الاثنين، 6 أغسطس 2012

بجانة
مدينة بالأندلس بقرب المرية‏.‏بها جمة غزيرة الماء يقصدها الزمنى ويسكنون بها وأكثر من يواظب عليها يبرأ من زمانته‏.‏
وبها فنادق مبنية بالحجارة لسكان قاصدي تلك الجمة وربما لم يوجد بها المسكن لكثرة قاصديها‏.‏
وعلى الجمة بيتان‏:‏ أحدهما للرجال وهو على الجمة نفسها والآخر للنساء يدخله الماء من بيت الرجال‏.‏
وقد بني بيت ثالث مفروش بالرخام الأبيض يأتيه الماء من قناة ويختلط بماء الجمة حتى يصير فاتراً ويدخله من لا يستطيع دخول ماء الجمة وتخرج فضلتها تسقي الزروع والأشجار‏.‏
بخارى مدينة عظيمة مشهورة بما وراء النهر قديمة طيبة‏.‏
قال صاحب كتاب الصور‏:‏ لم أر ولا بلغني أن في جميع بلاد الإسلام مدينة أحسن خارجاً من بخارى‏.‏
بينها وبين سمرقند سبعة أيام وسبعة وثلاثون فرسخاً هي بلاد الصغد أحد متنزهات الدنيا‏.‏
ويحيط ببناء المدينة والقصور والبساتين والقرى المتصلة بها سور يكون اثني عشر فرسخاً في مثلها بجميع الأبنية والقصور والقرى والقصبة فلا يرى في خلال ذلك قفار ولا خراب ومن دون ذلك السور على خاص القصبة وما يتصل بها من القصور والمحال والبساتين التي تعد من القصبة ويسكنها أهل القصبة شتاء وصيفاً سور آخر نحو فرسخ في مثله ولها مدينة داخل هذا السور يحيط بها سور حصين‏.‏
روى حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ستفتح مدينة خلف نهر يقال له جيحون يقال له بخارى محفوفة بالرة ملفوفة بالملائكة منصور أهلها النائم فيها على الفراش كالشاهر سيفه في سبيل الله‏.‏
وخلفها مدينة يقال لها سمرقند فيها عين من عيون الجنة وقبر من قبور الأنبياء وروضة من رياض الجنة يحشر موتاها يوم القيامة مع الشهداء‏.‏
وفي الحديث‏:‏ أن جبريل عليه السلام ذكر مدينة يقال لها فاخرة وهي بخارى فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لم سميت فاخرة فقال‏:‏ لأنها تفخر يوم القيامة على المدن بكثرة شهدائها‏.‏
ثم قال‏:‏ اللهم بارك في فاخرة وطهر قلوبهم بالتقوى واجعلهم رحماء على أمتي‏!‏ فلهذا يقال‏:‏ ليس على وجه الأرض أرحم للغرباء منهم‏.‏
ولم تزل بخارى مجمع الفقهاء ومعدن الفضلاء ومنشأ علوم النظر‏.‏
وكانت الرئاسة في بيت مبارك يقال لرئيسها خواجه إمام أجل‏.‏
وإلى الآن نسلهم باق ونسبهم ينتهي إلى عمر بن عبد العزيز بن مروان وتوارثوا تربية العلم والعلماء كابراً عن كابر يرتبون وظيفة أربعة آلاف فقيه ولم تر مدينة كان أهلها أشد احتراماً لأهل العلم من بخارى‏.‏
ينسب إليها الشيخ الإمام قدوة المشايخ محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح الذي هو أقدم كتب الأحاديث‏.‏
كان وحيد عصره وفريد دهره‏.‏
حكي انه لما جمع هذا الكتاب بحسنه وصحته أراد أن يسمع منه أحد حتى يروي عنه بعد موته فما كان أحد يوافقه أن يسمع منه ذلك حتى ذهب إلى شخص يعمل طول نهاره على بقر فقال له‏:‏ أنا أقرأ هذا الكتاب وأنت تسمعه مني فلعله ينفعك بعد ذلك‏!‏ وكان الشيخ يقرأ كتاب الصحيح والبقر يعمل والفربري يسمع منه حتى أسمعه جميع الكتاب‏.‏
فلهذا ترى كل من يروي صحيح البخاري تكون روايته عن الفربري‏.‏
وينسب إليها أبو خالد يزيد بن هارون‏.‏
كان أصله من بخارى ومقامه بواسط العراق‏.‏
حكى عاصم بن علي أن يزيد بن هارون كان إذا صلى العشاء لا يزال قائماً حتى يصلي الغداة بذلك الوضوء وداوم على ذلك نيفاً وأربعين سنة‏.‏
وحكى أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال‏:‏ كنت عند أحمد بن حنبل وكان عنده رجل قال‏:‏ رأيت يزيد بن هارون فقلت‏:‏ يا أبا خالد ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي وشفعني وعاتبني‏!‏ فقلت له‏:‏ فيم عاتبك قال‏:‏ قال لي يا يزيد أتحدث عن جرير بن عثمان فقلت‏:‏ يا رب ما علمت منه إلا خيراً‏!‏ فقال‏:‏ إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏
وحكى آخر قال‏:‏ رأيت ابن هارون في المنام فقلت له‏:‏ هل أتاك منكر ونكير قال‏:‏ إي والله ‏!‏ وسألاني‏:‏ من ربك وما دينك ومن نبيك فقلت‏:‏ ألمثلي يقال هذا وأنا يزيد بن هارون اعلم الناس هذا سبعين سنة فقال‏:‏ صدقت نم نومة العروس‏!‏ توفي يزيد بن هارون بواسط سنة ست ومائتين عن سبع وثمانين سنة‏.‏كورة بين أران وآذربيجان كثيرة الضباب قلما تصحو السماء بها منها كان مخرج بابك الخرمي في أيام المعتصم بالله‏.‏
بها موقف رجل لا يقوم أحد فيه يدعو الله تعالى إلا استجيب له‏.‏
ومنها يتوقعون خروج المهدي وذكر أن تحتها نهراً عظيماً إن اغتسل فيه صاحب الحمى العتيقة ذهبت حماه‏.‏
.بلقوار
قرية من قرى تدمير بأرض الأندلس‏.‏بها حمة شريفة حسنة عليها ديماس للرجال وآخر للنساء وأصل العين في ديماس الرجال يخرج منها ماء غزير يفضل عن حاجة الديماسين ويسقي زرع القرية‏.‏
. بلنسية
مدينة قديمة بأرض الأندلس ذات خطة فسيحة جمعت خيرات البر والبحر والزرع والضرع طيبة التربة ينبت بها الزعفران ويزكو بها ولا ينبت في جميع أرض الأندلس إلا بها كأرض روذراور بأرض الجبال‏.‏مدينة بالأندلس متقنة البناء بالحجر الأبيض المهندم قالوا‏:‏ إنها من بناء الجن بنوها لسليمان بن داود عليه السلام من عجائبها أن لا يرى بها حية ولا عقرب ولا شيء من الهوام المؤذية‏.‏
حكى محمد بن عبد الرحمن الغرناطي أن برستاقها صنفاً من العنب وزن الحبة منه عشرة مثاقيل‏.‏
. رندة
مدينة حصينة بأرض الأندلس من أعمال تاكرنا قديماً‏.‏استجلب إليها المياه من ناحية المشرق وناحية المغرب فتوافي المياه داخلها‏.‏
بها نهر رندة وهو نهر يتوارى في غار لا يرى جريه أميالاً ثم يخرج إلى وجه الأرض ويجري‏.‏
وبها نهر البرادة وهو نهر يجري في أول الربيع إلى آخر الصيف فإذا دخل الخريف يبس إلى أول الربيع من القابل وهو على فرسخين من رندة‏.‏
.شاطبة
مدينة كبيرة قديمة في شرقي الأندلس يذكر أهلها بالشر والظلم والتعدي قال صفوان بن ادريس المرسي في وصف شاطبة‏:‏ شاطبة الشّرق شرّ دارٍ ليس بسكّانها فلاح الظّلم عند الورى حرامٌ وإنّه عندهم مباح‏!‏ ينسب إليها المقريء الشاطبي عمل قصيدة طويلة لأمية وذكر القراءات فيها وأسماء القراء بالحروف المرموزة ولم يقصر في جميع ذلك ونظمه‏.‏
شاشين جزيرة توازي حد الأندلس طولها مسيرة عشرين يوماً‏.‏
وهي كثيرة الخيرات آهلة كثيرة المواشي جداً وغنمها بيض كلها لا يكاد يوجد بها شاة سوداء‏.‏
وأهلها أكثر الناس تحلياً بالذهب فيكون الوضيع والشريف يطوق بالذهب‏.‏
ولأشرافهم أسورة الذهب في زنودهم وملوكهم بها نوع من الصوف في غاية الحسن لا يوجد مثلها في شيء من البلاد قالوا سبب ذلك أن نساءها يدهن الصوف بشحم الخنزير فيجود عملها ولونها أبيض أو فيروزجي وانها في غاية الحسن‏.‏
وبها عجب ليس في جميع الدنيا وهو أن على شاطيء بحرهم شجراً فربما انهارت الأجراف ووقعت الشجرة في البحر فيضطرب من الأمواج حتى يصير عليه طخاء أبيض فلا يزال كذلك ويصير الطخاء زائداً حتى يصير في خلقه بيضة ثم تخطط البيضة على خلقة طائر فلا يحتبس إلا رجلاه ومنقاره فإذا أراد الله نفخ الروح فيه يخلق ريشه وينفصل الرجلان والمنقار من العود فيصير طائراً يسعى في البحر على سطح الماء ولا يوجد حياً أبداً فإذا مد البحر حمله الماء إلى السواحل فيوجد ميتاً‏.‏
وهو طائر أسود يشبه الطائر الذي يقال له الغطاسة‏.‏
وحكى أحمد بن عمر العذري أن بعض الناس أتى بعود وقد تخلق فيه حمل من البيض إلى بعض الملوك فأمر الملك أن يبنى عليه قبة شبه قفص ويترك في الماء فلم يزل على الضفة حتى تبرأت الطيور من العود داخل القبة‏.‏
شبلية قرية من كور أسروشنة بما وراء النهر من أعمال بخارى ينسب إليها أبو بكر دلف بن جعفر الشبلي الزاهد العارف أعجوبة الدهر وصاحب الحالات العجيبة كان أبوه حاجب الموفق فورث منه ستين ألف دينار فحضر مجلس جبر النساج وأنفق ذلك المال على الفقراء وذهب إلى ناحية دماوند وقال لأهلها‏:‏ اجعلوني في حل فإني كنت والي بلدكم وقد فرطت مني فرطات‏.‏
وحكى أبو علي الدقاق انه كان للشبلي في بدء أمره مجاهدات شديدة حتى انه كان يكتحل بالثلج والملح حتى لا ينام وكان في آخره يقول‏:‏ وكم من موضعٍ لوّمت فيه لكنت به نكالاً في العشيره وحكي أن الشبلي سئل عن العارف والمحب فقال‏:‏ العارف إن تكلم هلك والمحب إن سكت هلك‏.‏
ثم أنشد‏:‏
يا أيّها السّيّد الكريم ** حبّك بين الحشا مقيم
يا دافع النّوم عن جفوني ** أنت بما حلّ بي عليم‏!‏
وكان بين يديه مرآة ينظر فيها كل ساعة ويقول‏:‏ بيني وبين الله عهد ان ملت عنه عاقبني وأنا أنظر كل ساعة في المرآة لأعرف هل اسود وجهي أم لا‏.‏
وكان إذا اشتد به الوجد يقول‏:‏ قد تعشّقت وافتضح ت وقامت قيامتي‏!‏ محنتي فيك أنّني لا أبالي بمحنتي يا شفائي من السّقام وإن كنت علّتي تعبي فيك دائمٌ فمتى وقت راحتي وحكي انه كان محبوساً في المارستان فدخل عليه جماعة فقال‏:‏ من أنتم فقالوا‏:‏ أحبابك جئناك زائرين‏!‏ فأخذ يرميهم بالحجارة فأخذوا يهربون فقال‏:‏ لو كنتم أحبابي لصبرتم على بلائي ‏!‏ توفي الشبلي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة عن سبع وثمانين سنة‏.‏
. شغنسة
مدينة بالأندلس بقرب وادي الحجارة قال العذري‏:‏ من عجائبها الجبل الذي هو مطل عليها إذا كسر حجره يخرج من كسره زفت أسود شبه القار ومن أراد يجمع منه ما شاء‏.‏
وليس للهوام بها كثير فعل‏.‏
.شلب
مدينة بالأندل بقرب باجة قال العذري‏:‏ لها بسيط يتسع وبطائح تنفسح وبها جبل عظيم من عجائبها ما ذكره خلق لا يحصى عددهم أنه قل أن يرى من أهل شلب من لا يقول شعراً ولا يتعانى الأدب ولو مررت بالحراث خلف فدانه وسألته الشعر لقرض في ساعته أي معنى اقترحت عليه وأي معنى طلبت منه صحيحاً‏!‏ شنترة مدينة بالأندلس بقرب الأشبونة على ساحل البحر وعليها ضبابة دائمة لا تنقشع‏.‏
من عجائبها تفاحها فإن بها تفاحاً دورة واحدة منها ثلاثة أشبار‏.‏
وهي الآن بيد الفرنج‏.‏
ملكوها سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة‏.‏
. شنترين
مدينة بالأندلس بقرب باجة على ساحل البحر‏.‏
أرضها في غاية الكرم‏.‏
مبنية على نهر باجة وللنهر فيض في بطائحها كفيض النيل بمصر‏.‏
زرع أهلها على نداوته في مواضع فيضه بعد فوات أوان الزرع في غيرها من البلاد فيدرك بالعاجل‏.‏
وبها يوجد العنبر الجيد الذي يقذفه البحر إلى ساحله في بعض الأوقات يحمل منها إلى سائر البلاد‏.‏ومن عجائبها ما ذكر أن دابة تخرج من البحر هناك وتحتك بحجارة على ساحل البحر فيسقط منها وبرة على لون الذهب ولين الخز وهي قليلة عزيزة جداً فيجمعها الناس وينسج منها الثياب فيحجر عليها ملوكهم ولا تنقل من بلادهم إلا باخفية وتزيد قيمة الثوب منها على ألف دينار لحسنه وعزته‏.‏
شنت مرية
مدينة قديمة بالأندلس‏.‏ومعنى شنت مرية بلغة الفرنج مدينة مريم‏.‏
وبها كنيسة قال أحمد بن عمر العذري‏:‏ انها بناء رفيع وسوار عظيمة من فضة لم ير الراؤون مثلها في طول مفرط وعرض لم يحزم الإنسان بذراعه واحدة منها‏.‏
وبها عين ماء إذا رآها الناظر من البعد لا يشك في أنها جارية فإذا قرب منها ووقع البصر على منبعها لم يرها جارية أصلاً فإذا تباعد عنها رآها جارية‏!‏ وهذا أمر مشهور عنها لا يكاد يخفى على أحد من تلك البلاد أو على من دخلها قال عبد الله البطليوسي النحوي يهجوها‏:‏ أناخت بنا في أرض شنت مريّةٍ هواجس ظنّ خان والظّنّ خوّان شنقنيرة أرض بالأندلس من أعمال لورقة‏.‏
خصها الله تعالى بالبركة وقوة لم توجد في غيرها من الأراضي‏.‏
وهي ما ذكره الغرناطي الأنصاري أنها حسنة المنظر والمخبر كثيرة الريع طيبة المرتع الحبة من زرعها تتفرع إلى ثلاثمائة قصبة ومسافة هذه الأرض أربعون ميلاً من قرطاجنة إلى لورقة يرتفع من المكوك من بذره مائة مكوك‏.‏
ليست هذه الخاصية لشيء من أراضي غيرها‏.‏
.طليطلة
مدينة كبيرة بالأندلس من أجل مدنها قدراً وأكثرها خيراً تسمى مدينة الملوك‏.‏
ومن طيب تربتها ولطافة هوائها تبقى الغلات في مطاميرها سبعين سنة لا تتغير‏.‏
وبها القنطرة العجيبة التي وصفها الواصفون أنها قوس واحد من أحد طرفي الوادي إلى الطرف الآخر لم ير على وجه الأرض قوس قنطرة أعظم منها إلا قنطرة صور قال محمد بن عبد الرحيم الغرناطي‏:‏ بقرب طليطلة نهر عظيم بنت الجن على ذلك قنطرة من الصخر عالية من الجبل إلى الجبل كأنها قوس قزح كل صخرة منها مثل بيت كبير وقد شدت تلك الحجارة بجذوع من حديد وأذيب عليه الرصاص الأسود وهي أزج واحد يتعجب الناظرون منها لجودة بنائها وماء ذلك النهر لا ينقطع أبداً‏.‏
وبها حجر المطر وهو ما أخبر به بعض المغاربة أن بقرب طليطلة حجراً إذا أراد القوم المطر أقاموه فلا يزال يأتي المطر إلى أن يلقوه‏.‏
وكلما أرادوا المطر فعلوا ذلك‏.‏
وبها صورة ثورين من حجر صلد قال العذري‏:‏ ان طارقاً لما غزا طليطلة ركب على الثيران وكان ذلك الموضع معسكره فلعل ذلك شيء من الطلسمات‏.‏
وكان بها بيت الملوك كل من مات من ملوكها ترك تاجه في ذلك البيت وكتب عليه عمر صاحبه ومدة ولايته وكان بها بيت آخر من ملك من ملوكها قفل عليه قفلاً ووصى لمن يكون بعده أن لا يفتح ذلك البيت حتى انتهى الملك إلى رجل اسمه لذريق دخل البيت الأول فوجد فيه أربعة وعشرين تاجاً على عدد ملوكهم ووجد على باب البيت الآخر أربعة وعشرين قفلاً ظن أن فيه مالاً فأراد فتحه فاجتمعت الأساقفة والشمامسة وعظموا ذلك وسالوه أن يسلك مسلك الملوك الذين كانوا قبله فأبى إلا فتحه فقالوا له‏:‏ أيها الملك انظر فيما يخطر ببالك من مال تراه فيه لندفعه إليك ولا تفتحه‏.‏فأبى إلا فتحه‏.‏فلما فتحه إذا في البيت صور العرب على خيولهم بعمائمهم ونعالهم وإذا فيه مكتوب‏:‏ الملك فينا ما دام هذا البيت مقفلاً فإذا فتح فقد ذهب الملك‏!‏ فندم لذريق على فتح الباب فدخلت العرب بلدهم في السنة التي فتح فيها الباب في أيام الوليد بن عبد الملك‏.‏
ولما فتحوها وجدوا بها مائدة سليمان بن داود عليه السلام من ذهب فلم يمكن نقلها لعظمها‏.‏
فأمر الوليد أن يضرب منها حلي الكعبة وميزابها ففعل وما زالت بيد المسلمين إلى أن استولى عليها الفرنج في شهور سنة سبع وسبعين وأربعمائة وإلى الآن بيدهم‏.‏
غرناطة مدينة بالأندلس قديمة بقرب البيرة من أحسن مدن بلاد الأندلس وأحصنها ومعناها الرمانة بلغة الأندلسيين يشقها نهر يعرف بنهر قلوم وهو النهر المشهور الذي يلفظ من مجراه برادة الذهب الخالص‏.‏
بها جبل الثلج مطل عليها على ذروته توجد أيام الصيف صنوف الرياحين والرياض المونقة وأجناس الأفاويه وضروب العقاقير‏.‏
وبها شجرة الزيتون التي هي من عجائب الدنيا قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ بقرب غرناطة بالأندلس كنيسة عندها عين ماء وشجرة زيتون والناس يقصدونها في يوم معلوم من السنة فإذا طلعت الشمس ذلك اليوم أخذت تلك العين بإفاضة الماء ففاضت ماء كثيراً ويظهر على الشجرة زهر الزيتون ثم ينعقد زيتوناً ويكبر ويسود في يومه ذلك اليوم فيأخذ من ذلك الزيتون من قدر على أخذه ومن ذلك الماء للتداوي‏.‏
وقال محمد بن عبد الرحيم الغرناطي إنها بغرناطة‏.‏
وحدثني الفقيه سعيد بن عبد الرحمن الأندلسي انها بسقورة‏.‏
وقال العذري‏:‏ انها بلورقة‏.‏
والقائلون كلهم أندلسيون والمواضع المذكورة كلها من أرض الأندلس فجاز ان كل واحد منهم اضافه إلى موضع قريب منه‏.‏
. فراغة
مدينة بالأندلس بقرب لاردة‏.‏وهي مدينة حسنة البنيان ذات مياه وبساتين كثيرة‏.‏
وإنها حسنة المنظر طيبة المخبر‏.‏
بها سراديب تحت الأرض كثيرة وهي عندهم ملجأ من العدو إذا طرقهم‏.‏وصفتها أنها بئر ضيقة الرأس واسعة الأسفل وفي أسفلها أزقة كثيرة مختلفة كنافقاء اليربوع فلا يوصل إليها من أعلى الأرض ولا يجسر الطالب على دخولها وإن انتشر فيها الدخان دخوا في الأزقة وسدوا أبوابها حتى يرجع الدخان عنهم وإن طموها يكون لها باب آخر خرجوا منه وتسمى هذه السراديب عندهم الفجوج ويخرج في عملها الأموال بالوصية وغيرها‏.‏
وإن ذلك عندهم من أبواب البر
 فهمين
قلعة بأرض الأندلس بقرب طليطلة حصينة جداً‏.‏بها بئر شرب أهل القلعة منها ولم يعرف فيها علق أصلاً فكثر فيها الطين بطول زمان‏.‏
فاحتاجوا إلى كسحها فأخرجوا منها طيناً كثيراً فكثر ماؤها إلا انه تولد فيها علق كثير تعذر معه شرب مائها لأن العلق كان ينشب بحلق شارب الماء فوجدوا في وسط الطين المخرج منها علقاً من النحاس فرموه في البئر فانقطع العلق منها‏
.قادس
جزيرة بقرب الأندلس طولها اثنا عشر ميلاً‏.‏بها آبار مياهها عذبة وفيها آثار قديمة غيرها الزمان‏:‏ منها الطلسم المشهور الذي عمل لدفع البربر عن جزيرة الأندلس وهو ما حكي أن صاحب هذه الجزيرة كان من ملوك الروم قبل الإسلام وكانت له بنت ذات جمال فخطبها ملوك تلك النواحي فقالت البنت‏:‏ لا أتزوج إلا بمن يعمل في جزيرتي طلسماً يمنع البربر من دخولها أو يسوق الماء إليها من البر بحيث يدور الرحا عليها‏!‏ فشرع ملكان أحدهما في عمل الطلسم والآخر في سوق الماء إليها من البر فقيل لها‏:‏ بمن تتزوجين فقالت‏:‏ أتزوج بالسابق منهما‏!‏ أما صاحب الماء فقد اتخذ في وسط البحر بناء محكماً وثقه بالحجارة والرصاص بحيث لا يشرب شيئاً من ماء البحر وسرح الماء إليه من نهر من البر حتى وصل إلى جزيرة قادس وأثره في البحر إلى الآن ظاهر لكنه مهدوم بطول المدة‏.‏وأما صاحب الطلسم فقد اتخذ تمثالاً من الحديد مخلوطاً بالصفر على صورة رجل بربري له لحية متلحف بوشاح ورداء مذهب قد تعلق من منكبه إلى أنصاف ساقيه وقد جمع فضلتيه بيده اليسرى منضمة إلى صدره ويده اليمنى ممدودة بمفتاح قفل في يده قابض عليه مشيراً إلى البحر كأنه يقول‏:‏ لا عبور‏!‏ وهو قائم على رأس بناء عال طوله نيف وستون ذراعاً وطول الصورة قدر ستة أذرع وذكر أن البحر الذي تجاه الصورة ويسمى الابلاية لم ير ساكناً ولا تجري فيه السفن بعد ذلك‏.‏
وحكي أن صاحب سوق الماء سبق صاحب الطلسم فقال صاحب الجزيرة‏:‏ لا تظهروا سبقه حتى لا يبطل علينا عمل الطلسم‏.‏
فلما فرغ الصانع من الطلسم قيل له‏:‏ قد سبقت‏!‏ فالقى نفسه من أعلى الموضع الذي عليه الطلسم فمات‏.‏
فحصل لصاحب الجزيرة الماء والطلسم فما زال الأمر على ذلك‏.‏
كان البحر مضطرباً والجزيرة محفوظة إلى سنة أربعمائة فوقع المفتاح من يد الصورة فحمل إلى صاحب مدينة سبتة فوزنه فكان فيه ثلاثة أرطال فسكن البحر حينئذ وعبرت السفن فيه‏.‏
وذكر أيضاً أن الطلسم هدم في سنة أربعين وخمسمائة هدموه رجاء أن يوجد تحته شيء من المال فلم يوجد شيء فيه‏.‏مدينة بأرمينية تنسب إلى امرأة اسمها قالي فكأنه قال قالي بنت كما يقال دارابجرد وصورت صورة نفسها على باب المدينة‏.‏
يجلب منها البسط والزلالي التي يقال لها قالي‏.‏
ولأهلها يد باسطة في صنعتها ومنها تحمل إلى سائر البلاد‏.‏
بها بيعة الشعانين قال ابن الفقيه‏:‏ انها بيعة للنصارى فيها بيت كبير مخزن مصاحفهم وصلبانهم فإذا كانت ليلة الشعانين يفتح باب في ذلك الموضع معروف يخرج منه تراب أبيض فلا يزال يخرج ليلته إلى الصباح فينقطع حينئذ فيأخذه الراهب ويدفعه إلى الناس‏.‏
وخاصيته دفع السموم ولدغ العقارب والحيات يداف منه وزن دانق في ماء فيشربه الملسوع فيسكن في الوقت ألمه‏.‏
وفيه أعجوبة أخرى وذلك انه ان بيع منه شيء لم ينتفع به صاحبه ويبطل عمله‏.‏
.قرطبة
مدينة عظيمة في وسط بلاد الأندلس‏.‏كانت سرير ملك بني أمية دورتها أربعة عشر ميلاً وعرضها ميلان على النهر الأكبر الذي يعرف بوادي الكبير وعليه جسران‏.‏ومسجدها الجامع من أكبر مساجد الإسلام وأجمعها لمحاسن العمد والبنيان طوله أربعمائة ذراع وعرضه ثلاثمائة وعمده ورخام بنيانه بفسيفساء وذهب وبحذائه سقايات وحياض فيها من الماء الرضراض‏.‏
وبها كنيسة الأسرى وهي مقصودة معتبرة عند النصارى قال العذري‏:‏ إن المسلمين هموا بفتح قرطبة فأسروا راعياً من رعاتها وسألوه عنها فذكر أنها حصينة جداً إلا أن فيها ثغرة فوق باب القنطرة‏.‏
فلما جنهم الليل ذهبوا إلى تلك الثغرة ودخلوا منها وجاؤوا إلى باب المدينة الذي يقال له باب القنطرة وقتلوا الحراس وفتحوا الباب ودخلوا المدينة‏.‏
فلما علم صاحب قرطبة أن المسلمين دخلوا خرج مع وجوه المدينة وتحصن بهذه الكنيسة فحاصرهم المسلمون ثلاثة أيام‏.‏
فبينا هم كذلك إذ خرج العلج على فرس أصفر هارباً حتى أتى خندق المدينة فتبعه أمير المسلمين واسمه مغيث‏.‏
فلما رأى مغيثاً حرك فرسه فسقط واندقت رقبته فأسره مغيث ورجع إلى بقية العلوج فأسرهم وقتلهم فسميت الكنيسة كنيسة الأسرى‏.‏
وبها جبال معدن الفضة ومعدن الشادنج وهو حجر يقطع الدم ومعدن حجر التوتيا ومعدن الشبوب وتجلب من قرطبة بغال قيمة واحد منها تبلغ خمسمائة دينار لحسن شكلها وألوانها وعلوها وصحة قوائمها‏.‏مدينة قديمة بالأندلس بقرب بسطة‏.‏
بها جبل فيه غار يتقاطر الماء من أعلاه في حفيرة تحته لطيفة نقطة نقطة ويجتمع في تلك الحفيرة بذوبانها ولا يغيض فإن شرب من ماء تلك الحفيرة عدد كثير لم ينقص قال العذري‏:‏ أخبرني بهذا جماعة شاهدوها وهذا أمر شائع مستفيض في ذلك الموضع قال‏:‏ وفي هذا الغار ميت لا يغيره طول الأزمنة ولم يعرف له خبر‏.‏
.لبلة
مدينة بالأندلس قديمة بقرب اشبيلية كثيرة الحيرات فائضة البركات بها آثار قديمة بها نهر لهشر وبهذا النهر ثلاث عيون‏:‏ إحداها عين لهشر وهي أغزرها ماء وأعذبها والثانية عين الشب فإنها تنبعث بالشب والثالثة عين الزاج فإنها تنبعث بالزاج فإذا غلبت عين ماء لهشر قال العذري‏:‏ سور المدينة قد عقد بناؤه على تصاوير أربعة‏:‏ صنم يسمى درديا وعليه صنم آخر وصنم يسمى مكيخا وعليه صنم آخر‏.‏
والمدينة مبنية على هذه الأصنام وما علا من البناء موضوع على أعناقها‏.‏
ومدينة لبلة انفردت بهذه البنية على سائر المدن‏.‏
وبها صيد البر والبحر جميعاً‏.‏
ويجلب منها العصفر الجيد والعناب الذي لا نظير له في الآفاق ويعمل بها الأديم الجيد الذي يحاكي الطائفي‏.‏
.لشبونة
مدينة بالأندلس قديمة في غربي قرطبة قريبة إلى البحر‏.‏
بها جبال فيها أوكار البزاة الخلص ولا تكون في غيرها‏.‏
ولعسلها فضل على كل عسل بالأندلس يشبه السكر إذا لف في خرقة لا يلوثها‏.‏
وبها معدن التبر الخالص ويوجد بساحلها العنبر الفائق ملكها الفرنج سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وهي إلى الآن بيدهم‏.‏
. لورقة
مدينة كبيرة بالأندلس قاعدة كورة تدمير‏.‏
هي أكرم بقاع الأندلس وأكثرها خيراً سيما الفواكه فإن بها من أصناف الفواكه ما لا يوجد في غيرها حسناً وكثرة سيما الكمثرى والرمان والسفرجل‏.‏
ومن قوة أرضها ما ذكره العذري أن بها عنباً وزن العنقود منه خمسون رطلاً بالبغدادي وان الحبة من الحنطة تصيب هناك مائة حبة‏.‏
وبأرض لورقة يسقي نهر كنيل مصر يبسط على الأرض فإذا غاض يزرع عليه ويبقى طعامها في المطامير خمسين سنة وأكثر ولا يتغير وكثيراً ما تصيبها آفة الجراد‏.‏
وحكي انه كانت في بعض كنائسها جرادة من ذهب وكانت لورقة آمنة من جائحة الجراد فسرقت تلك الجرادة فظهر الجراد في ذلك العام ولم يفقد بعد ذلك‏.‏
وأيضاً لم توجد بها علة البقر التي تسمى اللقيس إلى أن وجد في بعض الأساس ثوران من صفر أحدهما قدام الآخر يلتفت إليه‏.‏
فلما أخذ من ذلك الموضع وقعت اللقيس في ذلك العام‏.‏
ومن عجائبها شجرة زيتونة في كنيسة في حومة جبل في كل سنة في وقت معلوم تنور وتعقد وتسود وتطيب في يوم آخر وهي مشهورة عرفها الناس حكى العذري أن هذه الشجرة قطعها أصحابها وهم نصارى وإنما فعلوا ذلك لكثرة الواردة عليهم بسببها وتزاحم الناس فبقيت مقطوعة زماناً ثم لقحت بعد ذلك وهي الآن باقية كذا ذكره العذري في شهور سنة خمسين وأربعمائة‏.‏
وقال أيضاً‏:‏ أخبرني إبراهيم بن أحمد الطرطوشي قال‏:‏ سمعت ملك الروم يقول إني أريد أن أرسل إلى أمير المؤمنين بالأندلس هدية فإن من أعظم حوائجي عنده انه صح عندي أن في الفاتحة الكريمة كنيسة وفي الدار منها زيتونة إذا كانت ليلة الميلاد تورقت وعقدت وأطعمت من نهارها‏.‏
اعلم أن لشهيدها محلاً عظيماً عند الله فأتضرع إلى معاليه في تسلية أهل تلك الكنيسة ومداراتهم حتى يسمحوا بعظام ذلك الشهيد فإن حصل لي هذا كان أجل من كل نعمة‏.‏
وبها وادي الثمرات ذكر العذري أن هناك أرضاً تعرف بوادي الثمرات يرد إليه ماء واد هناك يسقيه فينبت التفاح والكمثرى والتين والزيتون ونحوها سوى شجر التوت من غير غرس أصل لقد حدث بذلك جماعة من ثقات الناس‏.‏.
.مالطة
جزيرة بقرب جزيرة الأندلس عظيمة الخيرات كثيرة البركات طولها نحو ثلاثين ميلاً وهي آهلة وبها مدن وقرى وأشجار وأثمار غزاها الروم بعد الأربعين والأربعمائة‏.‏
حاربوهم وطلبوا منهم الأموال والنساء فاجتمع المسلمون وعدوا أنفسهم وكان عدد عبيدهم أكثر من عدد الأحرار فقالوا لعبيدهم‏:‏ حاربوا معنا فإن ظفرتم فأنتم أحرار وما لنا لكم وإن توانيتم قتلنا وقتلتم‏!‏ فلما وافى الروم حملوا عليهم حملة رجل واحد ونصرهم الله فهزموهم وقتلوا من الروم خلقاً كثيراً ولحق العبيد بالأحرار واشتدت شوكتهم فلم تغزهم الروم بعد ذلك أبداً‏.‏
ينسب إليها ابن السمنطي الشاعر المالطي‏.‏
كان آية في نظم الشعر على البديهة قال أبو القاسم بن رمضان المالطي‏:‏ اتخذ بعض المهندسين بمالطة لملكها صورة تعرف بها أوقات ساعات النهار وكانت ترمي بنادق على الصناج فقلت لعبد الله ابن السمنطي‏:‏ اجز هذا المصراع‏:‏ جارية ترمي الضنج فقال‏:‏ بها القلوب تبتهج كأن من أحكمها إلى السّماء قد عرج وطالع الأفلاك عن سرّ البروج والدّرج كأنه يقرأها من حفظه‏.‏
ما وراء النهر يراد به ما وراء نهر جيحون‏.‏
من أنزه النواحي وأخصبها وأكثرها خيراً‏.‏
وليس بها موضع خال عن العمارة من مدينة أو قرى أو مزارع أو مراع‏.‏
هواؤها أصح الأهوية ومياهها أعذب المياه وأخفها والمياه العذبة عمت جميع جبالها وضواحيها وترابها أطيب الأتربة وبلادها بخارى وسمرقند وجند وخجند‏.‏
وأهلها أهل الخير والصلاح في الدين والعلم والسماحة فإن الناس في أكثر ما وراء النهر كأنهم في دار واحدة وما ينزل أحد بأحد إلا كأنه نزل بدار نفسه من غريب وبلدي‏.‏
وهمة كل امريء منهم على الجود والسماح فيما ملكت يده من غير سابقة معرفة أو توقع مكافأة‏.‏
حكى الاصطخري انه نزل منزلاً بالصغد فرأى داراً ضربت الأوتاد على بابها فقالوا‏:‏ إن ذلك الباب لم يغلق منذ زيادة على مائة سنة ولم يمنع من دخوله واصل ليلاً ولا نهاراً‏!‏ والغالب عليهم بناء الرباطات وعمارة الطرق والوقف على سبيل الجهاد وأهل العلم وليس بها قرية ولا منهل ولا مفازة إلا وبها من الرباطات ما يفضل عن نزول من طرقه‏.‏
وقال‏:‏ بلغني أن بما وراء النهر أكثر من عشرة آلاف رباط في أكثرها إذا نزل الناس به طعام لهم وعلف لدوابهم إن احتاجوا‏.‏
وجميع ما وراء النهر ثغر من حدود خوارزم إلى اسبيجاب وهناك الترك الغزية من اسبيجاب إلى فرغانة الترك الخلخية ولم يزل ما وراء النهر على هذه الصفة إلى أن ملكها خوارزم شاه محمد بن تكش سنة ستمائة وطرد الخطاة عنها وقتل ملوك ما وراء النهر المعروفين بالخانية وكان في كل قطر ملك يحفظ جانبه فلما استولى على جميع النواحي عجز عن ضبطها فسلط عليها عساكره حتى نهبوها وأجلى الناس عنها فبقيت تلك الديار التي وصفت بالجنان لحسنها خاوية على عروشها ومياهها مندفقة معطلة وقد ورد عقيب ذلك عساكر التتر في سنة سبع عشرة وستمائة وخربوا بقاياها‏.‏
والآن بقي بعض ما كان عليها‏.‏
فسبحان من لا يعتريه التغير والزوال وكل شيء سواه يتغير من حال إلى حال‏!‏ مدينة النحاس ويقال لها أيضاً مدينة الصفر‏.‏
لها قصة عجيبة مخالفة للعادة جداً ولكني رأيت جماعة كتبوها في كتب معدودة كتبتها أيضاً ومع ذلك فإنها مدينة مشهورة الذكر‏.‏
قال ابن الفقيه‏:‏ ذهب العلماء الأقدمون إلى أن مدينة النحاس بناها ذو القرنين وأودعها كنوزه وطلسمها فلا يقف عليها أحد وجعل في داخلها حجر البهتة وهو مغناطيس الناس فإن الإنسان إذا وقف حذاءه جذبه كما يجذب المغناطيس الحديد ولا ينفصل عنه حتى يموت وانه في مفاوز الأندلس‏.‏
ولما بلغ عبد الملك بن مروان خبر مدينة النحاس وخبر ما فيها من الكنوز وان إلى جانبها بحيرة فيها كنوز كثيرة وأموال عظيمة كتب إلى موسى بن نصير عامل المغرب وأمره بالمصير إليه والحرص على دخولها وان يعرفه حالها ودفع الكتاب إلى طالب بن مدرك فحمله إلى موسى وهو بالقيروان فلما قرأه تجهز وسار في ألف فارس نحوها فلما رجع كتب إلى عبد الملك‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏
أصلح الله الأمير صلاحاً يبلغ به خير الدنيا والآخرة‏.‏
أخبرك يا أمير المؤمنين أني تجهزت لأربعة أشهر وسرت في مفاوز الأندلس ومعي ألف رجل حتى أوغلت في طرق قد انطمست ومناهل قد اندرست وعفت فيها الآثار وانقطعت عنها الأخبار فسرت ثلاثة وأربعين يوماً أحاول مدينة لم ير الراؤون مثلها ولم يسمع السامعون بنظيرها‏.‏
فلاح لنا بريق شرفها من مسيرة ثلاثة أيام فأفزعنا منظرها الهائل وامتلأت قلوبنا رعباً من عظمها وبعد أقطارها‏.‏
فلما قربنا منها إذا أمرها عجيب ومنظرها هائل فنزلنا عند ركنها الشرقي ثم وجهت رجلاً من أصحابي في مائة فارس وأمرته أن يدور حول سورها ليعرف بابها فغاب عنا يومين ثم وافى اليوم الثالث فأخبرني انه ما وجد لها باباً ولا أرى إليها مسلكاً فجمعت أمتعة أصحابي إلى جانب سورها وجعلت بعضها على بعض لأنظر من يصعد إليها فيأتيني بخبر ما فيها فلم تبلغ أمتعتنا ربع الحائط لارتفاعه فأمرت عند ذلك باتخاذ السلالم وشد بعضها إلى بعض بالحبال ونصبتها إلى الحائط وجعلت لمن يصعد إليها ويأتيني بخبر ما فيها عشرة آلاف درهم فانتدب لذلك رجل من أصحابي يتسنم ويقرأ ويتعوذ‏.‏
فلما صار على سورها وأشرف على ما فيها قهقه ضاحكاً ونزل إليها فناديناه أن أخبرنا بما فيها وبما رأيته فلم يجبنا‏.‏
فجعلت لمن يصعد ويأتيني بخبر ما فيها وخبر الرجل ألف دينار فانتدب رجل من حمير وأخذ الدنانير ثم صعد‏.‏
فلما استوى على السور قهقه ضاحكاً ثم نزل إليها فناديناه أن أخبرنا بما ترى فلم يجبنا‏.‏
فصعد ثالث وكان حاله مثل حال الرجلين فامتنع أصحابي بعد ذلك من الصعود فلما أيست عنها رحلت نحو البحيرة وسرت مع سور المدينة فانتهيت إلى مكان من السور فيه كتابة بالحميرية فأمرت بانتساخها فكانت‏:‏ ليعلم المرء ذو العزّ المنيع ومن يرجو الخلود وما حيٌّ بمخلود‏!‏ لو انّ حيّاً ينال الخلد في مهلٍ لنال ذاك سليمان بن داود سالت له العين عين القطر فائضةً فيه عطاءٌ جزيلٌ غير مصرود وقال للجنّ أنشوا فيه لي أثراً يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يودي فصيّروه صفاحاً ثمّ ميل به إلى البناء بإحكامٍ وتجويد وأفرغوا القطر فوق السّور منحدراً فصار صلباً شديداً مثل صيخود وصبّ فيه كنوز الأرض قاطبةً وسوف تظهر يوماً غير محدود لم يبق من بعدها في الأرض سابغةً حتى تضمّن رمساً بطن أخدود هذا ليعلم أنّ الملك منقطعٌ إلاّ من الله ذي التقوى وذي الجود قال‏:‏ ثم سرت حتى وافيت البحيرة عند غروب الشمس فإذا هي مقدار ميل في ميل كثيرة الأموج فإذا رجل قائم فوق الماء فناديناه‏:‏ من أنت فقال‏:‏ أنا رجل من الجن‏!‏ كان سليمان بن داود حبسه والذي في هذه البحيرة‏.‏
فأتيته لأنظر ما حاله قلنا له‏:‏ فما بالك قائماً فوق الماء قال‏:‏ سمعت صوتاً فظننته صوت رجل يأتي هذه البحيرة في كل عام مرةً وهذا أوان مجيئه فيصلي على شاطئها أياماً ويهلل الله ويمجده‏.‏
قلنا‏:‏ من تظنه قال‏:‏ أظنه الخضر عليه السلام‏.‏
فغاب عنا فلم ندر كيف أخذ‏.‏
قال‏:‏ وكنت أخرجت معي عدة من الغواصين فغاصوا في الماء فرأوا حباً من صفر مطبقاً رأسه مختوماً برصاص فأمرت به ففتح فخرج منه رحل من صفر على فرس بيده رمح مطرد من صفر فطار في الهواء وهو يقول‏:‏ يا نبي الله لا أعود‏!‏ ثم غاصوا ثانية وثالثة فأخرجوا مثل هذا فضجوا خوفاً من قطع الزاد‏.‏
فأخذت الطريق التي سلكتها أولاً حتى عدت إلى قيروان والحمد لله الذي حفظ لأمير المؤمنين أموره وسلم له جنوده والسلام‏.‏
قال‏:‏ فلما قرأ عبد الملك كتاب موسى وكان عنده الزهري قال له‏:‏ ما تظن بأولئك الذين صعدوا السور قال الزهري‏:‏ يا أمير المؤمنين لأن لتلك المدينة جناً قد وكلوا بها‏!‏ قال‏:‏ فمن أولئك الذين يخرجون من الحباب ويطيرون قال‏:‏ أولئك مردة الجن الذين حبسهم سليمان بن داود عليه السلام في البحار هذا ما رواه ابن الفقيه‏.‏
وقال أبو حامد الأندلسي‏:‏ دور مدينة النحاس أربعون فرسخاً وعلو سورها خمسمائة ذراع فيما يقال‏.‏
ولها كتاب مشهور في كتابها أن ذا القرنين بناها والصحيح أن سليمان بن داود عليه السلام بناها‏.‏
وليس لها باب ظاهر وأساسها راسخ وان موسى بن نصير وصل إليها في جنوده وبنى إلى جانب السور بناء عالياً متصلاً به وجعل عليه سلماً من الخشب متصلاً بأعلى السور وندب إليه من أعطاه مالاً كثيراً‏.‏
وأن ذلك الرجل لما رأى داخل المدينة ضحك وألقى نفسه في داخل المدينة وسمعوا من داخل المدينة أصواتاً هائلة ثم ندب إليه آخر وأعطاه مالاً كثيراً وأخذ عليه العهد أن لا يدخل المدينة ويخبرهم بما يرى فلما صعد وعاين المدينة ضحك وألقى نفسه فيها وسمعوا من داخلها أصواتاً هائلة أيضاً ثم ندب إليه رجلاً شجاعاً وشد في وسطه حبلاً قويا فلما عاين المدينة ألقى نفسه فيها فجذبوه حتى انقطع الرجل من وسطه‏.‏
فعلم أن في المدينة جناً يجرون من علا على السور فأيسوا منها وتركوها‏.‏
وذكر أبو حامد الأندلسي في وصف مدينة النحاس قصيدة منها‏:‏ وتقبّل الملكوت ربعي حيث ما فلك البروج يجرّ في سجداته والرّيح يحمله الرّخاء فإنّما شهرين مطلعها إلى روحاته كالطّود مبهمةً بأسٍّ راسخٍ أعيا البريّة من جميع جهاته والقطر سال بها فصاغ مدينةً عجباً يحار الوهم دون صفاته حصن النّحاس أحاط من جنباتها وعلى غلوّ السّهم في غلواته فيها ذخائره وجلّ كنوزه والله يكلأها إلى ميقاته في الأرض آياتٌ فلا تك منكراً فعجائب الأشياء من آياته مراغة مدينة كبيرة مشهورة من بلاد آذربيجان قصبتها‏.‏
وهي كثيرة الأهل عظيمة القدر غزيرة الأنهار كثيرة الأشجار وافرة الثمار‏.‏
بها آثار قديمة للمجوس ومدارس وخانقاهات حسنة‏.‏
حدثني بعض أهلها أن بها بستاناً يسمى قيامتاباذ فرسخ في فرسخ وأن أربابه لا يقدرون على تحصيل ثمرتها من الكثرة فتتناثر من الأشجار‏.‏
وبقرب قيامتاباذ جمة يفور الماء الحار عنها يأتيها أصحاب العاهات يستحمون بها وتنفعهم‏.‏
وهي عيون عدة أكثر ما يأتيها الزمنى والجربى‏.‏
فإذا انفصل هذا الماء عن الجمة ويجري على وجه الأرض يصير حجراً صلداً‏.‏وخارج المدينة غار يدخله الإنسان يرى فيه شبه البيوت والغرف فإذا أمعن يرى فيه شيئاً صليباً لا يقرب منه أحد إلا هلك يزعمون أنه طلسم على كنز والله أعلم‏.‏
وبها جبل زنجقان وهو جبل بقرب مراغة به عين ماء عذب يعجن به الدقيق فيربو كثيراً ويحسن خبزه والخبازون يخمرون أدقتهم به ويصير هذا الماء حجراً ينعقد منه صخور ضخام يستعملها الناس في أبنيتهم‏.‏
ومن مفاخرها القاضي صدر الدين المعروف بالجود والكرم وفنون الخيرات وصنوف المبرات من خيراته سور مدينة قزوين الذي عجز عن مثله أعظم ملوك زماننا فإنه بنى أبواب المدينة بالآجر في غاية العلو وبقية السور بالطين وشرفاتها بالآجر والمدينة في غاية السعة‏.‏
وحكي أنه أراد أن يتخذ لنفسه قبراً بقرب حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلى أمير المدينة وأعلمه ذلك فشرط أن يبعث إليه ملء جراب ذهباً‏.‏
فقال القاضي‏:‏ ابعث إلي الجراب حتى أملأه ذهباً‏!‏ فلما رأى أمير المدينة كبر همته وسماحة نفسه بعث إليه اذن عناق ومكنه من ذلك‏.‏
فلما توفي دفن في المدينة وموضع رأسه قريب من قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وحكى الشيخ نور الدين محمد بن خالد الجيلي وكان من الابدال في كتاب صنفه في كراماته وعجائب حالاته قال‏:‏ رأيت فوجاً من الملائكة لا يدرك عددهم ومعهم تحف وهدايا فسألت‏:‏ إلى من هذه الهدايا قالوا‏:‏ إلى قاضي مراغة‏.‏
قلت‏:‏ ما هو إلا عبد مكرم‏!‏ قالوا‏:‏ ان هذه له لكرامته رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
. مربيطر
مدينة بالأندلس بقرب بلنسية قال صاحب معجم البلدان‏:‏ إن فيها الملعب ذا العجائب لست أعرف كيف يكون ذلك وذاك أن الإنسان إذا نزل فيه صعد وإذا صعد عليه نزل إن صح ذلك فإنه ذو العجائب جداً‏.‏
المستطيلة قال أبو القاسم الجهاني‏:‏ إنها بلاد بأرض الروم على ساحل البحر‏.‏
المطر بها دائم صيفاً وشتاء بحيث أهلها لا يقدرون على دياس بيادرهم وإنما يجمعونها في السنابل ويفركونها في بيوتهم‏.‏
بها بزاة كثيرة عدد الغربان عند غيرهم لكنها ضعيفة رخوة لا تقدر على أخذ الدجاج وأمثالها‏.‏
المصيصة مدينة بأرض الروم على ساحل جيحان‏.‏
كانت من ثغور الإسلام وهي الآن بيد أولاد ليون سميت بالمصيصة بن الروم بن اليقن بن سام بن نوح عليه السلام قال المهلبي‏:‏ من خاصية هذه المدينة الفراء المصيصية التي لا يتولد فيها القمل وإذا غسلتها لم تتغير عن حالها وتحمل إلى سائر البلدان وربما بلغت قيمة الفروة منها ثلاثين ديناراً‏.‏
 مدينة النساء
مدينة كبيرة واسعة الرقعة في جزيرة في بحر المغرب قال الطرطوشي‏:‏ أهلها نساء لا حكم للرجال عليهن يركبن الخيول ويباشرن الحرب بأنفسهن ولهن بأس شديد عند اللقاء ولهن مماليك يختلف كل مملوك بالليل إلى سيدته ويكون معها طول ليلته ويقوم بالسحر ويخرج مستتراً عند انبلاج الفجر فإذا وضعت إحداهن ذكراً قتلته في الحال وإن وضعت أنثى تركتها وقال الطرطوشي‏:‏ مدينة النساء يقين لا شك فيها‏.‏
آثار البلاد وأخبار العباد زكريا بن محمد بن محمود القزويني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق