المصطلحات
والمفاهيم في
دراسة الآثار
الإسلامية
الدكتور صالح
يوسف بن قربة
قسم
الآثار - جامعة
الجزائر
التعريف
بالبحث
يتناول
هذا البحث بعض
قضايا التراث
الإسلامي في
الفن
والعمارة،
التي استأثرت
باهتمامات
بعض علماء الغرب
من المستشرقين،
الذين قضوا
سنوات في
دراستها
والبحث عن أصولها
ومصادرها
واشتقاقاتها،
وقد أثار موضوع
(المحراب
المجوف) منذ
نشأته في
العمارة الدينية
الإسلامية،
مناقشات
كثيرة بين
علماء الآثار
والمؤرخين
جميعاً، حتى
اعتبره البعض بدعة
في الإسلام
منقولة من
الشرقية في
الكنائس
المسيحية.
ولسنا
بحاجة هنا إلى
تفنيد آراء
بعض المستشرقين
من أمثال
كريسويل (Creswel) الذي
اعتبر
المحراب
أصلاً
أجنبياً.
ولذلك
لم يكن إقبال
هؤلاء
الباحثين على
دراسة الفن
والعمارة
الإسلامييين
من أجل كتابة
تاريخهما
وتوضيح مراحل
التطور
اللذين عرفهما،
وإبراز
خصائصها
الفنية
والجمالية،
بل كان هدفهم
أبعد من ذلك
بكثير، وهو
اتهام
المسلمين
بالتقليد
والمحاكاة
وبعدهم عن
عمليتي الخلق
والابتكار في
هذا المجال.
ولذلك
ركزنا
دراستنا على
أربعة عناصر
هامة هي
(الفن،
المحراب -
الأرابسك -
السكة) التي
شكلت محور هذا
النقاش بين
المستشرقين
لنوضح
بالأدلة
مظاهر هذا التحامل
والمزالق
التي وقع فيها
هؤلاء العلماء.
تمهيد
ظهر الفن
في العالم
الإسلامي
متميزاً
بوحدة سادت
إنتاجه مهما
تعددت البلاد
واختلفت
الأجناس،
وتباعدت
العصور([1]) ومن غير
شك فإن الفن
الإسلامي قد
قام على أسس من
الفنون التي
كانت منتشرة
في البلاد
التي فتحها
العرب، والتي
صارت بعد ذلك
مباشرة تشكل
جزءاً من سيادة
الدولة
الإسلامية
المترامية
الأطراف، وهي
الفن
الساساني في
إيران والفن
البيزنطي، في الشام
والفن
الهلينستي والفن
القبطي
والهندي،
وفنون الصين، وآسيا
الصغرى([2]).
والمعروف
تاريخياً أن
الفن
الإسلامي لم
يأخذ كل ما
وجده في فنون الحضارات
من موضوعات،
وعناصر
زخرفية، بل
وقف موقف
الفاحص
الناقد، لذلك
فإننا نجد
الفنان
المسلم قد
أمضى فترة طويلة
في عملية
استجماع ومزج([3]).
وهكذا
جمع العناصر
الزخرفية من
فنون البلاد التي
خضعت للدولة
الإسلامية
الكبيرة التي
امتدت من
الهند شرقاً
إلى المغرب
وبلاد
الأندلس
غرباً،
فاستوعب تلك
الفنون
وهضمها
واختار منها
ما لا يتعارض
مع أحكام
الدين
الإسلامي
الجديد ودامت
هذه العملية حوالي
ثلاثة قرون،
استطاع
خلالها أن
يكون شخصية
متميزة
بخصائصها
التي ميزته عن
بقية الفنون
السابقة. ولم
يكن الفن
الإسلامي في
أية فترة من
تاريخه فناً
جامداً أو
منعزلاً، بل
كان دائم
الاتصال
بالفنون
الأخرى في
الشرق والغرب مما
ساعد على
تطويره،
وبفضل
العلاقات
المختلفة
التي نشأت بين
العالم
الإسلامي
والشرق الأقصى.
تبادل
الفن
الإسلامي
التأثير مع
فنون الشرق
الأقصى، ومن
جهة ثانية
ساعدت ظروف
كثيرة على
انتقال
التأثيرات
الفنية
الإسلامية إلى
أوروبا([4]).
لقد كان
قوام الأسلوب
الفني الذي
ابتدعه واختص
به الفنان
المسلم،
الأشكال
الهندسية المعروفة
في الفنون
السابقة،
وعلى الرغم من
أنه لم يكن
مبتكرها. إلا
أنه أظهر مقدرة
فائقة في
طريقة رسم
وصياغة تلك
الأشكال الهندسية
وتوزيعها
والتأليف
بينها
وتنسيقها تنسيقاً
يجعلها تبدو
وكأنها
ابتكرت لأول
مرة.
ولم
يتأت له ذلك
إلا عن طريق
تقسيم وتحليل
تلك الأشكال،
فتارة نراها
متشابكة ومرة
متداخلة،
وأخرى
متباعدة
وأحياناً
متلاصقة([5]). وهكذا يمكن
القول بأن هذا
الأسلوب
الزخرفي جديد
لم يكن له
مثيل من قبل
وقد ظهر بهذه
الصورة
الفريدة
ليواكب حضارة
الإسلام
بخصائصها
ومميزاتها
الفريدة.
اتخذ
الفنان
المسلم من
الوحدات
النباتية والحيوانية
أشكالاً
جديدة،
فحورها
تحويراً كادت
تفقد معه
شخصيتها،
ولما كان هذا
الأسلوب
الفني الجديد
الذي ظهر
وتجلى خلال
القرن الثالث
الهجري،
التاسع
الميلادي، في
مدينة سامراء
عاصمة
الخلافة
العباسية،
فقد أطلق عليه
مؤرخو الفنون
اسم (التوريق - Arabesque). نسبة
إلى أن العرب
هم أول من
ابتكره.
وهناك
حقيقة هامة
ينبغي ألا
نغفلها في هذا
المجال، وهي
أن الإسلام لم
يتخذ الفنون
وسيلة لذيوعه وانتشاره،
وأداة تعبدية
كما فعلت
المسيحية في
فنون
المسيحيين
واليهودية في
فنون الهند([6])، فقد كانت
وسيلة ذيوع
الإسلام
وانتشاره ذاتية
منبعثة من صلب
العقيدة لا
تحتاج إلى
الاستعانة
بغير كتاب
الله وسنة
رسوله، وكان
فيها الغناء،
وذلك إلى جانب
قوة الحجة
وفصاحة اللسان،
ونصوع البيان.
ظل العرب
المسلمون
طيلة قرنين من
الزمن بعد
الفتح
يمارسون
أعمال الولاية
والسياسة
والإمامة
والقضاء
وغيرها من شؤون
رعاية
المجتمع
الإسلامي في
أمور الدين والدنيا،
ويتقاضون من
ديوان العطاء
المال القليل
الذي يكفي
الحاجة، حتى
حرمهم
الخليفة
العباسي
المأمون([7]) من ذلك
فاضطرت
الغالبية
العظمى من
العرب المسلمين
في البلدان
المفتوحة إلى
النّزول إلى معترك
الحياة
العامة
يمارسون شتى
الحرف والمهن
والفنون
والصناعات
ويسهمون في
جميع الأعمال
بقدرات تنفي
عنهم صفة
العجز في مجالات
الفنون بدعوى
شعوبية، تقول
بأن العرب من
الجنس السامي
الذي لا يحذق
الفنون بخلاف
الجنس الآري
الذي وهب حذق
الفن
بالسليقة
والطبع، وقد
أثبتت
الممارسة
العملية أن
العرب المسلمين
لم يكونوا أقل
من غيرهم
مهارة وخبرة في
هذه الميادين
وقد أبدعوا
فيها وبرزت
منهم جماعة
أجادت فنوناً
قائمة بذاتها
وتفوقت فيها تاركة
مجالات أخرى
لغيرها([8]).
يتضح مما
سبق أن العرب
المسلمين قد
انصرفوا من
ممارسة
التصوير
وتركوه للفرس
والهنود والأتراك،
واتجهوا إلى
الخطوط
والزخارف،
والفنون
التطبيقية
بديلاً عن
تفوقهم في
فنون التصوير
والنحت، ويكفيهم
ذلك فخراً، أن
الخط العربي
هو أسمى أشكال
الفنون
الفرعية في
الحضارة
الإسلامية([9]). فقد حظي الخط
بنصيب وافر من
عناية
المسلمين حيث
كان صناعة من
أهم الصناعات
في المجتمع
العربي
الإسلامي،
وكان فناً
خالصاً، وكان
يرتبط
ارتباطاً وثيقاً
بكل إنتاج
فكري وأدبي أو
علمي أو ديني،
ومن ثم كان
الخطاط على
صلة دائمة بكل
النشاط
الإنساني
الذي يظهر في
ذلك المجتمع([10]).
وكان
للخطاطين
مركزاً
رفيعاً، ربما
تسامى إلى
مرتبة الملوك
والأمراء([11]). على أن الذي
أعطى الخط
العربي هذه
المكانة المرموقة
هو القرآن
الكريم، إلى
جانب استغلاله
أداة للتدوين
والمراسلات،
والمعاملات
والوثائق
والعقود
والكتب،
وأصبح عنصراً
هاماً من العناصر
التي تكون
الفن العربي
الإسلامي،
ومن ثم صار
فناً يشترك في
تطويره
الفنانون لا
لما يدل عليه
من معان، بل
لأنه ذو قيمة
بحتة في ذاته،
وما يحدثه من
لذة فنية
ومتعة روحية.
وإذا كان
هذا رصيده
المادي
والفني، وما
يتميز به من الأصالة
والابتكار
لجدير بأن
يتصدى
لدراسته والكتابة
عنه العديد من
علماء الآثار
ومؤرخي
الفنون، ذلك
لأن الفن
الإسلامي
بجميع فروعه
من أعظم وأجمل
مظاهر
الحضارة
العربية الإسلامية
شأناً
وأكثرها بقاء
وتأثيراً على
مر العصور.
والفن
الإسلامي
بتراثه
المادي
والفني يعتبر
بحق من أوسع
الفنون
انتشاراً،
وأطولها عمراً
باستثناء
الفن الصيني.
كان مولده
في القرن
السابع
الميلادي،
حينما شرع
النبي r في
بناء مسجد
المدينة
المنورة، حيث
أنشأ نمطاً
جديداً في
الفن
المعماري([12])، صار
نموذجاً في
تصميم
المساجد
الإسلامية
الجامعة فيما
بعد.
ظل هذا
الفن ينمو
ويتطور حتى
بلغ أوج عظمته
في القرنين
السابع
والثامن
الهجريين
(الثالث عشر
والرابع عشر
الميلاديين)،
ثم دب فيه
الضعف والفقر
الفني في
القرن الثامن
عشر الميلادي،
بعد أن تأثر
الفنانون
والصناع في
العالم الإسلامي
بمنتوجات
الفنون
الغربية.
وهكذا
بعد أن اتسعت
الدولة
الإسلامية
وشملت مناطق
وأقاليم
عديدة من
العالم، ظهر
الفن العربي
الإسلامي
نسيجاً
فريداً في
موضوعاته وتعبيراته
الفنية
وأساليبه
الصناعية
التي أبدعتها
الشعوب
الإسلامية،
واختلف مؤرخو
الفن في
تسميته ورموه
بشتى التهم
والأباطيل،
وأدخلوا في
تعريفهم له قيماً
خاطئة،
ومفاهيم. فهل
كان يوجد فن
إسلامي؟ أم فن
عربي إسلامي؟
1 - مفهوم
الفن
إنه سؤال
بسيط في ظاهره
لا يعرف بماذا
يجيب عنه
المرء غير المختص.
ذلك لأن الفن
العربي
الإسلامي
ساهمت في
إنجازه شعوب
مختلفة من عرب
وفرس وبربر
وأتراك ومغول
وهنود وغيرهم.
وحيث أن علماء
الآثار
ومؤرخي الفن
الإسلامي لم
يطرحوا هذا
السؤال رغم
بساطته، وكان
ذلك من بين
الأسباب التي
أدت إلى
الارتباك
والخلط
والفوضى التي
تتسم بها
عناوين
مؤلفاتهم
والتي تعبر
بلا شك، عن
التضارب في
المفاهيم
التي طرحها كل
منهم حول الفن
الإسلامي
عامة.
وقد
تعدّت هذه
المفاهيم
أيضاً إلى
موضوعات رئيسية
في الفن
الإسلامي،
فأرنولد
توماس (Arnold Tomas) ([13]) مثلاً،
يطلق على فن
التصوير
اسماً عاماً
هو "التصوير
في الإسلام"
أو "الرسم في
الإسلام"، بينما
نجد الأستاذ (Kuhnel) ([14]) وكذلك
ميجون (Migean) ([15]) و(Marçais) ([16]). أما الأستاذ
(Papa Dopoulo)، فقد
أطلق على هذا
الفن اسم
"الفن
الإسلامي" كما
يتجلى ذلك من
كتابيه الأول
بعنوان "جمالية
الرسم
الإسلامي"([17])، والثاني
باسم "الإسلام
والفن
الإسلامي"،
وقد سار على
هذا المنهاج
كل من
الأستاذين (Wiasmiatine وKratch Kovska) ([18])، اللذين
ألفا كتاباً
بعنوان "فنون
بلاد الإسلام"([19]).
والظاهرة
العامة التي
تطبع بحوث
هؤلاء العلماء،
وهي أن أغلب
المفاهيم
والتسميات
التي أطلقوها
على هذا الفن
تؤكد
إسلاميته
بمعنى (الفن
الإسلامي) كما
تبدو من كتاب
الأستاذ (Burkhardt) الذي
وسمه ب"الفن
الإسلامي،
لغته ومعناه"([20])، وكذلك (Carel Dury) الذي
ألف كتاباً
تحت عنوان "الفن
الإسلامي"([21]).
ولكننا
في كثير من
الأحيان
نصادف تسميات
غريبة على
أعمال فنية
إسلامية
ومحاولة
نسبتها إلى
الشعوب التي
أنجزتها كما
فعل الأستاذ (Blochet) في
كتابه القيّم
عن المخطوطات
الذي عنونه
باسم: "الرسم
في المخطوطات
العربية
والفارسية
والتركية"([22])، ومثل "دليل
الأعمال
الفنية
الفارسية
والهندو فارسية"([23]) لـ: (Goldston).
ومما
يؤكد هذا
التباين حول
مفهوم الفن في
الحضارة
العربية
الإسلامية
إطلاق بعض
التسميات
التي تنفي صفة
الإسلام عنه وتظهر
تحامل
أصحابها على
الإسلام ما
كتبه (Pope) عن
فنون إيران
بعنوان: "موسوعة
الفن الفارسي"([24])، أما
الأستاذ (Ettinghausen) فسماه "الرسم
العربي"([25]) أو
"فن التصوير الفارسي"([26]) للأستاذ: (Gray). ويدل هذا التضارب على أن اختيار العناوين لم تراع فيها درجة التحقق والتحري من ذلك مثلاً الكتاب الذي اشترك في تأليفه ثلاثة باحثين هم: (Benyoun وWilkinson وGray) تحت عنوان: "فن تصوير المنمنمات الفارسية"([27]).
"فن التصوير الفارسي"([26]) للأستاذ: (Gray). ويدل هذا التضارب على أن اختيار العناوين لم تراع فيها درجة التحقق والتحري من ذلك مثلاً الكتاب الذي اشترك في تأليفه ثلاثة باحثين هم: (Benyoun وWilkinson وGray) تحت عنوان: "فن تصوير المنمنمات الفارسية"([27]).
والواقع
أن هذا الكتاب
يحتوي
بالإضافة إلى
المنمنمات
الفارسية
منمنمات أخرى عراقية
وتركية
ومغولية، مما
يدل على التعميم
وعدم توخي
الحقيقة.
ولا
شك أن الحديث
عن هذا
الموضوع،
يجرنا إلى مناقشة
المفاهيم
المختلفة
التي جاءت
نتيجة لدراسة
وبحوث علماء
الآثار
ومؤرخي
الفنون لهذا
الفن.
فهل نسمي
هذا الفن الذي
يضم الأعمال
الفنية التي
أنجزت في ظل
الإسلام،
باسم "الفن
الإسلامي" أو
"الفن العربي"([28]).
الحقيقة
أنه من الصعب
جداً قبول تلك
المفاهيم
التي حيكت حول
هذا التراث
المادي
والفني في الإسلام
لبعدها عن
المنطق
وخروجها عن
جادة الصواب،
من ذلك مثلاً
استناد بعض
مؤرخي الفنون
الإسلامية
على الرأي
الذي يعتبر
الفن الإسلامي،
فن الطبقة
الكادحة،
بحجة أن هذه الأعمال
قد أنتجت في
المدن التي
كانت تحت سيطرة
السلجوقية
بغض النظر عما
إذا كان
الفنانون والصناع
والخطاطين من
العرب أم من
الإيرانيين([29]) أو غيرهم
وتظهر هذه
التسمية
مقنعة إلى حد
ما([30]) لأول
وهلة.
والواقع
أن أنصار هذا
المفهوم،
يعتقدون أن السلاجقة
ما زالوا
يسيطرون على أنحاء
كبيرة من
العالم
الإسلامي،
ولكن التاريخ
يذكر أن
الخليفة
العباسي
الناصر لدين
الله قد
أخرجهم من
العراق عام 591 ﻫ/ 1194 م، وانتهى
حكمهم في
الشام 511 ﻫ/ 1117 م، وقد
اعترض البعض
على هذه
التسمية، بأن
هناك ممالك،
وإمارات أخرى
دعاء ملوكها
وأمرائها
الفنانين
والعلماء
والأدباء
وأنتجت في
عواصم أقاليمهم
بعض الفنون
والصناعات،
لا سيما في
القاهرة
وتلمسان
وتونس وفارس
التي كانت تحت
حكم الأيوبيين
والموحدين.
ونضيف
إلى ذلك، فإنه
لا يمكن قبول
إطلاق اسم (الفن
الشرقي) لأنها
تظهر محاولة
بعض المستشرقين
تجاهل كلمة
المسلمين،
وهي تسمية لا
تنطبق على
الفنون التي
ازدهرت في
تركيا وبلاد
المغرب
والأندلس،
كما أنه من
الصعب جداً
التسليم أو
استساغة
تسمية الفن
الإسلامي
باسم (الفن -
المغربي)([31]) وهي
تسميات
تستهدف تمزيق
وحدة العالم
الإسلامي
بتقسيمه إلى
قوميات
حاربها
الإسلام، كما
أن هذا المفهوم
ضيق يقتصر فقط
على الفن
الإسلامي في
المغرب
والأندلس.
وهناك من أطلق
على الفن
مفهوم (الفن
المحمدي)([32])، غير أن هذا
المصطلح
يأنفه
المسلمون،
فهو ينسب إلى
الرسول
الكريم r، ظاهرة
دنيوية،
وجانباً من
جوانب
الحضارة المادية،
كما أن
التسمية في حد
ذاتها واهية
لم يتبناها
إلا بعض
الباحثين([33]) الذين
فضلوا إطلاق
هذه التسمية
حتى على بعض الصناعات
مثل النسيج
ويعترض البعض
على هذا المفهوم
للفن،
فيقولون بأن
الفن المحمدي
هو الفن
الوحيد الذي
أنتج جميع
الفنون
والصناعات،
كما أن حصر
التسمية باسم
(الفن
المحمدي) قد لا
يجلب
الانتباه إلى
كل الصفات
والخصائص
الفنية
البارزة لهذا
الفن، وتهدف
التسمية في
النهاية إلى
الصادق صفة
الدين محمد r.
ومن
استعراضنا
السابق، يتضح
بأن التسمية
أو المفهوم
الذي ساد وثبت
هو اسم (الفن
الإسلامي)،
الذي أخذ في
الاعتبار
الواقع
الجغرافي في نعت
هذا الفن الذي
يضم الرقعة
الجغرافية
التي ازدهر
وتطور فيها،
بمعنى العالم
الإسلامي،
لأن جميع
الفنون التي
أنتجت في
بلدان
إسلامية، هي
فنون
المسلمين في
هذه الأنحاء
التي تمتد من
حدود الصين
شرقاً إلى المحيط
الأطلسي
غرباً، ومن
آسيا الوسطى
والبحر
الأسود
البرانس
شمالاً إلى
السودان والمحيط
الهندي
جنوباً.
وفي خضم
التسميات
والتفاسير
السابقة يطرح
أمامنا هذا
السؤال:
هل الفن
الإسلامي، فن
ملكي؟
لقد ساد
هذا المفهوم
بين علماء
الغرب، الذين استندوا
في هذه
التسمية إلى
أن الحكام
المسلمين
كانوا ينقلون
الفنانين من
بعض أنحاء الدولة
الإسلامية
إلى الأنحاء الأخرى،
ويستدعون إلى
مقر حكمهم بعض
من تمتد شهرتهم
من الفنانين
الناشئين في
سائر الأقاليم
الإسلامية([34])، وبالإضافة
إلى ذلك هناك
من يرى أيضاً
أن الفن
الإسلامي، فن
ملكي بالدرجة
الأولى([35]) «فالأمير
هو الذي يرعى
الفن وبعض
الفنانين إلا
في حالات
نادرة.
فالفنان كان
ينفذ ما يطلب
منه سواء أكان
الطلب أساسه
الدين أو الحب
والعظمة
والأبهة، إذا
كان يعمل حسب
رغبة الملك أو
السلطان الذي
يعيش في كنفه».
واضح أن
أصحاب هذا
المفهوم
يجعلون من
الفن أرستقراطي،
يسخر الفنان
لخدمة
الأمراء
والسلاطين
فقط.
ولكن غاب
عنهم، بأن
هؤلاء الحكام
شملوا
الفنانين
والصناع
برعايتهم
وعطفهم وتقديم
الدعم المادي
والمعنوي
لتجميل
مبانيهم وملء
قصورهم
بالتحف
الفنية
النادرة.
ومن
غير شك
فإن التsمية تبدو
مقنعة إلى حد
ما، إذ تصف
الفنون التي
نشأت وازدهرت
في البلاد
العربية
والإسلامية
قاطبة دون
استثناء، ذلك
لأن الدين الإسلامي
كان سلسلة
متصلة
الحلقات،
جمعت شتات
الأمم
والشعوب
وجعلتها وحدة
متماسكة متميزة،
على الرغم من
اختلاف
أصولها
ومشاربها([36])، وترجع
هذه الوحدة
الفنية بصفة
أساسية إلى وحدة
العقيدة التي
انتشرت في هذا
العالم، إذ استوحى
الفن خصائصه
من مبادئ
الإسلام،
وخضع لتعاليمه
في معظم
الأحيان([37]).
وقبل
أن ننهي
حديثنا عن
مفهوم الغرب
في الفن الإسلامي،
هناك ملاحظة
مهمة نحب
الإشارة إليها
وهي أن موضوع
اللغة
المشتركة
للفن الإسلامي،
تطرح مشكلة تسميته،
فهل هو فن
عربي أم
إسلامي؟ وهي
المسألة
المطروحة
بالنسبة
للحضارة الإسلامية
ككل، مما دعا
إلى نعتها
بالعربية
وبالإسلامية
معاً، كحل
توفيقي لهذا
الإشكال الذي
يختلف بشأنه المسلمون
من عرب وعجم([38]).
الواقع
أن صفة
العروبة
والإسلام
تختلطان هنا،
ويصعب
التفريق
بينهما، ومع
اعترافنا بوجود
كثير من عناصر
الفن
الإسلامي
التي اقتبسها
من فنون بلاد
الشعوب التي
فتحها العرب،
فإن هذا الفن
قد حوى أيضاً
عناصر عربية
كثيرة ولا
سيما في شكلها
التعبيري بفضل
انتشار اللغة
العربية،
التي ساعدت
بدورها على
نشر العروبة
وتمثلها
بالإسلام،
وليس صحيحاً
أن عبقرية
العرب تمثلت
في لغتهم فقط،
بل تعدتها إلى
مجالات
كثيرة، فقد
أظهر الفن الإسلامي،
أن العربي رغم
عقله السريع
الحركة وذكائه
التحليلي،
ليس أقل الناس
تأملاً في كنه
الأشياء
المنظورة،
فالتأمل لا
يجد مجالات
السكون
البسيطة، بل
يمكن أن يتتبع
الوحدة الفنية
خلال
الإيقاع،
وهذا ما تعبر
عنه عناصر التوريق
الزخرفي،
وعناصر
التضفير
المتداخل
الذي يجب
قراءته بتحرك
العين مع
مجراه بفضل
الإنشاء وقوة
التكافؤ([39]). وهكذا
فالتوريق أو
ما يعرف بفن
(الأرابسك) هو تجريدي
أنجزته
العبقرية
العربية
ويعتبر من أبرز
خصائص الفن
الإسلامي
عامة.
ونضيف
إلى ما سبق
فنقول، بأن
العربية هي
لغة هذا الفن،
وأهم عناصره
الفنية والزخرفية،
ومن هنا كان
إقبال من
اعتنق
الإسلام، وعلى
تعلم الكتابة
أو الخط
العربي، هذا
وقد حرص
المسلمون على
تزيين ما
أنتجوه من
مصنوعات أو
شيدوه من
المباني،
بالآيات القرآنية
والأحاديث
النبوية
الشريفة، أو
بالشعر
العربي،
ولذلك فلا عجب
إذا تحولت
اللغة العربية
في شكلها
القرآني إلى
فن الأعمال
الفنية
القرآنية، هي
التي تحدد
أشكال
ومقاييس الفن
الإسلامي، وعليه
فقد أصبح الفن
في الإسلام
يعكس بطريقة ما
الكلمة
القرآنية،
وهكذا بفضل
الكتابة العربية،
استحق الفن
الإسلامي صفة
العروبة أو (العربي).
لقد
كان الخط
العربي صناعة
من أهم الصناعات
الفنية في
المجتمع
العربي
الإسلامي، وكان
يلعب الدور
الرئيسي
كعنصر زخرفي،
كما أنه ارتبط
ارتباطاً
وثيقاً بكل
إنتاج علمي أو
أدبي ولذلك
يعتبر الخط
العربي، فناً
عربياً خالصاً
ذا أصالة
عربية خالصة،
نبع من روح
عربية وتطور
حتى بلغ درجة
من الجمال
الفني محتفظاً
بخصائصه
العربية على
الرغم من تدخل
عدد من العناصر
الأجنبية في
تطويره
وإنمائه([40]).
وتبعاً
لذلك أصبح
الخط العربي
علامة مميزة للفن
الإسلامي
وبطاقة هويته
هذا بالإضافة
إلى أهميته في
دراسة الآثار
الإسلامية،
فله دور
تسجيلي هام في
كل الأعمال
الأثرية
والتاريخية
والعلمية،
كما أنه هو
الميزة
الفنية
العربية الوحيدة
التي تدل على
أثر العربي في
كل إنتاج فني
صدر في ظل
الإسلام([41]). ومع ذلك
فإن أغلبية
مؤرخي الفن
الإسلامي لم يبرزوا
دور العرب في
تكوين الفن
الإسلامي إبان
نشأته على
الأقل، وأغمطوا
حقهم في ذلك
عندما يؤكدون
على أنهم ظلوا
في معظمهم
بدواً لا
يعرفون الفن
ولا يحتاجون
إليه، بينما
أظهروا بدو
آسيا الوسطى
من الترك
والمغول، بل
وبدو صحارى
إفريقيا من
البربر، على
أنهم أصحاب
مواهب فنية،
يحسنون النظر
في الأشياء
والتأمل، ولا
يكتفون
بسماعها مثل العرب([42])،
متناسين في
ذلك الدور
الكبير الذي
لعبه الخلفاء
والأمراء من
العرب في
رعايتهم
للعلم
والعلماء
وتشجيع الأدب
والفنون، هذا
فضلاً عن
إسهاماتهم في
مجالات الطب
والكيمياء
والعمارة
والفنون
وتزويق
المخططات.
وفي
ضوء
الاعتبارات
السابقة،
يبدو لنا أن
أفضل تسمية
يمكن أن
نطلقها على
هذا الفن هي
(الفن العربي
الإسلامي)
الذي ينصف حق
الشعوب من عرب
وعجم في تكوين
هذا الفن، كما
أن صفة
العروبة
والإسلام
صفوان لا
يفترقان([43]).
والخلاصة،
هي أن اختلاف
وتعدد
المفاهيم حول الفن
الإسلامي
ومحاولة نفي صفة
العروبة عنه
من قبل هؤلاء
الباحثين إنما
مصدره
التحيّز
والتحامل على
كل ما هو عربي.
2
- مفهوم
المحراب في
المصطلح
الغربي
يعتبر
موضوع
المحراب
ونشأته كعنصر
معماري له
دلالته ووظيفته
الأساسية في
العمارة
العربية
الإسلامية في
فجر الإسلام
ومناقشة أصله
من أوضح الأمثلة
التي تظهر لنا
تحيز وتحامل
علماء الآثار
الإسلامية من
الغربيين وفي
مقدمتهم
الأستاذ
كريسول (Creswell)،
حيث استغلوا
بعض الروايات
التاريخية
التي وردت في
المصادر
القديمة،
والتي تتجلى
فيها نقاط ضعف
وثغرات حول
موضوع
المحراب،
ليؤسسوا
عليها مناهج
غير سليمة في
استخلاص
النتائج منها
وتفسيرها
واقتباس ما
يلائم
نظرياتهم التي
يؤمنون بها ويحاولون
إثباتها ولو
على حساب
المناهج العلمية
للبحث العلمي([44])، ويبدو أن
اهتمام هؤلاء
الباحثين
بدراسة المحراب
قد برز نتيجة
كونه يمثل أهم
عنصر معماري
في المسجد عند
المسلمين،
ومن ثم كان
بعد الفهم
الأساسي، هو
محاولة إرجاع
أصوله
المعمارية
إلى العمارة
الدينية المسيحية،
وموضوع
المحراب هذا
نقش ضمن بحث
أنجز حول مسجد
الرسول r
بالمدينة المنورة
وإعادة بنائه
بأمر الخليفة
الأموي الوليد
بن عبد الملك
وفي ولاية عمر
بن عبد العزيز
على الحجاز
وذلك سنة 88 ﻫ/ 707 م.
ولكي
ندرك مدى
خطورة مفهوم
هؤلاء
المستشرقين
لعنصر
المحراب نورد
فيما يأتي ما
كتبه الأستاذ
كريسول حول
هذا الموضوع
وما تضمنه من
روايات العرب
القدماء.
أ
-
عمارة مسجد
الرسول (88-90 ﻫ/707-709)
يقول
البلاذري([45]):«إنه
في ذلك الوقت
كتب الخليفة
الوليد إلى
عمر بن عبد
العزيز عامله
على المدينة
يأمره بهدم المسجد
وبنائه، وبعث
إليه في الوقت
بمال
وفسيفساء
ورخام
وثمانين
صانعاً من
الروم والقبط
من أهل الشام
ومصر وولي
القيام بأمره
والنفقة عليه
صالح بن كيسان».
ويقول إن ذلك
قد حدث في سنة 78 ﻫ
ويقال في سنة 88 ﻫ، أما
اليعقوبي
فيرى أن العمل
قد كمل في سنة 90 ﻫ([46]).
وقول
السمهودي (1488) نقلاً
عن الواقدي
(المتوفى سنة 823): «ونقل
إلينا عبد
الله ابن يزيد
ما يأتي: قام
القبط ببناء
الجزء
الأمامي
(المقدم أي
ظلة القبلة)
وعمل الروم في
الجزء
الخارجي عن
الجزء المغطى
(السقف)، وهو
"الجوانب
والجدار الخلفي"
(مؤخر) المسجد»([47]).
وقد
أحدثت في هذا
الوقت بدعة
غاية في الأهمية،
وذلك أن ابن
دقماق([48])
والمقريزي قد
ذكر لنا نقلاً
عن الواقدي
(توفي في 823)
«أن أول من عمل
محراباً على
هيئة حنية هو
عمر بن عبد
العزيز عندما
أعاد بناء
مسجد الرسول
(بالمدينة)»([49]).
وهذه الفقرة
كانت معروفة
ويتردد ذكرها
كثيراً([50])،
ولسوء الحظ أن
النص الذي ورد
في المقريزي
لا يوجد فيما
يعرف اليوم عن
الواقدي،
ولذلك فإنه لا
يمكن التحقق
منه، ولكن بالنسبة
لأهمية هذه
المسألة فإنه
لما يدعو إلى
الارتياح أن
يوجد نفس
الخبر في كتاب
ابن بطوطة (1326)([51])،
وفي ترجمة
فاتيه (Vattier) لكتاب
مرتضى، وهو
مرجع أسبق في
التاريخ إذ كتب
بعد فترة
قصيرة من موت
السلطان
الكامل أي حولي
1240، بل
يمكن أن ترجع
في تتبعه إلى
القرن الثاني
عشر، إذ ينقل
ابن شاكر
(توفي 1262) عن ابن
عساكر([52]) (توفي 1176) ما يدل
على أن خالد
بن الوليد بعد
فتح دمشق صلى
فيما هو معروف
الآن بالمسجد
الجامع وأن «صحابة
الرسول وضعوا
أنفسهم في
الجزء
المعروف
بمحراب صحابة
الرسول» مع
أنهم لم
يكونوا قد
خرقوا الجدار بعد
لعمل محراب مجوف
ويوجد الآن في
المسجد الجامع
محراب في وسط
النصف الشرقي
ينطبق عليه
ذلك الوصف.
وفي
نهاية المطاف
نصل إلى
الخلاصة التي
يهدف إليها
كريسول (Creswell) عن أصل المحراب
حيث يقول: «يبدو
لي أن فقرة
السمهودي
السالفة
الذكر ذات أهمية
في حل هذه
المعضلة،
فإنه لما كان
من المسلم به
أن الجزء الذي
كان فيه
المحراب هو
الذي شيده
القبط، فإن
ذلك يجعل
الأصل
قبطياً، وبالتالي
مسيحياً، وهو
رأي يؤكده
جملة كتاب»،
فقد روى
لامانس (Lammens)
فقرة من
كتابات
السيوطي هي: «في
أول القرن
الثاني كان
عمله (أي
المحراب) محرماً
في الحديث إذا
كان من شأن
الكنائس وكان
وضعه في
المساجد
علامة على قرب
يوم القيامة»([53]).
وأشار
الأستاذ بكر (Becker) إلى
أن مؤلفاً آخر
عاش في القرن
الرابع عشر قد
تحدث بنفس
الروح، فقال: «إن
المحراب هو
أقل الأجزاء
قدسية في
المسجد، فيجب
على الإمام أن
يتحاشى
الوقوف
بداخله»([54]).
ويواصل
الأستاذ
كريسول
استعراض
آرائه عن أصل
المحراب
فيقول: «والآن،
ولما كان
الجزء الوحيد
في الكنيسة القبطية
الذي له هيئة
حنية هو
الهيكل، ثم
إذا أخذنا أمثلة
قليلة قديمة،
مثلما يوجد في
دير الأب
هرميا في
سقارة([55])،
فإن الشبه
بمحراب مبكر
يجتذب النظر
إلى درجة لا
يمكننا بعدها
أن نتردد في
قبول
الروايتين اللتين
جاء بهما
الكاتبان
العربيان،
وسبقت الإشارة
إليهما، وأن
ننهي إلى أنه
كان بدعة ذات
أصل مسيحي،
اقتبسها
الإسلام على
مضض»([56]).
ومن
استعراضنا
للفقرات التي
جاءت في
المصادر
العربية،
يبدو أن الشيء
الملفت
لانتباه ذلك
التضارب
والتباين في
أقوال
المؤرخين
فيما يتصل
بتاريخ
البناء،
ومقدار الذهب
الذي قيل أن
ملك الروم قد
أرسله إلى الخليفة
الوليد، فقد
قدره بعض
المؤرخين مثل
اليعقوبي
بمائة ألف
مثقال من
الذهب، بينما
يذكر ابن
بطوطة على أنه
ثمانين ألف
فقط([57]).
والملاحظ
أن الأستاذ
كريسول لم يشر
إلى السمهودي،
وهو المؤرخ
الذي استشهد
ببعض أقواله
في الفقرات السابقة
فقد ذكر
السمهودي في
إحدى روايته
أن مقدار
الذهب كان ألف
دينار، وفي
رواية ثانية
أن مقداره كان
أربعين ألف
مثقال من
الذهب فقط([58]).
ومما
لا شك فيه أن
هذه
الاختلافات
والفروق، لابد
وأن تدعو
الباحث إلى
الحيطة
والحذر في قبول
الأرقام التي
وردت في كتب
المؤرخين
القدماء.
ولا
يهمنا في هذا
المجال جميع
الروايات
التي قيلت حول
مقدار الذهب
وعدد العمال
الذين عملوا
في عمارة
المسجد
النبوي، لأن
ذلك يخرج عن
موضوع بحثنا
الذي يتناول
مفهوم
المحراب.
ويمكن
أن نضيف إلى
ما سبق، نقطة
ضعف أخرى، وهي
توضح التضارب
في نقل ما قيل
عن عمارة
المسجد النبوي
وما يتصل بها
من محاولة
لافتراض الأماكن
التي قيل أن
القبط والروم
قد عملوا
فيها، إذ يذكر
السمهودي أن
القبط قاموا
ببناء مقدم الجامع،
أي ما يعرف
بظلة القبلة،
وهو الجزء المستوف،
بينما عمل
الروم في
الجزء الخارج
عنه. يقول السمهودي:
«وقال الواقدي
حدثني عبد
الله بن يزيد
قال: كان عمل
القبط مقدم
الجامع وكانت
الروم تعمل ما
خرج من السقف
جوانبه - ومؤخره»([59]).
ومع ذلك
فقد أخذ
كريسول قول
السمهودي هذا
قاعدة ليؤسس
عليها قوله: «ولما
كان من المسلم
به أن الجزء
الذي كان فيه المحراب
هو الذي شيده
القبط»([60]).
وهنا
يظهر تحيز
الأستاذ
كريسول
الشديد، وتحامله
على الإسلام،
عندما يكتفي
برواية واحدة
من بين عدة
روايات أخرى،
لها معنى خاص
يتفق مع الهدف
المعين([61]).
وبعد أن
أتينا على
مجمل آراء
كريسول حول
ظاهرة
المحراب
المجوف في
المسجد
النبوي
الشريف، والذي
استخلص
مفهوماً
غربياً
يتعارض تماماً
مع مفهوم
الإسلام من
مغزى وجود
المحراب في المسجد،
ولما كانت
المصادر التي
اعتمد عليها في
إصدار حكمه
هذا هي ابن
دقماق،
والمقريزي([62])،
وابن بطوطة
والسيوطي
وأبي المحسن،
فإنه من الأهمية
بمكان
وتوخياً
للحقيقة
وتفادياً للالتباس
أن نعرف فيما
يلي النص
الأصلي الذي دونه
المؤرخون
العرب حتى نقف
على مظاهر هذا
التحامل
وأبعاده.
إن
الرواية التي
جاء فيها أن
أول من عمل
المحراب
المجوف امرأة
عثمان بن
مظعون، وهي
كما تبدو
رواية غير
مقبولة، فهي
أقرب إلى
الأسطورة
منها إلى
الرواية
التاريخية،
ولكنها رغم
سذاجتها، فقد
أفادت لفظ
(القبلة) كان
من الألفاظ
التي أطلقها
المؤرخون على
المحراب.
ولكن
عندما تناول
الرحالة ابن
بطوطة الذي
اعتمد عليه
كريسول ليؤكد
خبر عمل عمر
بن عبد العزيز
لأول محراب في
الإسلام
بأيدي القبط فإننا
نجده يذكر
ثلاث روايات
لعمل المحراب
في مسجد
المدينة لا
يستدل من أية
واحدة منها عمّا
إذا كان
المحراب
مجوفاً أو غير
مجوف، كما يتضح
من نص ابن
بطوطة حيث
يقول: «ثم زاد فيه
(أي في المسجد
النبوي) عثمان
رضي الله عنه...
وضع له
محراباً،
وقيل أن مروان
أول من بنى
المحراب وقيل
عمر بن عبد
العزيز في
خلافة
الوليد.... وجعل
عمر للمسجد
محراباً،
ويقال هو أول
من أحدث
المحراب»([63]).
ولا
ندري كيف أغفل
كريسول
تماماً
احتمال عمل المحراب
في المسجد
النبوي
بالمدينة في
خلافة عثمان
بن عفان، أو
في خلافة
مروان بن
الحكم سنة 65 ﻫ/ 684 م،
واكتفى هذا
الباحث
باحتمال عمله
في ولاية عمر
بن عبد
العزيز،
والغريب في
الأمر أنه اعتمد
على رواية
مؤرخ وحيد
متأخر هو
السمهودي الذي
سبقه ابن
بطوطة بنحو
قرن وربع
القرن([64]).
يقول
ابن دقماق عن
المحراب
المجوف ما يلي([65]):
«وقيل أنه لم
يكن للمسجد
الذي بناه
عمرو محراب مجوف
وإنما قرة بن
شريك جعل
المحراب
المجوف، أول
من أحدث ذلك
عمر بن عبد
العزيز وهو
يومئذ عامل
الوليد بن عبد
الملك...».
أما
شيخ المؤرخين
المقريزي فقد
ذكر أربع روايات
لبناء
المحراب
المجوف
لأول
مرة فقال:
«وقال ابن
لهيعة، سمعت
أشياخنا
يقولون لم يكن
لمسجد عمرو بن العاص
محراب مجوف.
ولا أدري بناء
مسلمة أو بناء
عبد العزيز (بن
مروان). وأول
من جعل
المحراب قرة
بن شريك، وقال
الواقدي
حدثنا محمد بن
هلال قال وأول
من أحدث المحراب
المحرف عمر بن
عبد العزيز عند
بناء مسجد
النبي r،
وذكر عمر ابن
شيبة أن عثمان
بن مظعون نقل
القبلة فأصبح
متكئاً فقالت
له امرأته
مالي أراك
متكئاً، قال
لا شيء إلا
أني تلفت في
القبلة وأنا
أصلي فعمدت
إلى القبلة
فغسلتها ثم
عملت خلوقاً
فخلقتها،
فكانت أول من
خلق القبلة»([66]).
ومن نص
المقريزي،
يتبين أنه لم
يذكر رواية واحدة
فقط، عن أول
من عمل
محراباً
نقلها عن الواقدي،
كما اعتقد
الأستاذ
كريسول، بل
ذكر أربع روايات،
أولاها تجعل
أول ظهور
المحراب المجوف
في جامع عمرو
بن العاص
بالقسطاط في
عام 53
ﻫ/ 673 م
في عمارة
مسلمة بن
مجلد،
والثانية في
عمارة عبد
العزيز بن
مروان لجامع
عمرو كذلك عام
79 ﻫ/ 698 م،
والثالثة في
عمارة عمر بن
عبد العزيز بن
مروان للمسجد
النبوي
بالمدينة سنة 90 ﻫ/ 709 م([67]).
أما
الرواية الرابعة
فقد جاء فيها
أن أول من عمل
المحراب
المجوف امرأة.
والغريب
أننا عندما
نحاول بحث أصل
موضوع
المحراب
ونشأته في
الإسلام
فإننا لا نجد أحداً
من الباحثين
وعلماء
الآثار
الغربيين قد
كلف نفسه مشقة
البحث عما إذا
كان لمسجد النبي
r
محراب، على
الرغم من توفر
الأخبار حوله([68])،
وعلى سبيل
المثال لا
الحصر نورد ما
قاله السمهودي،
الذي أهمل
كريسول حديثه
عن محراب الرسول،
قد أشار في
معرض حديثه عن
خطوات باب
المسجد على
الأرض التي
وقع عليها
الاختيار قائلاً:
«فأمر النبي
بالنخل فقطع
وبقبور
المشركين فنبشت،
فصفوا النخل
فيه قبلة له
وجعلوا
عضادتيه من
حجارة...»([69]).
والعضادة
كما فسرها
الأستاذ فريد
شافعي الذي
بحث موضوع
المحراب بإسهاب
بأنها تعني
الفجوة أو
تجويف مما
يعزز الظن أن
المقصود بذلك
هو محراب مجوف،
وعليه فيمكن
القول بأنه قد
وجد نوع من
المحاريب أو
علامة لتعيين
اتجاه القبلة
منذ السنة الثالثة
من الهجرة([70]).
أي منذ استقر
الاتجاه في
الصلاة نحو
الكعبة.
ويستوقف
نظرنا أن
علماء الآثار
من الغربيين
من أمثال
كريسول
ولامانس وجرترود
بل، صاحب
الرأي القائل
بأن «الإسلام
قد اقتبس
المحراب على
مضض» قد
انتهجوا
منهجاً خاصاً
ينطبق عليه
المثل العربي
المعروف «يعمل
من الحبة قبة»([71]).
وكان هم
هؤلاء
الباحثين في
نهاية المطاف
هو تأكيد
الخبر الذي
مفاده بأن
القبط هم أول
من بنى محراب
المسجد، الذي
كان على هيئة
الكنيسة([72])
متناسين في
ذلك أن لفظة
(تجويف) تعني
إلى جانب ما
تعنيه أن يكون
المحراب
مسقطه
مستطيلاً أو مربعاً
كما هو الحال
في محراب قصر
الأخيضر بالعراق
والذي يؤرخ
بعام 161
ﻫ/ 778 م([73]).
ونلاحظ
أن (لامانس)
وغيره ممن
فسروا لفظ
(المذبح) في
الكنيسة
بالمحراب قد
خفي عليهم
الفارق بين
اللفظين، أي
بين الوظيفة
التي يؤديها
(المذبح) في
الكنيسة وبين
الوظيفة التي
يؤديها
المحراب في
المسجد.
فالمذبح
مكان مرتفع عن
بقية الكنيسة
وفي صدرها
الحنية
الكبيرة التي
تعرف باسم
(الشرقية)، وهو
المكان الذي
توضع فيه
مائدة عليها
القرابين
والخبز
المقدس
والأيقونات
وغيرها من رموز
المسيحية.
وبالمقابل
وظيفة
المحراب في
المسجد التي
لا تتعدى مجرد
علامة لتعيين
اتجاه القبلة
التي يجب أن
يتجه إليها
المسلمون في
صلاتهم. ولا
تتسع إلا لشخص
واحد فقط هو
الذي يؤم المصلين
ويقف في حالات
استثنائية
عند ازدحام
الجامع
بالمصلين في
الجمع
والأعياد. أما
في الأحوال
العادية فإن
الإمام لا يقف
أبداً بعيداً
عنه بقدر ما
يتسع المكان.
ومن
مظاهر
التحريف التي
يقع فيها
المستشرقون
ما استشهد به (Becker) من
كتاب "المدخل"
لابن الحاج عن
كراهية عمل
المحراب، وهو
مثال آخر لما
يمكن أن تحرف
إليه المعاني
نتيجة لعدم
فهم اللغة العربية
ومعانيها
ويبدو ذلك
واضحاً في
النص الذي
استشهد به هذا
الباحث نقلاً
عن ابن الحاج
فقد فهم منه «أن
المحراب هو
أقل الأجزاء
قدسية في
المسجد، فيجب
على الإمام أن
يتحاشى الوقوف
بداخله»([74]).
ولكن
بالرجوع إلى
النص الأصلي
كما ورد في
كتاب "المدخل"
تبين أنه بعيد
كل البعد عما
فهمه (بكر)
منه، واعتمد
عليه كريسول
في إثبات رأيه
عن أصل
المحراب،
وفيما لي نص
ابن الحاج عن
المحراب([75]):
«وينبغي له أن
يغير ما
أحدثوه من
الزخرفة في المحراب
وغيره، فإن
ذلك من البدع،
وهو
"من أشراط الساعة"».
"من أشراط الساعة"».
وقال
ابن القاسم: «وسمعت
مالكاً يذكر
مسجد المدينة
وما عمل من التزويق
في قبلته
فقال: كره
الناس ذلك حين
فعله لأنه
يشغلهم
بالنظر إليه،
(وسئل مالك) عن
المساجد هل
يكره أن يكتب
في قبلتها
بالصبغ مثل آية
الكرسي وقل هو
الله أحد
والمعوذتين
ونحوهما فقال:
أكره أن يكتب في
قبلة المسجد
شيء من القرآن
والتزويق
وقال إن ذلك
يشغل المصلي
انتهى».
وهكذا
نجد أن نص ابن
الحاج كان
شرحاً
لكراهية الإمام
مالك وعلماء
الدين لتزويق
المحراب وزخرفته
أو حتى
الكتابة عليه
ولو كانت آيات
من القرآن،
والغريب في
الأمر أن النص
لا يتضمن أية
إشارة إلى
المحراب وقدسيته
أو وظيفته أو
كراهية وقوف
الإمام بداخله([76]).
ومع ذلك
نجد الأستاذ
كريسول الذي
انتهى إلى نتيجة
وهي أن القبط
هم أول من
أدخل المحراب
ذا القطاع
الأفقي من نصف
دائرة.
والظاهر أن
هذا الباحث قد
اختلط عليه
الأمر لدرجة
أنه أغفل
تماماً
الإشارة إلى المحراب
المجوف من نفس
القطاع حيث
يوجد في الضلع
الجنوبي من
المثمن
الخارجي لقبة
الصخرة مع أنه
هو نفسه ينسب
جدار هذا
المثمن إلى
أول بناء قام
به عبد الملك
بن مروان لقبة
الصخرة سنة 72 ﻫ/
691 م.
ومع ذلك
فلم يشر إلى
ذلك المحراب،
كما أنه اهتم
بتصوير كل ركن
وتفصيل وزخارف
في القبة إلا
أن ذلك
المحراب لم
يحظ بكلمة
واحدة منه.
ومن
المحتمل جداً
أنه تعمد ذلك
حتى لا يسلم
بوجود ذلك
المحراب في
قبة الصخرة
منذ أول إنشائها
فينسب الفضل
في عمل
المحراب إلى
أهل الشام من
العرب وليس
إلى القبط([77]).
ومن الغريب
حقاً أن يغفل
ذكر أي شيء عن
المحراب
المجوف في
الضلع
الجنوبي من
المثمن
الخارجي لقبة
الصخرة والذي
يبدو واضحاً
لجميع
الزوار، ويهتم
بالمحراب
المسطح
المختفي في
الكهف تحت الصخرة
نفسها.
وكل هذه
الدلائل
المعمارية
تفند قول
كريسول عن عمل
أول محراب
مجوف على أيدي
القبط، فلو
كان لهم فضل
في ذلك حقيقة
كما يقول فريد
شافعي لكان
جامع عمرو بن
العاص أول
مسجد زود
بمحراب مجوف،
فمن غير
المعقول أن يقوم
الأقباط وهم
سكان مصر بعمل
محراب مجوف في
مسجد المدينة
التي تبعد
آلاف الأميال
عن مصر، وأن
يحدث ذلك بعد
نحو سبعين سنة
من فتح العرب
لمصر([78]).
أما
بالنسبة
للفظة
المحراب
(المحراب)
واشتقاقاتها
ومعانيها
واستعمالاتها
اللغوية فقد تناولتها
المعاجم
اللغوية
بإفاضة، ولم
تختلف في شرح
مدلولاتها،
فهذا ابن منظور
الذي يقول([79]): «فلان حرب
لفلان، أي
استعد له، أو
بينهما بعد ويتناقض...
وأن رجل حرب،
شجاع ومحراب
شديد الحرب،
وحراب صاحب
حرب... والمحراب
قبلة المسجد،
وسمي محراباً
لانفراد
الإمام فيه
وبعده عن
القوم».
وتتمة
لما سبق، فإن
اللفظ يطلق
على الغرفة، بدليل
قول وضاح
اليمن([80]):
ربة محراب
إذ جئتها
|
|
لم ألقها أو
ارتقي سلما
|
وقال
أبو عبيدة
المحراب أشرف
الأماكن، وفي
المصباح هو
أشرف المجالس.
وقال الأزهري:
«المحراب عند
العامة الذي
يفهمه الناس،
هو مقام
الإمام من
المسجد».
أما
الأنباري
فيشير إلى سبب
تسمية
المحراب
والغرض منه
حيث يقول: «سمي
محراب المسجد
لانفراد
الإمام فيه
وبعده من
القوم، ومنه
يقال: فلان
حرب لفلان إذا
كان بينهما
بعد وتباغض»([81]).
وجاء في
المصباح ما
يلي: «يقال هو
مأخوذ من
المحاربة،
لأن المصلي
يحارب
الشيطان
ويحارب نفسه
بإحضار قلبه»([82]).
يتبين
من التعاريف
المعجمية
السابقة أن
معنى (المحراب)
يشمل عدة
مفاهيم هي:
الشجاعة عند
المحراب،
ومحاربة
الإنسان
للشيطان
أثناء
الصلاة،
بالإضافة إلى
أنه يشير كذلك
إلى أهمية
الموضع في
البيت أو
المسجد، إلى
جانب تحديد
اتجاه القبلة
عند المصلين.
لكن
فيما يخص
معناه
اللغوي، فهو
الدخلة أو التجويف
في المباني،
أو الكوة التي
توضع فيها الأشياء.
وإذا
كان المحراب
قد ارتبط
ظهوره
بالإسلام،
فقد نمى وتطور
مفهومه إذ
أصبح يعني
شكلاً هندسياً
داخل المسجد
يشير إلى
اتجاه القبلة
خصص لوقوف
الإمام أثناء
الصلاة.
وورد
ذكر (المحراب)
في الأحاديث
النبوية الشريفة،
كما يتبين من
هذا الحديث
الذي أثبته
الزبيدي في
معجمه: «فقد
أرسل عروة بن
مسعود إلى قوم
له في الطائف
فأتاهم ودخل
محراباً له
فأشرف عليهم
عند الفجر ثم
أذن للصلاة».
كما ذكر
السمهودي: «أن
هناك ورزة
رخامية في
جدار القبلة
مثبت بها وقد
كان رسول الله
r
يتكئ عليه عند
وعظه لرفاقه
وللمؤمنين»([83]).
وقد
أورد الإمام
الشيباني، عن
أبي هريرة رضي
الله عنه
حديثاً قال
فيه: «قال رسول
الله r إذا
صلّى أحدكم
فليجعل تلقاء
وجهه شيئاً،
فإذا لم يجد
فلينصب عصا
فإذا لم يكن
فليخط خطّاً
لا يضره من مر
بين يديه»([84]).
وعن
ابن مسلم بن
السائب عن أنس
بن مالك: قال:
«كان رسول
الله r يضع
يمينه على
العود
الموجود داخل
المصلى، ثم
يلتفت إلينا
فيقول استووا واعدلوا
صفوفكم»([85])،
كما أورد
البخاري في "صحيحه"
عن سهل ابن
أبي حثمة أنه قال:
«إذا صلى
أحدكم إلى ستر
فليدنوا لا يقطع
الشيطان عليه
صلاته»([86]).
وتأكيداً
لهذه
التوجيهات أو
التلميحات من
رسول البشرية
محمد r بأهمية
وجوب تحديد
اتجاه
القبلة، فقد
كان عليه الصلاة
والسلام يتخذ
من الصحراء
مصلى
للمسلمين مركزاً
أمامه عند
صلاته في
الفضاء
الحربة أو العنزة
كرمز لتحديد
اتجاه القبلة.
وبناء
على ما سبق،
يمكن القول،
إن استعمال
كلمة (محراب)
في ظل
الإسلام،
كانت تعني
شيئاً
واحداً، وهو
الشكل
المعماري داخل
المسجد
لتحديد اتجاه
القبلة، ومن
ثم فلا يهم
شكل هذه
العلامة
المؤشرة وساء
كانت حجر
أو أي شيء آخر
في الفضاء على
عهد الرسول r،
لأنها كانت
الإرهاصات
والبدايات
التمهيدية
لظهور صورة أو
هيئة المحراب
الحقيقية بعد
ذلك، وينبغي
الإشارة هنا
إلى أن محرابه
عليه الصلاة
والسلام، كان
من البساطة لم
يتعد حجمه شكل
الحربة أو
العنزة أثناء
صلاته في
الصحراء، ومن غير شك،
قد كان هدفه
من تلك
العمليات هو
تدريب
المسلمين على
الاستخدام
الأمثل
لاتجاه القبلة.
وإذا كان
المحراب، كما
هو معروف،
يعتبر من أبرز
العناصر
المعمارية،
التي اعتمد
المعمار
المسلم عليها
كأداة متميزة
لإبهار
المشاهد، ومن
ثم أولى هذا
العنصر
المعماري
الرمز، عناية
خاصة تفوق
عنايته بالعناصر
المعمارية
الأخرى التي
لا تقل أهمية
عنه، مثل
القبة
والمئذنة
والمنبر
وغيرها، على
اعتبار أن
المحراب هو
مركز حائط
القبلة الذي
تتجه إليه
أنظار
المصلين
والموضع الذي يصلي
فيه الإمام
بالصلوات
الجامعة.
ويبدو
أن أهمية
المحراب
كعنصر
معماري، يحدد اتجاه
القبلة، هي
التي دفعت بالفنان
المسلم، أن
يخص دخلته
(حنيته) وحول
عقده وكوشاته
بهالة من
الزخارف ذات
الموضوعات المتنوعة
الهندسية
والنباتية
والفسيفسائية
والكتابية
والأصباغ،
فرصع جوانبه
بالآيات
القرآنية
التي تحيط بها
التوريقات
المختلفة،
مشكلاً بذلك
لوحات فنية
جميلة مليئة
بالإيحاءات
الرمزية التي
تترك في نفسية
الناظرين من
المصلين متعة
فنية ولذة
روحية، وتبعث
فيهم إحساساً
بالرهبة
والخشوع يقوي
إيمانهم برب
الوجود، رب
السماوات
والأرض، خالق
كل شيء،
الواحد الأحد
الفرد الصمد،
ليس كمثله شيء.
وإذا كان
هذا هو
الاصطلاح
اللغوي
للمحراب، كما
ورد في
المعاجم
اللغوية، فإن
هؤلاء الباحثين
تجاهلوا ذلك
تماماً ولم
يعيروه أدنى
اهتمام، بل
راحوا
يعتمدون في
تفسير كلمة
(محراب) في
الشعر العربي
القديم، على
نفس المنهج
المعروف.
ومن هذا
المنطلق، يرى
(نولدكة) بأن
كلمة محراب
تعني البناء
للملك أو
الأمير،
بينما يرى
رودو كانس (Rhodo Kanis) معنى
مخالفاً هو
(حنية العرش) كما هو
الحال في
(حنية قصير
عمرة) الأموي،
وإذا سلمنا
بصحة ذلك،
لأول وهلة،
فيمكننا أن
نفهم بسهولة
كيف حدث
اقتباس
الدخلة
الغائرة التي
تشبه الهيكل
والتي نقلها
القبط إلى
المدينة.
أضف إلى
ذلك أنه برغم
هذه
المحاولات
والشروح والتفسيرات
التي جمعها
كريسول من هنا
وهناك ليبني
عليها
استنتاجاته
فقد أغفل هو
ومن تبعه من
المستشرقين
والعرب
المستغربين
ما جاء في المعاجم
اللغوية من
شروح لمعنى
المحراب
والتي أشرنا
إليها قبل
قليل، هذا
فضلاً عن
الإهمال المتعمد
للآيات
القرآنية
التي جاء فيها
ذكر المحراب
والتي لم
يحاول أن
يتفهمها أو أن
يستخلص منها
ما يتصل بمعنى
المحراب في
هذا المجال.
فقد جاء
ذكر المحراب
في آيتين
واضحتي المعنى
والدلالة،
الأولى في
سورة مريم
يقول تعالى: }قال ربّ اجعل
لي آية قال
آيتك ألا تكلم
الناس ثلاث
ليال سويا،
فخرج على قومه
من المحراب فأوحى
إليهم أن
سبحوا بكرة
وعشيا{([87]).
ويتبين
من الآيتين
السابقتين
معنى المحراب ودلالته،
فقد كان زكريا
يناجي ربه وهو
في المحراب الذي
خرج منه إلى
قومه ويدعوهم
إلى الإيمان بمعنى
أنه كان في
مكان مقدس
مخصص
للعبادة، ولم يكن
زكريا ملكاً
أو أميراً،
ولم يكن
جالساً في
حنية لعرش
يعتليه وهو
يناجي ربه.
كما تجدر
الإشارة إلى
أهمية
المحراب في
سورة آل عمران
حيث يقول الله
تعالى: }فنادته
الملائكة وهو
قائم يصلي في
المحراب أنّ
الله يبشرك
بيحي مصدقاً
بكلمة من الله
وسيداً
وحصوراً
ونبياً من
الصالحين{([88]).
ونخلص من
استعراضنا
لآراء
ونظريات
علماء الآثار
من
المستشرقين
حول أصل
المحراب
المجوف في
العمارة
العربية
الإسلامية
والتي بنيت على
أسس واهية لا
تستند إلى أساس
قويم، أعطت
للمحراب
مفهوماً
غامضاً لا يتلاءم
وطبيعة الدين
الإسلامي من
ناحية حيث جردته
من وظيفته
المعمارية
ودلالته في
تعيين اتجاه
القبلة من
ناحية ثانية،
جاعلة منه
أصلاً من أصول
الهيكل في
الكنيسة
المسيحية على
الرغم من وضوح
الفروق
والاختلافات
بينهما ولم يكتفوا
بذلك فحسب بل
قادهم تحيزهم
هذا وتحاملهم
على الإسلام
والمسلمين أن
يلصقوا
بالمحراب معنى
لا يقبله
المنطق
السليم، هو
أقرب إلى الأساطير
منه إلى
الحقيقة
التاريخية،
والظاهرة
المعمارية وذلك
عندما حوروا
الألفاظ
والكلمات في
النصوص
العربية حتى
تتناسب
ونظرياتهم وصولاً
إلى نتيجة وهي
أن الإسلام قد
اقتبس المحراب
على مضض، وأنه
أقل الأجزاء
قدسية في
المسجد.
3 - الرقش
العربي
كان وما
يزال مصطلح
الرقش
العربي، من
أهم الموضوعات
الفنية التي
لفتت أنظار
علماء الآثار
من
المستشرقين،
الذين أفردوا
له صفحات ضمن أبحاثهم
ومؤلفاتهم
العديدة من
الفن
الإسلامي،
وذلك لما لهذا
الفن من أصالة
وارتباط
بالشخصية
العربية، هذا
من جهة، ومن
جهة أخرى فهو
الفن الذي
يميز روح
الإسلام دون
الفنون
الأخرى، وقد
اتسم بأسلوب
عربي في إنشاء
الوحدات
الزخرفية
وتكوينها
وتكرارها،
الشيء الذي
دعا مؤرخو
الفنون من الغربيين
إلى تسميته
بـ: (Arabesque) نسبة
إلى مبتكريه
من العرب([89]).
والحقيقة
إن مفهوم هذا
المصطلح،
مفهوم واسع يتجاوز
المظهر
الزخرفي إلى
معناه
ومفهومه الفلسفي
الصوفي،
وبالنظر إلى
أهميته
الزخرفية في
دراسة الفن
العربي
الإسلامي،
ارتأينا معرفة
المفهوم
الصوفي
والفلسفي لهذا
المصطلح، لعل
ذلك ييسر
علينا فهم ما
يقصده الفنان
العربي من
وراء الصورة
الإشعاعية والصورة
الأفقية التي
تستمد قوتها
من الوحدات
النباتية من
فروع وأوراق
وأزهار بعد
تحويرها
وتجريدها عن
شكلها
الطبيعي.
لقد اتجه
ذهن الفنان
العربي
المسلم،
بنظرية الحدسية،
إلى الكشف عن
حقيقة الكون
المتصل الذي
لا يقبل التجزئة
ولا التباين،
ولقد أصاب
(ماتيس) حينما
قال: «بأن
الدقة لا تؤدي
إلى الحقيقة».
لأن
الحقيقة ليست
هي الصورة
المطابقة
للشكل، بل هي
في الشكل
المطابق
للمعنى الكلي
وهكذا نجد بأن
الفنان
العربي، كان
يسعى إلى
تجاوز عالم
الشهادة
للوصول إلى
عالم الغيب.
ولذلك
فإنه عندما
كان يرسم لوحة
أو شكلاً على جدار
كما هو الحال
في سامراء أو
في مخطوط
ككتاب مقامات
الحريري الذي
رسمه
الواسطي،
فلم يكن يسعى
من وراء ذلك
إلى الدقة
والمحاكاة،
بل إلى إسقاط
حدسه العام
على عالم ذي
حدود وفواصل،
وبقدر ما تبدو
الصورة
مصحفة، بقدر
ما يكون
ارتباطه بعالم
الغيب قوياً،
حتى يصل به
هذا الارتباط
إلى حد أن
يقلب الفكر
إلى إشارة
ويقلب الواقع
إلى رمز كلي([90]).
ومن
المعروف أن
العربي
(الأرابسك)
يظهر في نمطين
رئيسيين هما:
1 - الصورة
الإشعاعية
المركزية
التي تبدو على
شكل وميض
متناوب تبدو
خاصة في الجامات
الدائرية ذات
التخطيطات
الهندسية
واشتقاقاتها
والتي تعرف
اصطلاحاً
(بالخيط).
وقد سبق
الأستاذ بشر
فارس إلى
تأكيد هذا
التصنيف
حينما قال([91]): «من الممكن
أن نتبين في
الرقش عنصرين
ثابتين تمدوهما
الطبيعة خفية
ويقيم
الاعتدال
بينهما إحساس بالمناسبة
دقيق رهيف، ثم
يحول من
أوضاعها اختلاف
الأمكنة
والعهود بفضل
ارتقاء متصل
في جانب الحجم
وجانب الشكل».
2 - الصورة
الأفقية،
وتبدو في
الرقش اللين
الذي يعتمد
على الوحدات النباتية من
فروع وأوراق
وأزهار، بعد
تحويرها
وتجريدها من
هيئتها
الطبيعية.
وقد
اصطلح على
تسمية الصورة
الإشعاعية بـ:
(الخيط)
والصورة
الأفقية
(بالرمي).
واستناداً
إلى
التعريفات
السابقة، نجد
بأن مفهوم
(بشر فارس)
للرقش العربي
يقوم على أساس
الأسلوب،
أسلوب يغلب
عليه الطابع
الحسابي أطلق
عليه (الخيط)
وأسلوب تغلب
عليه العفوية
والاسترسال
أطلق عليه (الرمي)،
يبدو أن
الأستاذ (بشر
فارس) لا يرى
فرقاً كبيراً
بين النمطين
أو الأسلوبين
الرئيسيين في
فكرة الرقش
العربي بدليل
العبارة
التالية التي
يقول فيها: «وهذان
المبدآن
يتنافران في
الظاهر على
حين أنهما
يلتقيان في
اتفاق عجيب
يضم التمثيل
إلى الشعور،
بل هما
يأتلفان حتى
التعانق
والملابسة»([92]).
وهكذا
ففي الصورة
الإشعاعية
نرى الكون بما
فيه يدور في
فلك واحد
منشأه الواحد
الأحد، ومنتهاه
الفرد الصمد
مصدقاً لقوله
تعالى: }هو الأول
والآخر{ ([93]).
إن هذه
الجامات
الدائرية
التي تنطلق من
نقطة واحدة هي
المركز الذي
يرمي الوحدة
ويشير إلى
الجوهر، ثم لا
تلبث حتى تعود
مرة ثانية إلى
الجوهر
المركز
الواحد، فهي
تسعى وراء
الله، }ولله المشرق
والمغرب
فأينما
تولّوا فثمّ
وجه الله إن الله
واسع عليم{([94]).
وهكذا
فإن الفنان في
عمله لا يرتبط
بمفاهيم الفن
السائدة في
الغرب، بل هو
عمل رصين لا
يقل عن العبادة([95]) كما شرحه
بشر فارس
بقوله([96]): «وبعيد
أن ينحدر
الرقش من بدواب
العبث وإن زعم
قوم النقاد
هذا، فالرقش
ثمرة التوقان
الإسلامي،
ثمرة منقاة
وتوقان مذعان يختلج
على هلع».
أما
الصورة
الأفقية،
فالخطوط كلها
تتجه إلى الجوهر
وتسعى إليه،
فبعد رحلتها
الطويلة مع
تموج الخطوط
أو انحناءتها
وتعرجها،
تعقيدها
وتشابكها،
توازيها
وتلاقيها،
تعود ثانية
إلى البداية.
يقول
بشر فارس عن
هذه الخطوط
بأنها «لا
مبتدأ ولا
منتهى وما
يجوز لها أن
تطمع في أي
منها لأنها
تسعى دائماً
إلى الله».
والواقع
أن الفنان كان
يسعى وراء
فكرة هي فكرة
الله الأحد،
فالنقطة
المركزية هي
الجوهر الذي
يصدر الأشياء
كلها وإليه
ترجع جميع
الأشياء([97]).
وقد
أكد الباحث
(بيرابين) هذه
النقطة فقال: «يعاني
الرقش العربي
دائماً مشكلة
البحث عن الواحد»([98])،
ونلاحظ ذلك في
مظهر
التكوينات
الهندسية الإشعاعية
فهي في وقت
نابذة
وجابذة،
ومهما يكن من
شيء فهي تنطلق
من الجوهر
الواحد،
وتعود إلى
الجوهر
الواحد وإلى
الله ترجع
الأمور([99])،
فالله مصدر كل
شيء }الله يبدأ
الخلق ثُمّ
يعيده ثُمّ
إليه ترجعون{([100]).
وهناك
من
المستشرقين
من درس ظاهرة
(الرقش
العربي) دراسة
موضوعية جمالية
من أمثال
(أويج غرابار)
الذي شرح وظيفة
هذا العنصر
بقوله([101]):
«ليس الرقش
العربي مجرد
زخرفة، بل كان
له وظيفة
رمزية ففي
جميع أشكال
الرقش التي
نراها في قصري
الحير الشرقي
والغربي وفي
قصر المشتى أو
خربة المفجر،
يتبين أن هذا
سواءً كان
هندسياً أو
نباتياً قد
أخضع كلياً
المبادئ
التجريدية
التي هي في قمة
جميع مراتب
التعبير
الجمالي
الإسلامي،
وهذا يعني
أننا نقف أمام
بنية متحركة
وليست ساكنة،
وأمام قالب
يولد جملة
تكوينات
متآلفة،
فالعناصر
الزخرفية لا
يمكن وصفها
كوحدات
منفصلة أو كيانات
طبيعية خافية
على أبصارنا».
ويضيف
الأستاذ
(غرابار) إلى
ما سبق فيقول:
«إن الالتجاء
إلى الرقش هو
انتقال إلى
مستوى القمة
الثقافية
للعمل الفني،
إذ يلغي
العلاقة بين
الشيء المرئي
وبين دلالته
العادية
ومعناه
المتداول،
وهكذا فإن
الصورة تتغير
كلياً عن
أصلها».
وهكذا
وفي ضوء
التفسيرات
السابقة،
نستطيع تحديد
مفهوم (الرقش
العربي أو
التوشيح العربي)
كمصطلح فني،
لعب دوراً
رئيساً في
إثراء عناصر
الزخرفة في
الفن
الإسلامي
وتمييزه بجلاء
ووضوح عن جميع
الفنون
السابقة
للإسلام، من
أنه عبر
بواسطته
الفنان
العربي عن
فكرة التوحيد
التي تعتبر
جوهر الدين
الإسلامي.
4 -
مفهوم الوجه
والظهر في
السكة
الإسلامية
إن الضرورة
هي التي أرشدت
الإنسان إلى
وضع النقود كما
جاء في كتاب
السياسة
لأرسطو، فقد
حاول الأقدمون
إتباع عملية
المقايضة في
أعمالهم التجارية
قبل اختراع
النقود في
القرن السابع
قبل الميلاد
على يدي
الليديين في
آسيا الصغرى.
وكان
اختراع
النقود قد
ساعد على وضع
تصور اقتصادي
جديد، سهل
عملية البيع
والشراء
ومرونة العمليات
التجارية،
وهكذا أخذت
النقود تتطور
مع تطور
الزمن، حتى
أصبحت على ما
هي عليه اليوم،
فتصدرت قاعات
المتاحف
وتكونت
جمعيات الهواة،
وأصبحت دراسة
النقود علماً
قائماً بذاته،
ومنذ القرن
الثامن عشر
الميلادي،
اجتذبت الدراسة
العلمية
للنقود عشرات
من العلماء
الغربيين،
الذين كان لهم
فضل السبق في
الكشف عن حقائق
كثيرة في هذا
المجال، ولا
تزال أبحاثهم
العلمية
الدقيقة
مرجعاً
أساسياً
لكثير من الباحثين
والمختصين([102])،
وعلى الرغم من
وفرة
الباحثين
العرب، إلا أن
السكة
العربية
الإسلامية لم
تلق عند
المغاربة من
العناية
بتاريخها غير
ما كتبه
جغرافيون
كاليعقوبي
والمقدسي والإدريسي
أو رحالة
كناصر خسرو
وابن بطوطة،
أو أدباء
كقدامة بن
جعفر
والقلقشندي،
أو مؤرخون كالبلاذري
وابن عذاري
وابن خلدون
والمقريزي،
وحتى هؤلاء
فإنهم
تناولوا
موضوع السكة
في نبذ عرضية
أو في فصول
خاصة فيما عدا
المقريزي
الذي خصص لها
كتيباً سماه "شذور
العقود في ذكر
النقود"
وأبو الحسن
علي بن يوسف
الحكيم الذي
ألف كتيباً
خاصاً سماه
أيضاً "الدوحة
المشتبكة في
ضوابط دار
السكة"
ولكنهم
جميعاً
يشتركون في
التعميم دون
استيعاب
الموضوع ومن
المستشرقين
الذين بلغ
عددهم
العشرات أذكر
على سبيل
المثال لا
الحصر، أدلر (Adler)
وتيزنهاوزن
ولينبول (S.L. Poole)([103])
وهنري ﻟﭭﻮا (H. Lavoix)([104])،
وجورج وولكر (J. Walker)([105])
ومايلز (G. Miles)([106])
وغيرهم من
العلماء،
الذين يرجع
إليهم الفضل
في توجيه
الأنظار إلى
أهمية هذا الموضوع
المتميز في
حقل الدراسات
الأثرية الإسلامية،
فقد جذبت
السكة
العربية
الإسلامية
بتصميمها
ونقوشها
الكتابية،
إعجاب الباحثين
من علماء
الغرب، الذين
خصوها بأبحاث
ودراسات
تحليلية
قادتهم في
نهاية المطاف
إلى وضع
نظرياتهم
المعروفة حول
مفهوم الوجه
والظهر،
انطلاقاً مما
تحمله
المسكوكات
(النقود) من
عبارات وأسماء
وألقاب ومدن
وتواريخ.
ولكن
مع كل ذلك،
ورغم وفرة
المسكوكات
الإسلامية
واختلاف
أنواعها
وأشكالها
وتباين
مضامينها، ودون
مراعاة
المعنى الذي
تحمله تلك
النقود بالنسبة
للدولة
الإسلامية
وحكامها، أو
بالنسبة
للشعوب التي تتعامل
في فلكها
ومعايير
ومقاييس
خاصة، فقد انتهوا
إلى إقرار
حقيقة علمية
(حسب مفهومهم)
هي بمثابة
القاعدة أو
المفتاح في
تحديد الوجه والظهر،
ولا شك أن
الأمثلة التي
سنشير إليها فيما
يأتي سوف تظهر
هشاشة منهجهم
وضعف أدلتهم في
هذا المجال
الهام.
ومن
ثم أجمعوا على
أن وجه السكة
الإسلامية([107])،
سواء كانت
مشرقية أو
مغربية هو
الذي يحمل اسم
الأمير أو
السلطان
ومكان وتاريخ
الضرب، وطبقاً
لهذا المفهوم
الغربي في
قراءة مضامين
السكة يصبح
وجه السكة
الذهبية
الأموية هو
الذي يشتمل على:
أ - 1
-
الله أحد
الله
2 -
الصمد لم يلد
3 -
ولم يولد
ب - الهامش
الدائري: بسم
الله ضرب هذا
الدينار في سنة
سبع وسبعين.
أما الوجه في
السكة الفضية
فيشتمل على
شهادة
التوحيد
وتاريخ الضرب.
أ - 1 - لا
إله إلا
2 - الله
وحده
ب -
الهامش:
بسم الله ضرب
هذا الدرهم بواسط
في سنة خمس
وثمنين.
ونفس
الشيء ينسحب
على السكة في
العصر العباسي
حيث يصبح
الوجه على
النحو التالي:
أ - مركز الوجه: 1
- محمد
2 - رسول
ب - الهامش:
بسم الله ضرب
هذا الدينار
سنة أربع وسبعين
ومية.
بينما
يكون وجه
السكة الفضية
تبعاً لهذا
التصور على
الشكل التالي:
لا إله
إلاّ
الله
وحده
لا
شريك له
أما
الهامش
فيتألف من
كتابة دائرية
تدور عكس عقارب
الساعة تشير
إلى الرسالة
المحمدية
(محمد رسول
الله أرسله
بالهدى ودين
الحق ليظهره
على الدين
كله)،
وبالمقابل
نقش في مركز
آياتهن سورة
الإخلاص:
الله
أحد الله
الصمد
لم يلد
ولم
يولد
وخصصت
الكتابة
الهامشية
لتاريخ الضرب:
(بسم الله ضرب
هذا الدرهم في
سنة سبع
وسبعين).
وهكذا
أصبح هذا
المنهج
الغربي
راسخاً، وقاعدة
ثابتة في
دراسة السكة
الإسلامية لا
تقبل الجدل
والنقاش على
الرغم من التباين
الواضح
ومخالفة
الواقع
لطبيعة السكة
الإسلامية
ومضامينها،
ومن ثم فإن
هذا المفهوم
الغربي الذي
يمثله علماء
النميّات (المسكوكات)
الغربيين، لا
يقوم على أساس
علمي، يحتاج
إلى غربلة
وإعادة تحقيق
جديد، لما
تضمنه من
أخطاء
ومخالفة
واضحة لقاموس
السكة الإسلامية،
ولذلك سجلنا
عليه
اعتراضات
وملاحظات
منهجية
نجملها فيما
يأتي:
أولاً:
اتسم
مفهوم الغرب
لدراسة هذا
العنصر الهام
من تراثنا،
بالسطحية
وعدم الفهم
الدقيق
للنصوص المسجلة
على السكة
التي كانت
تمثل روح
العصر الذي
انتشر
تداولها فيه.
ثانياً:
انطلقوا
في تحديد
الوجه بناء
على دراسة
النقود
البيزنطية
التي تحمل
صورة الإمبراطور
البيزنطي
وولديه.
أما
اعتراضاتنا
على هذا
المنهج فهي:
1 - لا نرى
مبرراً في
تحديد وجه
السكة أو
العملة الإسلامية
طبقاً
للمعطيات
السابقة،
التي تختلف من
مكان لآخر،
وهي في الوقت
ذاته لا تعدّ
مقياساً
سليماً يمكن
تطبيقه على
جميع أنواع
النقود
الإسلامية،
فقد نجد
فروقاً
واختلافات
بين نقود
الدولة
الواحدة،
والتي قد لا
تعطي
بالضرورة
نتائج واحدة،
فما بالك بطرز
نقود الدول
الإسلامية
الأخرى ولا شك
أن هذه
الفروق،
وغيرها تظهر
لنا زيف وضعف
المنهج
الغربي الذي
لا يستند على
أسس علمية
صحيحة، في
التخريجات،
ومن الأمثلة
على مزالق
المستشرقين
وسذاجة
منهجهم أننا
كثيراً ما نجد
مظاهر
الاختلاف هذه
تكمن ضمن نقود
الخلاقة
العباسية (132-656 ﻫ/ 750-1258 م)
نفسها، لا
سيما فيما يخص
العبارات
الدينية
فنذكر على
سبيل المثال
لا الحصر، أنه
بين دنانير الخليفة
العباسي عبد
الله المأمون
(198-218 ﻫ / 813-833 م)،
ورد على أحدها
ذكر تاريخ
الضرب في
الوجه عوض
الظهر، مما
يفنّد إدعاء
هؤلاء
الباحثين،
فقد سجلت على
الوجه شهادة
التوحيد في
ثلاثة أسطر
أفقية
متوازية هكذا:
(لا إله إلاّ
الله وحده - لا
شريك له) ([110]).
ب -
الهامش
الداخلي: بسم
الله ضرب هذا
الدينار سنة
سبع ومائتين.
د - مركز
الظهر: لله
محمد
رسول
ﻫ -
الهامش: محمد
رسول الله،
أرسله الهدى
ودين الحق ليظهره
على
الدين كله.
الدين كله.
ومن
قراءتنا
لنصوص هذا
الدينار،
نلاحظ عدم ذكر
أسماء الحكام
ومكان الضرب
كما يعتقد
هؤلاء
العلماء
ونلمح نفس
الظاهرة في
كتابة
الدراهم، حيث
نقش مكان
الضرب
وتاريخه في
الوجه الذي
صنفوه ظهراً
في مفهوم
الخاطئ
لدراسة
السكة، هذا
إذا علمنا بأن
سكة الأمويين
خالية من
أسماء الأمراء
والحكام
الذين
ضربوها، مما
يجعلها صعبة التصنيف
والترتيب
المكاني.
وهي
أمثلة توضح
فساد المنهج
الذي اتبعه
هؤلاء في
دراسة آلاف
المسكوكات
الإسلامية
المحفوظة
بالمتاحف
العالمية
والعربية
والمنشورة في
شكل أبحاث
ودراسات وفهارس
متخصصة.
وهناك
ظاهرة أخرى
لفتت
انتباهنا
أثناء الدراسة،
وهي نقش اسم
الأمين
مقروناً بلقب
والده هارون
الرشيد مع اسم
جعفر، وتتجلى
هذه الظاهرة
من تحليلنا
لنصوص هذا
الدرهم التي
تعكس خطأ منهج
هؤلاء
المستشرقين
من علماء
المسكوكات:
مركز
الوجه: لا
إله إلا
الله
وحده
لا
شريك له
مركز
الظهر: محمد
رسول الله
مما
أمر الأمير
الأمين
محمد
بن أمير
المؤمنين
جعفر
الهامش:
محمد رسول
الله أرسله
الهدى ودين
الحق ليظهره
على الدين كله
ولو كره المشركون.
ولو كره المشركون.
والحق
أن التضارب في
منهج البحث
هذا مع غيره
قد أوقعنا في
حيرة من ناحية
المعنى
المقصود الذي
يريده هؤلاء
من دراسة
الوجه والظهر
في السكة
العربية
الإسلامية.
وهكذا
ولا نظننا
بحاجة إلى شرح
معنى الوجه في
السكة
الإسلامية،
فهو صريح كل
الصراحة في
أنه هو كل ما
يحتويه من شهادة
التوحيد
والرسالة
المحمدية،
ونضيف إلى ما
سبق نقطة ضعف
أخرى في منهج
علماء
المسكوكات،
وهي توضح
التضارب في
تناول ما نقش
على السكة
الحفصية
والمرينية
التي لا تحمل
اسماً أو تاريخاً
أو مكان ضرب
على الإطلاق،
فكيف يكون
الأمر
بالنسبة
لتحديد الوجه
من الظهر. حتى نتمكن
من نسبتها إلى
أصحابها
ومحاولة
تأريخها ومن
ثم تصنيفها
تصنيفاً
زمنياً
ووضعها في إطارها
الصحيح. وهكذا
يسير هؤلاء
الباحثون في
دراسة
المسكوكات
الإسلامية
عامة، حيث نقرأ
في درهم مدينة
السلام ما
يلي:
أ -
مركز
الوجه: 1 - لا إله
إلاّ
2 - الله
وحده
3 - لا شريك له
ب - الهامش:
بسم الله ضرب
هذا الدرهم
بمدينة السلام
سنة ست
وأربعين مائة.
ونفس الشيء
ينطبق على
السكة
الفاطمية (297-362) بنوعيها
الذهبي
والفضي حيث
نقرأ على وجه
الدينار
الفاطمي ما
يلي:
أ -
مركز
الوجه: 1 - الإمام
2 - رسول
3 - الله
4 - المعز
لدين
5 - الله
ب - الهامش:
بسم الله ضرب
هذا الدينار
سنة سبع
وأربعين
وثلاث مائة([114])،
ولكن نجد وجه
السكة الفضية
الفاطمية على
هذا النحو:
أ -
مركز
الوجه: 1 - محمد
2 - أبو
القاسم
3 - لا إله
إلاّ الله
4 - وحده لا
شريك له
5 - المهدي
بالله
وقد
تبنى هذا
المنهج بعض
الباحثين من
علماء النميات
العرب، باستثناء
الذين تفطنوا
إلى هذه
النقطة من أمثال
عبد الرحمان
فهمي([116])،
وناصر
النقشبندي
اللذين خلفا
المنهج
الغربي وسارا
في أبحاثهما
على المنهج
العلمي
الصحيح كما
حدده مفهوم
السكة
الإسلامية عامة.
ونختم
الموضوع
بالمسكوكات
الإسلامية
المغربية على
عهد الموحدين
وخلفائهم في
بلاد المغرب
والأندلس حتى
قد نعطي صورة
واضحة عن دراسة
المسكوكات
عامة.
وهكذا
وبناء على ما
سبقت الإشارة
إليه نجد أن
وجه السكة
الذهبية والفضية
في المغرب
الإسلامي([117])
يكون حسب
الشكل التالي:
أ -
مركز
الوجه: 1 - المهدي
إمام
2 - الأمة
القائم
3 - بأمر
الله
ب - الهامش: 1 -
أبو محمد 3 -
المؤمن بن علي
2 - أمير
المؤمنين 4 -
الحمد لله رب
العالمين
أ -
مركز
الظهر: 1 - لا إله
الله
2 - الله
محمد
3 - رسول
الله
ب - الهامش: 1 -
بسم
الله الرحمان
الرحيم 2 -
صلى
الله على محمد
3 - وإله
الطيبين 4 - الطاهرين
أما
فيما يتعلق
بوجه السكة
الفضية
الموحدية فقد
حدّد على هذا
الأساس:
أ -
مركز
الوجه: - لا إله إلاّ
الله
- الأمر
كله لله
- لا قوّة
إلاّ بالله
بجاية
ب - مركز
الظهر: 1 - الله
ربنا
2 - محمد
رسولنا
ونفس
القاعدة
تنسحب على
نظام السكة
الحفصية حيث
نقرأ على الوجه:
أ -
مركز الوجه: 1 - المهدي
2 -
الأمة القايم
3 -
بأمر الله
ب - الهامش: 1 -
الأمير
الأجل 2 -
أو
زكريا يحي
3 - بن
أبي محمد 4 -
بن
أبي حفص
ﺟ -
مركز
الظهر: - لا إله إلاّ
- الله
محمد
- رسول الله
د - الهامش: 1 -
بسم الله
الرحمان
الرحيم
2 - صلى
الله على محمد
3 - وعلى
آله
4 - وسلم
تسليما.
أما
عند
المرينيين
فقد حدد وجه
سكتهم طبقاً لما
تحمله من
أسماء وأماكن
ضرب كما
يوضحها الشكل
الآتي:
أ -
مركز
الوجه: - عبد
الله عثمان
- أمير
المسلمين
- أيده
الله
ب - الهامش: 1 - ضرب
بمدينة 2 -
فاس
حرسها
3 - الله
تعلى
4 - بمنه
عن أمر
ﺟ -
مركز
الظهر: - الحمد لله
- والمنة لله
وإذا
رجعنا إلى
السكة
العربية
الإسلامية بأنواعها
المختلفة،
نجد بأن الوجه
كان يسجل فيه
دائماً شهادة
التوحيد،
والرسالة
المحمدية،
وفي أحيان
أخرى
الشهادتين (لا
إله إلا الله -
محمد رسول
الله)
والبسملة
والتصلية كما
هو الحال في
مسكوكات الموحدين
وخلفائهم،
ذلك أن شهادة
التوحيد كانت هي شعار
الدولة
الإسلامية
الثابت، وهي أول
ما يلفت النظر
إليه عند
التعامل
بقطعة العملة،
لأن العملة في
ذلك الزمان
كانت تمثل مظهرين
رئيسيين هما:
المظهر
السياسي الذي
يمثل الدولة
الحاكمة أو
الأمير أو
الخليفة
القائم، والمظهر
الآخر هو ديني
يمثل أيضاً
مذهب الدولة
الرسمي.
أما
مسألة
التأريخ
وأسماء
الأشخاص فهي
مسألة زمانية
تحدد تعاقب
الدول
والحاكم عبر
التاريخ،
وعليه فإن ظهر
العملة كان
يخصص لتسجيل اسم
الخليفة الحاكم
أو الأمير بعد
ذكر النبي r وكأن
العملة تمثل
مراتب هي:
الله - محمد
رسول الله - ثم
اسم الحاكم)،
وذلك لأن الشهادة
قاعدة ثابتة
لا تزول بزوال
السلطان، بينما
هو مسألة
مرحلة أو
وقتية، وقد
فصل العلامة
ابن خلدون([120])
في
القضية فقال: «وكان
الدينار
والدرهم على
شكلين
مدورين، والكتابة
عليها في
دوائر
متوازية يكتب
فيها من أحد
الوجهين
أسماء الله
تهليلاً
وتحميداً
وصلاة على النبي
وآله، وفي
الوجه الثاني
(أي الظهر)
التاريخ واسم
الخليفة
وهكذا أيام
العباسيين
والعبديين([121])
والأمويين»([122]).
«ولما
جاءت دولة
الموحدين كان
مما سن لهم
المهدي اتخاذ
سكة الدرهم
مربع الشكل،
وأن يرسم في دائرة
الدينار شكل
مربع في وسطه،
ويملأ من أحد
الجانبين (أي
الوجه)
تهليلاً
وتحميداً، ومن
الجانب الآخر
(أي الظهر) كتب
في السطور
باسمه واسم
الخلفاء من
بعده، ففعل ذلك
الموحدون»([123]).
واستناداً
إلى هذين
النصين
وانطلاقاً من
دراسة مئات
القطع
النقدية التي
تغطي فترات
تاريخية هامة
من تاريخ
حضارتنا
العربية
الإسلامية
نستطيع القول
بأن السكة
الإسلامية
كانت تمثل
مفهوم الملك
عند جميع
الدول
الإسلامية
بلا استثناء،
فهي التي تحدد
شرعي الحاكم
أو عدم شرعيته
بالنسبة
للرعية، كما
أنها تمثل إلى
جانب ذلك
وسيلة
إعلامية
ودعائية تنشر
أفكار الدولة
ومذهبها الديني،
فضلاً عن
كونها وسيلة
التعامل بين
الشعوب في
مجال التجارة
وتقدير
الأسعار
والمرتبات
والأجور.
ومما
لا يدع مجالاً
للشك، أن
معالم المنهج
الغربي في
دراسة
المسكوكات
الإسلامية
وتحديد
مفهومها قد نبع
من دراستهم
للمسكوكات
اليونانية
والرومانية
وكذا
البيزنطية
التي عاصرت
الفتح العربي
الإسلامي
وكانت الدنانير
المتداولة
أيام الرسول r والخلفاء
الراشدين
والدولة
الأموية،
عبارة عن قطعة
مستديرة من
الذهب نقش على
الوجه صورة
الإمبراطور
البيزنطي
منفرداً أو مع
ولديه (هو
فاسيوناس
وقسطنطين).
وقبض كل منهم
على عصا المطرانية
التي تنتهي من
أعلاها بما
يشبه الصليب
فوقه كرة.
بينما الظهر
فيحمل صليباً
في الوسط
قائماً على مدرجات
أربعة تحيط
بها عبارات
دعائية واسم
مكان الضرب.
ومما
زاد في ترسيخ
هذا
الاعتقاد،
الدنانير العربية
التي سكها
الخليفة عبد
المالك بن مروان
في فترة تعريب
الدواوين
والنقود ما
بين 74-76 ﻫ، فكان
وجه الدينار
يحمل صورة عبد
الملك متقلداً
سيفه كما هو
الحال
مشابهاً لحرف
(I).
أما
الظهر فكان
يشبه
الدنانير
البيزنطية غير
أن الحرفين (I-B)، قد
استبدل
أحدهما مكان
الآخر فأصبحا
هكذا (I-B) لكن الشيء
الجدير
بالملاحظة هو
أن الصحابة قد
استنكروا نقش
صورة الخليفة
على الدينار
وطلبوا منه إزالتها
وأن تنقش
مكانها شهادة
التوحيد ففعل
عبد المالك،
وهكذا فلما
عرّب الدينار
تعريباً
كاملاً تغير
هذا المفهوم
الذي ساد فترة
قصيرة في نظام
السكة
العربية،
ومنذ ذلك
الوقت أصبح
وجه الدينار
العربي
الإسلامي
مجرداً من الصور
الآدمية نقرأ
عليه مركز
الوجه: لا
إله إلا
الله
وحده
لا
شريك له
الهامش: محمد
رسول الله
أرسله بالهدى
ودين الحق
ليظهره على
الدين كله.
مركز
الظهر: الله
أحد الله
الصمد
لم يلد
ولم
يولد
الهامش: بسم
الله ضرب هذا
الدينار في
سنة سبع
وسبعين، ومما سبق
يتضح أن مفهوم
الغرب للسكة
العربية
الإسلامية لا
يقوم على أساس
قويم، لأنه لا
يمثل حقيقة
طبيعة الوجه
في المسكوكات
عامة، ولا
يمكن الاعتماد
عليه، أو
اتخاذه قاعدة
علمية صحيحة في
دراسة السكة
بأنواعها
المختلفة،
ذلك أن المعايير
التي استندوا
إليها غير
ثابتة تماماً،
فقد نجد اسم
الأمير ينقش
على الوجه
وأحياناً على
الظهر، كما أن
مسألة تاريخ
الضرب ومكانه
نسبية تتغير
باستمرار ضمن
مسكوكات الدولة
الواحدة،
بالإضافة إلى
ذلك فإن نقش
اسم السلطان
ومكان الضرب
وتاريخه قد
تنفّذ في
الوجه الذي
اعتبره هؤلاء
العلماء
ظهراً،
والعكس صحيح.
والأبعد
من ذلك
إشكالية
الوجه والظهر
تصبح مستحيلة
التطبيق في
المسكوكات
الموحدية على وجه
الخصوص لعدم
احتوائها على
تاريخ الضرب من
جهة، وفي
أحيان كثيرة
على مكان
الضرب، ولعل الدليل
الوحيد الذي
يمكن الركون
إليه هو اسم الأمير
الخليفة ومن
المعروف أن
السكة الموحدية
الذهبية هي
سجل تاريخي
لخلفاء
الدولة، فعلى
سبيل المثال
لا الحصر نجد
بأن اسم عبد
المؤمن بن علي
استمر يسجل
على السكة
الموحدية حتى
سقوط الدولة.
فكيف
اهتدى هؤلاء
العلماء إلى
معرفة الوجه من
الظهر، ولكن
المشكلة لا
تنتهي عند هذا
الحد فحسب بل
إننا إذا عدنا
قليلاً إلى
عصر
المرابطين
نجد مفهوم
الوجه كما تراءى
لعلماء
النميات هو
الذي يحمل اسم
الأمير
(الإمام - عبد -
الله - أمير
المؤمنين)
وتاريخ ومكان
الضرب، مع
العلم بأن اسم
الأمير
المرابطي
الحاكم كان
ينقش في الظهر
الذي يمثل
الوجه الحقيقي
لسكة الدولة
المرابطية،
وهكذا.
يتبين
لنا مما سبق
استعراضه مدى
فساد المنهج الغربي
في دراسة
قضايا التراث
الإسلامي
عامة،
والتراث
المعماري والفني
والاقتصادي
على وجه
الخصوص.
([28]) من
أبرز علماء
الغرب الذين
تنبهوا إلى
هذه الإشكالية،
بابا دوبولو،
الذي ناقش
الموضوع، وطرح
تساؤلات منها:
فهل نسمي
العمل الفني
إسلامياً،
إذا كان موصى
بإنجازه
لحساب رجل
مسلم أو معتنق
الإسلام، أم
هل تسمى
الأعمال
إسلامية إذا
كان منجزوها
فنانين
اعتنقوا هذا
الدين؟ وفي
رأيه أنه لا
يمكن إطلاق
الكلّ على
الجزء أو
العكس، بحجة
أننا لا نعرف
صانعي معظم
الأشياء كالخزف
والخشب
والمعادن
والعاج إلخ...
(انظر، جمالية
الرسم
الإسلامي،
ترجمة علي
اللواتي،
تونس، 1979، صص. 28-29).
([47]) السمهودي،
خلاصة وفاء
الوفاء
بأخبار دار
المصطفى،
مطبعة بولاق،
ص. 140؛ Creswelle, Early Muslim
Architecture, Vol. 1,
p. 28.
اعتمدنا نقل
هذه النصوص عن
د. فريد شافعي
في كتابه "العمارة
العربية في
مصر
الإسلامية"،
النهضة
المصرية
للكتاب،
القاهرة، 1967،
م 1، ص. 585.
([68]) جاء ذكر
محراب الرسول r في كتاب "مسالك
الأبصار في
ممالك
الأمصار"
لابن فضل الله
العمري الذي
عاش في القرن
الثامن
الهجري، قال
فيه عن السجد
النبوي «قال
السهيلي: بني
مسجد رسول
الله r وسقف
بالجريد
وجعلت قبلته
من اللبن،
وقال بل من
حجارة منضودة
بعضها على بعض
وحيطانه باللبن،
ثم قال: قال
الحافظ أبو
عبد الله
الذهبي،كانت
هذه القبلة في
شمال المسجد
لأنه صلى ستة
عشر شهراً أو
سبعة عشر شهراً
إلى بيت
المقدس، فلما
حولت القبلة
بقي حائط
القبلة الأول
مكان أهل
الصفة...»، ثم
قال عن مسجد
قباء: «وذكر
ابن أبي خيثمة
أن رسول الله r حيث أسسه،
كان هو أول من
وضع حجراً في
قبلته، ثم جاء
أبو بكر بحجر
فوضعه، ثم جاء
عمر فوضعه إلى
جانب حجر أبي
بكر، ثم أخذت
الناس في
البنيان»، ج 1، ص. 124.
([77]) والواقع
أن هذا
المحراب كان
موجوداً قبل
سنة 740 ﻫ/
1740 م،
وهي السنة
التي كتب فيها
ابن فضل
العمري كتابه
"مسالك
الأبصار"،
فقد أشار إليه
بقوله: «والمحراب
الذي يصلي به
إمام الصخرة
عن يمين
الداخل من
الباب القبلي
داخل الدرابزين
الخشب المقدم
الذكر، وتجاه
المحراب باب مغارة
الصخرة
الشريفة...
وبباطن
المغارة المذكورة
محرابان على
اليمين
واليسار، كل
محراب على
عمودي رخام
لطاف...». (انظر: مسالك
الأبصار، ج 1، ص. 124-127).
- The Coins of the Moors of African and Spain and.
- The Kings and Imams of the Yemen, London, 1880.
- Catalogue of the Collection of Arabic Coins Preserved
in the Khedivial
Library at Cairo, London, 1897.
Library at Cairo, London, 1897.
- Rabe Islamic Coins (N.Y. 1950).
- The Coinage of the
Umayyad of Spain, Vol. 2, (N.Y. 1948-1950).
- Awad. H.A, and Bacharah.
I ; Problem of Obvers and Revers in Islamic Numismatics
(the Numismatic Chronicle 1873), pp. 183-191.
([115]) وقد سار
علماء السكة
في المغرب على
نفس المنهاج
في دراسة سكة
بني الأغلب من
أمثال: (Lavois) و(Farrugia de Candia)، انظر:
Farrugia de Candia, Monnaies
Aghlabites des Musée du Bardo, In (R.Tunisienne, Année 1936-48-56).
([117]) صالح بن
قربة، «علم
النميّات على
عهدي
الموحدين
والمرينيين
ببلاد المغرب
الإسلامي»،
(بحث لندوة تاريخ
العلوم عند
العرب
ببغداد، 1989، ص. 41).
- H. Lavoix, Catalogue des Monnais Musulmanes,
Vol. 2, (Afrique et Espagne 1820), pp. 296-297.
- S.
Lane Poole, The Coins of Moors if Africa and Spain, pp. 30-31.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق