الخميس، 2 أغسطس 2012

القناطـر والجسـور في تاريخ الأندلس  :
                                                               خالد غاوش 
عمد الاندلسيون الى انشاء القناطر والجسور على الانهار او الاهتمام بما كان موجوداً منها في العهود السابقة خاصة من قبل الخلفاء وكانت هذه القناطر والجسور منها ما يستخدم للاغراض العسكرية ومنها ما يستخدم لربط المدن بعضها ببعض حيث ان الناس يمشون عليها من نصف المدينة الى النصف الاخر وعلى متنها الاسواق والديار(6)، ومنها ما يستخدم للارواء حيث تنقل المياه على ظهرها فيدخل المدينة(7)، ومنها ما يستفاد منه في نقل المياه من الجبال وغيرها من المناطق المرتفعة عبر قنوات وانابيب دقيقة تنقل الى المدن والمزارع ([1]). ومن اهم هذه القناطر قنطرة قرطبة وهي " من اجل
 البنيان قدراً واعظمه خطراً " ([2]) .
وعدد قسيها سبعة عشر قوساً سعة كل قوس منها خمسون شبراً وبين كل قوسين خمسون شبراً ([3]) تصل بين مدينة قرطبة وربضها شقندة ([4])وهي من بناء الامبراطور اغسطس وقد وجدها العرب الفاتحون عند فتحهم قرطبة مهدومة وقد سقطت حناياها ولم يبق منها سوى دعائمها الراكبة في النهر([5]) . وتم تجديدها في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز (99-101هـ/717 719م) على يد السمح بن مالك الخولاني([6]) (100 102هـ/718 720م) في سنة (101هـ/719م) وطولها ثمان مئة ذراع وعرضها عشرون باعاً وارتفاعها ستون ذراعاً وعدد حناياها ثمان عشرة حنية وتسعة عشر برجاً ([7]) وتنيف  على خمسة آلاف حجر([8]) .
وقد قام بتحديد بنائها ايضاً الامير هشام بن عبد الرحمن الداخل واشرف على العمل فيها بنفسه وذكر انه سمع قول البعض انه بناها لاموره الخاصة فاقسم بان لا يعبر عليها الا للجهاد او للمصلحة العامة ([9]) ، وقد افادت المنطقة من هذه القنطرة في توسيع وتسوية الارض الزراعية([10]) .
وكذلك اهتم الخليفة عبد الرحمن الناصر بأصلاح قنطرة قرطبة وقد اختار لها احسن المهندسين من اجل صيانتها وتصريف المياه في قرطبة([11]) ، كما قام الحاجب المنصور بن ابي عامر ( 366- 392هـ/976 1001م) في سنة (378هـ/988م ) ببناء قنطرة مدينة رسنشار بلغ الانفاق عليها مئة وخمسون الفاً وايضاً قام بتجديد واضافة تعديلات مهمة على قنطرة قرطبة سنة( 389هـ-998م) فضلاً عن انشاء سبل للماء في عدد من احياء قرطبة لسقاية الناس([12]) .
وقد قال الشاعر ابن عطية([13]) يمتدح قنطرة قرطبة :-

         بأربعٍ فاقت الامصارُ قرطبةً     وهنَّ قنطرةُ الوادي وجامعهـا

        هاتانِ ثنتانِ والزهراءُ ثالثةً       والعلمُ اكبرُ شيءٍ وهو رابُعها ([14]).
وفضلاً عن قنطرة قرطبة توجد في مدينة طليطلة قنطرة توصف بأنها افخم قنطرة في الاندلس واعلاها سمكاً واعجبها شأناً ([15])، وهي تتكون من قوس واحد ([16])، تكتنفه فرجتان من كل جانب([17]) ، والماء يدخل تحتها بعنف وشدة وجري وتقع على نهر     تاجة([18]) ، وقد بنيت بصخور كبيرة كل صخرة منها مثل بيت كبير وقد شدت تلك الحجارة
 بجذوع من حديد واذيب عليه الرصاص الاسود ([19])، وطول هذه القنطرة ثلاث مئة باع

وعرضها ثمانون باعاً ([20]) ، واخر عمارة لها في عهد المنصور بن ابي عامر وقد اشرف على بنائها حاكم البلد خلف بن محمد العامري ، بناها على قوس واحد([21]) ، ولقد افادت هذه القنطرة مدينة طليطلة حيث جعلتها مدينة كريمة الارض زاكية الزرع وغاية في العمران ([22]) ، كما توجد في مدينة مرسية قنطرة كبيرة على واديه مبنية احسن بناء افادت منها المنطقة فائدة قصوى في زراعة مناطق شاسعة منها([23]) ، فضلاً عن وجود قنطرة حجرية اخرى فيها([24]) .
وفي اشبيلية ديار كثيرة وعمارة متصلة بسبب ما حوته من قناطر فقد حوت لوحدها خمس قناطر جهزت المدينة بمياه وفيرة ([25])، كما حوت غرناطة عدداً من القناطر وصل عددها الى خمس قناطر ايضاً وهي قنطرة ابن رشيق وقنطرة القاضي وقنطرة حمام جاس والقنطرة الجديدة وقنطرة الفود وكانت على قسم من هذه القناطر اسواق ومبانٍ محكمة والقسم الاخر يجري الماء على ظهرها في جميع انحاء غرناطة([26])، وفي مدينة اربونة([27]) توجد قنطرة عظيمة على متنها اسواق وديار ووصفت " بأنها من البنيان الاول  ولا قدرة لاحد ان يصنع مثلها " ([28]) .
وفي مدينة قادس توجد قنطرة عظيمة على وادي لكة ولقد استخدمت في جلب المياه الى هذه المنطقة الا ان الماء يفيض احياناً على المدينة فيغرقها([29])، وفي مدينة استجة قنطرة كبيرة([30]) ، عجيبة البنيان من الصخر المنجور([31])، تعرضت لسيل عظيم ادى الى الحاق الضرر بمزارعها وقد اعيد بناء هذه القنطرة للافادة منها ([32])، حيث قام المنصور بن ابي عامر ببنائها (([33]).
كما توجد بين مدينة اشبونة وطلبيرة([34]) قنطرة عرفت بقنطرة السيف([35]) عالية البناء ومن عجائب الارض يبلغ ارتفاع قوسها سبعون ذراعاً وعرضه سبعة وثلاثون ذراعاً ويوجد على قوس هذه القنطرة برج عظيم وقد بني البرج والقنطرة بأحجار عظيمة طول الحجر منها ثمانية عشر ذراعاً وعلى هذا تكون مدينة طلبيرة عظيمة البنيان([36]) .
 وتوجد قنطرتان في مدينة مدريد ([37]) احدهما مبنية احسن بناء والثانية خربها السيل([38]) . كما توجد في مدينة شريش قنطرة مصنوعة من الخشب غريبة الشكل عديمة المثل واستخدمت في جلب المياه والافادة منها في الزراعة ([39]) ، فضلاً عن القنطرة الموجودة في مدينة ماردة ([40])، وتوجد في جزيرة شقر بين مرسية وبلنسيه قنطرة عظيمة بنيـت

على ثلاثة اقواس من العاديات الحسنة الصنعة ([41]). ويوجد على نهر قرطبة جسر مربوط بالسنن([42]) ، أنشأه الامير عبد لرحمن بن الداخل ([43]).

ومن هنا يتضح لنا مدى الاستفادة من القناطر في الاندلس والذي شجع على التوسع في بنائها واعادة ترميم ما خرب منها وكيفيفية الاستفادة من المياه بأسلوب علمي دقيق يحقق كفاءة استخدام عالية ويوفر كل قطرة ماء دون ان تضيع سدى واهتموا بترشيد المياه وضبط مياه الفيضانات ودرء اخطارها .
ان تناول هذا الموضوع في هذا الفصل كان ضرورة علمية بما له من صلة مباشرة بالزراعة.







(6) الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص77 .
(7) الحميري ، الروض المعطار ، ص393  .
([1]) المقري ، نفح الطيب ، ج1 ، ص564 565 .
([2]) ابن الخطيب ، اعمال الاعلام ، ص145 ؛ الحميري ، الروض المعطار ، ص456 .
([3]) مؤلف مجهول ، كتاب عجائب البلدان ، ورقة رقم ( 37) .
([4]) شقندة : هو حي الربض في قرطبة في الضفة الاخرى على نهر الوادي الكبير . خطاب ، الاندلس وما جاورها ، ص86 .
([5]) سالم ، تاريخ المسلمين واثارهم ، ص414 .
([6]) السمح بن مالك الخولاني : هو والي الاندلس ، استشهد في قتال الروم بالاندلس في يوم التروية في ذي الحجة سنة 102هـ وكانت ولايته على الاندلس سنتان وثمانية اشهر . ابن الفرضي ، تاريخ علماء الاندلس ، القسم الاول ، ص195 .
([7]) المقري ، نفح الطيب ، ج1 ، ص480 ؛ النصولي ، الدولة الاموية في قرطبة ،ج1 ، ص120 .
([8]) الشقندي ، فضائل الاندلس واهلها ، ص55 .
([9]) ابن القوطية ، تاريخ افتتاح الاندلس : ص3 ؛ مؤلف مجهول ، ذكر بلاد الاندلس ، ص120 ؛ الحجي ، تاريخ الاندلس ، ص286.
([10]) ابن حيان القرطبي ، ابو مروان حيان بن خلف ، المقتبس في اخبار بلد الاندلس ، تحقيق : عبد الرحمن علي الحجي ، دار الثقافة ، بيروت 1965 ، ص58 .
([11]) بك ، محمد ، دياب ، تاريخ العرب في اسبانيا ، المطبعة الجمالية ، مصر 1913 ، ص284 .
([12]) مؤلف مجهول ، ذكر بلاد الاندلس ، ص181 ؛ بيضون ، ابراهيم ، الدولة العربية في اسبانيا من الفتح حتى سقوط الخلافة ( 92 422هـ/ 711- 1311م ) ، دار النهضة العربية ، بيروت 1978،   ص351 .
([13]) ابن عطية : هو الامام الشيخ ابو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي من اهل غرناطة ،         واسع المعرفة قوي الادب ، توفي سنة 542هـ /1147م . ابن بشكوال ، ابو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى ، كتاب الصلة ، عني بنشره السيد عزت العطار الحسيني ،ج1 ، القاهرة 1955 ، ص367 368 .
([14]) المقري ، نفح الطيب ، ج1 ، ص616 .
([15]) ابن حيان القرطبي ، المقتبس ، ج5 ، تحقيق : شالميتا ، ص279 ؛ الحميري ، الروض المعطار ، ص394 ؛ مؤلف مجهول ، ذكر بلاد الاندلس ، ص47 .
([16]) مؤلف مجهول ، كتاب عجائب البلدان ، ورقة رقم (44) ؛ ابن حيان ، المقتبس ، ج5 ، تحقيق : شالميتا ، ص279 ؛ الحميري ، الروض المعطار ، ص393 ؛  القرماني ، اخبار الدول ، ص457 .
([17]) ارسلان ، الحلل السندسية ، ج1 ، ص421 .
([18]) ابن حيان ، المقتبس ، ج5 ،  تحقيق : شالميتا ، ص279 ؛ الحميري ، الروض المعطار ، ص393 .
([19]) القزويني ، اثار البلاد ، ص546 .
([20]) ارسلان  ، الحلل السندسية ، ج1 ، ص421 .
([21]) مؤنس ، رحلة الاندلس ، ص324 .
([22]) ابن  غالب ، فرحة الانفس ، ص288   .
([23]) الغساني ، رحلة الوزير ، ص14 .  .
([24]) عنان ، الاثار الاندلسية ، ص99.
([25]) المكناسي ، الاكسير ، ص46 .
([26]) القلقشندي ، صبح الاعشى ، ج5 ، ص215 ؛ الغساني ، رحلة الوزير ، ص23 ؛ المكناسي ، الاكسير ، ص171 .
([27]) اربونة : مدينة في شمال شرقي قرقشونة ، تقع على الساحل الفرنسي الجنوبي ، خطاب ، الاندلس وما جاورها ، ص94 .  .
([28]) الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص89 .
([29])الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص92 .
([30]) ابن عذارى ، البيان المغرب ، ج2 ، ص288 .
([31]) ارسلان ، الحلل السندسية ، ج1 ، ص133 .
([32])ابن عذارى ، البيان المغرب ، ج2 ، ص288.
([33]) بيضون ، الدولة العربية في اسبانيا ، ص351 .  .
([34]) طلبيرة : مدينة كبيرة بالاندلس من اعمال طليطلة تقع على نهر تاجة غربي غرناطة . خطاب ، الاندلس وما جاورها ، ص90 91 .
([35]) المسعودي ، مروج الذهب ، ج1 ، ص161 ؛ الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص85 ؛ مؤلف مجهول ، ذكر بلاد الاندلس ، ص52
([36]) الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص85   .
([37]) مدريد : مدينة بالاندلس  . خطاب ، الاندلس وما جاورها ، ص104 .
([38]) الغساني ، رحلة الوزير ، ص39 .
([39]) المكناسي ، الاكسير ، ص27    .
([40]) ارسلان ، الحلل السندسية ، ج1 ، ص234   .
([41]) الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص102  .
([42]) مؤلف مجهول ، كتاب عجائب البلدان ، ورقة رقم (6 )
([43]) لاند ، الاسلام والعرب ، ص175 ،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق