الاثنين، 28 مايو 2012


كتاب المفكر والسياسي باتريك سافيدان الموسوم “الدولة والتعدد الثقافي”،
في ترجمته العربية لمصطفى حسوني. وسبق لهذا الكتاب أن أثار الكثير من
الجدل إبان صدوره في طبعته الفرنسية عن المنشورات الجامعية الفرنسية سنة
2009.
يضم الكتاب مقدمة وأربعة فصول وهي: “ديناميات المساواة الديمقراطية”،
ويضم المقالات التالية “الحق في المساواة”، “التحولات الديمقراطية للهوية”،
“أخلاق الاعتراف”. ثم “الموقف المضاد للتعدد الثقافي” ويضم المقالات
التالية “التوافق السياسي”، “نحو المقاومة”، وفيه نقرأ “مبدأ القوميات”،
“افتراض التفوق المعرفي للابستيمولوجيا”، “التنوع والصراع”، “حجج ذات طابع
أخلاقي”، و”مبدأ الحياد السياسي”. ثم “سياسة الهويات”، ويضم المقالات
التالية “طلب الإدماج”، “استحالة الحياد”، “الوطنية الليبيرالي”. ثم
“التعدد الثقافي في خدمة الحريات”، ويضم المقالات التالية “خطر الأحادية
الثقافية المتعددة”، “من أجل تعدد ثقافي ليبيرالي”، ثم خاتمة.

الفلسفة والتاريخ

وقد اختار المؤلف أن يضيء إشكالات الثقافة في صراعها مع الأنظمة من وجهة
نظر فلسفية عميقة، ومن وجهات نظر تاريخية متعددة، إذ يعتبر التعدد الإثن ـ
ثقافي من المعطيات القديمة لتاريخ البشرية. ونجد كما يقول المؤلف “عبر
التاريخ، ساكنة تنتقل، ومجموعات تختلط، وأراضي تم ضمها أو التخلي عنها،
وعمليات تبادل تجاري سبق إقامتها، وصيرورات إدماج سياسي تم تحقيقها، وحدود
جرى تغييرها. وساهمت كل هذه الظواهر في التنوع الإثن ـ ثقافي. وقد تعرف هذه
التنقلات وعمليات الترحال تغييرا في حجمها وسرعتها، وقد تساهم كذلك في خلق
ميولات غير معهودة. ولم يتم، عبر هذا التاريخ الطويل، إنكار هذه التنقلات
والعمليات بل استمرت، بخلاف ذلك، وتضاعفت وتقوت بفضل العولمة وضغوط العولمة
وضغوط الدينامية الديمغرافية وموجات الهجرة”.
ولا يعتبر المؤلف إن حركات الهجرة هي اعتباطية “بل تستجيب لحاجات اقتصادية
أو رغبة عائلية، وتدخل تاريخيا ضمن مخلفات الاستعمار الذي خلق صراعات
مقصودة في إطار مشروع الإدماج الجهوي، أو محاولاته التي أدت إلى تفرقة
وشتات معروفة تاريخيا. فالمهاجر المكسيكي إلى نيويورك يتجه بداهة نحو
أقاربه ويعتمد كذلك على الشبكات المحلية التي تدعمه للحصول على خدمات خاصة
وتؤدي، أحيانا، الحركات المتشعبة مجتمعة، إلى إقامة فضاءات متعددة القوميات
ينشأ عنها تواجد متعدد لأطر ثقافية ذات بعد ثقافي دال”.

وقد تمكنت عدة أبحاث من رسم ملامح هذه المجموعات مثل المجموعة المكسيكية
في أميركا الشمالية أو الفليبينية في روما واللاوسية في باريس، والجزائرية
في مارساي، وذلك على الرغم من صعوبة هذا العمل حيث يفقد مفهوم الهجرة
المدلول الذي توظف فيه تقليديا، الافتراضات الاجتماعية حول الدولة. وهناك
شوارع تحمل في كليتها بنية تحتية معينة تحمل هوية ثقافية محددة ترتبط
بالبلد الأصل.

دينامية الهجرة

وتساهم هذه الدينامية في تقوية التعدد الذي يتغذى من خلال الحركية
المتزايدة للأشخاص وتطور الهجرة العائلية وتدويل المقاولات والشبكات
التجارية والثقافية. وتثير هذه الأخيرة، بدون شك، الأسئلة الأكثر تعقيدا
بما أن الأمر يتعلق بالمعرفة، خاصة وأننا لا نتعامل مع هوية محددة عبر أصل
محدد. ومع ظهور ما يسمى بالهوية المتعددة القوميات التي لا تتلاءم مع
الهوية الكلاسيكية للمهاجر المندمج أو مع أصله، فنحن إذن أمام هوية خاصة
تتجاوز الحدود الجغرافية المعهودة.

وإذا كانت الهجرات حسب باتريك سافيدان “تساهم في تضخيم التعدد الثقافي
في المجتمعات المعاصرة، فإنها ليست الأسباب الوحيدة في هذا الاتجاه. ونذكر
بأن الدول/ الأمم في حد ذاتها تأسست بإدماج مجموعات متمايزة ثقافيا. وقد
عرف هذا الإدماج درجات متفاوتة تتراوح بين الإدماج الكلي والإدماج الجزئي.
ومهما كان، فبغض النظر عن صيرورات التأسيسات هذه التي تعرف في اللغة
الإنجليزية باسم “بناء الدولة – الأمة”، تبقى هناك خصوصيات جهوية يمكن ان
يؤدي البعض منها إلى حد الاعتراف بهويتها بل المطالبة بالحكم الذاتي.

ويفصّل المؤلف ذلك بالقول إن عدد المجموعات الإثن ـ ثقافية يتجاوز بشكل
واضح عدد الدول ـ الأمم. ونحصي اليوم ما يزيد عن 190 دولة/ امة ذات سيادة
في مقابل 5000 مجموعة إثنية تتكلم كل واحدة لغتها الخاصة تنتمي إلى 600
مجموعة لغوية. وتقر هذه الملاحظة البسيطة، على الصعيد العالمي، بأهمية
التنوع.

أمام هذا التنوع نجد، في المقابل، اتجاهات عالمية تميل نحو الانسجام
الثقافي الذي يتجسد من خلال تبني اللغة الإنجليزية كلغة سائدة. ولكن دور
العولمة لا يختزل في هذا الانسجام النسبي. فقد أدت في نفس الوقت إلى وعي
حاد باختلافاتنا الثقافية وساهمت بالتالي في تحقيق الاستقلال الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، يمكن إعادة موقعة الحاجة إلى ضرورة حماية التنوع الثقافي
في العالم. وقد توصلت الأغلبية الساحقة، خلال الدورة 33 للمؤتمر العام
لليونسكو بباريس في20 أكتوبر 2005، إلى اتفاق حول حماية وتشجيع التنوع
الثقافي. وقد كان من بين أهداف هذه الاتفاقية وضع الآليات القانونية
للإعلان العالمي لليونسكو حول التنوع الثقافي. وقد تم تبني ذلك بإجماع في 2
نوفمبر سنة 2001، وتهدف هذه الاتفاقية، في الأساس، إلى حماية التراث
المرتبط بهذا التنوع الثقافي.

ويرى المفكر باتريك سافيدان، أن “الشعوب الأولى التي استفادت من هذا
الوضع، الشعوب الأصلية الموطن مثل الهنود في كندا والولايات المتحدة
الأمريكية، وسكان الماوري في نيوزيلاند، والأبورجيين في اوستراليا...
وغيرهم. وقد تحققت مطالبهم، في السبعينيات، من خلال الاعتراف بحقهم في
الوجود كمجموعات متميزة في المجتمع، ولها حماية قانونية خاصة وقوية يمنحها
درجة معينة من الحكم الذاتي. واستفادت، في نفس الوقت، “مجموعات وطنية من
نظام الاعتراف. وموازاة مع هذه، نجد مجموعات وطنية مقيمة في منطقة محددة
جدا ذات طابع ثقافي خاص ومتميز عن باقي المجتمع مثل (الكيبيكيين في كندا
والفلامان في بلجيكا والباسك في اسبانيا...وغيرهم).

التراتبية والديمقراطية

إن “الهدم المستمر للتراتبية” قد ترافق وحركة مساواة الشروط وتحقيق
الاستقلال التي توصل الأفراد من خلالهما أنهم سواسية ليس فقط بالنظر الى
المجموعة التي ينتمون إليها، ولكن أرقى من ذلك، بالنظر إلى الإنسانية بصفة
عامة. فقد أدرك الإنسان تدريجيا أن قيمته تكمن في قيمة الإنسان المثيل له.
ومن هنا، فان الديمقراطية الحديثة توازي هذا البحث الجماعي عن تمثيلية
للمساواة بين الإنسان التي يمتد أثرها على المستويين الثقافي والمؤسساتي.

ويمكن أن نجيب على السؤال “ما هو المجتمع الديمقراطي؟” بأنه ذاك المجتمع
الذي تطورت في دواخله تجربة جديدة للآخر، والتي تقوم بدورها على إعادة
تمثل عميق للفكر الإنساني الذي يتجسد عبر تجريد الاختلافات!

إن الخلط الأرستقراطي بين الوضع الطبيعي والوضع القانوني هو الذي يشكل
في الأساس حاجزا أمام مساواة الشروط الاجتماعية. ولنقل أن كل المظاهر التي
تهيكل النظام الاجتماعي (وعلاقات السلطة) تنبع عند الأرستقراطي من جوهر
الطبيعة. ثم إن الانتماءات والنظام الذي ينتج عنها لا يرتبطان بقرار أو حكم
معين. ويحدد مبدأ التراتبية درجة الفرد وأهميته حسب المجرى الطبيعي
للأشياء. ويعني هذا أن النظام الطبيعي غير منفصل عن النظام القانوني.

ويحدد الانتماء، في المجتمع الأرستقراطي كذلك، الدرجة الاجتماعية للفرد
التي تحدد هويته، ومن خلالها يتموقع في المجموعة التي ينتمي إليها، كما
تشير إلى واجباته، لان كل فرد في النظام الأرستقراطي عليه أن يكون كما
تمليه الطبيعة، وأن يسلك الطريق الذي رسمته ولادته.

ويؤكد باتريك سافيدان على أن “الاعتراف بالهوية في السياق الجديد
للمجتمع الديمقراطي عبر التأكيد الشخصي في إطار أفق رحب للإنسانية، وليس
بالإحالة على فئات انتماء محددة”. ومن هنا، يظهر الآخر على أنه المثيل في
الوقت الذي تكون خصائصه المميزة ثانوية وحادثة وطارئة، بمعنى أنها مرتبطة
بسياقات مختلفة وبظرفيات الانتماء. وتقتضي التجربة الديمقراطية تفكيرا كل
فرد في إطار تجربة هويتنا المشتركة التي تهدف إلى تجريد اختلافاتنا
الثقافية والوطنية.

ثم يتساءل باتريك سافيدان، قائلا “لماذا يتم الاستدلال على أن هناك رابط
اختياري بين الاعتراف والهوية؟”، وردا على هذا السؤال الإشكالي، يجيبنا
باتريك سافيدان بقوله “فقد أشار الكتاب والفلاسفة وعلماء النفس أن تجربة
الذات تحيل أيضا على تجربة الآخر. وقد عبر، في بداية القرن التاسع عشر،
الفيلسوف الألماني هيجل، عن هذه الفكرة في إطار ما اسماه “جدلية الشيخ
والمريد”. وإذا ما عملنا على استخلاص النتائج من هذه الأطروحة، فسيؤدي بنا
هذا إلى ما يلي: تساهم نظرة الآخر واعترافه حتما في تعريف هويتي. ويعني هذا
أن ليست هناك هوية، ليظهر بعد ذلك مشكل الاعتراف أو عدم الاعتراف بهذه
الهوية، ولكن الأهم أن يتدخل الاعتراف في تحديد الهوية بالمعنى الذي تتحقق
به هذه الهوية. وقد تم تطوير هذه الصياغة الفلسفية التي وضعها هيجل بطرق
مختلفة في مجال العلوم الاجتماعية. ونذكر في هذا السياق الذي يربط فيه
دوركايم بين الفرد والرابط الاجتماعي من خلال الحكم على الآخر انطلاقا من
تجربة الذات. ويمكن أن نتساءل، كما فعل جورج هربيت ميد، عن “الطابع
الاجتماعي للذات والفكر”. وتؤكد وجهات نظر متعددة على الأهمية التي تأخذها
علاقة الآخر و/ أو المجتمع في بناء الفرد.

http://www.mediafire.com/download.php?v559y1vcs6ne2n1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق