من قبضة بن علي إلى ثورة الياسمين الإسلام السياسي في تونس
إصدار
مركز المسبار للدراسات والبحوث
شهدت
تونس يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011 تحولاً أدهش العالم، وإستطاع الشباب
الذي ربّي مدة عقدين على نبذ السياسة والفكر أن يفرض نفسه فاعلاً سياسياً
أول، ولا شك أنه سيدفع بذلك إلى تغييرات جذرية في طريقة طرح الكثير من
القضايا ومنها العلاقة بين الإسلاميين والسلطة، والمجتمع عامة.
ذلك أن
ما يميز الحدث التونسي أنه كان ثورة لم يطلقها السياسيون ولا حتى
المثقفون؛ بكل كان حدثاً شبابياً أساساً قاده شباب ضاق ذرعاً بسلطة لم توفر
له فرص العمل ولم تترك له الحرية للتنفيس عن نفسه وأشبعته بيانات وخطابات
دون تقديم حلول حقيقية لمشاكل اليومية؛ بالإضافة إلى كون هذا الشباب ضعيف
الإهتمام بالأيديولوجيا، بل أن الكثير منه لا يعرف أصلاً من هو “كارل
ماركس” أو “سيد قطب”، فإنه ثقافته السياسية قد تشكلت في ظل الشبكات
الإجتماعية والفيس بوك تحديداً، فهي مختلفة نوعاً عن الثقافة الأيديولوجية
التي كانت قائمة إلى حدّ الآن ضمن الحركات السياسية والإجتماعية بمختلف
مشاربها.
وهذا
معطى ثقافي غير مسبوق سيؤثر حتماً في مستقبل تونس، ويمكن أن يكون مؤثراً في
الجوار العربي والإسلامي، ويفرض هذا المعطى قراءة مجموع الآراء
الإستشرافية الواردة في هذا الكتاب قراءة ديناميكية، بمعنى ربطها بالتطورات
القادمة للأحداث في تونس؛ عند هذا المنعطف هناك سؤال يطرح نفسه في معرفة
هل يمكن لتونس أن تحقق تغييراً عميقاً وجوهرياً وديموقراطياً دون أن تسقط
في الثالوث المعتاد: إنقلاب عسكري أو تدخل أجنبي أو فوضى عارمة.
هنا لا
بد من القول وفي هذا المجال، بأن ما ورد من مقاربات في هذا الكتاب فلا
تتفق على أمر رئيس: هناك أزمة ثقة بين الإسلاميين ومجتمعاتهم وهذه الأزمة
قد عقّدت قضية التغيير؛ بل هي أعاقته إلى حدّ الآن، وعليه؛ فإن رهان
النموذج التونسي هو ألا ينتهي عاجلاً أم آجلاً إلى سيناريو إيراني أو
سيناريو جزائري: في الحالة الاولى التغيير بإسم الإنقاذ من التطرف الديني،
السيناريو البديل هو الذي عرفته أوروبا الشرقية بعد سقوط حائط برلين:
إنتفاض الشعب لينفتح على النظام الديمقراطي السائد في أغلب أصقاع العالم؛
ولكن هل يمكن أن يحصل ذلك مع إستمرار أزمة الثقة العميقة التي تؤكدها
العديد من الدراسات الواردة في هذا الكتاب؟…
مهما
يكن من أمر فإن تجربة تونس مع الإسلاميين وتجربة الإسلاميين في تونس بعد 14
يناير، كانون الثاني قد تفتح المجال لتحول براديغمي في علاقة الإسلاميين
بالسياسة خاصة وبالمجتمع عامة، وهو أمر سيؤثر في مجموع الحركات الإسلاموية
في العالم العربي، إلا إذا نعثر المسار الذي افتتحه الشباب الجديد بدمائه،
حينئذ يمكن أن يعيد التاريخ نفسه في شكل مأساوي فتتابع نفس السيناريو الذي
وصفه الفاضل البلدي في مقاله الذي يعتبر من أهم مقالات هذا الكتاب، إذ يقدم
شهادة نادرة من شخص عايش كواليس التغيير السابق في تونس الذي أجهض أساساً
بسبب أزمة الثقة بين المجتمع، وليس السلطة وحدها، والإسلاميين.
ضمن
هذه المناخات التحليلية تأتي المقالات في هذا الكتاب والتي تمثل محاولات
لكتاب ومفكرين من مختلف المشارب والإتجاهات والجنسيات العربية ولقراءة
المشهد التونسي بأبعاده الماضية والحاضرة والمستقبلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق