الأربعاء، 30 مايو 2012

بركة السلطان

لطالبة نجلاء

121951
حركية الصلاح والصلحاء في “بركة السلطان

عرض/ رشيد نجيب، نشرت هذا المقال بالجريدة الأولى وبيان اليوم
من النادر جدا إلا تجد بادية أو حاضرة مغربية - على حد سواء- لا تحتضن ضريحا لولي صالح وأكثر، أو موقعا يدل عليه قد يكون جبلا، صخرة، ركاما من الأحجار، عينا مائية…الخ. يقوم الأهالي بالتبرك به لكاريزماتية شخصيته ورمزية مكانته، كما ينظمون له مواسم ويزورونه بين الحين والآخر. ففي أي سياق زمني بدأت فيه نجوم الصلحاء تتلألأ في سماء المغرب؟ ما هي العوامل التي أفرزت ظاهرة الصلاح مغربيا ؟ كيف كانت علاقة السلطة مع الحركية الجديدة وفاعليها ؟ كتاب الأستاذ نور الدين الزاهي ” بركة السلطان” الصادر عن دفاتر وجهة نظر يتناول ظاهرة الصلاح والصلحاء من شتى جوانبها.
برزت ظاهرة الصلاح في المغرب أثناء القرن السادس عشر في مرحلة تاريخية دقيقة تميزت بانتقال نظام الحكم من نظام قائم على التحالفات القبلية بما يرتبط به من عصبية، إلى نظام جديد محدد بالعامل الديني. ولم تقتصر هذه الظاهرة على المجال الديني فحسب بل امتدت كذلك لتشمل ما هو اقتصادي وحضاري وعرقي، كما أنها ترسخت بشكل قوي في المجال القروي مقارنة مع حضورها في الوسط الحضري.
هناك- تبعا للمؤلف- مجموعة من العوامل وراء نشوء ظاهرة الصلاح ( المرابطية أو الولائية كذلك) والتي اقترنت بوجود فساد عام شهده المجتمع المغربي على أصعدة عدة: صراع حول السلطة، تهديدات أجنبية مستمرة، مجاعات وأوبئة، احتلال برتغالي للشواطئ المغربية…بالمقابل كانت للظاهرة إفرازات تمثلت في تأسيس مؤسسة الزاوية التي ستبصم بدورها تاريخ المغرب بعدد من الأحداث.
إن وضع الفساد الذي ميز مغرب القرن 16، أدى إلى بروز حركية من الصلحاء الذين عملوا على صلاح الخلق أولا متوخين خلق توحد سياسي كفيل باحتواء عناصر الأزمة التي يتخبط فيه المغرب عندئذ.
ويحلل المؤلف الأسباب الكامنة وراء غياب المصلحين ووجود فقط الصلحاء ضمن الحقل الإسلامي، استنادا إلى التاريخ والمعتقد الإسلاميين واعتبارا للطابع التوحيد للإسلام الذي لم ينشئ واسطة بين الرب والعباد حيث يغيب التفويض والوساطة. ولأن الإسلام يربط السلطان السياسي والشريعة عن طريق قائد الأمة ( النبي، الخليفة، أمير المؤمنين، السلطان) والذي يحتل موقعا سياسيا في علاقته مع الرعايا، وموقعا دينيا بسهره على سلامة واستمرارية العلاقة بين الفرد والله. هاتان الصفتان الدينية والسياسية تجعلان منه موحد الأمة، ليصل بنا المؤلف إلى كون هذا الوضع ” لا يمنح لأفراد الأمة أية شرعية دينية لمنافسة السلطان، كما لا يمنحهم أية شرعية دينية لإعلان الإصلاح إلا تحت نطاق وضمن دائرة السلطان وبقيادته وتوجيهه” ( صفحة45).
من مزايا الصالح- حسب مضمون الكتاب- أنه يتمتع بسلطة يمارسها في محيطه إنتاجا وإعادة إنتاج، يحظى بتكريم خاص من لدن جماعته نظرا لهويته الدينية القريبة جدا من القداسة، كما أنه دائم بالفضل والصلاح والدعوة المستجابة والزهد والخير، بنفس القدر الذي يختص فيه الصالح برأسمال رمزي يتجلى في معرفته المتصلة بعدة مجالات: تقاليد الجماعة وأعرافها، التاريخ الإسلامي، المجال الطبيعي، الأساطير، التصوف…إلا أن هذه الخاصية ليست قاعدة قارة لدى الصلحاء والذين تحمل لنا سيرهم نماذج لا تربطهم بالمعرفة سوى رابطة الخير والإحسان: منهم الصالح أبي الطيب اليحياوي المشهور بصمته المطبق وقلة كلامه وحتى إذا تحدث علما فإنه لا يزيد على أن يقول: ” السنة تجمعنا والبدعة تفرقنا”، والصالح أبي يعزى الذي لم تكن معرفته متجاوزة لحفظ المعوذتين، غير أن مناقبه جمعت حوله العامة والعلماء كذلك.
لدراسة العلاقة بين الصلحاء والسلطان السياسي، توقف المؤلف عند العهد السعدي لما أسهم الصلحاء في قيام الدولة السعدية انطلاقا من الكرامات على يد محمد القائم السعدي، ليتم بذلك الاستنجاد بالكرامة كقوى قدسية إلهية مساعدة على توحيد جميع الناس في دولة جديدة قامت على أنقاض المرينيين والوطاسيين. وبالرغم من هذه المساهمة في تأسيس دولة السعديين من طرف الصلحاء، لم تكن العلاقة بين الطرفين على ما يرام خوفا من السلطان على سلطته من نفوذ الصلحاء الذين نهج في حق الكثيرين منهم سياسة الاغتيال والتهجير القسري. ولأن حركية الصلحاء – لضغوط السلطان- كانت ضيقة على مستوى أفقها السياسي، فإنهم استعاضوا عن ذلك بإنتاج الكرامات مستنجدين بالميثولوجيا كشكل لتجاوز ضعفهم واقعيا وتاريخيا قبل أن يعملوا في فترة لاحقة على تأسيس الزوايا كامتداد جديد لهم.
يحدد المؤلف العلاقة بين الزاوية والمخزن - نظريا- وفق تصورين اثنين: يرى الأول أن الزاوية تشكل طرفا في الصراع المجتمعي لحضور البعد السياسي في بنيتها المرجعية، بينما يعتقد الثاني أنها مجرد أداة يوظفها المخزن لتثبيت سلطته في الجغرافيا المغربية. هكذا يسجل التاريخ المغربي كون المخزن لم يتردد برهة في الفتك تارة بالزوايا المناهضة له، وتارة أخرى في ربط علاقات وطيدة الصلة بالأخرى الموالية له ومنحها الامتيازات العقارية وظهائر الاعتراف السلطانية في إطار سياسة تروم الإخضاع. ومن منظور المؤلف، فإنه لولا الزوايا لما تأسست الأحزاب السياسية بالمغرب التي كثيرا ما ينطبق عليها ما انطبق قبل زمان على الزوايا في علاقاتها مع الدولة والمجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق