحتل هذا البرج الزاوية الشمالية الغربية للمدينة من ناحية البحر. ونظراً لأهمية هذه الواجهة ضد الهجمات فقد ألحق هذا البرج بصقالة القصبة.
حمل هذا البرج إسمين: الاسم الأول: البستيون الشمالي أو البرج الشمالي كما جاء في الرسوم الوثائقية التي تعود إلى نهاية القرن الثامن عشر.
الاسم الثاني: يرج البرميل، وأول إشارة له بهذا الاسم، نجدها عند الرحالة باش بول Bâche Paul الذي وصفه أثناء زيارته للمدينة سنة 1861 بقوله: «في الزاوية الشمالية يقع برج أسطواني يدعى برج البرميل»([31]).
يشكل برج البرميل هيكلاً من الحجر متقدماً في البحر، ويتخذ شكلاً دائرياً، يبلغ قطره 25 م، وعلوه 6,20 م؛ وينتهي بسلسلة من الشرافات من الحجر المنجور، بنيت متقاربة وبشكل منتظم.
يتكون البرج من مستويين: طابق سفلي وهو عبارة عن خزان للماء كان سكان المدينة يستعملونه عند الحاجة([32]). وطابق علوي: يتكون من قاعة بنيت بالدبش يلحمها ملاط من الجير والطين وكسي سقفها بقبو.
ينفتح باب هذه القاعة بقوس نصف دائري محمول على ركيزتين تتكونان من مداميك حجرية assises de pierre([33]) يزين قوس هذا الباب زهرة منحوتة من الحجر، كما زين مفتاحه برصيعة غير منمنمة.
تتخلل واجهة هذه القاعة بالإضافة إلى عقد المدخل عقدان نصف دائرية محمولة كذلك على ركائز من الحجر المنجور. نصر إلى هذه القاعة عبر أسطوان مستطيل يغطيه قبو.
وتحتوي هذه القاعة الكبيرة على بيوت ضيقة لا تحمل أية زخرفة باستثناء كوات في أعلى الجدران للتهوية ودخول الضوء.
وتجدر الإشارة إلى أن واجهة هذه القاعة التي تطل على البحر، تحمل بقايا لثلاثة أقواس نصف دائرية مماثلة للتي توجد في الواجهة الرئيسية، ويدل وجود هذه الأقواس على أنها كانت أبواباً بحرية قديمة.
يتم الاتصال بالقاعة والسطح عن طريق درج مستقيم. ومن أجل مراقبة وحماية كاملة، زودت قاعة البرج بمرقبين من الحجر المنجور غطت بقبب، فتحت في أعلاهما فتحات للمراقبة.


برج مولاي محمد
نصب برج مولاي محمد في الركن الجنوبي الشرقي للمدينة، وأغلب الظن أن هذا البرج بني أساساً لتدعيم وتحصين سور المدينة من هذه الجهة، ويظهر من خلال مكوناته المعمارية أن له دوراً ثانوياً في التحصينات العسكرية. وتفيد بعض الكتابات الاستعمارية بأن الفرنسيين هم من أطلقوا عليه هذا الاسم بعد الحماية.
كما الشأن بالنسبة للأبراج السابقة الذكر، يتخذ برج مولاي محمد شكلاً دائرياً، لكنه أقل حجماً من سابقيه، إذ يبلغ قطره 9 م ويبلغ علوه 10 م.
يتكون هذا البرج من قاعتين صغيرتين يتم الدخول إليهما عبر فتحة بسيطة، ومن سطح يتحكم في مختلف جوانب البرج، ويتوفر على فتحات مستطيلة الشكل مكونة من أحجار متوسطة وغير منتظمة البناء ويلاحظ في هذا البرج انعدام الشرافات.
ويتصل مع سطحه بواسطة خمس عتبات من الحجر. وتبقى مادة بناء هذا البرج البسيط في شكله وتصميمه، هي الطابية والحجر غير المنجور.

الصقالات
على غرار المدن الساحلية المغربية كالرباط وسلا والعرائش وطنجة([34]) زودت مدينة الصويرة بتحصينات وتعرف باسم الصقالات.
والصقالة هي درج نقال من خشب أو من حديد يمتد داخل الميناء فوق الماء ويستعمل كرصيف للمراكب الصغيرة([35]).
والصقالات بالصويرة هي تحصينات شيدت لأغراض دفاعية وتجارية، وقد أثارت اهتمام السلطان سيدي محمد بن عبد الله ومعاصره السفير المغربي أحمد الغزال خير من يحدثنا عن هذه التحصينات حين كتب ما يلي: وحصن أيده الله الجزيرتين الدائرتين بالمرسى كبرى وصغرى بالعدد الكثير من المدافع، وشيد برجاً على صخرة داخل البحر أحكامه لصنوف الهندسة جامع، فالقاصد المرسى لا يدخلها إلا تحت رمي المدافع من البرج والجزيرة، فإذا جاوز المدافع وحصل بالمرسى فلا يمكنه الخروج منها إلا بدليل له معرفة وبصيرة فهي محصنة محفوظة وبعين الرعاية ملحوظة([36]).
وتشتمل مدينة الصويرة على صقالتين: صقالة القصبة وصقالة البحر، وهما من المكونات الهندسية لمدينة الصويرة ويظهر بهما التأثير الأوربي واضحاً لا من حيث التصميم ولا من حيث مواد البناء، وقد كلف بناؤهما أموالاً باهظة.
وكان السلطان سيدي محمد بن عبد الله قد عين قادة الرماية على هذه التحصينات وفي ذلك يقول الضعيف: «وفي صفر لعام 1179 عين الحاج محمد الصفار رماة يذهبون للصويرة منهم المقدم الحاج محمد الفحام والمقدم الكبير الجزولي والمقدم أعزيز والمفرج والحاج عبد السلام البلاج والبادسي والسلاسي»([37]).

الخصائص المعمارية والفنية لصقالة المرسى
وهي عبارة عن مركب دفاعي يتكون من صقالتين شيدتا لتوفير الحماية الكاملة للميناء. تأخذ أولهما شكل مستطيل (87 م طولاً × 12 م عرضاً) محمول على مخازن مبنية بالدبش وتتراوح مقاييسها ما بين (7 م طولاً × 3 م عرضاً) و(3,50 م × 2, 50 م). وهذه الصقالة محمولة على قنطرة بحرية ذات أقواس نصف دائرية تتخللها رصيعة متوجة بزخرفة نباتية، حيث نقرأ فيها: «أمر ببناء هذه القنطرة السلطان سيدي محمد بن عبد الله 1184».
من جهة البحر على طول الجدران الذي يعلو الأرضية، أحدثت فتحات للمدافع من الحجر المنجور ذات حجم متوسط.
وعززت هذه الصقالة ببرجين كبيرين لهما قاعدة مربعة (14 م من كل جانب).
البرج الأول استعمل في بناء جدرانه حجارة غير منجورة وشيدت زواياه قصد تقويتها بأحجار منجورة. وتقتصر زخرفة هذا البرج على إفريز([38]) من الحجر المنجور. وكان دعامته مراقب أو اشبارات([39]) وهي بريجات مستديرة الشكل، وهي معدة للمراقبة، وبنيت بالحجارة وسقفت بقباب ونصبت بها فتحات في جميع الاتجاهات لمراقبة السفن الآتية من البحر. فشكلت بذلك عنصراً دفاعياً ملحقاً بالصقالة.
أما البرج الثاني فيختلف عن سابقه بوجود بابين أحدهما ثانوي والآخر رئيسي، تتشكل من قوس نصف دائري وتتألف صنجاتها من الحجر ذي الحجم الصغير وترتكز على دعائم من نفس المادة وهذا النوع من الأبواب عايناه في كثير من المباني بالصويرة.
يفضي هذا الباب الرئيسي إلى أسطون وبيوتات عديمة الزخرفة ولا تتعدى قياساتها (5,46 م × 2,80م) كما زود بفتحات مواجهة للبحر.
وتجدر الإشارة إلى وجود قاعتين بهذه الصقالة الأولى مربعة ومسقفة بقبة كانت مخصصة بدون شك للديوانة، والثانية كانت مقراً لطبيب الكرانتينةquarantaine([40]).
أما الصقالة الثانية، فتمتد داخل البحر وتتخذ شكل مستطيل (5,80 طولاً × 8 م عرضاً)، أما بناؤها فأساسه الحجارة المنجورة. وعلى طول متراسها، فتحت أربع عشرة شرافة من الحجر المنجور، يحتمي وراءها المدافعون ومن خلالها يطلون على المهاجمين، ونصبت بها مدافع تحمل نقيشات تشير إلى أصلها الإسباني والبرتغالي.
وتوجد أسفل هذه الصقالة مستويان يتوصل إليها بدرج، وتوجد بها مخازن يفوق عددها العشرين، عدت لخزن براميل البارود والبنب وإقامة المراكب والمخاطف والحبال وغيرها. هذه المخازن عبارة عن بتوتات وطينة basses ومسقفة بأقباب نصف أسطوانية Voûtes en berceaux وهي عديمة النوافذ لضرورات دفاعية.
تشتمل صقالة المرسى على مطفية كبيرة، ومطوقة بسطح يعلوه متراس ذو شرافات، كما أنه مدعم بمراقب مقابلة للجزيرة الصغيرة.
يتم الصعود إلى هذا المركب الدفاعي عبر درج انتظمت على يمين باب المرسى.

الخصائص المعمارية والفنية لصقالة القصبة
شيدت صقالة القصبة في الجهة الشمالية الغربية للمدينة، وتمتد على سطح مستطيل على مسافة طولها 175 م وعرضها 18 م.
تبدو صقالة القصبة بحالة جيدة، رغم تعرضها لقصف الفرنسيين سنة 1844، لكن السلطان مولاي عبد الرحمان رمم ما هدمته يد العدو سنة 1845([41]).
تعلو الواجهة البحرية لصقالة القصبة شرافات ذات فتحات هندسية متساوية القياسات، شيدت من الحجر المنجور مخصصة للأسلحة النحاسية الثقيلة، وتحمل هذه المدافع تواريخ صنعها وهي ما بين 1595 و1614 أي في عهد فليب II وIII وأخرى تَمّ استيرادها من مصانع برشلونة وإشبيلية.
وتقع هذه الصقالة فوق أربعين مخزناً أعدت للذخائر والأسلحة والحراس وهي عبارة عن أهراء ذات أقواس نصف دائرية تتألف صنجاتها من قطع الحجر المنجور، سقفت جميعها بسقوف نصف أسطوانية من الآجر.
وتتفاوت هذه المخازن في قياساتها، فالمخزن الكبير يصل إلى 5 م طولاً و3,60 م عرضاً، والمخزن الصغير لا يتعدى 4,40 م طولاً و1,50 م عرضاً وزود البعض منها بنوافذ لإدخال الضوء والهواء([42]).
وتتميز صقالة القصبة بوجود بيت يعرف ببيت اللطيف، كان معداً لقراءة اللطيف الشريف واستظهار كتاب "الشفا" وغيره، وكان السلطان سيدي محمد بن عبد الله قد عين لهذا الغرض عدداً من العلماء، وأجرى عليهم أرزاقاً كانت تعرف عليهم عند توزيع أرزاق الجند([43])، لكن وظيفة هذا البيت توقفت في عهد المولى عبد الحفيظ 1908-1912، وحول هذا البيت إلى سكنى.
للصقالة ثلاثة أبواب اثنان جنوبيان خارجان للقصبة القديمة منقوش على أحدهما صورة مدفعين وحراب ورايات وثالث نافد لحومة العلوج.

تحصينات الجزيرة الكبرى
حسب الشواهد الأثرية، كانت الجزيرة الكبرى مركزاً تجارياً نشيطاً في العصور القديمة، وهذا الموقع محصن بأسوار منها ما يعود إلى العهد البرتغالي.
وفي القرن 18، وحسب تصميم كورنو، فهذه الجزيرة كانت محصنة ومحمية بقطع مدفعية، وأسست بها مرافق نذكر منها المسجد والأبراج والسجن، وقد كتب الصديقي في هذا الشأن: «ومن مؤسسات الجزيرة مسجدها وصومعتها وأربعة أبراج وداران، كما تأسس بها سجناً مربعاً لا سقف بتربيعه»([44]).
ويتضح من المعاينة الميدانية([45]) أن تحصينات الجزيرة، بنيت بحجارة منجورة وغير متجانسة أعيد استعمالها بدون شك، كما أنها عززت بشرافات من نفس المادة.
وتتميز هذه الجزيرة بوجود أهراء مسقفة بقباب وظفت للذخيرة والعتاد والجند. وتحصينات الجزيرة هي اليوم عبارة عن صقالات بارزة في الجزيرة.

تحصينات الجزيرة الصغرى
تقع هذه الجزيرة قرب المرسى، وتحتوي على تحصينات تتمثل في صقالة مبنية بالحجارة المنجورة.
وأغلب الظن أن هذه الصقالة بنيت في عهد سيدي محمد بن عبد الله، وأعيد بناؤها في عهد السلطان المولى عبد الرحمن، وكان القائم على بناءها محمد توفلعز المكلف بالتجارة المخزنية([46]).
تحتضن صقالة الجزيرة الصغرى برجاً دائرياً من جهة المرسى. ولم تسلم الجزيرة الصغرى هي الأخرى من هجوم الفرنسيين على مدينة الصويرة سنة 1844.
خاتمة
يتضح من خلال قراءتنا الأثرية لتحصينات الصويرة، أننا أمام مدينة شملت نظاماً دفاعياً متنوعاً، يضم الأسوار والأبواب والأبراج والصقالات.
فمن حيث الوصف للتفاصيل المعمارية والفنية لهذه المنشآت، خلصنا إلى مجموعة من الملاحظات نجملها في ما يلي:
قوام الأسوار، حسب الواجهات، إما الطابية أو الحجارة المنجورة وغير المنجورة مما يدل على تباعد بنائها في الزمن. وتتعاقب على هذه الأسوار أبواب أغلبها مداخل مستقيمة، وهي إحدى مميزات الأبواب العلوية للقرن الثامن عشر، وتختلف هذه الأبواب من حيث مكوناتها المعمارية والفنية ومن حيث البناء.
فإذا كان باب دكالة هو المدخل الأضخم من حيث الهيأة والمقاييس، فإن باب المرسى ينفرد بزخرفته التي تتكون من عناصر جديدة كالأسلوب الدوري والجبهية المثلثة.
وتتعزز هذه الأبواب بأبراج مرتبة على الأسوار وهي إما ملتصقة بغيرها من المنشآت الدفاعية أو منعزلة عنها، وقد اتخذت أشكال مختلفة بين الأسطواني والمربع، وتتنوع في تخطيطها ومواد بنائها، وقد جعلت للمراقبة والدفاع كما شكلت خزانات للمياه ومستودعات للأسلحة.
أما الصقالات أي التحصينات الموالية للبحر فهي بارزة من حيث مقاييسها وهيأتها المعمارية ومادة بنائها وتشترك في عدة تفاصيل مع صقالات المدينة الساحلية كالشرافات العريضة والمراقب.
ومن خلال هذه الإحاطة بالعمران العسكري يمكن القول على أنه بالرغم من محافظته على الأشكال التقليدية وتأثره بالأساليب المعمارية الأوربية فإن القاسم المشترك بينهما هو التحصين والدفاع وحفظ الأمن.




([1])      الدكتور عبد الكريم كريم، سيدي محمد بن عبد الله وبناء مدينة الصويرة، مطبوعات معهد الشعبي الإسلامية، الصويرة، 1986، ص. 20.
([2])      الضعيف محمد، تاريخ الدولة السعيدة، تحقيق العماري، الرباط، 1986، ص. 167.
([3])      Jackson (J), Morocco and the Districts of Sus and Tafilelt, London, 1809, p. 51.
([4])      عن كورنو انظر: نعيمة الحضري، معلمة المغرب، ج 20، 2004، ص. 6841.
([5])      Georges Host, Nacrichten Von Marokos, London, p. 65.
([6])      ابن خلدون، المقدمة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1961، صص. 617-618.
([7])      أسوار القصبة الجديدة وبابها، تَمّ إنشاؤهما في القرن التاسع عشر.
([8])      الطابية: هي جدار من الطين والجير مخلوطين ومصبوبين في قوالب خشبية.
([9])      شهدت أسوار مدينة الصويرة عدة ترميمات يعود أقدمها إلى فترة الحماية.
([10])     عبد العزيز توري، معلمة المغرب، ج 3، 1991، صص. 945-949. مادة "باب".
([11])     عبد الرحيم غالب، موسوعة العمارة الإسلامية، بيروت، 1988، ص. 72. مادة "باب".
([12])     محمد رابطة الدين، معلمة المغرب، ج 3، 1991، ص. 945-951. مادة "باب".
([13])     عفيف البهنسي، العمارة العربية الجمالية والوحدة والتنوع، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، المغرب، ص. 167.
([14])     Fernand Benoit, Cornut l'avignonnais et l'urbanisme à Mogador au VIII siècles, in mémoires de l'Institut Historique de Provence, Marseille, T. X, 1933, p. 185.                                                                                                        
([15])     الدوري: أسلوب فني ظهر مع الهندسة اليونانية واستعمل في الأعمدة اليونانية والرومانية وهو عديم المسقط.
([16])     Jean Leclercq, "Mogador", in Revue Britannique, T. VI, 1880, p. 398.
([17])     Boyer Noel, "La grande histoire d'un petit port Essaouira ou Mogador", in Revue Historique de l'armée, février, 1960, p. 88.                                            
([18])     مثلث فوق المدخل، وهو عنصر معماري انتشر في المعالم الإغريقية والرومانية.
([19])     مرقبة، ج مراقب: مكان وقوف الحارس، وهي أبراج للمراقبة.
([20])     Ricard (P), Pour comprendre l'art musulman dans Afrique du nord et en Espagne, Paris, 1924, p. 222.                                                                             
([21])     للمزيد من المعلومات عن أبواب مدينة مكناس أنظر:
Saladin, Les portes Meknès, in bulletin archéologique du Comité des travaux historiques, 1915, p. 242-268.
وكذلك رقية بالمقدم، معلمة المغرب، ج 21، 2005، ص. 7294. مادة "باب منصور العلج".
([22])     تشير التصاميم القديمة إلى وجود هاتين المقبرتين قبل الحماية.
([23])     حملت لفظة مشوار عدة دلالات، فقد تعني مجلس السلطان حيث يتداول مع كبار رجال الدولة في شؤون الحكم والقضايا العامة. ويستقبل أصحاب الشكاوي ويعين الولاة والأمراء، وتعني كذلك جناحاً منفصلاً عن القصر نواته قاعة المشور المربعة المكشوفة عادة. (انظر: عبد الرحيم غالب، المرجع السابق، صص. 387-388).
([24])     كانت هذه الباب تسمى أيضاً باب المنجاة. (راجع الصديقي محمد، إيقاظ السريرة لتاريخ الصويرة، الدار البيضاء، 1961، ص. 33) وهي الباب التي تحمل تاريخ بناء المدينة.
([25])     محمد حجي، معلمة المغرب، ج IV، 1991، ص. 1236. مادة "بستيون".
([26])     عبد العزيز توري، معلمة المغرب، ج IV، 1991، ص. 1142. مادة "برج".
([27])     الرقاب: بالعامية المغربية الرﮔﺎب.
([28])     أحمد خالد الناصري، كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1956، ج 9، ص. 79.
([29])     في نهاية القرن العشرين، وظفت هذه الغرف للصناعة التقليدية.
([30])     Joinville (Prince de), ANP mémoires et documents Maroc, T. 11, p. 51.
([31])     Bâche Paul, "Souvenirs d'un voyage à Mogador", in Revue maritime et coloniale, Janvier-Février, 1961, p. 83.                                                               
([32])     انتهت وظيفة هذا الخزان، منذ وصول الماء الصالح للمدينة، بعد استقرار الحماية.
([33])     مفرد مدماك: صف الحجارة أو القرميد أو الخشب في البناء.
([34])     عن بناء هذه الصقالات، راجع الناصري، المصدر السابق، ج 8، ص. 20، 23، 69-173. وعن صقالة سلا راجع:
Hassar Ben Slimane (J), Recherches sur la ville de salé et problèmes d'archéologie marocain, Paris, 1987, p. 135-138.
           وبالنسبة لصقالة الرباط: راجع:
Caille (J), La ville de Rabat jusqu'au protectorat français, Paris, 1949, chapitre 2, pp. 427-428.
([35])     عبد الرحيم غالب، المرجع السابق، صص. 252-253.
([36])     الغزال، رحلة الغزال، مخطوط بالخزانة العامة تحت رقم ج 77، ص. 13.
([37])     الضعيف، مصدر سابق، ص. 173.
([38])     إفريز: إطار مستطيل يحيط بأعلى الجدار الخارجي.
([39])     أشبار: تعني حصن المراقبة أو برج الرماية والمكان المشرف الصالح للمراقبة. (أحمد توفيق، معلمة المغرب، 1989، ج 2، ص. 458)؛ وكذلك الصديقي، إيقاظ السريرة لتاريخ الصويرة، مرجع سابق، ص. 38.
([40])     الصديقي، المرجع نفسه والصفحة.
([41])     Daumaux, ANP, Correspondance politique Maroc 1845, T. 13, p. 66.
([42])     غيرت هذه الأهراء الوظيفة وأصبحت خاصة بنجارة العرعار.
([43])     أحمد الرﮔﺮاﮔﻲ، الشموس المنيرة في أخبار مدينة الصويرة، الرباط، 1935، ص. 57.
([44])     الصديقي، المرجع السابق، ص. 43.
([45])     مكنتنا دراستنا المفصلة التي تناولت الجوانب التاريخية والأثرية لمدينة الصويرة منذ نشأتها إلى بداية فترة الحماية من تمحيص مقوماتها المعمارية والفنية أنظر:
El hadari Naima, Recherches sur la ville d'Essaouira: Histoire et Archéologie monumentale, Thèse pour le Doctorat, Université de Paris, Panthéon-Sorbonne, 1995.
([46])     المرجع نفسه، ص. 67.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق