الجمعة، 14 ديسمبر 2012

 قراءة نقدية في كتاب ( الحقيقة الغائبة ) لفرج فودة
الطبعة الثالثة سنة 1988م دار الفكر للدراسات و النشر و التوزيع
للطالب الباحث : لفرم مصطفى
مدخل :
إن كتب التاريخ لا تستلزم صحة ما تنقله من أخبار، وقليل منهم من يمحص ما ينقله، ومثال ذلك أن التاريخ الإسلامي لم تبدأ مرحلة التدوين فيه إلا في أواخر الدولة الأموية, لماذا التدوين لأن التاريخ لا ينقل إلينا إلا مشافهة و هذا النوع غالبا ما تدخله الأسطورة، أو عن طريق الوثيقة المكتوبة، وهنا نتحدث عن تدوين الشفهي حتى لا يضيع بموت ناقليه، ثم انتقلت الخلافة إلى بني العباس فلم يكونوا حريصين على إظهار بني أمية بمظهرهم الحقيقي، وقد كان معروفا في العهد العباسي أن بعض الناس كانوا يتملقون الحكام بتشويه محاسن بني أمية وهكذا حين تسقط دولة وتقوم أخرى.
والناظر في كتب التأريخ الإسلامي يرى أن الكثير منها وقع أصحابها تحت تأثير العواطف والميول الشخصية إلى آل البيت بحكم ما لهم من مكانة سامية، ومن لم يكن واقعاً تحت تأثير تلك العواطف والميول فإنه واقع تحت تأثير الخط العام لكتابة التأريخ .
وكتابنا هذا لا يخرج عن هذا السياق الذي يتعلق بالجو العام الفكري و السياسي الذي ألف فيه صاحبه هذا الكتاب، وهي فترة الثمانينيات التي برز فيها صراع الإيديولوجيات _ اليسارية الرادكالية والقومية والإسلامية واللبرالية _ خاصة وأن التنظيمات الإسلامية بدأت تولد من داخل اليسار المنهك .
يعد كتاب فرج فودة ، من الكتب التي كتبت في إشكالية العلاقة بين الدين والدولة أو ما يصطلح عليه بفصل الدين عن الدولة، وقد أكد الكاتب في معرض كتابه هذا على أنه لا يمكن للدولة الدينية أن تقوم مقام الدولة المدنية في عدلها (الديمقراطية )، و للتدليل على هذه الرؤية سرد الكاتب مجموعة من الوقائع التاريخية، وذلك عبر المرور على مجموعة من الخلفاء و الأمراء الذين عرفتهم الدولة الإسلامية ابتداء من أول خليفة راشدي إلى غاية نهاية الدولة الأموية، مع بعض الإسقاطات على زمنه ومدى تشابه الماضي بالحاضر كلما تسنى له ذلك.
فمن خلال قراءة متبصرة لهذا الكتاب يمكن تسجيل بعض الملاحظات التي يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسين :
القسم الأول قراءة خارجية للكتاب .
1-    قسم الكاتب كتابه إلى مرحلة الخلفاء الراشدين ثم أوراق الأمويين ثم العباسيين،  إلى هنا توقف الكاتب عن جرد ما سماه بفضائح الخلفاء وكان حريا به أن يكمل المسير التاريخي إلى زمن العثمانيين وهو الزمن الذي توقفت فيه الخلافة حتى نتأكد انه لم يكن هناك من خليفة أقام دولة الخلافة التي يتحقق فيها العدل على أساس ديني .
2-    أن الكاتب لم يتوفق حسب ما أظن في اختيار المصادر التي اعتمد عليها  في سرده للوقائع التاريخية: فقد اعتمد على سبعة عشر مصدرا ومرجعا يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام .
القسم الأول ويضم .
-                   عبقرية الإمام علي                 للعقاد
-                   الفتنة الكبرى                       لطه حسين
-                   الإجتهاد                           لعبد المنعم النمر
-                   تاريخ الإسلام العام                 لعلي إبراهيم حسن
-                   ضحى الإسلام                     لأحمد أمين
-                   الإسلام عقيدة و شريعة            لمحمود شلتوت
-                   فقه السنة                          للسيد سابق
وهذا القسم فكتبه ليست بمصادر حتى يرجع إليها في الرواية التاريخية هذا من جانب، أما من جانب آخر فأصحابها ليسوا مؤرخين وإنما هم إما أدباء أو مفكرون أو فقهاء، كما و يشار هنا أن عبد المنعم النمر هو من علماء أهل السنة المعاصرين وقد ظل زمنا طويلا ينادي بالتقريب بين الشيعة و السنة، فكان يرى عدم الحرص على بعض الأحداث وعدم التشدد فيها ويمكن القول في هذا القسم أن العلوم و الفنون تؤخذ من أصحابها لا ممن سواهم.
القسم الثاني ويضم .
-                   مروج الذهب        للمسعودي 346 هـ
-                   تاريخ اليعقوبي              لأحمد بن أبي يعقوب 292 هـ
-                   الملل و النحل               للشهرستاني 547 هـ
-                   تاريخ الطبري              أبو جعفر محمد بن جرير الطبري 310 هـ

أما هذا القسم فيمكن القول عن كتبه أنها مصادر غير معتمدة في هذا الجانب لكون المصدرين الأوليين أصحابها شيعة روافض العقيدة فكيف يعتقد أن يكون الخصم حكما .
فاليعقوبي ذكره العباسي القمي في "الكنى والألقاب" ج3 ص246، ومحسن الأمين في "أعيان الشيعة"
أما كتاب تاريخ الطبري، فصاحبه اعتمد منهج جمع الروايات مع ذكر سندها دون ترجيح منه بصحتها أو بطلانها، فيسهل فحص رواياته والتحقق منها، ويكفي ما قاله الطبري في مقدمة تاريخه ج1ص8 « فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة: فليعلم أنه لم يؤتى في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنما أدّينا ذلك على نحو ما أُدِّيَ إلينا» .
أما  كتاب  الملل  و النحل  للشهرستاني  فما قيل عن تاريخ الطبري يصدق عليه لكونه نهل من الطبري الشيء الكثير .
         أما القسم الثالث ويضم.
-    الطبقات                أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري 168 - 230
-    البداية و النهاية         عماد الدين إسماعيل بن عمر ابن كثير 774هـ
-    أنساب الأشراف        أحمد بن يحيى البلاذري ت 279هـ
-    الأخبار الطوال         أحمد بن داود الدينوري ت 282هـ
-    تاريخ الخلافاء         جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت 911هـ
   - الكامل في التاريخ      علي بن محمد بن محمد الجزري ابن الأثير ت 630هـ
أما هذا القسم: فكتبه معتبرة عند أهل العلم لما نهجه أصحابها من منهج في الكتابة التاريخية التي تعتمد على صدق الراوي و مطابقة الرواية لعديد الروايات في الواقعة أو النازلة ،كما اعتمدوا على تعدد المصادر الناقلة للخبر فلا يعقل أن تقع حادثة فلا يعلمها ولا يرويها إلا واحد أو إثنان من الرواة .
3-              كما وأن الكتاب يفتقر في العديد من صفحاته إلى إحالة الوقائع والأقوال المنسوبة لأصحابها مثال  ذلك الرسائل المتبادلة بين أمير المؤمنين وابن عمه عبد الله بن عباس واليه على البصرة .
        بناءا على ما سبق من ملاحظات شكلية فالكتاب لا يعدوا أن يكون مقالا صحفيا يفتقر إلى أي من مقومات الكتاب العلمي في بابه اللهم إن كان للإستئناس أو للتحفيز على البحث فيما عرض فيه من أحداث تاريخية.



القسم الثاني ويتعلق بالمضمون :
        لا يمكن فصل الكتاب أي كتاب عن سياقه التاريخي من حيث الزمان و المكان، وقد كتب فرج فودة كتابه هذا في ثمانينيات القرن الماضي حيث تميزت هذه الفترة وما قبلها بالصراع اليساري الاشتراكي من ناحية و الرأسمالي من ناحية ثانية وفيها بدأت بوادر انهيار المعسكر الاشتراكي، وفي هذه الفترة بدأ يتقوى ظهور الجماعات الإسلامية تنظيميا وذلك على أعقاب انهيار اليسار  مما أثار الخوف و الفزع في نفوس العلمانيين واليساريين مما دفعهم إلى استعمال شتى الوسائل لوقف هذا الزحف (الإسلام السياسي) .
وبالعودة إلى الكتاب فالحقيقة الغائبة كما اختار له الكاتب هذا الإسم للتدليل على أن هناك أمورا حدثت في زمن الخلافة الراشدة وما بعدها تم تغييبها عن العقل المسلم حتى لا تكون شوكة في حلق المنادين بتطبيق الشريعة الإسلامية وبعودة الخلافة حتى تتحقق "إرادة الله" وحتى لا يفتح باب ظل منغلقا ردحا من الزمن .
 استهل فرج فودة كتابه في الفصل الأول بالحديث عن واقع الصحابة بعد وفاة الرسول الكريم حيث أنهم مالوا إلى الدنيا أكثر منها إلى الآخرة وأمور الدين، واستدل على ذلك بالثروات التي تركها بعض الصحابة وذكر منهم أربعة من المبشرين بالجنة هذا من ناحية أما فيما يخص السلطة و الحكم فقد جاء على ذكر فترة الخلفاء الأربعة وما تحويه من أمور جعلت من تطبيق الشريعة أمرا من المحال ، خاصة وكما ذكر الكاتب في فترة أبي بكر الصديق التي تميزت (بحروب الردة) ضد الذين عادوا إلى الكفر بمجرد وفاة الرسول الكريم ، وكذا مانعي الزكاة ، كما وأنها لم تكن مدة حكم طويلة حيث لم تدم سوى عامين اثنين .
أما زمن عثمان بن عفان فقد كان زمن الخروج على الخليفة وطاعته، لما حملوا عليه من كونه خالف منهج النبوة وكذا الخلفاء من قبله مما أدى إلى قتله على يد الثوار القادمين من أرض مصر وكان عددهم قرابة أربعة آلاف ثائر .
أما خلافة على بن أبي طالب وكما يذكر الكاتب، فكانت كلها صراع بين المسلمين بعضهم البعض فكان من جهة الخليفة علي بن أب طالب ومن جهة ثانية المطالبين بدم عثمان وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان ومن جهة ثالثة المعارضين لخلافته يتقدمهم عائشة  زوج رسول الله وعبد الله بن الزبير، وما كان بينهم من حروب ومواقع كان الفصل فيها لحد السيف.
ويلاحظ أن الكاتب قد استثنى خلافة عمر بن الخطاب، لما عرفته هذه المدة من استقرار في أمور الحكم واتساع رقعة الدولة الإسلامية، فكان العصر الوحيد الذي طبقت فيه الشريعة لكون الحاكم ارتفع بالناس إلى المقاصد العليا والمعاني السامية للإسلام .
وقد ذكر الكاتب أن في زمن الخلفاء الأربعة نحن أمام طرق مختلفة في اختيار الحاكم ولم يقتصر الأمر على طريقة نمطية كما يدعي المتشددون في عصرنا الحالي .
وفي هذا الفصل يريد الكاتب أن يبرهن لنا أن صلاح المجتمع وحل مشاكله ليس رهنا بالحاكم المسلم الصالح ، كما وأنه ليس رهنا بالمسلمين وإن كانوا متمسكين جميعهم بالعقيدة وصدقهم فيها .
قراءة في أوراق الأموين
ثم انتقل الكاتب بنا إلى زمن الأمويين، الزمن الذي قال عنه الكاتب أنه أسى مغلف بالدعابة أو الدعابة المغلفة بالأسى .
ويمكن إيجاز هذا الفصل في أمرين اثنين :
أولهما أن حكم الأمويين أبعد مما يكون عن تطبيق الشريعة الإسلامية لكون الخلفاء الأمويين عرفوا بمجونهم ومعاقرتهم للخمر و النساء، فكانوا وكما يرى الكاتب رجال دولة لا رجال دين، محنكين في سياسة العامة واستدل على ذلك بالفتوحات التي عرفتها الدولة الإسلامية واتساع رقعتها ، ويلخص هذا كله مقولة عبد الملك بن مروان حين آل إليه أمر الخلافة والقرآن بين يديه فقال بعد أن أقفل المصحف (هذا آخر العهد بك) مما يدل حسب الكاتب على أن الدين لاعلاقة له بسياسة الناس في زمنه .
أما ثانيهما وهو استثناء عهد عمر بن عبد العزيز في زمن الأمويين حيث أنه سيقتفي أثر جده عمر بن الخطاب في العدل وإقامة الحقوق بين الناس ولكنه لن يعمر طويلا، حيث كانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر فكانت فعلا "ومضة في ظلام حالك" فانتهى به الأمر مقتولا بالسم.
قراءة في أوراق العباسين
هذه الدولة ليست في حاجة إلى تقديم، يقول الكاتب: فقد قدمت نفسها بنفسها على يد مؤسسها أبو العباس السفاح الذي قال على المنبر (أن الله رد علينا حقنا، وختم بنا كما افتتح بنا، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح، والثائر المبير)، وقد أثبت السفاح أنه جدير بالتسمية، فكان ينكل بمخالفيه ومن كان مواليا للأمويين، كما عرف بعدم وفائه بالعهود .
وقد أورد الكاتب في هذا الباب ما كان يقوم به الخلفاء العباسيون المتعاقبون على الخلافة في العامة و الخاصة من تنكيل وقهر، ثم يستطرد الكاتب، "أن المنصور وإن دخل التاريخ من باب الجبروت إلا أنه تركه من باب رجال الدولة العظماء، فقد رفع من هيبة الدولة وبناء أركان الحكم بمقاييس عصره، فقد بنى بغداد والرصافة وحمى ثغور الدولة الإسلامية، وأعاد التماسك إلى بنيانها، وكانت حكمته البليغة نصب عينيه: "إذا مد عدوك إليك يده فاقطعها إن أمكنك، وإلا فقبلها"، وقد كان الرجل من القوة بحيث لم يقبِّل يد احد، وأورث ولده المهدي رعية مطيعة، وثغوراً منيعة، وأورثها المهدي إلى ولديه الهادي ثم هارون الرشيد وأورثها هارون الرشيد لأولاده الثلاثة الأمين فالمأمون فالمعتصم وأورثها المعتصم لولده الواثق، وبحكم الواثق انتهى ما يعرف بالعصر العباسي الأول، أكثر عصور الدولة الإسلامية نهضة وحضارة. ولو توخينا الصدق لزدنا (وفقهاً وطهارة)، ولو أردنا استكمال الصورة لأضفنا وفسقاً ومجوناً".
 وقد كان عصر فسق ومجون بامتياز وبعبارة أخرى أن المناخ العام وهو الإطار الذي يسمح بالفسق ، حيث امتلأت عاصمة الخلافة بالحانات ومجالس الغناء .



وفي الختام خلص الكاتب إلى مجموعة من النقاط نذكر من أهمها :
-          أن الخلافة لم تطبق في التاريخ الإسلامي وأنها لم تحمل من الإسلام إلى الإسم وأن الدعوة إلى عودتها إنما هي مجرد دعوة إلى  القومية في أحد تجلياتها ،و وحدة الأقطار الإسلامية .
-          أن الإسلام دين دولة ، بمعنى أن أمور سياسة الناس العامة لا دخل للإسلام فيها كونه يبقى عقيدة لا غير .
-          إن ما نعيشه من رقي وتقدم إنما مرجعه إلى الثقافة الإنسانية و حقوق الإنسان التي لا تتناقض وجوهر الدين الإسلامي وحقوقه .
-          نتيجة لعدم الإجتهاد في العصر الحالي فالإسلام في مفترق طرق مما سيؤدي بنا إلى حمامات دم نتيجة للجهل وضيق الأفق .
-          أن ما عرض من تفاصيل وما نوقش من أحداث لم يكن هو القصد بل كان القصد هو عرض منهج للتفكير، يسمح باستخدام العقل في التحليل، و المنطق في استخلاص النتائج






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق