الخميس، 13 ديسمبر 2012

السينما في المغرب:البدايات

 

يتفق معظم الباحثين على أنه لا حديث عن سينما مغربية ابان فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب وانما عن السينما في المغرب او" السينما الكولونيالية " , وهي تلك التي جلبها معه المستعمر او فبركها في المغرب مستغلا فضاءه كديكور غرائبي يروق للعين الاوروبية , سواء كانت داخل او خارج مستعمراتها , كما استغلت العنصر البشري المغربي كجزء من هذا الديكور مثل الخيمة , البئر , والنخلة , والجمل .. ثم بدأ هذا الاستغلال يتطور بتحويله الى ممثل ثانوي كالخادم والحوذي والراقصة واللص من اجل تأثيث المشهد السينمائي الاستعماري الهادف الى تلميع صورة المحتل ووصفه بجالب الحضارة والتقدم ..مع استثناءات قليلة مثل : فيلم "الباب السابع " لأندريه زفوبودا، وفيلم "زواج الصحراء " وكلاهما في عام 1948 و فيلم "عطيل " لأورسون ويلز عام 1949 و فيلم "علي بابا والأربعين حرامي " لجاك بيكر عام 1954 و فيلم "الرجل الذي عرف أكثر من اللازم " لألفريد هتشكوك عام 1955.

وتتمفصل مراحل الانتاج السينمائي بالمغرب في الفترة الكولونيالية حسب كتاب " تاريخ السينما بالمغرب _ السينما الكولونيالية " لمولاي ادريس الجعيدي الصادر عام 2001 الى اربع عشريات تحمل كل منها سمات تصنع تمايزها عن باقي المراحل وتمتد المرحلة الاولى من 1896 الى 1917 , وهي الفترة التي شهدت تصوير أول تصوير سينمائي بالمغرب وانجاز بعض الروبو رتاجات والافلام الوثائقية .

فقد قام الأخوان لوميير بتصوير عدد من الأفلام القصيرة بالمغرب عام 1896، وقدم أول عرض سينمائي في القصر الملكي بفاس في العام التالي. كما صور فيليكس ميسغيش العنف الفرنسي في فرض الحماية علي البلاد. وفي عام 1919 تم تصوير أول الأفلام الروائية بالمغرب تحت الاحتلال، والتي يزيد عددها على الخمسين. وتطور الانتاج السينمائي خلال العشرينات خصوصا عقب النجاح التجاري لفيلم { اطلنتيد 1921 } باعتباره منعطفا في تاريخ السينما الغرائبية . وتميزت هذه المرحلة بتدخل المقاولات التجارية التي مولت تصوير أفلام بشمال افريقيا . وتشكل الثلاثينات أوج تطور هذه السينما كميا حيث تم تصوير أكثر من 35 شريطا طويلا جسدت تطور الانتاج السينمائي الكولونيالي بوظيفته الايديولوجية الغالبة مع استثناءات قليلة وأقيم أول معمل للأفلام (سينيفان) في الدار البيضاء عام 1939.

وتجدر الإشارة إلى أن المغاربة لم يقتصر دورهم على المشاركة في الأفلام المسماة "مغربية" فحسب، بل أيضاً في الأفلام الإسبانية والأمريكية والألمانية(1). وأكثرية هذه الأسماء هي التي سوف يمتد حضورها إلى فترة ما بعد الاستقلال في معظم الإنتاجات السينمائية المغربية بما فيها الطويلة والقصيرة، وأغلبها ذو منشأ مسرحي إذ منها تكونت فرقة المعمورة المسرحية.

اما الاربعينات فقد شهدت طفرة نوعية من حيث تعدد المواضيع تبعا للتحولات السوسيواقتصادية وايضا تعدد انتماءات الانتاجات بين فرنسية واسبانية وانغلوساكسونية وافتتح أستوديو ومعمل سويسي ـ ملكية خاصة ـ في الرباط عام 1944 وفي نفس العام تم تأسيس مبنى إداري للخدمات السينمائية بوزارة الإعلام. كما أُسس المركز السينمائي المغربي لإنتاج أفلام تسجيلية إعلامية (خاصة الأفلام ذات الطبيعة السياحية) وتم انتاج أول شريط سينمائي ناطق باللغة العربية عام 1946 بعنوان «الباب السابع» وقام بالتمثيل فيه ممثلون مغاربة وتم عرض هذا الفيلم في جميع انحاء المغرب وكذلك على المشاهدين العرب بفرنسا.

وفي محاولة لإضفاء بعض السمات والطقوس العربية على أفلام هذه المرحلة لجلب المشاهد المغربي خصوصاً بين 1946 و 1949 – وهو المدى الذي استغرق إنتاج هذه العينة المزعومة لتقليد الميلودراما المصرية – فقد تم تصوير تلك الأفلام في نسختين باللغتين العربية والفرنسية، أو بالدارجة المغربية معنونة Sous-Titree بالفرنسية.

ثم الاستعانة ببعض الممثلين من أقطار الوطن العربي: كمحمد توري وحيمود الإبراهيمي من الجزائر، العربي التونسي ومحمد الجاموسي من تونس، نصيرة شفيق من مصر، آمال فوزي من سوريا... واعتماد الحكايات العربية الشعبية والتراثية كألف ليلة وليلة. ..

لكن هذه المجهودات المادية والبشرية للمخطط السينمائي الكولونيالي ستحصد الفشل الذريع، لأن أصحاب القرار لم يدركوا أو بالأحرى تجاهلوا أن تعلق المغاربة بالأفلام المصرية – رغم نواقصها – هو في العمق تعبير واضح من الشعب عن انتمائه القوي للهوية الثقافية العربية والإسلامية ، وعن رغبته القصوى في التحرر والانعتاق من نير الاستعمار الفعلي واستعمار الشاشة.

وقد ترتب على هذا الوضع تعثر استديوهات السويسي في القيام بأي نشاط منتظم ابتداء من الخمسينات إلى أن توقف كلياً وأصاب بناياته خراب شامل، إذ كانت النتائج مخيبة للآمال بعد عزوف الجمهور عن مشاهدة الأفلام الكولونيالية سواء في المغرب أو في بعض الأقطار العربية الأخرى بعد عرضها هناك. كما نشأ عنه أيضاً إفلاس العديد من شركات الإنتاج التي كانت مهيأة في حال نجاحها واستثمارها استثماراً جيداً على المستوى السياسي، أن تكون مهداً حقيقياً للسينما المغربية لاحقاً.

وفي محاولة أخيرة لتجاوز هذا الوضع الانتكاسي وجذب الجمهور قصد إنعاش فروع التوزيع والاستغلال، التجأ المخطط الكولونيالي إلى تنويع جديد يعتمد صيغة "الإنتاج المشترك" على المستوى الفني أساساً، مع مصر بالخصوص بغية استغلال مكانية السينما المصرية الراسخة بالوجدان المغربي آنذاك بعد فشل استراتيجية محاكاتها. ففي نطاق هذا التصور تم إنجاز أول وآخر فيلم سنة 1955 بعنوان (طبيب بالعافية) عن مسرحية موليير. أخرج الفيلم: الفرنسي هنري جاك بمساعدة كل من المخرج اللبناني الأصل المقيم بمصر يوسف معلوف، والمغربي العربي بناني.

ونظراً لاقتصار الإنتاج (المشترك) على الجانب الفني، فقد تجسدت مساهمة العنصر البشري المغربي في العربي بناني كمساعد مخرج.. وفي الملحن عبد القادر الراشدي بتنسيقه للأغاني وإنجاز بعض الألحان .. ثم في عنصر التمثيل على وجه الخصوص حيث ورد نعت الممثلين المغاربة بجنريك الفليم بـ "المراكشيين"، الذين سبق ذكرهم: (البشير لعلج – العربي الدغمي – الطبيب الصديقي – عبد الرزاق حكم...) إلى جانب ممثلين ذوي جنسيات عربية مختلفة من مصر، وهم الذين تقلدوا أدوار البطولة الرئيسية: أميرة أمير – كمال الشناوي ومحمد التباعي. ومن الجزائر لطيفة وليلى الجزائرية. ثم من تونس محمد الجاموسي.


لكن هذا الخليط اللامحكم – في غياب إدارة وتوجيه حقيقيين للممثلين مع طغيان عنصر الارتجال – أفرز تجربة هجينة وجد مفتعلة كان من الصعب أن يحمل معها الفيلم هوية أو جنسية محددة اللهم فضاء "ألف ليلة وليلة" بشخوصه وديكوراته الغرائبية وأزيائه المزركشة، رغم هيمنة الطابع المصري بدءاً من العنوان إلى لغة الحوار وأغاني الفيلم التي كانت كلها مصرية محضة على ألسنة المصريين طبعاً. بينما كان غيرهم من الممثلين – وضمنهم المغاربة – ينطقون بلغة عربية ركيكة تتخللها مصطلحات دارجة مغربية تهدف في كثير من فقراتها إلى الإضحاك.

وهكذا جاء الفيلم عبارة عن اسكيتش هزلي ممطط .. محشو بالمواقف والأحداث المجانية والجري والمطاردات المبالغ فيها .. وبالأغاني والرقصات على الطريقة المصرية والهندية بما يتخلل ذلك من تغيير اللباس عدة مرات خلال رقصة واحدة !! مما يفترض قدراً هائلاً من السذاجة لتقبل مثل هذا العمل و لا نعتقد أن مغاربة الخمسينات ولا قبلهم أو بعدهم كان من الممكن أن يتواصلوا معه أو يقبلوا به إنتاجاً مغربياً أو أياً كانت جنسيته، الشيء الذي حكم على هذه التجربة بالفشل الذريع هي الأخرى فلم تتكرر، خصوصاً أن إنجازها تم على عتبة الاستقلال السياسي للمغرب الذي حل سنة بعد ذلك عام 1956.

وعموماً فإن ما يمكن أن نسجله من استفادة للعنصر البشري في علاقته بسينما هذه المرحلة هو تعرفه على الميدان ولو جزئياً من خلال ممارسة التمثيل وإنجاز بعض المهام الفنية والتقنية كالموسيقى التصويرية والمساعدة في الإخراج في نهاية المطاف. أما الإخراج كفعل احترافي تؤول فيه سلطة القرار الإبداعي والفني للمخرج ذاته فطبيعي أن يقصى من دائرة الوجود السينمائي في هذه الفترة انسجاماً مع مفهوم الاحتلال أصلاً، والذي لا يعني احتلال الأرض فحسب وإنما احتلال الذات أيضاً بكسر طموحها وتطلعاتها وتغييب إرادتها وقرارها الشخصي. لكن هل ستتغير منظومة التعامل هاته مع الفعالية السينمائية المغربية في فترة الاستقلال باعتبار أن الوضع الاحتلالي قد رحل وانقضى؟ أم أنها ستحافظ على استمراريتها وامتدادها السلبي بشكل أو بآخر؟؟.
2 - السينما في المغرب

.وتواصل العمل خلال الخمسينات والستينات بفضل الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الجديدة {السينما سكوب والالوان } بما عزز الطابع التخييلي للمنتوج السينمائيوأنتج بداية من عام 1953 الجريدة السينمائية للدولة بالتعاون مع شركة إنتاج فرنسية. و يذكر الناقد مصطفى المسناوي ان عدد دور العرض السينمائي التي ظهرت بالمغرب في الفترة السابقة على الاستقلال قد ارتفع من حوالي 80 دار عرض عام 1945 إلى حوالي 150 دار عرض عام 1956.

و استمر هذا التوسع، إلى أن بلغ عدد دور العرض 250 دار عرض في بداية التسعينات، أغلبها في المناطق الحضرية.ولكن لم يستفد صناع السينما المغاربة الاستفادة الكاملة من هذه البنية التحتية الموجودة لديهم من دور العرض، حيث استمرت الأفلام المستوردة في هيمنتها على دور العرض. وبالطريقة نفسها أبدى موزعو الأفلام المغاربة ميلا أكثر للمساهمة في تمويل الأفلام الأجنبية التي تعبر عنهم "، أكثر من مساندة الموهوبين من صانعي الفيلم المحليين.

حيث أن الأفلام التي تم إخراجها من قبل المغاربة أنفسهم تأخرت في الظهور. ويعتبر محمد عصفور رائد السينما المغربية لكونه أول مغربي تموقع خلف الكاميرا كمخرج ابان المرحلة الاستعمارية كما ان البداية الحقيقية للسينما المغربية ـ المبنية على العمل الاحترافي المنظم (على مستوى كتابة السيناريو والإخراج والتصوير والإنارة والتقاط الصوت والمونتاج والميكساج .. إلخ)، واستعمال فيلم خام من فئة 35 ملم، إضافة إلى إخراج الفيلم من طرف سينمائي مغربي، بموضوع مغربي، موجه إلى مشاهد مغربي ـ يمكننا القول إن أول فيلم تنطبق عليه هذه المقاييس، بالنسبة للفيلم القصير، هو الفيلم التربوي "صديقتنا المدرسة" (11ق، أبيض وأسود، 1956) للعربي بناني (الذي سيتولى المسئولية على رأس المركز السينمائي المغربي في السنوات التي أعقبت استقلال المغرب)، ثم ينجز محمد عصفور الشريط السينمائي المتوسط الطول “الابن العاق” ،1956 الذي جاء ليعزز مساره الذي بدأ منذ 15 سنة قبل هذا التاريخ و توفي بطله محمد الكنوس قبل اشهر قليلة متسولا في مدينة سلا. وجاء هذا الفيلم يؤرخ لمرحلة جديدة للسينما لا تأخذ في الحسبان الا الفيلم الطويل كما جرت العادة في معظم بلدان العالم.

ولم تمر أكثر من ثلاث سنوات، حتى بادر احمد بلهاشمي، أول مغربي خريج المعهد العالي للسينما في باريس وهو كاتب وشاعر ومسرحي متميز، بإخراج فيلم مطول ثان بعنوان “الكمان” 1959 شخصه بمهارة محمد السعيد عفيفي. وللأسف تم اتلاف هذا الفيلم ولم يعد له أثر، حتى صاحبه الذي يقيم حالياً في سويسرا، لم يشاهد فيلمه منذ انجازه.
وفي عام 1968، عندما ظهر فيلم "الحياة كفاح"، أخراج كل من محمد التازي وأحمد المسناوي، وأعقبه في نفس العام "عندما يثمر النخيل"، 1968، أخرجه عبد العزيز رمضاني و العربي بناني. والفلمان كانا معا من إنتاج المركز السينمائي المغربي، وقد حث على إنتاجهما إقامة المغرب لمهرجان سينما البحر المتوسط.

وفي هذه الفترة ظهرت عشرات الأفلام القصيرة، التسجيلية والروائية القصيرة نشير من بينها إلى "من لحم وفولاذ" (20ق، 1959) لمحمد عفيفي؛ "عودة إلى النبع" (22ق، 1963) لعبد العزيز الرمضاني، "الليالي الأندلسية" (22ق ، 1963) للعربي بناني؛ "طرفاية، أو مسيرة شاعر" (20ق، 1966) لأحمد البوعناني ومحمد عبد الرحمن التازي؛ و"سين أغفاي" (22ق، 1967) لعبد اللطيف لحلو؛ "ستة وإثني عشر" (18ق، 16 و35 ملم، 1968).

ويذكر الناقد احمد الخضري : إن حركة الأندية السينمائية كانت ولا تزال محتكرة من طرف الفرنسيين- حين كانت تحمل اسم "الجامعة المغربية للنوادي السينمائية" – ولم تبدأ في التمغرب إلا مع شروع بعض المثقفين في الانخراط بها، خصوصاً بعد إنشاء "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" في متم الستينات كحركة طلابية/ شبابية ثورية، كان من ضمن أعضائها الناقد السينمائي نور الدين الصايل الذي عمل على تأسيس "الجامعة الوطنية للأندية السينمائية" سنة 1973. وبالتالي جاءت الجامعة بصورتها الجديدة كبديل منتقد للسينما السائدة، التجارية المستوردة من القاهرة، نيودلهي، وهوليود... والمغربية بضعفها الكمي والنوعي، فعملت إلى حد ما على التأثير في بعض السينمائيين المغاربة الذين انخرطوا فيها أمثال: سعد الشرايبي وحميد بناني... وقد سبق لهذا الأخير أن كوّن مع ثلاثة سينمائيين آخرين هم: - أحمد البوعناني- محمد السقاط(1) – ومحمد عبد الرحمن التازي دارا للإنتاج سموها – سيكما 3" ، عملت على إنتاج أول وآخر فيلم لها من توقيع حميد بناني هو (وشمة) سنة 1970 الذي يعتبر محطة بارزة في مسيرة السينما المغربية. يقول نور الدين الصايل بصدد هذا الفيلم والتجربة ككل : ((لقد كانوا أربعة جمعوا مذخراتهم وطاقاتهم، وتجاربهم ليخلفوا عملاً أقل ما يقال عنه إنه يدعو إلى التأمل الإيجابي ويثير التساؤل النقدي)) وبالتالي كانت الفكرة الأصلية وراء إنشاء "سيكما 3" هي تمكين كل واحد من السينمائيين الذين يكونوها من إخراج شريطه الطويل ثم توسيع العمل بعدئذ ليشمل السينمائيين الآخرين الذي يلمسون في أنفسهم الرغبة في العمل الجماعي للمجموعة، غير أن هذه التجربة الأصيلة بقيت يتيمة مع الأسف.

وأفرز هذا اليتم على مستوى الإنتاج السينمائي انشغالاً نقدياً لهذا الفن ترجمه إنجاز نور الدين الصايل لأول مجلة نقدية سينمائية متخصصة بعنوان "سينما 3" وإن توقفت في العدد الرابع سنة 1970، فقد ظلت الحركة النقدية السينمائية مستمرة على متن بعض المنابر الإعلامية المتفرقة لا سيما الصحافة المكتوبة، ومنتعشة في إطار مناقشات العروض بالأندية السينمائية.


ويرى الناقد خالد الخضري إن انتعاش هذه الحركة الثقافية المختلفة المشارب: إبداع الكلمة، المسرح والنقد.. – التي تبلورت ضمن نسق فكري متمخض عن نكسة 1967 – قد جعلت الفيلم المغربي متخلفاً عنها وغير متجاوب معها، فباستثناء (وشمة) لحميد بناني (السراب) لأحمد البوعناني – و (ألف يد ويد) لسهيل بن بركة ثم الشركَي) لمومن السميحي ... كأفلام ذات حمولة فكرية مشاغبة ومغايرة لما هو سائد، فقد ظل الفيلم الروائي الطويل يعاني دوماً أزمة إنتاج بالدرجة الأولى وبالتالي أزمة إبداع.

كما أن الإنتاج السينمائي المفتقر إلى البنيات الصناعية وللتمويل لم يجلب المواهب الضرورية للفعل السينمائي المتكامل من كتّاب سيناريو، وموسيقيين، ومهندسي الصوت، والديكور والملابس .. فحتى السينمائيين الذين هاجروا للدراسة بالخارج ثم عادوا ليشتغلوا كموظفين، أو كمخرجين ومنتجين لأفلامهم في نفس الوقت، كانوا يضطرون إلى التقتير في النفقات ما دامت الميزانية المرصودة للفيلم المغربي من طرف المركز السينمائي متواضعة، وما دام الحقل يعوزه منتجون خواص جسورون يحدوهم الحس الوطني أكثر من الربح المادي أو أي حافز آخر.

أضف إلى ذلك ضمور التوزيع والاستغلال المحلي للفيلم المغربي سواء أنتج من طرف المركز السينمائي المغربي أو من طرف الخواص أو الشركات ... فإنه يبقى، في النهاية، حبيس علبه لا يكاد يرى النور إلا من خلال بعض التظاهرات السينمائية بين الحين والآخر، مما يجعله عديم المردودية، فيزيد في معوقات استمرارية الإنتاج بالنسبة للمخرج / المنتج المغربي.

الصحافة لم ترأف بفيلم “شمس الربيع” 1969 لصاحبه لطيف لحلو، رغم أنه حاول جادا اضافة اللمسة الاجتماعية على فيلمه. وهكذا جاءت تجربته صادقة ولم يتم التنويه بها إلا في وقت متأخر. وقدم محمد عصفور فيلمه الروائي الوحيد "الكنز المرصود" عام 1970 إلا أن بزوغ قمر السينما المغربية من جديد، في سماء ابداعية صافية، أشيد بها داخلياً وخارجياً كان عبر فيلم “وشمة” لحميد بناني، الذي جعل من المكان حالة واقعية بل بمثابة فسيفساء تترابط ضمنه الأحداث بشكل غير مزعج أي أن المكان هو سيد البناء في العملية السر دية للأحداث مما جعلنا نظل على علاقة وثيقة بكل الأماكن التي عرضها الشريط ويقترح علينا الناقد المغربي إدريس القري أن نتعامل مع هذا الشريط ك "سلسلة " صور بصرية تبدي لنا معالم مكان مغربي أصيل بكل تراتبيته وقيمه وتقاليد وطقوس الانسان المنفعل به، أفكار وتصورات ومعتقدات الانسان الفاعل في هذا المكان أيضا..

ويضيف في معرض تحليله: «... ولا يخرج إطار صورة شريط «وشمة » عن فضائه البدوي الطبيعي التقليدي بكل تجذره وبساطة تأثيثه وصدق وتكامل قطعه مع ما يحمله الفاعلون الاجتماعيون فيه من قيم وتصورات للكون والحياة والانسان.." لقد اصبح «وشمة » قدوة لعدد من التجارب الناشئة في بلدان ما يسمى العالم الثالث. لقد اعطى فيلم “وشمة” الانطلاقة لعدد من التجارب المغربية الأخرى، تصب هي كذلك في الاصالة والمعاصرة معاً، عبر تجارب سهيل بن بركة، صاحب “الف يد ويد” 1972 و”حرب البترول لن تقع” ،1974 تجاوز مخرجها الالغاز والرموز التي ميزت فيلم “وشمة”، ليطرح اشكالية الصراع الطبقي وكان من الطبيعي ان تلقي هذه الفترة بظلالها على مخيلة المخرجين. فسهيل بن بركة ليس دائماً، وفي أول وهلة، ما يدفعه لإخراج فيلم مطول هو قراءته لهاته الرواية أو تلك المسرحية .. أو وجود هذا السيناريست أو ذلك الأديب .. بل إنه لا يقدم على إنجاز فيلم إلا بالنسبة للقضايا التي تهمه أو بالأحرى تثيره .. وفي بعض الأحيان ((تستفزه )) كما عبر بنفسه.

ثم بعد مرحلة الإثارة الأولى هاته، تأتي مرحلة ثانية، هي لجوءه إلى عمل أدبي سبق أن اطلع عليه ووجد أن الفكرة أو الحادثة التي أثارته سبق أن عالجها هذا العمل بشكل راقه حتى إذا لم يجد، لجأ إذ ذلك إلى رجل أدب يبلور وإياه هذه الفكرة في شكل رواية متكاملة العناصر محبوكة الأطراف .. وبين هذه الإثارة من جهة والتعامل الأدبي من جهة ثانية ينضج فيلم سينمائي قائم بذاته .. وهذا ما حدث له مع سائر أفلامه الأربعة التي أخرجها لحد الآن .. والتي كان لها ولا يزال طابع مشرف لصاحبها وللسينما المغربية ككل.

فبالنسبة لأول أفلامه: ((ألف يد ويد)) 1972.. كان ما أثاره لانجازه هو استغلال اليد المغربية العاملة الكبيرة والصغيرة .. في قطاع الصناعية التقليدية (صناعة الزرابي) من طرف أصحاب رؤوس الأموال والمؤاجرين المغاربة والأجانب على السواء .. حيث دلف ذات مرة إلى أحد (البازارات) الكبيرة بفاس، وبدأ صاحبه يفخر بكونه يربح أموالاً طائلة من وراء استغلاله لليد المغربية الفقيرة .. الشيء الذي استفزه وأثر فيه.

ثم جاءت المرحلة الثانية، وهي اعتماده على رجل أدب لصياغة سيناريو الفيلم – بعدما لم يجد عملاً أدبياً يعالج مثل هذا الموضوع – فكتب له الأستاذ أحمد بدري – وهو أستاذ أدبي جامعي سبق ذكره – السيناريو .. ولا أحد ينكر ممن شاهد الفيلم، مدى متانة هذا السيناريو وشدة تعبيره وترابط أحداثه.. ساعدته في ذلك بطليعة الحل جودة الإخراج.
- وفي ((حرب البترول لن تقع)) 1947- وهو فيلم شبه وثائقي .. كان مصدر إثارته قضية النفط العربي في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر، والتحيز الأمريكي والغربي للصهاينة وما أثارته هذه القضية في تلك المرحلة من ردود أفعال مختلفة .. فجاء الفيلم ليؤكد أن السلاح الذهبي الأسود الذي يملكه العرب لم يكن مجدياً.. لأن هؤلاء لم يستغلوه إلا في أغراضهم الشخصية!! ومن هنا: ((فحرب البترول لم تقع)) كما جاء في العنوان.

فسيناريو هذا الفيلم وحواره كتبهما ((ميشال كونستنتان)) – ليس الممثل الفرنسي المعروف – بل هو رجل أدب كذلك .. أستاذ درس الفلسفة والأدب بكلية الآدار بالرباط.. وله دراسات وأبحاث في الأدب المغربي .. كما يتوفر على تكوين سينمائي خصوصاً من حيث كتابة السيناريو على حد تعبير سهيل بن بركة.

.و عبد الله المصباحي الذي اتبع الطريق الذي فتحه التازي والمسناوي في فيلم "الحياة كفاح" وتبنى النموذج المصري لأفلام الميلودراما الموسيقية في فيلمه الأول "الصمت، اتجاه ممنوع" عام 1973، ثم قدم في السبعينات فيلما تجاريا آخر هو "غداً لن تتبدل الأرض" عام 1974 بعد ذلك جاءت تجربة مصطفى الدرقاوي مرآة حقيقية لهذه الحقبة المثمرة عبر فيلم “أحداث بدون دلالة” ،1974 ، الذي يطرح بكل وضوح اشكالية الايديولوجيا، يخلص الى ان الفرد نتاج لمجتمعه.

وبطريقة اقل وضوحاً، باشر مؤمن السميحي الخوض في تجربة لا تقل غنى، عبر فيلم “الشركي او الصمت العنيف”، عكس خلاله تشبعه بفلسفة رولان بارت ومناهجه المعروفة كعلم الدلالات. كما ستلجأ مجموعة من السينمائيين وعددهم سبعة إلى إنجاز فيلم (رماد الزريبة) سنة 1976، تقاسم فيه الإنتاج كل من المركز السينمائي المغربي وشركة "بسمة إنتاج" التي كانت في ملكية مصطفى وعبد الكريم الدرقاوي ثم العربي بلعكاف. إذ اتفق على أن يتم التعاون فيما بين سائر هؤلاء السينمائيين فنياً وتقنياً شريطة أن ينفرد واحد منهم بالإخراج وبالتناوب – مثلما حدث مع مجموعة سيكَما 3 – فكان من المفروض أن يوقع الفيلم الأول كمخرج محمد الركاب باعتباره صاحب الفكرة الرئيسية .. وأخرج بالفعل جزءاً كبيراً بدا فيه طابعه متجلياً كما سيتأكد في (حلاق درب الفقراء) الشيء الذي حدا بكثير من النقاد والمهتمين إلى نسب إخراج (رماد الزريبة) برمته إلى محمد الركَاب.

إلا أن هذا الإنجاز الجماعي اعترته مشاكل بالجملة لتباين الرؤى وتجاوز حدود الاختصاصات أدت بالفيلم إلى أن يحمل في الأخير توقيع السينمائيين السبعة حتى من اهتم فيهم فقط بالتصوير أو الإنتاج. وهؤلاء السينمائيون هم: محمد الركاب – سعد الشرايبي – عبد القادر لقطع – مصطفى الدرقاوي – محمد عبد الكريم الدرقاوي – نور الدين كونجار – والعربي بلعكاف(4)وتأتي تجربة “رماد الزريبة” رائدة، فهو الفيلم الذي استطاع جلب عدد وافر من المشاهدين (77 ألف في الدار البيضاء وحدها) رغم تحفظ الموزعين ومستغلي القاعات، بالاضافة الى جرأة موضوعه وبساطة اسلوبه وادائه.

إلا أنه بالنظر إلى العراقيل والنتيجة التي ظهر بها الفيلم، جعلت اللجوء إلى العمل التعاوني الجماعي غير مجد ولم يسهم في حل لا المعضلة الإنتاجية ولا الإبداعية بالنسبة للمخرج المغربي في مرحلة السبعينات، حيث ظل عدد كبير من المخرجين يعتمد على نفسه وشركته في إنتاج أفلامه مثلما فعل محمد عصفور بواسطة شركته "عصفور فيلم" بإنتاج (الكنز المرصود) سنة 1970 .. وعبد الله المصباحي بإنتاج (الصمت، اتجاه ممنوع) سنة 1973 ... بينما ظل دور المركز السينمائي المغربي منحصراً في المساعدة على الإنتاج في غالب الأحيان.

واخرج سهيل بن بركة عام 1977 فيلمه "عرس الدم " عن مسرحية لغرسيا لوركا بنفس العنوان - وهو أول فيلم مغربي ينطلق من عمل أدبي غير مغربي، – فقبل أن يلجأ سهيل إلى هذا العمل كيف حصلت إثارته؟ يقول بنفسه:
((كنت سنة 1975 بقرية (إيخوربان) إقليم تافراوت .. أثناء تصويري لفيلم وثائقي عن المسيرة الخضراء .. وحضرت في إحدى الليالي هناك حفلة زفاف، وخلال هذا الحفل فرت العروس مع شخص تحبه .. فأثارتني هذه الحادثة إثارة قوية، لأنها غير عادية. استثناء صارخ يقع في وسط قروي، بربري فلاح ومحافظ .. وفي أرضية صلبة ومناخ حار جاف .. الشيء الذي حثني على إخراج فيلم عن هذه الحادثة .. فتذكرت في الحال مسرحية (عرس الدم) لغارسيا لوركا .. التي وقعت أحداثها بالأندلس سنة 1929 .. وتقريباً في نفس الوسط الفلاحي القروي الجاف.. وهذه القصة تحكي أيضاً عن هروب عروس مع حبيبها ليلة عرسها .. فلجأت إليها استوحي أحداثها وأمغرب وقائعها بشرياً وديكوراً ولباساً وحوارا إلخ...)).

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن حوار هذا الفيلم كتبه المسرحي المغرب الطيب الصديقي .. ومن هنا يتضح لنا احترام سهيل بن بركة لعامل التخصص ما دام أصل السيناريو نصاً مسرحياً .. وقد صورت أحداث الفيلم تقريباً في نفس المنطقة التي وقعت فيها .. وكان يمكن أن تحافظ على مغربيتها الكاملة وتأثيرها الواقعي لو لم يغلب عليها الطابع السياحي من جهة، وكذلك لو لم تسند أدوارها الرئيسية لممثلين غربيين قصد الانتشار التجاري (لوران تارزييف) و (إيرين باباس). ..

3 - السينما في المغرب

وقام المخرج أحمد المعنوني خريج مدرسة الفيلم البلجيكية بإخراج "أليام أليام" عام 1978. أما المخرج جيلالي فرحاتي الذي درس الأدب والاجتماع بفرنسا، فقد بدأ عمله بفيلم "جرح في الحائط" عام 1977. وتحول الكاتب المسرحي نبيل لحلو للسينما، وبدأ سلسلة اقتباسات مسرحية بـ "القنفودي" عام 1978, وقام حكيم نوري باخراج فيلمه " ساعي البريد " عام 1979 .

تعكس هذه التطورات جزئيا الدور المتنامي للمركز السينمائي المغربي الذي مول (أو شارك في تمويل) عددا من الأفلام الروائية، أغلبها من إخراج موظفي المركز السينمائي المغربي، بما في ذلك التمويل الجزئي لأول فيلمين روائيين مغربيين عام 1968، وتمويل فيلم " شمس الربيع" إخراج عبد اللطيف لحلو. أن دخول المركز السينمائي المغربي مجال الإنتاج الخارجي كان يمثل خطوة هامة، وتتضمن الأفلام الأخرى التي شارك في إنتاجها المركز السينمائي المغربي الأفلام الأولى لبعض كبار المخرجين المغاربة في أواخر السبعينات، مثل فيلم "جرحة في الحائط" لفرحاتي، و"عرس الدم" لبن بركة، و"القنفودي" لنبيل لحلو، والفيلم الجماعي"رماد الزريبة".

وقد ازدادت مشاركة القطاع الخاص في مجال تسهيلات المعامل والتسجيلات في السبعينات، حيث افْتُتحت استوديوهات جديدة في "عين الشق" بالدار البيضاء لتضاف إلى الاستوديوهات الموجودة في السويسي بالرباط منذ عام 1944. إلا أن التقدم في الإنتاج الفعلي للأفلام كان بطيئاً، حيث تم إنتاج 16 فيلم روائي فقط خلال العقد الأول ككل، بنسبة ثلاثة أفلام فقط كل عامين.

ولتفادي هذه الوضعية والمتسمة بتحمل السينمائي المغربي العبء الاكبر من مسؤولية انتاج فيلمه , ولتشجيع المبادرات الفردية أحدث سنة 1980 صندوق الدعم كمصدر تمويلي لمساعدة الانتاج السينمائي الوطني وتطويره نظرا لندرة رؤوس الأموال في هذا القطاع ولارتفاع سعر تكلفة الانتاج , الا أن هذه المنحة تبقى مجرد اعانة على الانتاج ولا تغطي تكلفته الاجمالية .. ومن خلال هذا الصندوق سوف يجد المخرج المغربي متنفسا انتاجيا ويذكر الناقد خالد الخضري في كتابه " المخرجون المغاربة المغاربة " انه في ظرف خمس سنوات , أي ابتداء من سنة 1980 الى سنة 1984 أنجز 31 فيلما روائيا طويلا , أي بنسبة 6 أفلام في السنة , في حين أنجز قبل هذه المرحلة وفي ظرف 22سنة {من 1958 الى 1980 } 20 فيلما كما ان هذا الصندوق سمح بظهور عدد من المخرجين الذين لم يرد لهم ذكر قبل عام 1980 . فمن اصل 25 مخرجا هناك 17 يخرجون لأول مرةأشرطة طويلة في فترة الخمس سنوات المذكورة .

كان لزيادة الإنتاج خلال فترة الثمانينات تأثير متباين على المخرجين الراسخين بالمغرب، فقد اخرج عبد الله المصباحي و سهيل بن بركة ـ اللذين كانا أغزر مخرجي المغرب إنتاجا خلال السبعينات ـ فيلما واحدا لكل منهما، حيث أخرج المصباحي فيلم "أرض التحدي" عام 1980، وقدّم بن بركة فيلم "آموك" عام 1982 وهو عمل درامي طموح ضد العنصرية ممول من طرف السنغال وغينيا إلى جانب المغرب.. فالإثارة حدثت لمخرجه أثناء سفره على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الجنوب أفريقية، من روما إلى تاناربي بمدغشقر سنة 1973. مع مجموعة من السينمائيين، كان من بينهم المخرجان الإيطالي الشهير ((باوزليني)) والأفريقي: ((عثمان سمبين)) (الحوالة) فلما صعد رجال الأمن العنصريون إلى الطائرة لمراقبة الجوازات .. قسم الركاب إلى ثلاثة أجناس على ثلاثة أجزاء الطائرة: الأوروبيون البيض في مقدمتها بالدرجة الأولى.. ثم العرب ومن بينهم سهيل بن بركة في وسطها .. في حين احتفظ بالأفارقة السود ومن ضمنهم المخرج سمبين – في مؤخرتها.


ثم تكرر نفس الفعل في مطار ((جوهنسبورغ)) عاصمة جنوب أفريقيا. حيث اضطر الركاب إلى الإقامة به مدة غير يسيرة قبل تغيير الطائرة.. فأنزل الأوروبيون مرة أخرى في غرفة فخمة .. ثم العرب في أخرى متوسطة.. بينما حشر السود في مرآب أشبه بالاسطبل !! فهذه الحادثة يقول ابن بركة: ((استفزتني، ففكرت في إخراج فيلم يتحدث عن الميز العنصري الأفريقي))، الإثارة إذن حصلت.. وما بقي هو المادة الخام التي سيصهر منها الفيلم .. فكانت هي الأدب .. حيث لجأ سهيل إلى أدب أفريقي محلي هذه المرة.. ويتمثل ذلك في رواية الكاتب الجنوبي أفريقي المعاصر التي سبق ذكرها.. إذ سبق له أن قرأ الرواية من باب الإطلاع .. ثم عاد إليها بعد هذه الحادثة ليقرأها ثانية لكن هذه المرة من باب التفحص التركيز.. قراءة سينمائية .. فيطلع لنا ي الأخير ذلك الفيلم الرائع (أموك). وللتذكير أيضاً فسيناريو هذا الفيلم بالإضافة إلى كونه مقتبس عن رواية، فقد ساهم في إنجازه وكتب حواره رجل الأدب المذكور ((ميشال كونستنان)). (أموك) حصل على الجائزة الأولى في مهرجان موسكو سنة 1983.

وهناك مخرجون آخرون حصلوا على فرص إنتاج أكثر، حيث أخرج نبيل لحلو أربعة أفلام في الثمانينات هي "الحاكم العام" عام 1980، و "إبراهيم ياش" عام 1984، و "نهيق الروح" عام 1984، و"كوماني" عام 1989. وقدم المخرج المحنك محمد التازي (شارك في إخراج أول فيلم روائي مغربي) ثلاثة أفلام هي "أمينة" عام 1980، و "للا شافية " عام ، المنتج عام 1982 ، البسيط ، المتمكن من أدواته الفنية ، والذي لم يدشن في الغرب ، يقدم الحياة اليومية في إحدى القرى المغربية ، على نحو متفهم وحميمي . أهل القرية يعملون . يزرعون ، يقلبون الأرض ، يوزعون السماد . في السوق يبيعون ويشترون ، مثل كل البشر ، يختلفون مع بعضهم بعضاً ، يتشاجرون ، يتصالحون . والنساء ، أيضاً ينهمكن في العمل : طحن البذور ، غسل الملابس ، عجن الدقيق ، خبز العيش ... الكل يعمل ، بدأب ، من أجل . استمرار الحياة .

إلا أن الفيلم ليس مجرد غنائية لنمط الحياة في ريف المغرب ، ولكنه ، وهذه هي قيمته الجوهرية ، يتضمن نقداً لها .
جاء نبيل لحلو إلى السينما من عالم المسرح .. فهو مؤلف وممثل ومخرج ، قدم بأسلوب تجريبي ، يقترب من " اللامعقول " ، العديد من التجارب المسرحية ، منها " أو فيليا لم تمت " ، وهي المسرحية التي سنرى بعض مشاهدها في فيلمه " إبراهيم ياش "المنتج عام 1983 ، وهو يقول " لم أخرج أبداً عن العالم السريالي الساخر الذي تعاطيته في المسرح ، وعندما تحولت إلى السينما احتفظت بذلك الأسلوب الذي يرمي إلى تحطيم الصورة التقليدية التي نشأ وكبر فيها المسرح المغربي . ففي أفلامي حاولت المحافظة على أسلوبي المسرحي : أي الوصول إلى الجمهور عن طريق جو ساخر وسريالي حتى لا أسقط في المباشرة التي أعتقد أن المتفرج ملها منذ سنوات . وهو أسلوب مناورة – مثل كرة القدم – مع الرقابة التي تفهم المواقف في الأفلام المباشرة التقليدية . وهذا لا يعني أنني أتهرب من الواقع " .

وقبل مناقشة مقولات نبيل لحلو ، التي من الممكن أن تجرنا إلى مناطق نظرية تماماً ، يجدر بنا أن نرى فيلمه أولاً . " ياش " كلمة مغربية ، عامية ، تعني ماذا ، أي أن اسم الفيلم بالعربية الفصحى ، التي يتحدث بها أبطال الفيلم جميعاً هو " إبراهيم ماذا؟ " .. وقد تدهش – مثلي – من إصرار المخرج على اختيار عنوان " محلي " لفيلم ينجح في أن يجعل أبطاله يتحدثون بلغة عربية صحيحة ومفهومة ، ينسجها نبيل لحلو على نحو درامي سلس .

ولكن بالنسبة للعديد من المخرجين فقد كان الحد الأقصى الممكن هو فيلمان خلال العقد. اخرج مصطفى درقاوي "أيام شهرزاد الجميلة" عام 1982 و "عنوان مؤقت" عام 1984. واضطر مومن سميحي للانتظار سبعة أعوام بعد فيلمه الأول قبل أن يخرج فيلمه "44" أو "أسطورة الليل" عام 1982، ثم ستة أعوام أخرى قبل أن يكمل فيلمه "قفطان الحب" عام 1988.

وفي الوقت نفسه استطاع مخرجون آخرون سبق و أظهروا مواهب واعدة أن يتموا فيلما واحدا فقط. وبصفة عامة فإننا نجد أفلاما أولى بنوعيات مختلفة تعبر عن أفكار وموضوعات مختلفة . وبعد 16 عاما على فيلمه الأول "شمس الربيع" قدم المخرج لطيف لحلو فيلمه الثاني "شبهة" عام 1986. وبسرعة اتبع أحمد المعنوني فيلمه الأول "أليام أليام" الذي حظي بمشاهدة واسعة، بفيلمه الثاني "الحال" عام 1980، لكنه لاذ بالصمت بعد ذلك. وأخرج محمد الركاب فيلمه الوحيد "حلاق درب الفقراء" عام 1982 الذي حظي بالإعجاب، محمد الركاب في الفيلم يقدم لنا أماكن خلقت الكاميرا بينها وبين عين المتفرج علاقة حقيقية قوامها الابداع الحق حيث انتفاء الشرخ أو الفجوة. أمكنة سبورة برؤية فنية عميقة يتداخل فيها الواقعي بالمتخيل لدرجة يحس معها المشاهد ان الأحداث التي يحتويها ويؤطرها لا حدود بين مستوى واقعيتها وبين مستوى بنائها التخيلي، فالركاب كان ابن الدرب يغرف من الذاكرة والمخزون الخيالي وهو يصور/ ينقل عوالم هامشية تنتصب فنيا رغما عن العين وتؤثر بفعل هامشيتها/ تهميشا بالتحديد لما تخفيه في فضاءاتها محمد الركاب من مواليد مدينة آسفي سنة 1942 .. أخرج مجموعة من الأفلام التسجيلية والبرامج التلفزيونية، منها برنامج (بصمات). كما أخرج مع مخرجين آخرين شريط (رماد الزريبة) سنة 1977.

أما فيلم (حلاق درب الفقراء) وهو أول شريط روائي موقع باسمه، فقد أنجزه سنة 1982 ولا زال منذ ذلك الحين إلى الآن تقريباً يواصل جهوده للحصول على التمويل الكافي لإنجاز مشروع فيلمه الثاني (مذكرات منفى) حول القضية الفلسطينية انطلاقاً من حادثة اغتيال أحد القادرة السياسيين في مصر سنة 1949 من طرف المدعو أحمد صالح بركات.
كان الركاب أيضاً قد دخل إلى السجن بسبب بعض الديون التي خلفها فيلم (حلاق درب الفقراء) نظراً لعدم توزيع هذا الشريط داخل وخارج المغرب .. الشيء الذي جلب معه خسارة مادية فادحة لمنتجه ومخرجه في آن واحد .. وبالتالي يمكن أن نرى في شخصية ميلود (بطل الفيلم) وما جرى له في درب الفقراء، شخصية محمد الركاب وما جرى له مع هذا الفيلم. . .وعرض(( عرائس من قصب )) لجيلالي فرحاتي في (( كان )) 1982 . في 88 دقيقة عن سيناريو لفريدة بن ليزيد . الفيلم ذكي ويمتاز بملامح بيئية وفلكلورية تؤكد الدقة والحساسية التي يتناول بها فرحاتي عمله السينمائي الروائي .

السينما في المغرب - 4

وفي الوقت نفسه استطاع مخرجون آخرون سبق و أظهروا مواهب واعدة أن يتموا فيلما واحدا فقط. وبصفة عامة فإننا نجد أفلاما أولى بنوعيات مختلفة تعبر عن أفكار وموضوعات مختلفة . وبعد 16 عاما على فيلمه الأول "شمس الربيع" قدم المخرج لطيف لحلو فيلمه الثاني "شبهة" عام 1986. وبسرعة اتبع أحمد المعنوني فيلمه الأول "أليام أليام" الذي حظي بمشاهدة واسعة، بفيلمه الثاني "الحال" عام 1980، لكنه لاذ بالصمت بعد ذلك. وأخرج محمد الركاب فيلمه الوحيد "حلاق درب الفقراء" عام 1982 الذي حظي بالإعجاب، محمد الركاب في الفيلم يقدم لنا أماكن خلقت الكاميرا بينها وبين عين المتفرج علاقة حقيقية قوامها الابداع الحق حيث انتفاء الشرخ أو الفجوة.

أمكنة سبورة برؤية فنية عميقة يتداخل فيها الواقعي بالمتخيل لدرجة يحس معها المشاهد ان الأحداث التي يحتويها ويؤطرها لا حدود بين مستوى واقعيتها وبين مستوى بنائها التخيلي، فالركاب كان ابن الدرب يغرف من الذاكرة والمخزون الخيالي وهو يصور/ ينقل عوالم هامشية تنتصب فنيا رغما عن العين وتؤثر بفعل هامشيتها/ تهميشا بالتحديد لما تخفيه في فضاءاتها محمد الركاب من مواليد مدينة آسفي سنة 1942 .. أخرج مجموعة من الأفلام التسجيلية والبرامج التلفزيونية، منها برنامج (بصمات). كما أخرج مع مخرجين آخرين شريط (رماد الزريبة) سنة 1977.

أما فيلم (حلاق درب الفقراء) وهو أول شريط روائي موقع باسمه، فقد أنجزه سنة 1982 ولا زال منذ ذلك الحين إلى الآن تقريباً يواصل جهوده للحصول على التمويل الكافي لإنجاز مشروع فيلمه الثاني (مذكرات منفى) حول القضية الفلسطينية انطلاقاً من حادثة اغتيال أحد القادرة السياسيين في مصر سنة 1949 من طرف المدعو أحمد صالح بركات.
كان الركاب أيضاً قد دخل إلى السجن بسبب بعض الديون التي خلفها فيلم (حلاق درب الفقراء) نظراً لعدم توزيع هذا الشريط داخل وخارج المغرب .. الشيء الذي جلب معه خسارة مادية فادحة لمنتجه ومخرجه في آن واحد .. وبالتالي يمكن أن نرى في شخصية ميلود (بطل الفيلم) وما جرى له في درب الفقراء، شخصية محمد الركاب وما جرى له مع هذا الفيلم. .

.وعرض(( عرائس من قصب )) لجيلالي فرحاتي في (( كان )) 1982 . في 88 دقيقة عن سيناريو لفريدة بن ليزيد . الفيلم ذكي ويمتاز بملامح بيئية وفلكلورية تؤكد الدقة والحساسية التي يتناول بها فرحاتي عمله السينمائي الروائي .
وقدم المسرحي المعروف الطيب الصديقي فيلمه ((الزفت)) عام 1983كإنتاج فني جمع بين المضمون الأدبي الرفيع والشكل السينمائي الجيد .. ونجح الطيب الصديقي كمخرج سينمائي – لأول مرة – في التعامل مع الطيب الصديقي كمؤلف ومخرج مسرحي وتبليغ أفكاره، ساعده في ذلك كونه صاحب العمل الأصلي مبدئياً – ثم تعاونه مع ذوي الاختصاص كما سبق ذكره. ويبقى ((الزفت)) فيلماً سينمائياً وليس مسرحية مصورة – كما ادعى البعض- دعواهم في ذلك أن أصل السيناريو مسرحية. ويكفي ما ذكر من خصائص ومواصفات سينمائية لإثبات عكس هذا الادعاء.

حقاً إن للزفت بعض الخصائص المسرحية من ذلك: ظهور نفس المجموعة الممثلة في عدة مشاهد (في حلمل الميت – صلاة الجنازة – طلب الغيث (تغنجة) – تدشين الطريق – في السوق..) كما ظهر الطابع المسرحي أيضاً في الغناء والترديد الجماعي، وهذه إحدى خصائص الاحتفالية) التي يعد الطيب الصديقي من روادها – باعتبار أن ((الاحتفالية حس جماعي يتمثل في الترديدات والمظاهرات الجماعية والحفلات ألخ...)) وكذلك اللباس.


أما غير هذا، فالفيلم سينمائي أولاً وأخيراً – وما ذكرناه كخصائص مسرحية لا تنتقص من قدره بقدر ما تغنية – فتبقى بمثابة (قواعد مكملة) إذ شئنا بتعبير قانوني ((يجوز الاتفاق على مخالفتها في العقد دون أن يؤثر ذلك على جوهره)) ولم تفعل هذه الخصائص إذن إلا أن ساهمت في ذلك ((الزواج الأبدي بين المسرح والسينما الذي يخشاه الكثيرون ويسقطون أحياناً في حبائله فيبحثون على تبرير، والطيب الصديقي لم يبحث عن التبرير .. ولم التبرير وحتى الخوف؟ كان المسرح حاضراً حركة وحواراً وأداء، وكانت السينما متواجدة بكل ثقلها وتعقيداتها التقنية)).

كانت نصف الأعمال المنتجة خلال الثمانينات تقريباً لمخرجين جدد. بعض هذه الأفلام الأولى لم تعرض أبدا وبعضها عرض بالخارج فقط. وعموما تعتبرالثمانينات فترة خصبة من حيث الانتاج الكمي بالنسبة للانتاج الروائي المغربي . اذ يبلغ العدد 50 فيلما روائيا طويلا من 1980 الى 1989 .

في سنوات السبعينات والثمانينات كان المغرب ينتج فيلمين او ثلاثة في السنة، وفي منتصف التسعينات ارتفع العدد ليصبح خمسة افلام في العام. اما حاليا فتطورت الامور واصبح السينما المغربية تنتج أكثر من عشرة افلام في العام، وهذا العدد هو نتيجة للسياسية التي انتهجها «صندوق دعم الانتاج السينمائي المغربي» في غياب اي دعم للسينما من قبل منتجين مستقلين، لانهم لا يثقون بالانتاج السينمائي ويعتبرونه استثمارا خاسرا، لذلك فمصدر الدعم الاساسي للسينمائيين المغاربة هو هذا الصندوق بالاضافة الى ان المخرجين يبحثون بانفسهم على تمويل من جهات خارجية ينضاف الى المبلغ الذي يحصلون عليه من قبل صندوق الدعم، ويتمنى السينمائيون ان يظل الوضع متطورا في هذا الاتجاه. فهذه المعطيات مؤشرات ايجابية، بيد ان ذلك لا يمنع وجود مؤشرات اخرى غير مشجعة تماما ، حسب تعبير الناقد مصطفى المسناوي , وهي اغلاق عدد كبير من صالات العرض السينمائي في المغرب. ففي مطلع الاستقلال كان عدد الصالات 250، وتقلص العدد ليصبح حاليا 170صالة فقط، ويتقلص هذا العدد كل عام، وبالتالي فانه اذا ما استمر هذا الوضع فان مداخيل صندوق الدعم ستقل شهدت بداية التسعينات استمرارا لفيضان الإنتاج، حيث استمر العديد من المخرجين الراسخين في تقديم أعمالهم في العِقد الجديد بفاصل زمني طويل غالباً يفصل بين كل الأفلام.

فيلم "بادس " 1990 علامة مضيئة في مسيرة المخرج محمد عبدالرحمن التازي الفنية فيلم ينبني على الصراع والتوتر بين شخوصه صراع محوره الاساسي والجوهري سلطة الرجل يسانده في ذلك المكان وحرية المرأة المغتصبة، فالمكان هنا سياج يسيج الانطلاق يأسر المرأة مثلما ياسرنا بجماله يمارس علينا فتنته، افتتان بالخوف والحقد الجميل، لقد وظف النازي المكان بشكل مضبوط ومتمكن، بحيث أن هذا التمكن هو الذي أعطى للشريط تلك الشحنة الابداعية وحوله بشكل مثير الى عنصر فاعل في تنامي الأحداث وتطورها بل حوله (المكان ) الى معادل للقدر يمسك بشخصياته (النسائية ) ولا يدع لها إلا هامشا محدودا لحرية الحركة. وبدا البحر كفضاء للانطلاق والحرية من سلطة الأب والزوج، لكن عزلة المكان تتكرس أكثر مع إلقاء الصيادين لشباكهم في البحر، فكل الطرق مسدودة ولم يبق للمرأة إلا رقصة إنسانية في محاولات لتحطيم المقدس في عالم هامشي /مهمش... و قدم سهيل بن بركة فيلمه التاريخي "فرسان المجد" عام 1991، وأخرج نبيل لحلو "ليلة القتل" عام 1991، وقدم مصطفى الدرقاوي فيلم "قصة أولى" عام 1991، وقدم التيجاني الشريكي فيلم "بامو " جاء في ملخص الفيلم الوارد في كتيب المهرجان الثاني للفيلم المغربي:

((يروي سيناريو شريط ((بامو)) قصة حب إنسانية تمزقها عناصر التدخل الوحشي المحيطة بالمجتمع المغربي أيام الاحتلال. حكاية زوجين متحابين متفانيين من أجل الحفاظ على علاقتهما الطاهرة والمحافظة على إرثهما الحضاري والإنساني في بوتقة من الصفاء والتضحية. وتدخل في سرد الحكاية مجموعة أخرى من العناصر الموازية الحياتية والمجتمعية الخاصة والعامة التي تتولد عن الصراع بين إثبات الذات والخضوع للمؤثرات الخارجية الناجمة عن التكتل المجتمعي لمقاومة الغزو الاستعماري بكل معانيه وأساليبه.

وتتشعب الأحداث وتتداخل لتتفرع إلى محورين رئيسيين:

التضحية من أجل الذات.. التضحية من أجل الوطن. وينتهي تمخض الصراع واحتدامه إلى ميلاد الثورة واندلاع حرب الرفض بزعامة فقيه القرية بعد أن تكون ((بامو)) قد فارقت الحياة بعد معاناة قاسية مع حاكم القرية (رامونا) نجمت بدورها عن فراق زوجها ((باسو)) الذي زج به في السجن ليفر في كوكبة المناهضين للاحتلال وعناصره وأساليبه.
وتبرز هنا شخصية المقاوم محمد الحنصالي خال بامو.. لتبدأ حكاية أخرى)).

السينما في المغرب - 5

بعد (( عرائس من قصب )) أحد أجمل الأفلام المغربية قدم الجيلالي فرحاتي عام 1991فيلمه الروائي الثالث (( شاطئ الأطفال الضائعين.. في بسالة هادئة ، واثقة ، جذرية يتقدم جيلا لي فرحاتي إلى معالجة قصته مبتعداً عن مرجعية السينما العربية السائدة لا يستدر الدموع ولا يتعامل مع المشاهد كأنه كتلة من عواطف ملغومة قابلة للانفجار لمجرد إشعال الميلودراما ، علماً بأن القصة لو وقعت في تصرف مخرج عربي ، على الطريقة المصرية ، لاستدرت نهراً من الدموع بسهولة !

لكن الكتابة السينمائية المتأججة بما في أعماق الشخصيات مضافة إلى صورة على قدر متناسق من الجمالية والشفافية مع حوار مقتصد يدعم تألق الصورة في أقل ما يمكن من الكلمات ، كل ذلك يجعل من (( شاطئ الأطفال الضائعين )) عملاً سينمائياً بارزاً. في قرية صغيرة على شاطئ منسي معزول يروي الفيلم قصة الفتاة المراهقة أمينة التي حرمت من الأم واختفت بشكل مفاجئ فلم تعد تلعب مع الأولاد الآخرين على الشاطئ .. أمينة تحمل من سائق سيارة أجرة جوالة يرفض الاستجابة لطلبها الزواج منها على رغم إلحاحها وتوسلها . وفي انتفاضة مباغتة تضربه بعصا على عنقه فيسقط ميتاً ، الواقع المستجد في لمحة عين يضعها أمام قدر مزدوج :

الجنين في أحشائها والجثة أمامها ، لكنها تتماسك بصعوبة وتسحب الجثة إلى كومة من أكوام الملح قرب الشاطئ ، حيث يعمل والدها العجوز ، وحيث تطمرها وتخفيها ، لكن الجثة والجنين الخفي لا يفارقان قدرها ، وتبقى سيارة القتيل شاهداً يهترئ مع زمن الفيلم .

زوجة والدها تعرف بالحكاية ، ثم يعرف والدها فيقرر حبسها في فيلا يغلقها أصحابها الغائبون خلال الشتاء ويودعون المفتاح لديه . هناك في الليالي الموحشة تطلق الحامل الوحيدة صوتها بعويل مروع تعتبره نساء القرية أصوات جن ، وفي هذه الأثناء تصطنع زوجة الأب الحمل تغطية لما سيأتي فتضع خرقاً مكورة في بطنها ، إلا أنها مع الوقت (( تصدق )) وهم حملها وتروح تنافس ابنة زوجها على الانتفاخ ، ثم تنهار معترفة بهاجسها ، فالزوج العجوز عاقر وليس لها أمل في الحصول على طفل ، ويتجسم هذا الواقع بعنف أقوى بعد ولادة الطفل إذ تحاول زوجة الأب (( تأميمه )) واحتكاره مما يدفع (( أمينة )) الأم الحقيقية إلى فضح اللعبة ، وتجد في نفسها القوة الجارفة التي تجعلها تصرخ بالحقيقة في وجه القرية كلها .


(( شاطئ الأطفال الضائعين )) يحظى بحبكة قصصية متينة ولوحات بصرية جميلة قادمة من كاميرا ذات تقنية عالية وممثلين بارعين ، في مقدمتهم سعاد فرحاتي شقيقة المخرج في دور أمينة ، فيلم جديد فكراً وصنعة يحمل بداخله إصراره الشجاع والمبدع على الدخول في جوانية المجتمع العربي . و أكمل مؤمن سميحي "سيدة القاهرة" عام 1991. وأكثرالمخرجين لفتاً للنظر كان حميد بناني (الذي بدأ بفيلم "وشمة" عام 1970) حيث قدم ـ بعد 21 سنة ـ فيلمه الروائي الثاني "صلاة الغائب" عام 1991 عن قصة للطاهر بن جلون.

وهناك فيلم روائي مدهش آخر في أوائل التسعينات ,كان العمل الأول لعدد من المخرجين الأعضاء في المجموعة التي قدمت "رماد الزريبة" عام 1979، حيث قدم سعد الشرايبي أول أفلامه الطويلة "يوميات حياة عادية" عام 1991 وبعد عدة تجارب في كتابة وإخراج الأفلام القصيرة والمتوسطة ،.. وعلى الرغم من المآخذ التي من الممكن أن يأخذها المرء على الفيلم ، إلا أن سعد الشرايبي ، بطموحه إلى تقديم بانوراما عريضة للتاريخ من خلال الحياة الخاصة لأبطاله .. وحماسه لأن يكون متمتعاً بأسلوب خاص ، وشجاعته في اختياره لموضوع شائك ، وحسن استخدامه لبعض عناصر اللغة السينمائية ، أمور تجعله ، بفلمه الأول ، مخرجاً ينبئ بفنان له شأن .. في السينما العربية بالمغرب.

و اخرج نور الدين كونجار فيلمين روائيين 16 مللي هما "الذاكرة الزرقاء" عام 1991، و "قاعة الانتظار" عام 1991. وعبد القادر لقطع ـ الذي درس في لودز ببولونيا ـ لفت الأنظار إليه بفيلمه الروائي الأول "حب في الدار البيضاء" عام 1990، واتبعه بفيلم "الباب المسدود" عام 1994.في "حب في الدار البيضاء" نحن أمام سينما تبحث في القضايا الحارة للشارع , تلتقط نبضها من نبض الحياة اليومية بكل ما تمور به من تناقضات وتقاطعات وارهاصات . تغوص في عمق العلاقات الانسانية بتجلياتها الحياتية والعاطفية والجنسية ..اذ استطاع المخرج أن يقتنص من الحياة ومن الواقع أكثر لحظاتها انسانية ودفئا وخصوصية . لقد حاول "حب في الدار البيضاء" أن يتحدث عن الحب كعلاقة انسانية خاصة ضمن فضاء معقد لمدينة تتسع وتكبر بلا حدمد وضمنها تتناسل علاقات اجتماعية متداخلة ولا محدودة هي أيضا . مدة الفيلم 100 دقيقة ومن تمثيل احمد ناجي ومنى فتو ومحمدج زهير و قام محمد عبدالرحمن النازي بانجاز فيلمه "البحث عن زوج امرأتي" الذي حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً في المغرب في العام 1992, فاتحاً الباب امام علاقة جديدة ومكثفة بين الفيلم المغربي وجمهوره, الذي راح يتزايد عدداً ويتحسن نوعية منذ ذلك الحين. سخرية جريئة تنجح في إمتاع المشاهد وجعله ينتبه دون زعيق لمفارقات الواقع الاجتماعي – التاريخي ، التي يعيشها كل يوم ، مسلماً بها .

الفيلم يثير من جديد مشكلة التعايش بين القديم والجديد عبر ( علاقة ) بين عجوز اشترى الحب بالذهب ، وشابة اشترت الذهب بالحياة . لكن الأحداث تتسارع لتضع الإرث الفكري المهيمن ، موضع شكٍ ، في قدرته على إيجاد حلول اجتماعية ( شرعية ) لمشكلة يعاني منها مجتمعنا العربي قاطبةً . وببساطة ودون صراخ وعبر قصة بدت عادية حتى في أشدّ لحظات الصراع ، لأنها جزء من الحياة ، عبّر الفيلم عن أن القانون المجنون ، لا يقود إلاّ إلى الجنون .

النزوع إلى إبراز التفارق ، بدأ منذ اللحظات الأولى : هشاشة الشموخ المزيف للحاج (( أبو موسى )) وقصره ، والطمأنينة المزيّفة للأسرة التي تتهيأ لاستقبال الزوجة الثالثة ، الجمالُ في وسط الركام . ثم يتصاعد الخط الدرامي ... ليعيد نسج شبكة العنكبوت حين يطلق الحاجُّ زوجته الشابةُ ، ثلاثاً . هنا وإلى الآخر ، كل الأشياء تقود إلى نقطة واحدة : بحث الحاج عن زوج ، لزوجته المطلّقة – هدى – التي ما عاد يستطيع فراقها ، ليتزوجها مرة أخرى ثم لكي يطلقها الزوج الجديد كي يحق للحاج شرعاً ، الاقتران بها من جديد وامتلاكها .

وعبر مسار الأحداث يظهر الفيلم ضحالة العالم القديم ، وهشاشته أمام الجديد حتى من أبنائه أنفسهم : عدم رضى الحاج وتوتره أثناء تلاوة الفتوى ثم تبرّمه بها بعد خروج المقرئ وعصاه في مواجهة العيون المرتعبة للأطفال الذين بدلاً من أن يتعلموا يزجّ بهم آباؤهم خلف قضبان الغيبية ، الموقف الاجتماعي السَّاخر من الحاج لأناسٍ إنْ اعترضهم مشكلة مشابهة فإنهم سيسلكون نفس السبيل . ثم العجز عن مقاومة القانون الشرعي ... وصولاً إلى الجنون .

فيلم " الطفولة المغتصبة "للمخرج حكيم نوري المنتج عام 1994 ، ينظر بشجاعة في عين الواقع ، وتمتد رؤيته لترصد الكثير من عوامل السلب في المجتمع . ويقدم ، بأسلوب يجمع بين الصدق والحرارة ، احتجاجاً ضد " الاغتصاب " بشتى صوره ، المعنوية والمادية ، لذلك فإنه حقق نجاحاً يليق به ، سواء على مستوى المشاهدين أو النقاد .

(وقائع مغربية) للمخرج مؤمن سيمحي 1999 يدور في مدينة فاس وحياة ولد عمره 8 سنوات جرى ختانه مع والدته وحدهما حيث والده في أوروبا يبحث عن عمل وتحاول و الدته تخفيف آلام عملية ختانه والترفيه عنه برواية ثلاثة قصص مسلية تدور في مراكش والرباط وطنجة. والفيلم معاصر إلى أبعد الحدود في قصصه ومواضيعه وأجوائه. ولكن الفيلم ينتمي إلى، أو يستفيد من، بنية "ألف ليلة وليلة" السردية ولو جزئياً، وتجير هذه البنية لصالح عمل فني يعتمد على وسيلة تعبير معاصرة هي السينما بخصوصيتها وجوهرها المرتبط إلى حد كبير بالحاضر وبعكس صور الواقع وذلك على العكس من الأفلام العربية الأخرى التي أغواها التراث فرهنت نفسها له شكلاً وموضوعاً.

فيلم "كيد النساء" (إنتاج عام 1999) للمخرجة فريدة بليزيد. والفيلم يكتفي بأن يستعير من حكايات "ألف ليلة وليلة" حكاية واحدة عن أمير شاب مدلل ومتعجرف يقع في حب جارته الجميلة ابنة أحد التجار الأثرياء فيسعى لإغوائها ولكن دون أن يتنازل عن كبريائه. لكن الحسناء الجميلة تقرر بدورها أن تخدع الأمير فتلجأ إلى الحيلة من أجل التمتع بعشرته. هذه الحكاية البسيطة الساخرة يتم تقديمها في الفيلم من خلال تصوير أحداثها في البيوت المغربية ذات الطابع التراثي ومن خلال جعل أبطالها يرتدون الزي التراثي، بما يوحي شكلاً بأجواء الماضي المنسوب إلى زمن "ألف ليلة وليلة". ولكن على مستوى البناء فإن الاقتصار على حكاية واحدة يعني عدم الاستفادة بنائياً من طريقة السرد في "ألف ليلة وليلة" التي تعتمد على توليد عشرات الحكايات المتداخلة والمتتالية من أصل حكاية واحدة بطلتها شهرزاد.

وهكذا نحصل في النهاية على فيلم طريف مسل يلجأ بشكل سطحي للتراث فلا يسبر غوره ولا يوفيه حقه ولا يستخدم التراث من أجل قراءة الحاضر، كما لا يوفي جوهر فن السينما المرتبط بالواقع وبالقدرة على الإيهام بالواقع حقه.

ومن الأعمال الأولى التي قدمها مخرجون جدد في التسعينات فيلم "عرس الآخرين" عام 1990 أخرجه حسن بن جلون الذي درس في باريس.
وفيلم "إيمر أو الأشواك المزهرة"، عام 1991 أخرجه تيجاني شريكَي وهو رسام سبق و أن اشترك في سيناريو فيلم "حادة" لـ أبو الوقار عام 1984.

وفيلم " ياسلطان المدينة " للمخرج المنصف الذويب 1993 . الذي يدخلنا رؤية نقدية لاتخلو من حب الى منزل أثري قديم , حيث تقيم مجموعة من البشر . يمارسون طقوسا أقرب للشعوذة ويستغلون الناس البسطاء بواسطة شاب اسمه مبروك يشفي من الامراض كما يدعون , لكن سرعان ما يقع في حب فتاة تشجعه على الهرب معها من هذا المكان الضيق .. ومن هذا العالم المتناقض الآسر والغريب الذي يخاف منه كي لا يضيع .. فثمة قلب لمفاهيم الخارج والداخل هنا .. لأن الخارج يعني دمارا لمفاهيم هذه المجموعة ونمط تفكيرها وحياتها . و فيلم "من الجنة إلى النار" 1997، إخراج سعيد سودة أما في السنوات الأولى من الألفية الثانية، فقد ظهرت أفلام أيضا لمخرجين جدد مثل:

"قصة وردة" سنة 2000، إخراج عبد المجيد الرشيش و"الرجل الذي يطرز الأسرار"، 2000، إخراج عمر الشرايبي والذي يتناول حكاية الاستاذ ناجي المهووس بالشعر، ويعثر على مخطوط لشاعر مات مجهولاً فيقرر ان يرد له الاعتبار وجعل موضوع شعره مادة للبحث الجامعي حيث يكلف احدى الطالبات بالتوثيق والدراسة لحياة وابداع الشاعر، ويعمل هو الاستاذ الجامعي على ترميم بيت الشاعر الذي عثر عليه بعد رحلة شاقة وصار بمثابة متحف للباحثين والدارسين ولكنه لاحقاً يجد نفسه وقد سرق منه حلمه وجهده. الفيلم تمثيل سامية اقريو والطيب الصديقي ومحمد الزهير.

وينهل المخرج المغربي أحمد بولان في فيلمه الأول "علي، ربيعة والاخرون " 2000 من احلام جيل السبعينيات المجهضة ممثلا بحركات اليسار الطلابي التي سعت وراء آمالها فأجهضها القمع الذي فرق مصائرها. تدور احداث الفيلم الذي عرض مساء امس الاول في القاهرة في اطار ايام الفيلم المغربي على خلفية سياسية لا تبوح بوجودها مباشرة لكنها تحكم مسار الفيلم منذ مشهده الاول الذي يعرض شخصياته الاساسية وهي تتحاور حول المنشورات التي سيتم توزيعها.

يقود ادريس، ابن الطبقة الغنية والطالب في الجامعة، هذه الحلقة مكوّنة من علي والفتاة الجميلة ربيعة، بطلي الفيلم الذي حمل اسميهما، وصديقين أحدهما يتاجر بالمخدرات ويحاول ان يستل رزقه بأي طريقة، والآخر موسيقي. وهناك أيضا اثنان من الهيبيين الأجانب يذكران بانتشار هذه الظاهرة في اوساط اليسار بعد الثورة الطلابية في 1968، ويؤكدان البعد الانساني العالمي للتيار التحرري الناشئ في تلك الفترة. يمتلئ بطل الفيلم بالرغبات المتعطشة الى الحرية التي يبحث عنها يائسا فيحلم بالهجرة ليجد عملا ويعيش حريته. اما ربيعة فتحب عليا وتحلم بأن يكون معها دائما.


ويحاول ادريس ادخالهما في سياق اهتمامه السياسي ولكنه يُعتقل فيعترف خلال التحقيق ويتهم علياً بقيادة المجموعة هاربا من تحمل المسؤولية. يقدم مشهد اعتقال علي الذي يهرب عبر السطوح المحيطة بغرفته واحدا من اجمل مشاهد المطاردة في السينما العربية، ولكن الحلقة تنغلق عليه اكثر فيتم اعتقاله. يخرج علي من السجن بعد اكثر من عشرين عاما. ويبدأ استعادة مشاهد حياته السابقة وهو يتنقل في الاماكن التي عاش فيها ليستكمل هذا الاسترجاع بالعيش عند صديقة شبابه ربيعة التي اصبحت أما لفتاة جامعية.

ومن خلال حديثهما عن افراد المجموعة الاخرين، يكتشف ان عبد الله اصبح مدمنا على الكحول وتائها لا يلبث ان يموت بين ذراعيه، في حين يتحول صديقه الموسيقي الى إمام مسجد لا يمانع في الاحتفاظ بقيثارته ولا ان يعزف له عليه اغانيهما القديمة في استرجاعية جميلة ورؤية منفتحة لرجل الدين بعيدا عن التزمت. ويأتي وجود جميلة ابنة ربيعة ليدخل الفيلم في درامية لها مدلول مستقبلي، حيث يشكل شبابها وعلمها هذا المستقبل. اما ابوها ومصدر وجودها في هذه الحياة فسؤال يلاحق المتلقي حتى نهاية الفيلم. وقبيل انتهاء الفيلم يعثر علي على ادريس الذي وشى به وقد اكمل دراسته وعاد الى البلد من اوروبا وقد اصبح من اغنياء البلد.

يحاول ادريس ان يرشوه بالمال في محاولة لتعويضه عن سنوات العمر التي ضاعت في السجن بعد ان تجرعا معاً كمية هائلة من الكحول. يتركه علي ويعود باتجاه منزل ربيعة ويقف متأملاً النهر تحت الجسر الذي يقف عليه. يفرغ أمعاءه من الكحول ويقفز الى النهر في اللحظة التي تقترب فيها ربيعة التي اعترفت لابنتها بأبوة علي لها.

مشهد محاولة الانتحار الليلي هذا يبدو كعملية تطهير من خلال التعميد بالماء، خصوصا عندما تتناثر الاوراق النقدية التي حاول ادريس رشوته بها فوق سطح الماء في المكان الذي ابتلع علي. لكنه يعود بعد لحظات ليطفو سابحاً باتجاه الشاطئ. لقد صار لعلي ابنة عمرها من عمر حياته الجديدة التي بدأت لحظة دخوله السجن. أدى البحر دور البطولة الى جانب أبطال الفيلم. فهو حاضر في كثير من الاسترجاعات وفي احاديث علي مع جميلة التي تتعرف الى ماضيها، في ظل حركة كاميرا وموسيقى مصاحبة نقلت لغة سينمائية رائعة تتجاوز الكثير من الافلام العربية.

ويتناول فيلم "علي زاوا " المنتج سنة 2000 ظاهرة تشرد الأطفال في مدينة اقتصادية كبيرة هي الدار البيضاء. وذلك من خلال قصة ثلاثة اطفال يجدّون بوسائلهم الخاصة في دفن صديق لهم، هو علي زاوا، توفي في احدى المعارك الشارعية. لكن لهذا الدفن طابعاً فريداً إذ سيحاولون دفنه على طريقة البحارة بكل ما يستوجب هذا من احتفال جنائزي وإلقاء في البحر من على مركب عليهم إيجاده. فقد كان حلم صديقهم هو ان يكون بحاراً كبيراً يجوب العالم على متن باخرة. وبالتالي فقط اضطروا الى أخفائه عن العين حتى يتمكنوا من ذلك. وتبعوا سبلاً مختلفة وقاوموا الكثير من المثبطات منها تحرش عصابة اطفال من الشاكلة نفسها. الحكاية حزينة ومحبوكة وفي شكل قوي وتثير العاطفة والإحساس القوي بالتعاطف والرأفة، كما تتضمن الكثير من المواقف الجذابة في مزيج من الكوميدي والتراجيدي المحكم البناء. ولقد نال الفيلم الجوائز الأولى في عدد من المهرجانات المعروفة.

يأخذ الشريط شكل حكاية للأطفال عوض ان يكون في الأساس «معالجة اجتماعية» لمشكلات اطفال الشوارع. إنه قطعة فنية متماسكة ومنظومة جعلت صاحبها ينال الكثير من التقدير قبل كل شيء، إذ ان الفيلم يجذب بما يتميز به سينمائياً وليس بموضوعه.

لكن الفيلم وبعد نجاحه الكبير اثار سؤالاً كبيراً يتعلق بمآل الأطفال الهواة المستقدمين والذين أدوا الأدوار، وذلك بعد ان مثلوا وعرفوا واشتهروا. فهم في الأصل اطفال الشوارع تعرف إليهم المخرج من طريق جمعية تهتم بالظاهرة وخضعوا للكاستينغ ووظفوا. فهل من المعقول ان يعودوا الى الشارع؟ اثارت الصحف وبعض النقاد المغاربة الأمر ما خلق ارتباكاً ونحا بالشريط منحى لم يكن منتظراً في البداية. فالمخرج قام بعمل فني سينمائي، وقام بإبرام العقد المخول لتوظيف الأطفال طوال مدة التصوير، فهل سيلعب دور المصلح الاجتماعي؟ في المقابل هناك الموقف الأخلاقي الذي يجب ان يلعبه كل مبدع، فالفيلم ليس مجرد بضاعة للتسلية وتزجية الوقت على حساب الفن والأخلاق، بخاصة اذا كان المقصود ظاهرة اجتماعية خطيرة كتشرد الأطفال.

هذه الأسئلة ظلت معلقة لكنها جعلت المجتمع المدني ينظر الى الأمر من زاوية اخرى. وهكذا قامت جمعيات خاصة بمحاولة إدماج هؤلاء الأطفال وحتى تشجيع الموهبة الخلاقة التي ابانوا عنها من التشخيص الذي قدموه في الفيلم. لكن ممثلاً وحيداً هو الذي استطاع الاستمرار والاشتعال بالتمثيل وهو... الذي ادى دور عوينة الرائع حتى ان اللقب اصبح اسمه الفني حالياً. وشارك في الكثير من المسلسلات الفكاهية التلفزيونية. في النهاية ظل الأمر معلقاً في مجمله ولم يستتبع شيئاً يذكر غير هذا. اما المخرج فقد مكنه الفيلم من تحقيق الشهرة العالمية المرجوة وجعله يحظى بمكانة كبيرة حتى انه صار رئيساً لرابطة المخرجين المؤلفين السينمائيين المغاربة

السينما في المغرب -6

على الرغم من هذا التقدم فقد تعرض العديد من صناع السينما لأزمات مالية حادة، أبرزهم محمد الركَاب الذي سُجن بسبب ديون نتجت عن فيلم "حلاق درب الفقراء" على الرغم من الترحيب النقدي الذي قوبل به الفيلم والجوائز التي حصل عليها في مهرجانات خارجية. وقد اضطر الكثير من مخرجي السينما المغاربة ـ ومن بينهم رموز راسخة مثل بن بركة، والسميحي، ومحمد عبد الرحمن التازي، ومنهم الجدد مثل الطيب الصديقي، وفريدة بليزيد - اضطروا إلى اللجوء للتمويل الأجنبي بصورة متزايدة. و على رغم انها لم تحقق طوال مسارها السينمائي حتى الآن سوى ثلاثة افلام روائية طويلة, من اللافت ان ردحاً طويلاً من الزمن يمر بين واحدها والآخر, اذ ان اول هذه الافلام "باب السما مفتوح" حقق في العام 1988, فيما حقق الاخير "كازابلانكا... كازابلانكا" في العام 2002, وكان "كيد النساء" بينهما في العام 1999, فإن فريدة بليزيد تعتبر واحدة من رائدات السينما العربية الجديدة, بهذه الافلام الثلاثة, طبعاً, ولكن كذلك بالكثير من مساهماتها السينمائية الاخرى, ككاتبة سيناريو, ومخرجة لأفلام قصيرة, ومشاركة في السجالات الكثيرة التي تتمحور من حول قضايا السينما والمرأة في المغرب وفي الوطن العربي عموماً..

وفيلم فريدة بليزيد "باب السما مفتوح" اعتبر في حينه علامة في تاريخ السينما النسائية العربية... وظلت له مكانته التي طغت حتى على فيلمها الثاني "كيد النساء" الذي اتى اشبه بأمثولة تنتمي الى ألف ليلة وليلة, عابقة بالجمال الشكلي, مضمنة خلف ذلك الجمال دفاعاً حاراً وحاداً عن قضية المرأة... وهو ما يمكن تلمسه نفسه في خلفية "كازابلانكا... كازابلانكا" المرسوم من حول حبكة بوليسية. و عما قريب ستقف فريدة خلف الكاميرا لتحقيق فيلمها الرابع الطويل بعنوان "حياة خوانيتا ناريوتي الصعبة" في انتاج اسباني - مغربي مشترك و انتجت افلاما مغربية جديدة في موسم 2001 وهي على التوالي: "محاكمة امرأة" و"شفاه الصمت" لحسن بن جلون، و"بعد" لمحمد اسماعيل، و"جنة الفقراء" لإيمان مصباحي، و"عشاق موغادور" لسهيل بن بركة، و"منى صابر" لعبد الحي العراقي و"قصة حب" لحكيم نوري، و"طيف نزار" لكمال كمال، ثم "ولد الدرب" لحسن بن جلون.

ولعلّ فيلم نبيل عيّوش الثالث "لحظة ظلام" 2003، بمشاهده الجنسية الثلاثة أو من دونها، يبقى بعيداً من المستوى الرفيع الذي ظهر عليه السينمائي المغربي الشاب في فيلميه السابقين "مكتوب" الذي فاز مُناصفةً بجائزة أحسن فيلم عربي في مهرجان القاهرة، و"علي زاوا" الذي حصد الكثير من الجوائز العربية والعالمية، قبل أن يُرشّح لأوسكار أحسن فيلم أجنبي. "لحظة ظلام" يحكي قصة مفتـش شرطــة يتحرّى عن عائلة عريقة متورطة في تهريب المخدرات، وهو سيخذل جمهور عيوش إذ جاء أقرب إلى أفلام المخدرات التي هيمنت علــى السينما المصرية في الثمانينات. وهو ما أفرغ الفيلم من عمقه البوليسي! لهذا ربما حاول عيوش إنقاذ الفيلم بالاعتماد على كل من ثريا الفتاة التي يستضيفها المفتش وتدور حولها المشاهد المثيرة، و"نور" الراقص المغربي المعروف الذي يمارس الرقص الشرقي وسيؤدي دور مخنث تربطه هو الآخرعلاقة مشبوهة ببطل الشريط.

يحكي قصة مفتـش شرطــة يتحرّى عن عائلة عريقة متورطة في تهريب المخدرات، وهو سيخذل جمهور عيوش إذ جاء أقرب إلى أفلام المخدرات التي هيمنت علــى السينما المصرية في الثمانينات. وهو ما أفرغ الفيلم من عمقه البوليسي! لهذا ربما حاول عيوش إنقاذ الفيلم بالاعتماد على كل من ثريا الفتاة التي يستضيفها المفتش وتدور حولها المشاهد المثيرة، و"نور" الراقص المغربي المعروف الذي يمارس الرقص الشرقي وسيؤدي دور مخنث تربطه هو الآخرعلاقة مشبوهة ببطل الشريط.

شهد مطلع عام 2003 انزال لـ«عدد غير مسبوق» من الافلام المغربية الى صالات العرض السينمائي، شكلت عند البعض مؤشرا على انتعاش السينما المغربية، بينما في نظر البعض لا تقدم هذه الافلام، على تنوعها، اضافة نوعية للسينما المغربية، إذ تأرجحت هذه الأفلام بين النوع الكوميدي والجاد; فالنوع الاول ينجح كثيرا في استقطاب الجمهور ويحقق مداخيل عالية مثل ما حصل مع فيلم «الباندية» الذي اخرجه ولعب دور البطولة فيه الممثل الكوميدي سعيد الناصري، اما الافلام الجادة التي آثر مخرجوها ركوب الموجة السياسية هذه المرة، بعد انتهاء موضة افلام المرأة مثل فيلم «وجها لوجه» لعبد القادر لقطع و«سنوات المنفى» للمخرج نبيل لحلو و فيلم «جوهرة» للمخرج سعد الشرايبي الذي يتحدث عن موضوع الاعتقال السياسي من خلال قصة احدى المناضلات التي تعرضت للتعذيب في السجون. واذا كانت الافلام الكوميدية تتهم من طرف النقاد بالتسطيح والاستسهال، فالافلام الجادة لا يتواصل معها الجمهور بسبب افتقادها للعمق الكافي لتبليغ خطابها.

حيث اشار الناقد خليل الدامون الى ان " ارتفاع وتيرة الانتاج السينمائي مهم جدا، وهو مؤشر على الحيوية، لكن اذا اردنا تقييم هذا الافلام من وجهة نظر نقدية فنجدها تنقسم الى صنفين: افلام تنتج ولا تجد طريقها الى العرض، وتبقى حبيسة الملتقيات والمهرجانات السينمائية، لان الموزع لا يقبلها بحجة ان الجمهور لا يتجاوب معها لانه يريد الصنف الثاني من الافلام، اي افلام بمواصفات السينما الأميركية او المصرية او الهندية، وبعض المخرجين المغاربة يجتهدون في هذا الاطار ويقدمون افلاما من هذا النوع ارضاء لهذه الفئة من الجمهور، وتحقق هذه الافلام مداخيل عالية اثناء العرض، اي انها ناجحة تجاريا، لكن من الناحية الفنية والقضايا التي تطرحها فهي ضعيفة جدا، ولا يمكن ان تعكس طموح السينما المغربية، وهذا لا يعني اننا ضد هذه الافلام كما قال، فمن حق اصحاب هذا الاتجاه ان يعرضوا افلامهم، لكن ما نود التأكيد عليه هو ان لا يتم الاقتصار على هذه النوعية من الافلام فقط، لان صندوق الدعم بدوره اصبح ينحاز لها، لانها تدر عليه مداخيل كثيرة، بينما نريد في المقابل افلاما اخرى تعبر عن الكتابة السينمائية الحقيقة، وتعالج قضايا جوهرية، اجتماعية او سياسية، وهذه القضايا نجدها عند مجموعة من المخرجين مثل سعد الشرايبي وعبد القادر لقطع، والجيلالي فرحاتي، وغيرهم ".

وقدم فوزي بن سعيدي عام 2003فيلمه الروائي الطويل الأول " الف شهر "، لا يغيب الشأن السياسي عن فيلم "ألف شهر" لفوزي بن سعيدي الذي أنجزه بعد ثلاثة أفلام قصيرة حظيت بإعجاب الجمهور والنقاد على السواء.

ولد فوزي بن سعيدي بمكناس بالمغرب. وتخرج من معهد الرباط للفنون المسرحية. وبعد أن أخرج عدة مسرحيات تمكن من التدرب عام 1995 كممثل في الأكاديمية الوطنية العليا للفنون المسرحية في باريس ثم أخرج في عام 1997 أول أفلامه القصيرة "الجرف" 18 دقيقة الذي حصل على جوائز بمهرجانات عدة داخل وخارج فرنسا، كما حصل فيلمه القصير الثاني "الحائط" 10 دقائق عام 2000 على جائزة في مهرجان كان. وحصل فيلمه القصير الثالث "خطر المطر" 25 دقيقة على جائزة في مهرجان فينيسيا 2000، إلى جانب إسهاماته كممثل في الأفلام المغربية مع المخرجين داود أولاد سيد وجيلالي فرحاتي ونبيل عيوش. وأيضاً مع المخرج الفرنسي أندريه تيشينيه بعنوان "بعيداً".

تدور أحداث "ألف شهر" في بداية الثمانينات، حيث تضطر أم شابة وابنها البالغ من العمر سبع سنوات لترك المدينة والالتجاء إلى الجد بعد سجن الزوج نتيجة لنشاطه السياسي، موهمين الابن أن أباه سافر إلى فرنسا للعمل. من خلال قصة هذه العائلة الصغيرة ومن خلال القرية التي تلجأ إليها في جبال الأطلس يصور المخرج واقع المغرب وخاصة الريف المغربي في حقبة حاسمة من تاريخ المغرب الحديث.

وعبر الحياة اليومية ومجرياتها في ذلك الريف يفضح الفيلم ليس فقط الواقع السياسي المغربي، وإنما أيضاً وطأة الواقع الاقتصادي فيستعرض مشكلات البطالة والفقر المدقع والجفاف وكل ما يؤدي إليه ذلك من عنف ومعاناة على الصعيد الإنساني. يبدأ الفيلم على مشهد أهل القرية أطفالاً وكباراً وهم يستطلعون من فوق إحدى التلال القمر في أول يوم من أيام رمضان عام 1981 لتتعاقب أحداث الفيلم طيلة الشهر على إيقاع رمضاني.

يحاول الفيلم أن يرصد واقع تلك القرية تعبيراً عن واقع أكبر وأوسع، وأعم وأشمل من خلال تأثير الظروف السياسية – اعتقال الأب بسبب اشتراكه في أحد الإضرابات – والاجتماعية والاقتصادية، حيث يعاني معظم أفرادها من الفقر والعوز وكثرة العيال. وذلك من خلال متابعة تفاصيل الحياة اليومية البائسة لأهل القرية وانغماسهم في معاركهم الصغيرة داخل المقهى حول المسلسلات المصرية أو قصص الحب السرية التي تتم بين شباب وفتيات القرية التي ينتهي معظمها بالفشل بسبب الفقر والرغبة في الخلاص من الظروف الضاغطة والتطلع إلى واقع يبدو براقاً ومختلفاً كما في حكاية المسؤول عن القرية من قبل وزارة الداخلية مع الفتاة التي استملحها حين رفضت إغراءاته. وهنا يوجه الفيلم انتقاداً لبعض مسؤولي الحكومة وممثليها ومدى بلاهتهم بعد أن روى صلفهم وقسوتهم في السلوك الفظ لأحد مسؤولي السجن مع الزوجة أمينة، حين اعترضت على منعها من زيارة زوجها المعتقل وإهانتها. ويبتعد الفيلم عن المباشرة في تطرفه السياسي.. بما أن الأم أمينة (نزهه راحيل) والابن مهدي (فؤاد المبيض) قادمان من المدينة فإن وضعهما في القرية يبدو أقل تكيفاً ويتحولان بالتالي إلى شخصين أقدر على الكشف والاختيار.

ويعالج الفيلم الواقع الاجتماعي والسياسي وبؤس الحياة الإنسانية في المغرب إبان هذه الحقبة من خلال حياة أمينة وأسرتها، ويرسم الفلم الملامح الإنسانية لها كامرأة وأم بكل ضعفها الإنساني وثقل المسؤولية التي تتحملها إلى جانب طفلها.. وهي لا تتمكن دوماً من مواربة حرمانها العاطفي والجسدي ويتكشف قلقها أمام صديق زوجها الذي يأتيهم للزيارة بين حين وآخر.

ويمثل الطفل مهدي محور الحركة في الفيلم، فهو دائم التنقل ومسؤول عن كرسي التعليم ينقله معه كل صباح إلى المدرسة. ويظل يحمله معه طوال الفيلم في مسؤولية أكبر منه حولت الكرسي إلى بطل مواز له، فهو رمز للسلطة والنفوذ، والتعليم المنسي في بعض الأرياف المغربية، فإذا قطعت الكهرباء أحضر التلاميذ شموعاً أو غادروا الفصل قبل حلول الظلام، وإذا توقفت أو تأخرت أجرة المعلم تغذى من إكراميات آباء وأولياء التلاميذ من جبنة وبيض وفطائر، أما إذا انكسر الكرسي أو سرق فلن تجود الوزارة ببديل عنه، وما على أولياء التلاميذ، إلا أن يشتركوا في جمع ثمن كرسي جديد.. وتحتسب للمخرج تلك اللحظة الإنسانية المفعمة بالأسى والحزن والمرارة والانكسار التي أداها الممثل المخضرم محمد ماجد الذي لعب دور الجد أحمد، حين اكتشف أهالي القرية الكرسي الضائع وسط الكراسي في حفل زفاف "القائد" واتهموا المتعهد صاحب الكراسي بالسرقة، وراح الرجل يبحث عن الجد ليظهر براءته، ويعلن للجميع أنه قد باعه الكرسي، لكن العجوز البائس يترك الحفل مطأطأ الرأس مهزوماً، خاصة حين رمته أمينة بنظرة قاسية تحمل قدراً من العتاب، والامتنان لحظة أدركت أنه الفاعل، وتربط الطفل مهدي بأمه علاقة قوية لكنها لا تخلو من المشكلات ويعايش في بداية الفيلم ابنة الجيران المراهقة، التي تذهب متمردة إلى المدينة لتعود في تابوت.

الفيلم جريء في لغته السينمائية وخطابه السياسي والاجتماعي ورصده للواقع المغربي، ويعايش المخرج شخصيات فيلمه بحب ويمنح لكل منها دوراً مهماً حتى ولو كان صغيراً ويبدو مهتماً بكل ما قد يبدو هامشياً في حياة القرية عبر جمالية أخّاذة وظّف فيها بشكل متقن المتناقضات في حكاية تم حبكها بدقة. تدور أحداث الفيلم في بداية الثمانينيات حيث تضطر أم شابة وابنها البالغ من العمر سبع سنوات لترك المدينة والالتجاء الى الجد بعد سجن الزوج، نتيجة نشاطه السياسي، موهمين الابن أن أباه سافر الى فرنسا للعمل.‏

من خلال قصة هذه العائلة الصغيرة ومن خلال القرية التي تلجأ إليها في جبال الأطلس، يصور المخرج واقع المغرب وخاصة الريف المغربي في حقبة حاسمة من تاريخ المغرب الحديث.‏ وعبر الحياة اليومية ومجرياتها في ذلك الريف، يفضح الفيلم ليس فقط الواقع السياسي المغربي، وإنما أيضاً وطأة الواقع الاقتصادي فيستعرض مشكلات البطالة والفقر المدقع والجفاف وكل ما يؤدي إليه ذلك من عنف ومعاناة على الصعيد الانساني.‏

يبدأ الفيلم على مشهد أهل القرية، أطفالاً وكباراً، وهم يستطلعون من فوق احدى التلال القمر في أول يوم من أيام رمضان عام 1981 لتتعاقب أحداث الفيلم طيلة الشهر على ايقاع رمضاني.‏ يحاول الفيلم أن يرصد واقع تلك القرية تعبيراً عن واقع أكبر وأوسع، وأعم وأشمل من خلال تأثير الظروف السياسية¬ اعتقال الأب بسبب اشتراكه في أحد الاضرابات¬والاجتماعية والاقتصادية، حيث يعاني معظم أفرادها من الفقر والعوز وكثرة العيال. وذلك من خلال متابعة تفاصيل الحياة اليومية البائسة لأهل القرية وانغماسهم في معاركهم الصغيرة داخل المقهى حول المسلسلات المصرية أو قصص الحب السرية التي تتم بين شباب وفتيات القرية التي ينتهي معظمها بالفشل، بسبب الفقر والرغبة في الخلاص من الظروف الضاغطة والتطلع إلى واقع يبدو براقاً ومختلفاً.‏

بما أن الأم أمينة (نزهة راحيل) والابن مهدي (فؤاد المبيض) قادمان من المدينة، فإن وضعهما في القرية يبدو أقل تكيفاً، ويتحولان بالتالي إلى شخصين أقدر على الكشف والاختيار.‏ ويرسم الفيلم الملامح الانسانية لأمينة كامرأة وأم بكل ضعفها الانساني وثقل المسؤولية التي تتحملها إلى جانب طفلها..‏

ويمثل الطفل مهدي محور الحركة في الفيلم، فهو دائم التنقل ومسؤول عن كرسي التعليم ينقله معه كل صباح الى المدرسة. ويظل يحمله معه طوال الفيلم في مسؤولية اكبر منه حولت الكرسي الى بطل مواز له فهو رمز للسلطة والنفوذ، والتعليم المنسي في بعض الارياف المغربية، وتربط الطفل مهدي بأمه علاقة قوية لكنها لاتخلو من المشكلات، ويعايش في بداية الفيلم ابنة الجيران المراهقة، التي تذهب متمردة الى المدينة لتعود في تابوت.‏


«الف شهر» جريء في لغته السينمائية وخطابه السياسي والاجتماعي ورصده للواقع المغربي وعايش المخرج شخصيات فيلمه بحب ومنح كل منها دوراً مهماً حتى ولو كان صغيراً وبدا مهتماً بكل ما قد يبدو هامشياً في حياة القرية عبر جمالية اخاذة وظف فيها بشكل متقن المتناقضات في حكاية تم حبكها بدقة.

السينما في المغرب -7

يمكن اختزال موضوع فيلم" الدار البيضاء" المنتج عام 2003 للمخرج المغربي مصطفى الدرقاوي، في جملة واحدة هي : فتاة صغيرة تندفع إلى الشارع تعرض جسدها بهدف توفير مبلغ لإجراء عملية جراحية لأخيها : موضوع استهلكته السينما العربية وطرحته من زوايا تكاد تكون متطابقة في الرؤية بهدف (( انتزاع )) تعاطف المشاهد مع المرأة ضحية الظروف الإجتماعية القاهرة . إلا أن النسخة (( الدرقاوية )) عن هذا الموضوع في فيلم (( الدار البيضاء باي نايت )) لا ينقصها (( التميز )) لأن المخرج استطاع ببراعة تسطيح الواقع وتسخيف الشخصيات لدرجة غير معقولة تصيبك بالذهول وأنت تشاهد الفيلم .

بطلة الفيلم طفلة اسمها (( كلثوم عياش )) عمرها 14 عاماً تؤدي دورها الممثلة سعيدة نور ، تعيش برفقة أسرتها المكونة من أب غائب وأم تمارس الدعارة وأخ صغير مريض . وفي نفس المنزل الكائن بأحد الأحياء الفقيرة بالمدينة القديمة بالدار البيضاء ، تقطن خالة الفتاة التي تعمل راقصة في ملهى ليلي ومتزوجة من سائق تاكسي لا هم له سوى مطاردة النساء لإشباع رغباته الجنسية .

من دون مقدمات أو تصاعد درامي قوي ومقنع للأحداث ، تندفع كلثوم إلى الشارع تلتحق بخالتها لتساعدها على احتراف الرقص في الملاهي الليلية ، ومن هنا تبدأ خطواتها نحو الضياع والشارع لتحصل على المال ، حيث تتعرض للاغتصاب ولكنها لا تبدي تأثراً كبيراً لما تعرضت له طالما أنها حصلت على المال الذي لن يكون له أي جدوى فقد أجريت العملية الجراحية لقلب أخيها على نفقة المستشفى .

الصورة التي يقدمها الفيلم عن أبطاله صورة مرتبكة لشخصيات بدون ملامح فارغة من أي عمق إنساني ، بل مجرد كائنات عدمية استغلها المخرج لخدمة مشاهد الإثارة المجانية والرخيصة ، فأغلب مشاهد الفيلم عبارة عن لقطات متواصلة من الرقص داخل الملهى وفي الشارع والمنزل وحتى داخل مركز الشرطة ! وبلغ هذا الاستغلال أوجه مع بطلة الفيلم ، فقد استغل جسدها الطفولي أبشع استغلال ، فسعيدة نور تلميذة في الإعدادي عمرها الحقيقي 14 عاماً ، تمثل للمرة الأولى ، فعلى امتداد المدة الزمنية للفيلم لم تظهر إلا ببدلة رقص تكشف عن جسد طري يجوب شوارع (( الدار البيضاء ليلاً )) ، (( ترتعش أمامها الكاميرا )) كما صرح بذلك المخرج منتشياً باكتشافه . مضيفاً : (( أنها مدهشة واكتشاف جميل ، صحيح أننا اشتغلنا كثيراً أياماً وأسابيع طيلة ثلاثة أشهر ، وأقمنا في نفس البيت حتى اكتشفت هذا الكنز )) !

وفي سياق الأحداث ، قدم الفيلم أيضاً صورة كاريكاتيرية ساخرة لشيخ عربي بلباس خليجي يلقى عليه القبض بعد حصول اشتباك بين رواد أحد الملاهي الليلية . كما قدم عام 2003 فيلم " العيون الجافة " للمخرجة نرجس النجار .. عنوان الفيلم يسوقنا الى لقطاته الاولى , حيث المكان المغلق المليءبالأحزان واللانكسارات , قرية بربرية تحيط بها الجبال , وتقطنها نساء يتاجرن بأجسادهن , لايدخل هذه القرية الا الرجال الذين يؤدون ثمن ذلك , هناك شاب رومانسي يلتقي امرأة صدفة امرأة بالطريق يذهب برفقتها الى القرية , تركت ابنتها الرضيعة وعمرها شهورا , لتعود بعد عشرين عاما بحثا عنها . يعشق الشاب احدى الفتيات ويجسد تفاصيل وجهها في " بوريتريهات " على اوراق دفتره, حالة الوجد العالية لديه تجعل بداخله حاجزا بالتصال الجسدي معها , وتنكسر روحه ضمن واقع البغاء الموجود في القرية الغريبة عن الواقع ... المبنية على اساس أدبي متخيل أوجدته المخرجة .. لإنجاز شريطها «العيون الجافة» اضطرت المخرجة نرجس نجار للرحيل الى احدى المناطق الجبلية البعيدة في الأطلس. وهناك صورت فيلمها. ويحكي موضوعه قصة علاقة مومس برجل يحبها في صمت لكنها تتمنع في الاستجابة الى حبه ومشاركته فيه.


والسبب في عدم التواصل ذاك يرجع الى المحيط العام الذي تعيش فيه، وهو عـبـارة عن قرية من النساء فقط. نساء يحترفن البغاء، من كل الأعمار يعشن في شبه «غيتو» جبلي منعزل عن القبيلة، يظللن هنا في انتظار قدوم الرجال لقضاء حاجاتهم الجنسية. النساء الشابات يرهنّ الجسد، والعجائز ينسحبن الى الأعلى بعد ان تجف فيهن الرغبة، والصبايا ينتظرن مرحلة البلوغ للعب الدور نفسه.

وفي الحقيقة الشريط يلح اكثر على المناخ العام ويوظف الجمال والنور الطبيعيين لمنح العين مشاهد خلابة تتحد والتشخيص المتأني للممثلين المحترفين والعفوية المؤثرة للممثلين الهواة. الأمر الذي يعطي فيلماً ذا فنية عالية وجاذبية ممتعة. لكن الفيلم من جانب قصته لا يلح في المقام الأول على قصة الحب الأصلية كما انه لا يهتم بظاهرة البغاء في العمق لأنه لا يبين ولا يعالج ولا يندد «فنياً» طبعاً، بقدر ما يهمه الجبل ومظهر النساء الجبليات اللواتي يخلقن في المناخ العام للشريط سفراً غرائبياً للمشاهد. وهذا الجانب الفني الرفيع جعل الفيلم ينال التنويه والكثير من الجوائز محلياً ودولياً. فالمدقق يرى ان السينما هنا هي مطية لتصوير الرؤية الخاصة للمخرجة نحو المرأة فقط، كما مكنها ذلك من تجريب الفن كما تعلمته.

وظفت المخرجة مجموعة من النساء تنتمي الى المنطقة التي صور فيها الفيلم. ولما خرج الفيلم الى القاعات السينمائية المغربية اثار غضب هؤلاء النسوة ومنهن ثلاث متزوجات خلق لهن الفيلم ازمة اخلاقية خطيرة. وتطور الأمر الى ان وكّلن محامياً من المنطقة للدفاع عنهن. وتطور الأمر اكثر لما استنكر بعض النواب المنتمين لحزب ذي توجه امازيغي وطالبوا بسحب الفيلم من القاعات بدعوى تغريره بنساء بريئات وبدعوى انه مسيء ثقافياً للمنطقة.

دافعت المخرجة بادعاء ان التصوير تم بموافقة هؤلاء النساء بواسطة عقود مبرمة معهن، وهي مستعدة لزيادة الراتب التعويضي! لكن الغريب والمثير للاهتمام ان النساء المعنيات اميات ولم يكن يعرفن على ما يبدو عن موضوع الشريط اي شيء، وخلن انه عمل وثائقي.

والحق ان الفيلم عند مشاهدته يعطي الانطباع بأنه مصور في فضاء «غجري» وغرضه الحديث عن المرأة لكن من منظور المخرجة بغض النظر عن الجانب الاجتماعي للظاهرة والذي لا يبدو انه الأساسي في اهتمامها بقدر ما يكون المهم هو الجانب الغرائبي الذي يفضله الغرب في الفليم العربي بعامة (يلاحظ ان الفرقة التقنية التي صورت الفليم وكذا الفيلم السابق غربية في مجملها وجزء مهم من الدعم الذي حصلا عليه جاء من اوروبا).

وقدم المخرج حكيم بلعباس فيلمه "خيط الروح " ويدور حول قصةشابة تجد نفسها مرغمة على مرافقة أبيها – وهو يحتضر – الى مسقط رأسه مدينة أبي الجود في المغرب لتدخل في رحلة استكشافية تتعرف فيها الى اصولها من خلال مجموعة من العلاقات والشخصيات والأحداث ..

"عَوْد الريح" أو "حصان الريح" للمخرج المغربي داوود ولاد السيد الذي انْجزَ بتعاون مغربي فرنسي وسبق أن عُُُرض في ثلاث مهرجانات أوربية وحاز على ثلاث جوائز منها جائزة أحسن ممثل وجائزة الجمهور الشاب في مهرجان نانت
فرنسا.

. لمدة خمسة وثمانين دقيقة سافر الجمهور إلى أراضي المغرب للقاء بطلي الفيلم "الطاهر" الرجل المسن الذي يحلم بزيارة المدينة التي دُفن فيها جثمانُ زوجته قبل سنوات و"إدريس" الشابُّ الضائع الذي لا يعرف حتى عمره، ربما 28 عاما أو30 أو 32.. والذي يبحث عن أمه التي لم يعرفها أبدا. البطلان يلتقيان أولا على متن الحافلة التي ركباها للجري وراء أحلامهما قبل أن يواصلا رحلتهما عبر عدد من مدن المغرب على متن دراجة نارية من نوع « Side-car ».

حوارُ الرجلين يتميز بلحظات من الصمت المُعبر والكلمات الحكيمة التي ينطق بها "الطاهر" للحديث عن الحياة والموت، عن الشيخوخة وما يصحبها من ضعف جسدي وشعور بالعزلة، عن اندثار المبادئ والقيم الإنسانية وانعدام أو قلة التواصل بين الناس. ويتخلل الحوار عبارات شقاوة ودعابة للشاب إدريس تليها كلمات يأس وتذمر وحرقة.

وتمكن المخرج ولاد السيد من خلال اعتماده على أصوات الطبيعة واستغنائه على الموسيقى التصويرية- لم يستعمل سوى دقيقة ونصف منها- من إبراز الرسالة التي أراد إبلاغها عبر كل لقطة من الشريط.

بطءُ حركة الكاميرا أثناء تصوير مشاهد الطبيعة أو ملامح المُمثليْن الرئيسييْن ثم لجوء المخرج إلى تقنية "الزوم"، أي اقتراب أو ابتعاد الكاميرا مما تصوره، أضافا للشريط جمالية ساحرة اجتذبت المُشاهد وأشركته في رحلة البطلين وأحلامهما. تنوع زوايا التصوير كشف هو الآخر عن قدرات المخرج الهائلة على الإبداع ونقل صور جميلة جدا حتى إن كانت تجسد واقعا أليما. على هذا المستوى برز انسجام كاتب السيناريو والمخرج، فقد استطاعا أن يتناولا بذكاء جملة من القضايا التي تؤرق شريحة واسعة من المجتمع المغربي، من بطالة وفقر وأمية ومدن الصفيح والهجرة أو بالأحرى محاولات الهجرة..

. في فيلم "في الدار البيضاء الملائكة لاتحلق" 2004 والذي حاز جوائز اولى في مهرجانات عدة، يرنو محمد العسلي ببصره خارج الإطار الذي يضع فيه كثير من السينمائيين المغاربة أنفسهم هذه الأيام، ويلقي بكل أسلحته السينمائية في معترك الأحلام الصغيرة للناس البسطاء، ويحاول أن يقص هذه الحكاية التي لاتريد الانتهاء لمدينة غول تأكل من يعتقدون أنهم قادمون للعيش فيها، والحياة بفضلها.

يندرج الفيلم في ما يمكن نعته بـ"الواقعية الشعرية" لاعتبارات منها: عدم جنوحه الى خيال غرائبي... تفاديه تصوير الواقع بتقريرية فجة... مقاربته لحالات اجتماعية راهنة حتى اذا لم تقع احداثها حرفياً فلا شيء يحول دون وقوعها... ثم شغفه بكتابة سينمائية ذات نفس شعري تنأى عن الحذلقة التقنية والفنية من دون ان تزور عن مرارة الواقع..


يحكي "في الدار البيضاء الملائكة لاتحلق" قصة سعيد النادل الذي لايغادر المقهى التي يشتغل فيها طيلة النهار، وحتى في اللحظة التي تلد فيها زوجته إبنهما الثاني، وقصة إسماعيل زميل سعيد في العمل والذي تقع عيناه على حذاء يصبح حلمه وشغله الشاغل، وقصة زميلهما الثالث عثمان الذي لم يعد يمتلك من دنياه إلا حصانا تركه في البادية يتعهد برعايته وإرسال الأكل له باستمرار، مع الحلم أيضا بيوم يتمكن فيه من العودة إلى البادية ورعاية حصانه في عين المكان. أحلام الثلاثة، وعلى بساطتها، لاتتحقق، حيث يتخذها العسلي ذريعة لإظهار صعوبة العيش في بلد كالمغرب، لا يسمح - من خلال الدار البيضاء كمثال له - للضعفاء - أو لمن أسماهم الفيلم بشاعرية كبيرة الملائكة - بالعيش، والذي يحيل كل الأحلام البسيطة إلى جبال من كوابيس بالنسبة للأغلبية من سكانه. في الفيلم رغبة ملحة في الحكي يكشف عنها توسل سينمائي موفق بالرسالة وقراءتها، ودعا المخرج السينمائي المغربي حسن بن جلون المبدعين المغاربة لانتهاز فرصة الانفتاح السياسي للحديث عن سنوات القمع التي عاشها المغرب في سبعينيات القرن العشرين. و فيلمه الأخير "درب مولاي الشريف" 2004 جاء ليتحدث عن تلك الفترة والتعريف بها خاصة لدى شباب هذا الجيل الذين لم يعيشوا تلك المرحلة.
وتدور أغلب أحداث الفيلم في أحد أحياء مدينة الدار البيضاء حيث مركز اعتقال "درب مولاي الشريف" الذي كانت تمارس فيه شتى أنواع التعذيب على معتقلي تلك الفترة الذين كانوا ينتمون إلى الحركة الماركسية اللينينة من خلال منظمتي "إلى الأمام" و"23 مارس". وتربط البطل كمال الذي يعمل في المطار قصة حب طويلة بزميلته المضيفة نجاة ممتدة منذ الطفولة حين كانا جارين. وبينما هو منغمس في علاقة حبه الجميلة التي أوشكت أن تتوج بالزواج بعد أن ابتعد عن السياسة ومنظمة "إلى الأمام"، فإنه يعتقل ويبقى لشهور في درب مولاي الشريف ويلتقي برفاقه السابقين فيتعاطف معهم ويعود إلى الدفاع عن مبادئه من جديد.

ويقدم كمال ورفاقه إلى محاكمة أراد المخرج أن يبين أنها لم تكن عادلة، ويحكم عليه بالسجن 22 عاما، ويقضي عدد من رفاقه نحبهم في السجن كما أصيب البعض بالجنون. وينصح كمال نجاة بالابتعاد عنه لأن مدته في السجن قد تطول لتغادر السجن يائسة محبطة. وبين بن جلون أنه استحضر قصة الفيلم من قراءته لقصة "الغرفة السوداء" الواقعية لجواد مديدش المعتقل السابق الذي يروي تجربته في المعتقل، وكذلك من مقابلاته مع عدد من المعتقلين السابقين والقائمين على السجون أيضا، كما استحضر ذاكرته في تلك الفترة وما كان يسمعه من أخبار من أصدقائه وأقاربه.


ويصور مخرج الفيلم أم الكاتب جواد مديدش وهي تحكي معاناتها في فترة اعتقال ابنها. وقال بن جلون إنه يهدي "الفيلم لكل الأمهات لأنهن من تكبدن المعاناة أكثر من المعتقلين أنفسهم. لأنهم ربما كانوا مقتنعين بنضالهم أما الأمهات المسكينات فكن أكبر ضحية وأكثر معاناة". وحاول بن جلون في هذا الفيلم تقريب المشاهد من جو السبعينيات في المغرب. وقد انعكس ذلك من خلال استخدام الإضاءة الخافتة والملابس وتصفيفات الشعر والديكور والسيارات القديمة.

« وقدم الجيلالي فرحاتي حكيا سينمائيا رائقا، اختار له من الأسماء "ذاكرة معتقلة"، وانتقى له من الأزمنة كل تواريخ المغرب الملتبسة، ومن الأمكنة هذا الفضاء الجغرافي الممتد من تغرامت القرية الساكنة في حضن العمق المنسي، إلى بقية الأمكنة المغربية التي تتشابه في هذا الفيلم حد الإزعاج الحقيقي. عودة إلى جديد فرحاتي في الأسطر التي تلي... في المكان شعر أولا، ورسائل يتبادلها المحبان عبر القضبان وعبر السنوات. رسائل تنتقي في البدء أن تطل من محطة قطار نائية في أصيلة. يقرؤها صبية صغار. تنثرها الريح في كل مكان. تزيل من الكلمة معناها الأول، وتمنحها وهم البقاء. تعود الكاميرا سريعا في رحلتها داخل الذاكرة هاته إلى لعبة استرجاع واستباق لاتنتهي، تؤسس لفيلم الجيلالي فرحاتي الجديد المسمى "ذاكرة معتقلة". المختار عليوني (الجيلالي فرحاتي) رجل من الزمن الآخر. من زمن النضال. يدخل السجن وبعد يومين يتساقط كل رفاقه في قبضة قوات القمع. هل باع المختار رفاقه للآلة القمعية؟

لاأحد طرح السؤال. ظل إشاعة بقيت ملاذا للعديدين الذين وجدوا فيها الفرصة لإبعاد عليوني مع رفاقه وتأسيس قصة أخرى غير الحقيقية. في السجن يلتقي المختار عليوني بمختار عليوني آخر. سارق ومختلس. ولكي يتأسس للالتباس كل غموضه، يخرج السارق بموجب عفو عام على المعتقلين السياسيين وهو ينتحل شخصية المختار المناضل، فيما يبقى هذا الأخير فريسة سجنه، وفريسة ذكراه الماضية نحو زوال، وفريسة حبه للزهور ، وسقياها وتعهدها، لكأنها كل مابقي له بالإضافة إلى علبة رسائل وذكريات لاتريد مفارقته حتى الانتهاء. يلتقي المختار في السجن بالزبير (محمد مروازي) الشاب المنحرف الذي دخل السجن بتهمة سرقة السيارات، مثلما يبدو ذلك ظاهريا، وإن كان العمق يقول إنه دخل السجن للالتقاء بذاكرة أبيه الذي كان هو الآخر معتقلا سياسيا رافق المختار عليوني والآخرين في تجربته كلها، وكان أحد ضحايا هذا "التبياع" المزعوم. عمر الأحمادي.

الإسم سيرن طويلا في الفيلم، إلى درجة التذكير المستمر به، هو أب الزبير، وهو الذي سيربط رحلة الإثنين بعد الخروج من السجن، خاصة وأن المختار فقد ماتبقى له من ذاكرة الزمن البعيد، واختار الانزواء في ظل الاحتفاظ بتلك الهالة الغريبة، وببضع كلمات وبالصمت أو الفرار حين الاستفحال، فيما اختار الزبير عبر مرافقة الرجل أن يقترب من ظل أبيه، هذا الذي اختطف منه ذات عيد، وحرم منه إلى الأبد. يعتقد الزبير طيلة الفيلم أنه باستعادة الأماكن ووقعها القاسي على المختار سيصل إلى نتيجة، وسيكتشف حقيقة ماوقع لأبيه ورفاقه على يد المختار، فيما تختار زهرة (فاطمة لوكيلي) طيلة الفيلم أن تلعب دور تلك النسمة العائدة من بعيد البعيد، لكي تستعيد ألق العلاقة التي كانت. لكي تتذكر رفيقا لها كانت تحيا معه كل شيء. وفي بحث زهرة عن هذا الماضي المنفلت من كل علاقاته، تعثر على أشياء كثيرة. تلاقي من خانوا حقا، واستكانوا. تلاقي الممسكين بإرث النضال، وتلاقي بضع عائلات تغيرت حياتها كلها بسبب ماوقع، وتلاقي الأمكنة التي لم يتغير منها إلا الشيء القليل، أو التي استطاعات رغم التغيير الظاهري أن تحافظ على روح الماضي، وعلى بعض بقاياه.

مايميز فيلم فرحاتي الجديد شيء واحد أساس : الابتعاد عن الادعاء. هذا الفيلم ليس فيلما عن سنوات الرصاص، وليس فيلما سياسيا، وليس فيلما من أفلام الموجة السائدة اليوم بمباشرتها، وباعتدائها أحيانا على تلك اللحظات التاريخية. هذا الفيلم قصة إنسانية بسيطة عن رجل بماض، يبحث عن التقاط تفصيل العودة إليه من جديد. ليعيش حكايته هو التي ظل يعتقد بعد طول حرمان من الحرية أنها حكاية يريد أن يفرضها عليه الآخرون. في حركة الكاميرا.

في استعادة اللحظات القاسية للاعتقال. ليس هناك إظهار كامل. هناك إشارات أقسى بكثير من تصوير مشهد طويل وممل لممثل يلعب دور جلاد وهو يعذب ممثلا آخر يلعب دوالضحية، دون أن يقتنع الممثلان، ودون أن يقنعا مشاهدهما. فرحاتي اختار في فيلمه أن يعتمد اعتمادا كليا على ظلمة دالة ووقع أصوات ذات دوي فاضح، لكي يقول الشيء الكثير دون لجوء إلى توضيح الواضحات، وفرحاتي اختار الطريق الأصعب لحكي الحكاية كلها: حكيها عبر قصة إنسانية موغلة في العمق والانتماء. هل باع المختار رفاقه؟ والفيلم يستعيد حكايا شخوصه، ويقترب من نهاية أسطورته التي تأسست على الوهم والإشاعة وبقية النضال والكثير من الذكريات، يلجأ البطل إلى يديه، وإلي حركة من الزمن البعيد.

ينفخ فتطير من ألوان الطباشير الماضي، تباشير شيء يقول إنه كان هنا ذات يوم، يدرس للصغار مادة الرياضيات قبل أن يدخل الآخرون القسم، ويتركوا وراءهم آثار دماء ظلت تنزف من الأنف، منذ ذلك الزمن وإلى اليوم. تلك القطرات من الدماء تحولت إلى قطرات دمع في نهاية الفيلم والمختار يتذكر - وهو يرى من خلف ستار غسيل وجه الزهرة كما هو جميلا ورائقا تماما مثلما كان في الزمن البعيد - أسماء كل رفاقه، ويسائل أباه هو الآخر «لماذا ياأبي؟لماذا؟».

تعود الكاميرا في لعبتها اللعينة المتكررة إلى الماضي، ويبدو وجه أب المختار عليوني وهو يستعطف رجل أمن لكي يطلق سراح إبنه، فيطلب منه الشرطي أن يعترف له بأسماء كل من كانوا أصدقاء للمختار، وينهار الأب، ويبدأ في الاعتراف... يحمل المختار ذنب أبيه، ويحمل الزبير بقية ذكرى والده صورة لاتفارقه أينما ذهب، وتحمل الزهرة متاعها من جديد، وتبدأ رفقة الصغار رحلة تعليمية جديدية، تكاد تشبه تلك التي توقفت قبل أن يقع ماوقع. تحلم بأن ترى في أعين هؤلاء الوافدين الجدد، شيئا آخر غير الخيية الكبرى التي احتلت أعين سالفيهم. شيئا آخر غير كل هذه الانتكاسات. تهرب الزهرة إلى المستقبل القادم. ويهرب الزبير معها إلى هذه القصة الجديدة، وإلى حضن والد جديد، ويهرب المختار عبر دموعه من حكاية لم تكن له إلى حكايته هو، بأسطر كتب هو بعضها، وبأسطر أخرى كتب له أن يحياها دون أن يمسها مداده، وببقية حكي يضيع في زحمة القادم المجهول، أسسه فيلم جميل ومقبول إلى حد بعيد، كتب الجيلالي فرحاتي وآخرون كل أسطر إبداعيته الجميلة والمتألقة.

الفيلم المغربي الثالث المنتج عام 2004 عن القمع السياسي «جوهرة» اخراج سعد شرايي، ويروي عبر فلاش باك، على لسان فتاة مغربية ما حدث لوالديها الممثلين في فرقة مسرحية كانت تقدم أعمالا تقدمية، ويصور الفيلم مشاهد من المسرحيات ومظاهرة للممثلين يحملون حذاء ضخما كان يستخدم في المسرحية- فوق رؤوسهم ليبدوا تحته مسحوقين.


السينما في المغرب -8

يقدم لنا إسماعيل فرّوخي شريطه الروائي الأول «الرحلة الكبرى» لعام 2004 في إنتاج فرنسي - مغربي بعد أفلام قصيرة عدة..

يروي الفيلم قصة تناقض ثقافي بارز بين أب وابنه يرجع لاختلاف البيئة التي عاش كل منهما فيها، فتبتعد مسافات الالتقاء بينهما، فالابن "رضا" طالب في العشرين من عمره، يعيش في إقليم "بروفونس" بفرنسا مع عائلته، في حين ينحدر أبوه من المغرب التي قضى بها معظم حياته في أحد المجتمعات البدوية التي تعيش في الصحراء، ثم اضطرته قسوة الحياة وشظف العيش للسفر إلى فرنسا، وهناك عمل وأقام واستقر، لكنه كان حريصا على هويته الأصلية، فالتزم الحديث باللغة العربية وأداء الفرائض الدينية من الصلوات الخمس والصوم في رمضان وأداء الزكاة، وهو ما يثير عليه سخط ابنه رضا الذي لا يكف عن إبداء تعجبه من تصرفات أبيه الذي يدفع واجبه من الزكاة وهو في أشد الحاجة للمال، فالابن رضا كان شديد التأثر بالمجتمع الفرنسي في ثقافته وعاداته وسلوكه، ولم يكن يرى مانعا من أن يقضي حياته بين الخمور والفتيات.

وعندما شاب الأب وبلغ به الكبر أراد أن يكمل واجباته الدينية بأداء فريضة الحج، فطلب من ابنه أن يتولى توصيله بالسيارة إلى مكة المكرمة.. كان الوقت قبيل امتحانات رضا المؤهلة للالتحاق بالجامعة مباشرة، فوقف رضا موقف الرفض من طلب أبيه، فالرحلة بالنسبة له تبدو شاقة جدا والوقت غير مناسب. ومن هنا نشب الصراع بين الأب وابنه الذي انتهى بموافقة الابن على طلب أبيه.

شهدت الرحلة الطويلة التي بدأت من فرنسا وانتهت في مكة حوارا مثيرا ترتفع وتيرته وتنخفض بحسب طبيعة ومستوى علاقة الأب وابنه.. تقلبات كثيرة، بداية من حدة الحوار والثورة، حيث التناقض بين الاثنين، إلى أوقات السكون لعدم وجود لغة تفاهم بينهما، فيرفض كل منهما آراء وتصرفات الآخر، ويحاول كل منهما أن يقضي هذه الرحلة حسب طباعه وعاداته.. ولكن بعد مضي ليالٍ طويلة في السيارة سويا بدأ ينتقل الحوار من لغة الاحترام فقط إلى التفاهم والمودة، وتقبل كل منهما للآخر، فبدأت بذور الحب تنبت بينهما بعدما كانت الرابطة الأسرية مهددة ومفككة.. وتتطور العلاقة بينهما حتى تظهر شخصية أخرى للشاب رضا، فهو لم يعد يستجيب لمكالمة "صديقته" الهاتفية بعدما كان يحاول من قبل اقتناص اللحظات لإرسال الرسائل الهاتفية لها مستفيدا من زحام الشوارع وانشغال أبيه في الرحلة!.

وقد نجح هنا الكاتب إسماعيل فروخي في إبراز أهداف الفيلم من خلال استخدام فكرة "ريد موفي "، فاستطاع بها أن يوضح كيفية التعايش بين الأب وأبيه، فبالرغم من التناقضات بين شخصين أحدهما عربي والآخر فرنسي، فقد وصلا في النهاية إلى التفاهم. وكان اختيار الكاتب لرحلة مكة اختيارا موفقا، فهو المكان الوحيد الذي يجعل شخصين مهما كان درجة الاختلاف بينهما مجبرَين على قضاء هذه الرحلة معا، وبالتالي يدفعهما للحديث معا، ومن هنا يبدأ التعايش.

ورغم أن الرحلة أعطتنا وأعطت للأب وولده الفرصة للمرور على العديد من الدول مثل: إيطاليا- سلوفانيا- كرواتيا- صربيا- بلغاريا- تركيا- سوريا والأردن.. فإنها ابتعدت تماما عن أن تكون مجرد رحلة سياحية، فانصرف التفكير فقط في الشخصيتين (الأب وولده)، وكيف نمت بذور العلاقة بينهما، ولم يهتم الكاتب بإبراز اختلاف النشأة بين الأب وابنه التي أدت إلى فجوة ثقافية بين الاثنين، بل ركز على التطور الداخلي، وكيف تحولت فيها مشاعر رضا الابن من مجرد مشاعر تنحصر في احترام الأب إلى مشاعر ينمو فيها الحب والمودة والتقدير تجاه الأب، وهو ما يظهر بقوة في لحظة عدم رد الشاب على مكالمة صديقته، فهي لحظة جاءت تعكس ما حدث من اقتراب من الابن تجاه أبيه. وساعد على إبراز ذلك براعة الممثل الفرنسي الذي أدى ببراعة دور الابن الشاب المتمرد، ولكن الذي يحترم أباه.

تعود فكرة الفيلم لتجربة للكاتب نفسه، فقد ولد في يونيو 1962 في المغرب، ثم سافر إلى فرنسا مع عائلته وهو في الثالثة من عمره، وعندما كان طفلا قام والده برحلة سفر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج بالسيارة، ولم يستطع إسماعيل أن يصدق قرار والده، فشعر أنه مجرد حلم خادع أو هلوسة، ولكنه فكر في أن على أبيه أن يروي له هذه المغامرة في يوم من الأيام. اختزن الكاتب الفكرة في وعيه إلى أن بلورها فعلياً من خلال هذا الفيلم، حاملا معانيَ عديدة، اجتماعية وتربوية ودينية.

ولم يكن هذا الفيلم هو أول محطة نجاح لمؤلفه، فقد سبقه بأعمال أخرى، كان معظمها قصيرا، وحصل أول عمل له (عام 1992) على جائزة أحسن قصة قصيرة في "كان"، وكانت بعنوان "المعروض"

وتروي قصة ولد مغربي الأصل يصف بلد نشأته. ثم كتب بعد ذلك "كثيرا من السعادة"، و"إجرام من عدم". وفى عام 1996 كتب قصة "المجهول" للممثلة كاترين دونوف، ثم كتب مسلسلين للتلفزيون الفرنسي: "صيف السنونو" عام 1997، و"بان الصغير" عام 1999، وفي عام 1998 اشترك مع سيديريك كتان في كتابة قصة "الطيارة"، ثم بدأ يكتب قصة فيلمه "رحلة سعيدة" الذي استمر العمل فيه مدة 5 سنوات.

وتبدو مهارة الكاتب من خلال تقديم العديد من المشاهد السريعة الإشارات وفترات السكون التي يبرزها الفيلم، والتي لعبت دورا كبيرا في إثارة المشاعر مثل: نظرات الأب متصفحا ردود أفعال ابنه، الأب وهو ينظر إلى السماء لتحديد الاتجاهات، فهو معتاد على هذه الحياة من قبل، عندما يقرأ الأب القرآن ويتوجه إلى الله طالبا مساعدته في محنته حين غمر الجليد المكان وغطى السيارة، وأيضا لحظة تغيير الأب كاميرا التصوير مقابل شراء حمل للقيام بأضحية العيد. وفى نهاية الفيلم حين الوصول للكعبة، وعندما يرى رضا آلاف البشر يرتدون الأبيض، ويتوجهون إلى الكعبة لأداء مناسك الحج.. تغمره الدهشة والتأثر، خاصة عند سماع تلاوة القرآن، فيشعر أن الله هنا بجانبهم، وأنه لا وجود في هذا المكان للمتطرفين الذين يشوهون صورة الدين.. فأبوه كان متدينا سمحا يؤدي واجباته الدينية من صلاة وصوم، ولم يكن يوما متشددا أو متطرفا، بل كان يلتزم فقط بأداء واجباته.

من هذا المنطلق تقف هذه القصة الإنسانية أمام الاتهامات الباطلة التي تشيعها كثير من وسائل الإعلام والصحافة العالمية، والتي تضع كل المجتمع الإسلامي المتسامح في قفص الاتهام بالتطرف والعنف، ويبدو أن إسماعيل الفروخي تأثر كثيرا بالاتهامات الظالمة للإسلام، فقرر أن يكون دفاعه من خلال هذا الفيلم.

وتم تصوير مشاهد الفيلم كاملة في نفس الأماكن التي تمر بها الرحلة فعليا على الرغم من الصعوبات التي واجهت فريق العمل أثناء الرحلة من بلد إلى آخر، والتي اضطرتهم أحيانا إلى الالتزام بعدم التجول مثلما حدث في صربيا وقت اغتيال رئيس وزرائها، وكذلك أثناء الحرب على العراق، كما رفضت السلطات التركية السماح لهم بالتجول داخل المسجد الأزرق، ومن المثير أن جزءا من الفيلم تم تصويره داخل مكة المكرمة، فهناك مشاهد لبطلي الفيلم وهما يتجولان فيها، ومشاهد لهما أثناء الطواف حول الكعبة، وإن لم يستطع فريق التصوير تصوير مشاهده كاملة داخل مكة لأسباب تتعلق بالموافقات الرسمية.

اختار المخرج معالجة قضيتين في وقت واحد: صراع جيلين وصراع ثقافتين. وهذا ليس بالأمر السهل ولاسيما في عمل أول قد يقع تحت تأثير محاولة قول كل شيء وحشو الفيلم بالقصص والتفاصيل. بيد أن المخرج نجح في إظهار التفاصيل الصغيرة ذات المدلولات الكبيرة من دون خطب وإلحاح. وجاءت الشخصيات محكمة البناء ومقنعة. .

فيلم " الطفل النائم " او الراقد الفيلم الاول للمخرجة ياسمين قصاري,المنتج عام 2004 و الذي يقدم صورة لهيمنة الفكر الديني السلفي علي عقول اهل الريف في المغرب بالخرافات والخزعبلات , ويعرض لطقوس حياتهم وتخلفهم . ترتكز حكاية الفيلم على تقليد عربي شعبي سائد في المغرب الشرقي، ويتعلق بقيام النساء بتوقيف عملية نمو الجنين في بطن أمه لفترة وذلك عبر الالتجاء إلى الفقهاء المتخصصين في ذلك، وهذا ما قامت به بطلة الشريط زينب بنصيحة من حماتها إلى حين قدوم زوجها المهاجر للعمل السري في اسبانيا ؟

يحدث الأمر في منطقة جرداء شحيحة فقيرة، وهذا الاختيار ليس اعتباطياً بحكم أنه يمنح المخرجة فرصة التصوير الفني والغني لجغرافية مثيرة وممتدة لما تحويه من فضاءات لا تستطيع مخرجة مقاومة تأثيرها بخاصة في فيلم أول تعول عليه لاختراق السينما، إذاً المرأة كحالة إنسانية واجتماعية وهاجس التسجيلية هما سمتا الشريط في الأساس، «الراقد» هو في حقيقة الأمر ذلك العنف وتلك القسوة يفرضان على نسوة بلا حول ولا قوة في مجتمع ينخره الفقر، و هو الوضع الراقد النائم الذي لم يوقظه أحد ويغيره كما قد يستشف، فالمخرجة امرأة وأصلها من المنطقة التي صور الفيلم فيها ..

فيلم " باب لبحر " لداود أولاد سيد هو عبارة عن قصيدة سينمائية عذبة, تحكي بالسينما والصمت والتأمل أكثر مما تحكي بالكلام. تحكي عن " مريم ", الشابة المغربية التي تهبط إلي مدينة " طرفاية " الصحراوية الصغيرة, في جنوب المغرب, في مواجهة اسبانيا, وهي تبحث عن تريكي احد مهربي الأنفار, الذي يختلف عن غيره من المهربين الذين يعيشون في المدينة, إذ يتقاضي مبلغا من المال نظير نقل الشخص وتهريبه في قارب, فإذا فشلت محاولة تهريبه , فان التريكي يكرر المحاولة مع نفس الشخص, حتى ينجح أخيرا في الوصول إلي الضفة الأخرى, ولهذا السبب قصدته " مريم ". لكن احد لا يعرف من أين أتت مريم , ولا غرابة, إذ أنها تحب أن تخترع قصصا عن مدن خيالية, وتقول إنها أتت من مملكة مغربية اشترتها اسبانيا , ثم غيرت اسمها, وتحوم حول " مريم " الشبهات, حين تصل "لالا فاطمة" سيدتها إلى " طرفاية ", وتبلغ رئيس الشرطة, الذي قارب علي ترك عمله لبلوغه سن المعاش, ويقع رغم كبر سنه في غرام مريم , تبلغه إن " مريم " سرقت مبلغا من المال من بيتها , حيث كانت تعمل كخادمة, ولاذت بالفرار, ولاشك أنها ستدفع المبلغ الذي سرقته, نظير نقلها عبر البحر إلى اسبانيا..

فيلم " باب البحر " 2005 هو من دون جدال , أفضل أفلام داود أولاد سيد, الذي يناقش في كل أفلامه" وداعا سويرتي" و"حصان الريح " و" باب لبحر " فيلمه الثالث, يناقش قضية الهجرة, داخل وخارج المغرب, ويتساءل في كل فيلم: تري ما هي الأشياء التي تجعلنا في هذا البلد, مدفوعين هكذا إلى الترحال الدائم, خارج نفوسنا, وخارج أوطاننا, هل هذا هو قدر الإنسان في المغرب. يطرح داود دائما تساؤلات, ولا يقدم إجابة, بل يتركنا مع تساؤلاته وألغازه, يتركنا لنتأمل ونفكر, ونستمتع بجمال الفيلم..

ينحاز داود في كل أفلامه إلى الغجر الرحل, إلى الكادحين الهامشيين المعذبين المشردين, بلا ارض أو وطن, ويشرح لنا كيف يقع البعض من هؤلاء, الذين يحملون حلمهم إلى " طرفاية " ويقفون في طوابير انتظار طويلة, استعدادا للرحيل إلى اسبانيا, ومواجهة خطر الموت غرقا , يقعون في مصيدة المهربين اللصوص, الذين يسطون علي أرواحهم. تحط مريم في طرفاية, وتسكن عند الحاجة, التي تقوم بتأجير عدة غرف في بيتها بالمدينة, للفتيات المغربيات اللواتي يتقاطرن علي المكان, وتبدأ مريم في التعرف علي المكان وأهله: تتعرف علي حسن, الذي سرق كل أموالها في أول الفيلم وهرب, ثم اعتذر لها في ما بعد عن فعلته, واعتبر الأمر مزحة, وراح يتعقبها في ما بعد أينما ذهبت, وهو يتعذب لأنه يحبها , وهي لا تعيره اهتماما, إلى أن تقبل مريم يوما أن تدلف الى داخل كوخه الصغير, فإذا بها في حضرة عشرات الأقفاص, التي تحتوي علي طيور الزينة, التي يعيش معها في وحدته الموحشة, وضياعه الأبدي. يؤسس داود فيلمه علي علاقة مريم بالمكان وأهله, وفقط في هذه المنطقة, أو نقطة العبور, عند حافة البحر, في طرفاية, تصبح مريم اللاشيء العدم, مريم اللغز المحير, واحد لا يعرف من أين هبطت, تصبح كيانا إنسانيا حقيقيا, فالجميع يحبونها, ويريدون لها أن تحقق حلمها في ركوب البحر, ومن ضمنهم ذلك الغلام, الذي اصطحبها في أول الفيلم, ليبحث لها عن سكن, لكن حين أزف وقت الرحيل فجأة, إذا به يطالبها أن عثرت علي والده في اسبانيا , أن تبلغه إن أسرته تغفر له بعد أن هرب فعلته, وتسأله العودة إلى أهله.

ولاحظ كيف أن مريم قبل أن تصل إلى طرفاية لم تعش في المغرب, طبعا كانت تعيش في المغرب, لكن من دون أن يشعر احد بوجودها, أو يهتم بأمرها. كانت مريم, مثل كل الفقراء المطحونين المعذبين, مادة فقط للاستغلال البشع والقهر, وكان عليها , في وطن يلفظها, أن تركب البحر إلى اسبانيا, لكنها فقط حين وصلت إلى طرفاية, إذا بها تتحول من شبح, إلى كيان إنساني من لحم ودم ومشاعر, وإذا بها تستشعر دفء القلوب الحانية من حولها, وهي تتأسي لحال مريم وحالها, ويقف الجميع في طابور الانتظار الطويل في انتظار المخلص. وفقط حين كان البحر يلفظ الجثث الغارقة , أكثر من 15 جثة كل يوم, كان الأطفال يركضون مع الكبار إلى الشاطئ , في صحبة رئيس الشرطة في طرفاية, ويتفرجون علي الآثار التي خلفتها تلك الجثث علي الشاطئ , قبل نقلها إلى المشرحة, ويصعب علي الجميع أن تغادرهم مريم وتتركهم.

فجأة مع وصول مريم , تحيا المدينة من جديد, تنبض , تتنفس, فتصبح مريم هي المركز, تصبح الأم والأخت والصديقة والحبيبة, ويتحلق الجميع حولها, وكأنها أمهم الكبيرة المغرب, بأصالته وعراقته وطيبة أهله, وهم لا يريدون الآن أن تغادرهم, وتتركهم لبؤسهم. ومن أروع مشاهد الفيلم , مشهد مريم فوق سطح البيت في الليل, وهي تطل علي أنوار المدينة الاسبانية القريبة , في صحبة صديقتها, وتلخص مريم في كلمتين موضوع الفيلم, ومأساة الغربة, فتقول لصديقتها يبدو انه بقدر ما يحل الظلام في المغرب, بقدر ما يحل النور في الطرف الآخر في اسبانيا, وكلما خفتت الأنوار هنا وعشش الظلام, كلما تألقت الأنوار هناك أكثر وعم الحبور والفرح, واعتبر هذا المشهد من أعظم, إن لم يكن أعظم مشهد في كل الأفلام التي شاهدتها في تطوان السينمائي 12 وأعمقها تأثيرا, وبه, وبكل مشهد في ذلك الفيلم , الذي يكشف عن " نظرة " داود الفنية الإنسانية , التي تجعله ينحاز في كل أفلامه إلى هؤلاء الهامشيين البسطاء المعذبين, ومن دون أن يفقد سحر السينما, الذي يغمس فيه فرشاته مثل فنان رسام, ثم يروح يتحفنا بجماليات اللقطة, وتناغم وتناسق الألوان, وهرمونية الإيقاع, وفي صحبة شريط الصوت الرائع في الفيلم, يدلف " باب لبحر" بهذا المشهد في قفطان من حرير إلى كلاسيكيات السينما المغربية العظيمة.

شارك الفيلم المغربي " ماروك" للمخرجة ليلي مراكشي في تظاهرة " نظرة خاصة " بمهرجان كان 2005 وهي التظاهرة المرافقة للمسابقة الرسمية , وتعتبر ملحقا لها يستوعب الأفلام التي لاتدخل المسابقة, لكنها تحقق فنيا الحد الادني من شروطها, ويحكي عن فترة الثمانينيات في المغرب من خلال فتاة مراهقة تنتمي إلي أسرة ثرية, وتدرس في احدي المدارس الفرنسية الخاصة التي يتردد عليها أبناء الطبقات الحاكمة المرفهة من اصحاب المصانع وغيرهم, وتدور إحداث الفيلم في مدينة الدار البيضاء التي تفرض حضورها كشخصية أساسية في الفيلم, وتقع البنت المغربية المسلمة التي تعيش حياتها علي الطريقة الاوروبية, وتطالب بحريتها, وتكشف في الفيلم عن طبائع وتقاليد, زيف وادعاء ونفاق الطبقة التي تنتمي اليها, تقع في حب شاب يهودي مغربي يفكر في الفيلم مع اسرته , بسبب حرب الخليج كما يقول ان يهاجر من المغرب الي كندا, وينجح الفيلم في تصوير ذكريات مخرجتنا ليلي مراكشي التي عاشتها هي نفسها بالفعل, وتنتهي قصة الحب بين روميو اليهودي و جولييت المراهقة المغربية المسلمة, بحادث يقع له ويودي بحياته , وتقرر بطلة الفيلم ان تسافر لتكملة دراستها في باريس علي عادة ابناء هذه الطبقة, وينتهي الفيلم بحضور صديقاتها لتوديعها في المطار, ثم نشاهد في آخر لقطة طائرة تغادر الدار البيضاء وتحلق بعيدا عن اسطح بيوتات المدينة التي شهدت جلسات البنات في الهواء الطلق, جلساتهن على الاسطح والتحليق مع الطيور السابحات و الاحلام السعيدة والحنين الي ذكريات الماضي الجميل.

وعام 2005 انتج فيلم " يقظة " لمحمد زين الدين: في الفيلم، من حيث المضمون لا يتعلق الأمر بمحاولة لرصد الواقع ، بل بمشروع أهم يروم التأمل في كنه وجوهر العملية الابداعية نفسها، سواء على المستوى الادبي او على مستوى عملية انتاج الصورة، إنه عمل يسائل شخصية المبدع بقوة وقسوة وعمق، ويزعزع الثوابت والبديهيات والافكار الجاهزة.

تنطلق وقائع الفيلم مع وصول مخطوط مرسل من طرف كاتب مغربي ناشئ ينتمي لبلدة «وادزم» الصغيرة المهمشة، الى دار نشر باريسية قبل أن نشاهد استعادة طويلة، كاملة وعميقة لحياة هذا الكاتب التي بدأت في مغرب ما بعد الاستقلال في جزء منسي من المغرب، لتقوده الى مركز البلاد بالعاصمة الرباط والدار البيضاء، قبل أن يفقد أوهامه حول الثقافة والمثقفين ويعود ادراجه الى مدينته الأم جارًّا أذيال الخيبة والألم، انها حكاية الحياة الموضوعية والذاتية لكاتب ساخط على الأوضاع يرغب في كتابة عمل أنثروبولوجي، يقارن بين الفولكلور المغربي ووظيفة الكرنفال في الغرب، عمل يخرج من اطار الانبهار الى تحليل احتفال المغاربة بالمواسم الشعبية، باعتبارها آلية لنسيان البؤس وتعويض التوازن الاجتماعي المفتقد على أرض واقع «قروسطي» جامد منذ قرون طويلة.

ولعله ليس من باب الصدفة ان يبدأ البطل ـ الكاتب ـ حياته عاملا في مقلع للأحجار، وفرن تقليدي مخصص لإحراقها قصد تحويلها الى جير. إن الشخصية الرئيسية تعمل منذ البداية اذاً على تحويل العناصر بعد صهرها بواسطة النار الحارقة، نار الابداع والتغيير أو التحليل على الأقل، من خلال المقارنة بين الهامش (واقع بلدة وادزم) والمركز الذي يختزله البطل في «مثقفي مقهى، باليما، الفاسدين»، الذين يتآمرون مع السلطة لمنع كتابه الأول واليتيم «هواء الماء»، ولسحبه من العرض في المكتبات، مما يدفع صاحبه لمحاولة انتحار فاشلة، وللعودة الى قريته الأم حيث يعتزل الناس ويدخل في متاهات حياة داخلية مغرقة في الذاتية.

وفيلم «النظرة» لنور الدين لخماري: يعود للذاكــــرة، من خلال مصور فوتوغرافي فرنسي يحاول التسامح مع الماضي من خلال الاعتذار عن الفظاعات التي قام بها المستعمر الفرنسي في المغرب والتي كان هو شاهد اثباتها من خلال آلته الفوتوغرافية، وللصورة الفوتوغرافية حضور أيقـــــوني يحتمل أكثر من دلالــة، فهي الحامل للحدث الفيلمي، بل هي السارد الفيلمي والرقيب ولا تســــــتقيم هذه العودة لألبير المصور الفوتوغرافي الا من خلال محاكمة داخلية للصورة الــفوتوغرافية ذاكرته المتقــــــدة، وهي بحمولاتها المفتوحة أكثر انتاجا من فعله الثابت، وما عبر عنه السينمائي لخماري في هذا التوضيح الفني كان معقولا، اذ كنا أمام صور حاملة لمقولات السرد الفيلمي وتواليه، ولعل تقنية الفلاش باك المدمجة لحاضر وماضٍ استرجاعي، شكلت احدى مفارقات القوة للفيلم، اذ يحضر الفلاش باك كحاضر، من خلال توليف/ مونتاج حرفي، جعل فعل الآن متصلا بأفعال الأمس.

الفيلم مفتوح على مجالين اثنين للقراءة، حقول الصور الفوتوغرافية، ومجال الصورة السينمائية، وبين البعدين نقرأ الاختيارات الجمالية والفنية التي تحكمـت في الرؤية الفنية عموما للفيلم، هذه النواة الجمالية التي جعلت مقولة الزمن مندغمة بين سيرة الاسترجاع وسيرة الحاضر.. لا كما نراه بل كما يحاكمه الماضي.

وفيلم " تينجة" لحسن لكزولي: يحكي التحولات التي سيعرفها نور الدين، الابن المطيع لعامل مغربي مهاجر، شب في شمال فرنسا، ومن أجل احترام رغبة والده الأخيرة المتمثلة في دفنه بعد وفاته في مسقط رأسه بقرية في الأطلس الكبير، سيصاحبه في رحلته الأخيرة، وسيكتشف خلال هذه الرحلة، ولأول مرة، بلده الأصلي، وسيمكنه لقاؤه بنورا، المرأة الجميلة التي تبحث عن آفاق جديدة، من اكتشاف حقيقة هذا الأب التي لم يكن تقريبا يعرف شيئا عنها، والحقيقة المحسوسة لبلاد لم يكن يعرفها سوى عبر الحكايات العائلية النادرة. وبتقدمه باتجاه الجنوب عبر المناظر الجميلة، وهو إلى جوار جثمان والده في خلفية الشاحنة، كانت الوضعية تكشف عن عدد من المواقف الساخر.

و يقدم الاخوان المغربيان سهيل وعماد نوري (ولدا المخرج المعروف حكيم نوري) فيلمهما الروائي الاول عام 2006 " ابواب الفردوس " ، وهو القسم الاول من ثلاثية يعتزمان إنجازها هو الجريمة والمافيات (القسم الثاني سيكون حول المافيا الكولومبية في اسبانيا!!). بكاميرا واقعية هنا يتابعان صراعا دمويا بين ثلاث شخصيات: ماكر مغربي (يؤديه الاب نوري) ومدرس اميركي في أربعينيات عمره، وثالثهما شاب من الاشقياء، يسعون كل من جانبه للانتقام.

* * *

واذا نظرنا إلى السينما المغربية عندما تتعامل مع الأدب, أول مَن بادر إلى طرق باب الأدب هو لطيف لحلو عندما استعان بالأستاذ عبدالكريم غلاب في فيلم (شمس الربيع) فكانت الحكاية متناسقة وسعى لطيف لحلو إلى توظيف ما تلقّنه وما تأثر به حيث كانت الموجة الجديدة الفرنسية في عز عطائها فرأيناها في شريط لطيف لحلو. ولطيف لحلو سيستعين في شريطه الثاني (غراميات) برشيد بوجدرة في السيناريو والطاهر بن جلون في الحوار.

المرحوم محمد الركاب لجأ إلى يوسف فاضل في إنجازه لـ(حلاق درب الفقراء) والنتيجة أن الشريط لقي إقبالاً يليق به , وإدريس المريني نقل رواية بامو لأحمد زياد إلى الشاشة, لعل حظ الشريط العاثر يكمن في المرحلة التي أنتج فيها. , ثم استعان أخيراً داود أولاد السيد بيوسف فاضل في الحوار, وأحمد البوعناني في السيناريو, والنتيجة كانت شريط (باي باي السويرتي) الذي حاز على جوائز في داخل البلاد وخارجها.

وعاد حميد بناني إلى السينما بكتابته التي تحمل بصماته بعمل الطاهر بن جلون (صلاة الغائب) فإذا بالشريط يعاني من اللغة الفرنسية التي كانت اللغة الأصل ونتجت عنها نسخة عربية لم تستطع أن تثير تآلف المتلقي.

هل يمكن اعتبار عدم التواصل بين الكاتب المغربي والسينمائي المغربي عائقاً في تطوّر النص السينمائي المغربي?

الواضح أن الزمن يلعب لعبته بحذق ومهارة, فالشريط الذي كان لا يتكلم في البدء أصبح مع مرور الزمن يتلكأ في الحديث, ثم ها هو التلكؤ يختفي تدريجياً, وهاهو الانفتاح على الأدب أيضاً آت ببطء شديد.ففي الفترة الأخيرة دخل الروائي أحمد التوفيق والسينمائي محمد عبدالرحمن التازي في عملية شراكة إبداعية حيث تم نقل رواية (جارات أبي موسى) 2003 إلى السينما وهي مغامرة نظراً لقوة الرواية ولغضاضة التجربة السينمائية المغربية في تعاملها مع الإبداع .

معظم الأفلام القديمة كان يصور فى مراكش . لكن تدريجيا بدأت تنمية منطقة أقرب منها للجبال هى ورزازات ، التى أصبحت تسمى الآن عاصمة السينما المغربية، وتقع بالضبط عند نقطة التقاء السفوح الخضراء بالصحراء الممتدة برمالها الصفراء مع سفوح جبال أطلس الشاهقة بقممها البيضاء . هذا التلاقى الفريد يتيح جماليات وفى نفس الوقت اقتصاديات مغرية جدا لصناع السينماعبر العالم . آخر أفلام ضخمة تم تصوير أجزاء كبيرة منها فى المغرب كانت ’ المصارع ‘ وجزأى ’ المومياء ‘ ، ثم’ الأسكندر الأكبر ‘من إخراج أوليفر ستون .

ومتوسط تصوير الأفلام الأجنبية فى ستوديوهات ورزازات هو 12 فيلما طويلا سنويا ، عدا العشرات من الأفلام القصيرة وأغانى الفيديو . و كان المسئولين المغاربة يتباهون بتحقيق ستوديوهات ورزازات دخلا قدره عشرين مليون دولار سنة 2001 رغم ما شهدته من أحداث سپتمبر . الآن هم يتحدثون عن صناعة حجمها 100 مليون دولار سنويا . ورغم أن ما يصدر عنهم من أرقام يحتمل أحيانا التمنيات ، أو يرتبط بمشروع استثنائى الضخامة مثل ’ الأسكندر الأكبر ‘ ، إلا أنه فى جميع الأحوال لا يمكن بلا شك إلا اعتبار للسينما المغربية أكبر صناعة للسينما فى الوطن العربى بلا منازع .

البيزنس ليس منفصلا عن الحركة الثقافية المغربية. هناك تمازج يدعو للإعجاب بين الأنشطة الثقافية ومردودها السياحى الضخم . من هذا مثلا مهرجان الرباط ، وهو مهرجان سنوى غنائى ومسرحى وشعرى وأيضا سينمائى شامل يستقطب أشهر الأسماء من جميع الدول العربية . أما من حيث المهرجانات السينمائية ، فعدد المهرجانات الدولية فى المغرب يكاد يفوق أى نظير له فى أية دولة عربية أخرى باستثناء مصر ، وإن لم يكن حتى الفارق كبيرا .

تطوان لسينما البحر المتوسط ، وخوربيكة للفيلم الأفريقى ، وسلا لأفلام المرأة ، وفاس لأفلام التحريك ، وأصيلة لأفلام الجنوب ، والناضور وهى أيام سينمائية تقدم پانوراما للسينما العالمية ، والرباط وهو مهرجان دولى عام وإن مع توجه خاص للسينما الشابة . و انضم لها فى عام 2001 مهرجان مراكش الذى كان مبيتا له سلفا أن يصبح المهرجان الدولى الرئيس والأضخم للمغرب ، بل ولكل أفريقيا والعالم العربى خلال فترة وجيزة . مهرجان عام بلا تخصص ، وتتولاه إدارة فرنسية ، ويلقى رعاية شخصية مباشرة من الملك محمد السادس . وعينه تقع بمنتهى القوة على البيزنس ، أى تنشيط صناعة السينما فى منطقة مراكش بما يحقق تلك الأرقام الموعودة المذهلة . المدير المقصود هو دانييل توسكان دو پلانتييه أحد الموزعين الفرنسيين الرئيس السابق لليونيفرانس ، ومدير مؤسسة لتنظيم مهرجانات الأفلام . ونائبته فى المهرجان هى نائبته فى المؤسسة لويزا مورين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق