الجمعة، 22 مارس 2013


المدينة الإسلامية والأصولية والإرهاب - عبد الصمد الديالمي

تقديم لعمر كوش
حمل كتاب عبد الصمد الديالمي الجديد «المدينة الإسلامية والأصولية والإرهاب» معالجة وتناولاً جديدين، حيث يولي المؤلف أهمية خاصة للعامل الجنسي في تشكل وحيثيات الشخصية الأصولية المتشددة والإرهابية، وهو عامل غائب في مختلف الدراسات التي تناولت الحركات الأصولية والمتشددة، متخذا من المملكة المغربية وما شهدته من صعود حركات متشددة وأحداث عنف وتفجيرات حقلاً للدراسة والبحث.
ولا يتنكر الديالمي لأهمية العوامل الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية، القطرية والدولية، في تناول وقراءة الحركات الأصولية والإرهاب، لكنه يقارب موضوعه من الجانب الجنسي والنفسي بهدف إغناء المقاربات السابقة وتطعيمها بعناصر نفسية وجنسية على وجه الخصوص. لكن الربط بين الحرمان الجنسي والأصولية الإرهابية ما هو في نهاية المطاف سوى تفصيل في الحرمان الاقتصادي والاجتماعي، وتعمّق في العلاقة المعقدة بين الفقر والإرهاب.
حيث يفترض المؤلف أن الحرمان الجنسي لا ينتج عن العجز الجنسي، بل يرتبط بظروف حضرية ومسكنية، تتميز بالإثارة الجنسية وفي الوقت ذاته لا تسمح بإرضاء الرغبات الجنسية. فالأحياء التي ينحدر منها الإرهابيون المغاربة في المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء والرباط وسواهما، هي أحياء فقيرة وهامشية، تتميز مساكنها بالضيق والاكتظاظ، وشبه انعدام للخدمات الصحية والتعليمية والحياتية.
وترتكز المحاولة إلى بناء علاقة بين الجنسانية والمجال على الصعيد النظري، بوصفه الفعل المعرفي الذي نتج عنه تشخيص أربعة أنماط علائقية بين المجال والجنس هي: النمط اللساني، النمط الرمزي، النمط الوظيفي، النمط المنطقوي. وبناء هذه الأنماط هو الذي مكن من بزوغ فرضية الوساطة المسكينة، والمجالية بشكل أعم، بين الجنس والأصولي. فعدم وظيفية المسكن العربي، الجنسية، تلعب لاشعورياً دوراً في انسداد الشخصية وفي تشددها الأخلاقي. وهو ما يرتبط أيضاً برغبة العودة إلى تقسيم منطوقي للمجال يستعيد بفضله الرجل المسلم كل امتيازاته وسلطته التي يهددها الاختلاط الحداثي بين الجنسين.
ويقدم المؤلف قراءة في الإرهاب المغربي الذي انطلق سنة 2003، والذي قضى على وهم الاستثناء المغربي، مبيناً أن تفجير الذات هو هجرة غير مشروعة، أو «حريك» كما يقول المغارب. وهي المفردة المتداولة لتسمية كل هجرة سرّية نحو الشمال في قوارب الموت من شمال المغرب إلى شواطئ جنوب إسبانيا. وتنحدر هذه المفردة من فعل »حرق«، بمعنى أن المهاجر السري يحرق ماضيه ويحرق كل أوراقه متطلعاً إلى اكتساب هويّة جديدة.
وإذا كان هذا الحريك نحو أوروبا حريكاً أفقياً، من قارة إلى قارة، فإن حريك الإرهابي المفجّر لذاته، قبل تفجيره للآخرين، هو حريك عمودي، من الأسفل نحو الأعلى، من الأرض إلى السماء، من جحيم الحياة إلى جنة الله حيث تنتظره الحوريات.
ولا شك في أنه في العالم العربي، لا يزال حضور المرأة في الشارع العمومي يثير سلوكيات ذكورية عنيفة، تنطلق من النظرة المفتشة الملحة لتنتهي بالاغتصاب، مروراً بالمعاكسة والتحرش. ويرجع ذلك إلى كون الفاعل الاجتماعي العربي، من خلال سوسيولوجيته العفوية، يحمّل المرأة مسؤولية التفكك الأخلاقي والاجتماعي الذي تعاني منه المجتمعات العربية التي لا تفرض الحجاب أو الفصل الصارم بين الجنسين.
ونظراً لكونها لا تتمتع بطيبات الحداثة وملذاتها، ترفض الشرائح الاجتماعية العربية الفقيرة الحداثة الجنسية بدعوى أنها تتعارض مع الإسلام وبدعوى الرجوع إلى الهوية، فظروف عيش تلك الشرائح لا يساعدها بتاتاً على المشاركة، وأفكارها لا تساعد على تقبل الليبرالية الجنسية واستيعاب أخلاقياتها. وبالنسبة للمسلم الفقير والمقهور، تشكل النظرة إلى تلك النساء المجمّلات واللاتي يستطعن الضحك والكلام بصوت عال دون أن يصطحبهن أحد، واللاتي يشبهن النساء اللواتي يقبلهن الرجال بسهولة على شاشة التلفزيون، تشكل النظرة إليهن، قلقاً كبيراً.
ويرى المؤلف بأن كل هذه البراهين النفسية الاجتماعية تمكن من اعتبار الإسلاموية، أيضاً، حنيناً وتطلعاً لا شعورياً إلى جنسانية مرضية وكاملة. وبالفعل، يبدو الإشباع الجنسي أكثر تعذراً في مساكن ذات كثافة سكانية مرتفعة، كما أن السلوكيات الجنسية الترقيعية التي يمارسها العُزاب لا توصل بدورها إلى رضا جنسي حقيقي. فالمجال ليس متاحاً، والنساء بدورهن بدأن يرفضن جنسانية ذكورية لا تبادل ولا تحقيق للذات فيها.
ومن ثم، جاز الافتراض بأن الإسلاموية يمكن أن تعبّر، أيضاً، عن تطلع لا شعوري لذروة جنسية متعددة مع زوجات متعددات.ذلك أن العجز الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، الذي يعاني منه المسلم المقهور اليوم، والذي يمنعه من التحكم بالنساء، يقوده إلى التشبث بقوة بإسلام يحفظ له امتيازاته الذكورية، بغض النظر عن أوضاعه المادية المزرية، ويحفظ له حقه في متعة جنسية متعددة، انطلاقاً فقط من ضرورات فحولته المزعومة اجتماعياً ونفسياً.
وبالإمكان أن نجد في الإسلاموية مطالبة بجنسانية تستهدف الإنجاب، بدلاً من المتعة، وتقوم على تعدد الزوجات، بدلاً من الزوج، لأنها تمثل رفضاً للحداثة الجنسية، ولأن الحداثة الجنسية تكمن في المتعة وفي الزواج وفي الربط بينهما. فالإسلاموية، كمشروع سياسي لا يزهد لا في السلطة ولا في الجنس، وتسعى أيضاً إلى استعادة الرجل المسلم لامتيازاته التعددية، ويحاول مقاومة تحديث العلاقات بين الجنسين وتحديث العلاقات الجنسية.
لا شك في أن صورة الإسلام، اليوم، مرتبطة بالأصولية والإرهاب، ويعني هذا الربط أن العنف الرمزي الذي تمارسه الأصولية ضد الفكر العقلاني يجد امتداداً طبيعياً في الإرهاب الفيزيقي الموجه ضد الأبرياء في العالم العربي والإسلامي. ويستحيل اختزال الإسلام في هذه الصورة السلبية، مع أن الصورة ليست مخطئة تماماً بالنظر إلى هيمنة التعبير الإسلاموي العنيف، اليوم، على أشكال تعبيرية أخرى للإسلام مثل التصوف والفلسفة.
وبالتالي فإن الكتاب يثير أسئلة عديدة، منها: لماذا هذا التحجر في قراءة النصوص المقدسة؟ ولماذا اختيار العنف كوسيلة لإسماع صوت المسلمين باسم الإسلام؟ ولماذا بروز شخصية إسلامية متزمتة؟ ولماذا يتحول المسلم إلى أصولي متشدد؟ وكيف يتحول الأصولي المتشدد إلى أصولي انتحاري، إلى قنبلة بشرية تفجر الآخرين؟ ما هي الدوافع الأساسية والعميقة التي تسمح بفهم هذه الظاهرة المرضية التي يعاني منها إسلام اليوم؟
ديمقراطية الأسرة
المواطنة تبدأ في الأسرة وبها، فالطفل الذي تربى على الحوار وإبداء الرأي هو الأب النفسي للمواطن، كما أن الزوجين اللذين يتعاملان كشريكين في كل القرارات يسلكان كمواطنين. ومن ثم فإن الديمقراطية ليست نظاماً سياسياً يصلح فقط لتدبير الشأن العام، إنها سلوك يومي ونمط عيش في الحياة الحميمية الخاصة. إن الديمقراطية في الأسرة مرآة للديمقراطية السياسية في المجتمع.
المؤلف في سطور
مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور عبد الصمد الديالمي، أستاذ علم اجتماع في جامعة فاس بالمملكة المغربية منذ عام 1977، ومدير مختبر الدراسات الاجتماعية حول الصحة بنفس الجامعة. وهو عضو في هيئة تحرير مجلة Social Compass المتخصصة في علم اجتماع الأديان والصادرة في لندن عن جامعة «لوفان لا نوف» في بلجيكا. صدر له العديد من الكتب والدراسات باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية.
من بين كتبه باللغة العربية: المرأة والجنس في المغرب، 1985 ، و»السكن، الجنس والإسلام، 1996 ، و نسائية، أصولية، صوفية، 1997 ، و الشباب، السيدا والإسلام، 2000 . وأشرف على دراسات منشورة حول الهجرة والطفل والصحة. كما عمل كمستشار وخبير لدى هيئات دولية مثل »المنظمة العالمية للصحة« و«المنظمة العالمية للسكان» «والمنظمة العالمية للطفولة».
عمر كوش 
نقلا عن البيان، 1 مايو 2009.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق