الأحد، 8 يونيو 2014


خالد بن الصغير: الزوايا في المغرب والحمايات الأجنبية: نموذجي الزاوية الوزانية والمصلوحية.

الزوايا في المغرب والحمايات الأجنبية:
نموذجي الزاوية الوزانية والمصلوحية.
خالد بن الصغير
شكلت الزوايا في المغرب عبر كل فتراته التاريخية، أحد دواليب السلطة التي لا يمكن الاستغناء عنها لتسيير شؤون المخزن في جهات كثيرة من البلاد، وخاصة في الأماكن النائية والتي لا يمكن للمخزن أن يكون حاضرا فيها بقوة. وقد تناولت كثير من الدراسات موضوع الزاوية في هذا السياق. بينما ظلت الدراسات التي تناولت علاقة المخزن بالزوايا التي لم يتردد بعض زعمائها في الاستظلال بالحمايات الأجنبية خلال القرن التاسع عشر قليلة جدا. ونقترح ضمن هذا الملف، تقديم أبرز النماذج التي شهدها تاريخ المغرب المعاصر في هذا السياق، ونعني بذلك الحماية الفرنسية للشريف الحاج عبد السلام الوزاني سنة 1884، والحماية البريطانية لفائدة الحاج بن سعيد المصلوحي سنة 1893، وذلك في خضم الصراع والتنافس الاستعماري الذي كان قائما حول المغرب قبيل خضوعه إلى الحماية الفرنسية والإسبانية سنة 1912.

أولا: الحماية الفرنسية للشريف الوزاني ومضاعفاتها:
سجلت الحمايات الأجنبية بشكل عام تصاعدا ملحوظا من حيث العدد قبل مؤتمر مدريد[1]. وإذا كان خطها التصاعدي قد استمر بوتيرة متسارعة حتى بعد 1880، فإن المفوضيات الأجنبية في طنجة ما لبثت أن بدأت تدشن توجها جديدا قوامه بسط الحماية على شخصيات ذات وزن ديني وسياسي. وكانت المفوضية الفرنسية أول من أقدم على خطوة من هذا النوع حين لم تتردد في بسط حمايتها خلال سنة 1884 على الحاج عبد السلام بن العربي الوزاني كبير الزاوية الوزانية [2]. فماذا كانت ردود فعل بريطانيا أمام تلك الخطوة الجريئة وهي التي كان يهمها كثيرا مصير المغرب لأسباب استراتيجية واقتصادية باتت معروفة في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط.

ويبدو أن الصلات قد توثقت بين السفير البريطاني في طنجة جون دراموند هاي(John Drummond Hay) والشريف الوزاني منذ حرب تطوان الستينية، إذ كان الشريف المذكور من بين الزعماء الدينين الذين اعتمد عليهم السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن (1859-1873) بتنسيق مع دراموند هاي لحل مشكلة توسيع حدود مليلية لصالح الإسبانيين بعد الحرب[3]. وازدادت العلاقة توثقا بين الرجلين بفعل الدور الفعال الذي قام به دراموند هاي لربط الصلة بين والدي الفتاة الإنجليزية إملي كين (Emily Keen)، والشريف الوزاني منذ سنة 1872 لتمكين العاشقين من عقد قرانهما في 17 يناير 1873[4]. وعلى إثر هذا الزواج الأول من نوعه في تاريخ الزوايا بالمغرب كتب النائب السلطاني محمد بركاش إلى السفير البريطاني منبها إياه بأن إملي كين قد أصبحت منذئذ مغربية ويتوجب عليها الخضوع للتشريعات الجاري بها العمل فوق أرض المغرب، وذلك بالعبارات الآتية:

" (...) فقد بلغنا أن الشريف سيدي الحاج عبد السلام بن سيدي الحاج العربي الوزاني، تزوج بامرأة نصرانية انجليزية، وتعين علينا إعلامك بأن المرأة المذكورة صارت الآن مراكشية بسبب تزويجها للشريف المراكشي، ولا يمكن الحكم عليها وعلى مطالبها إلا بحكم شريعة المسلمين.كما لا يخفاك أن كل أرض تتمشى على قوانين شرعها، وأعلمناك لتكون على بصيرة (...)"[5].

ويحق التساؤل هل كان هذا الزواج مجرد قصة غرام صادقة وناجحة أثمرت عن عقد قران شرعي بين شخصين أحبا بعضهما البعض على الرغم من الفوارق العرقية والدينية والثقافية بين المعنيين بالأمر، أم أن ذلك الزواج الذي تم بمساهمة وبمباركة قوية من المفوضية البريطانية في طنجة في شخص رئيسها جون دراموند هاي، ربما كان قد تم في إطار التحضير المسبق لمخططات بريطانية مستقبلية وبعيدة المدى في المغرب؟ وإذا كان من الصعب جدا الخوض في هذا الموضوع في غياب معطيات دقيقة تمكن من نفي ذلك أو من إثباته، فمن المؤكد جدا أن دراموند هاي قد اتخذ من زوجة الشريف الوزاني مراسلة وفية تعمل لفائدته فتنقل إليه بانتظام جل تحركات الشريف وتميط له اللثام عن خفايا علاقاته المشبوهة أحيانا مع الفرنسيين والإسبانيين.

ويحق التساؤل أيضا، هل كانت الزيارة التي قام بها الشريف الوزاني إلى بريطانيا في صيف 1877 مجرد رحلة عادية جاءت كتلبية بريئة لرغبة زوجته في زيارة أسرتها؟ وكيف يمكن أيضا تفسير الزيارات التي قام بها الشريف الوزاني إلى المعامل البريطانية لصناعة الأسلحة والدخيرة الحربية[6] ؟ كل هذه مجرد تساؤلات قد تظل دون أجوبة للحاجة إلى مزيد من البحث والتمحيص، لكن من غير المستبعد أن تكون بريطانيا قد بدأت تحس في نهاية سبعينيات القرن التاسع عشرأكثر من أي وقت مضى بالأهمية السياسية والدينية للوزاني، وفكرت على الأقل في استخدامه لإقناع المولى الحسن بتبني مشاريع إصلاحية تحت إشراف الإنجليز. ولا يستبعد أيضا أن تكون بريطانيا قد حاولت جاهدة أن تصرف أهتمام الشريف الوزاني عن الفرنسيين مخافة من تورطه معهم في مخططات قد لا تخدم في نهاية المطاف المصالح البريطانية في المغرب.

غير أن تعيين أورديكا (Ordéga) وزيرا مفوضا لفرنسا في طنجة عام 1881، أي سنة واحدة بعد انعقاد مؤتمر مدريد الدولي بخصوص مسألة الحمايات الأجنبية، قد ساهم إلى حد بعيد ولو بطريقة تدريجية في الرمي بالوزاني في أحضان الفرنسيين، خاصة وأن أطماع فرنسا في الجنوب المغربي ومناطق الحدود الجنوبية قد أصبحت جلية. وكان من الطبيعي والحالة هذه أن يلجأ المخزن إلى بريطانيا في شخص ممثلها بالمغرب جون دراموند هاي للتمكن من الاطلاع عن قرب على المخططات الفرنسية الموجهة في الوقت نفسه ضد سيادة المغرب وضد المصالح البريطانية.

وفي مطلع سنة 1883، شهدت أراضي الحدود المغربية- الجزائرية من جهتها الجنوبية توترات خطيرة نتيجة للاشتباكات التي حصلت بين أولاد سيدي الشيخ وبعض القبائل المغربية الأخرى، فنقلت فرنسا حوالي عشرين ألفا من جنودها لمراقبة الوضع في الحدود[7]. وحين اجتمع أورديكا بدراموند هاي بطنجة في نهاية مارس 1883، لم يتردد في التأكيد له بصريح العبارة أن احتلال فرنسا لفكيك لن يضر بالمصالح الحيوية لبريطانيا في المغرب. وقد كان جواب دراموند هاي أن امتلاك فرنسا لأراضي فكيك لن يمس بالفعل مصالح بريطانيا المباشرة، لكنه لم تفته الإشارة إلى أن الخطر على بريطانيا يكمن في أن حصول فرنسا، بأي طريقة كانت على أي جزء ترابي من ممتلكات السلطان سيؤدي إلى طرح قضية الوحدة الترابية للمغرب، وقد يفتح الباب أمام دول أخرى للحصول على امتيازات مماثلة[8] .

وقد اتسمت تصرفات أورديكا بالتهور والاندفاع، وبكلامه الكثير والمثير مع زملائه الدبلوماسيين بطنجة في موضوع مصير المغرب. وفي هذا السياق، لم يتردد أورديكا في البوح لزميله الإيطالي سكوفاسو(Scovasso) بأن لديه رغبة لا تقاوم في أن يصبح هو روستان(Roustan) المغرب، وكان روستان هذا هو الدبلوماسي الفرنسي الذي تسبب في بسط الحماية الفرنسية على تونس. ولما بلغ خبر ذلك إلى مسامع دراموند هاي، وجد نفسه مضطرا بحكم مهامه كرئيس للمفوضية البريطانية في طنجة إلى إجراء تحقيق دقيق في الموضوع، بل وتزايدت شكوكه حول احتمال وجود مخططات فرنسية وشيكة لبسط الحماية الفرنسية على المغرب. وبناء عليه، فقد بادر دراموند هاي على وجه السرعة إلى إشعار وزارة الخارجية البريطانية، وإلى إحاطة المولى الحسن علما وبطريقة سرية باحتمال وجود تلك المخططات، وذلك قبل توجه أورديكا في زيارته التي كانت مرتقبة إلى بلاط السلطان[9].

وحمل دراموند هاي مراسله السري بوبكر الغنجاوي رسالة سرية إلى السلطان على يد الوزير الجامعي. وكان قد تحادث قبل ذلك في الموضوع نفسه مع النائب السلطاني في طنجة محمد بركاش، فحصل الاتفاق على أهمية إطلاع المولى الحسن علما بتلك المعلومات لتمكينه من اتخاذ الاحتياطات اللازمة. وتضمنت الرسالة السرية معلومات وافية عن كل الجوانب المتعلقة بتصرفات أورديكا وبنواياه المشبوهة، انطلاقا من التصريحات العلنية التي باح بها عند محادثاته مع زملائه الدبلوماسيين، والتي لم يتردد خلالها في أن يقترح على الإسباني ديوسدادو(Diosdado) في مرحلة أولى، ثم على دراموند هاي في مرحلة ثانية، فكرة اقتسام مناطق النفوذ في المغرب. ولم يستبعد دراموند هاي إمكانية قيام أورديكا أثناء زيارته للسلطان إلى تقديم اقتراح فرنسي إلى المولي الحسن، ينص على إقناعه بالموافقة على وضع المغرب تخت الحماية المباشرة لفرنسا. وتحسبا لكل احتمالات من هذا القبيل، أسدى دراموند -على عادته في مثل هذه المواقف الحرجة- "نصائح" قد تمكنه من الرد على أورديكا بشكل لن يكون من شأنه أن يثير العداوة أو الخصومة بين الطرفين[10].

وفي يناير 1884، أثيرت قضية أخرى ساخنة بين المخزن وأورديكا بعد المساندة التي قدمها إلى مواطنه شافانياك(Chavagnac) الذي كان يرغب في الحصول من بركاش على رخصة تخول له حق استغلال المعادن في أراضي بني ورياغل بالريف[11]. ومرة أخرى، لجأ بركاش إلى دراموند هاي الذي أملى عليه طريقة مرنة لمواجهة الموقف[12]، وهذا في الوقت الذي شرع فيه السلطان في الإعداد لتوجيه بعثة مخزنية إلى عين المكان للعمل على إحباط مشروع شافانياك[13]. وتصاعدت حدة التوتر بين بركاش وأورديكا الذي أصر على منح الترخيص بالاستغلال المعدني لمواطنه، وفي خضم تلك الأزمة بين المغرب وفرنسا، فوجئ جون دراموند هاي، عن طريق الصحافة بخبر دخول الشريف الوزاني تحت الحماية الفرنسية.

لم يصدق دراموند هاي صحة ذلك الخبر، واعتقد في بداية الأمر أنه من قبيل المناورات الكلامية التي بات متعودا عليها منذ تعيين أورديكا في منصبه. لكن شكوكه ما فتئت أن تبددت بعد التقائه شخصيا بالشريف الوزاني في نزهة صيد بأحواز طنجة. وحين حاول دراموند هاي إبداء استغرابه أمام تأكيدات الشريف، أجابه بأنه قد قدم الكثير من الخدمات لفائدة المولى الحسن دون أن ينال منه جزاء يستحق الذكر مقابل ذلك[14].

وفي 21 يناير 1884، التقى دراموند هاي بالنائب السلطاني في طنجة محمد بركاش ليطلعه على مضمون الحديث الذي كان قد أجراه مع الشريف الوزاني، وإذا به يعترف له سرا بأن أورديكا قد وجه له رسالة أخبره فيها بوصول تعليمات من باريس تأمره بإخبار السلطان مولاي الحسن بأن الشرف الوزاني قد أصبح تحت الحماية الفرنسية، مجازاة له على الخدمات التي قدمها لفرنسا في قضايا الحدود بين الجزائر والمغرب، وبأن الفصل السادس عشر من اتفاقية مدريد لسنة 1880 يمنح لفرنسا الحق الكامل في بسط حمايتها على الشريف الوزاني أو على غيره من المغاربة الذين قد يؤدون خدمات مهمة لفائدة فرنسا. وحين احتج بركاش على تلك الخطوة الجريئة غير المسبوقة على الإطلاق في تاريخ العلاقات المغربية الأوربية، أكد له أورديكا بصريح العبارة إصرار الحكومة الفرنسية على حماية الوزاني. بل وقد اعتبر أن رفض المخزن قبول تلك الحماية لابد من أن يفضي حتما إلى قطع العلاقات بين المغرب وفرنسا مع ما يمكن أن يثيره ذلك من توتر بين الجانبين بدرجة قد لا يمكن التنبؤ بعواقبه،ا وخاصة بالنسبة للمغرب. وعلى الرغم من المحاولات التي بذلها أورديكا لطمأنة بركاش، فإن النائب السلطاني لم يستبعد إمكانية وجود تواطؤ بين الوزاني وفرنسا للذهاب بعيدا في مخططاتهما المبيتة ضد المخزن. وقد اعترف بركاش لمحادثه دراموند هاي بحيرته الكبيرة أمام الأزمة الجديدة التي طرحتها حماية فرنسا للشريف الوزاني، كما كشف له عن رغبته الشديدة في تقديم طلب إلى السلطان لإعفائه من المهام المسندة إليه إبان تلك الظروف العصيبة[15] .

وتحدثت الصحف الأوربية والطنجية بإسهاب عن حماية فرنسا للشريف الوزاني، وجاء في جريدة المغرب الأقصى (Moghreb-Elakça) في عددها الصادر في طنجة بتاريخ 27 يناير 1884 ما يلي:

"(...) إن الحماية التي منحت للوزاني قد خلقت دولة فرنسية قوية داخل الدولة المغربية، وإن فرنسا خطت بذلك خطوة حاسمة على درب فرض حمايتها على الإمبراطورية الشريفة (...)"[16].

أما وزارة الخارجية البريطانية، فقد حررت مذكرة بتاريخ 25 فبراير 1884 أشارت فيها إلى مؤازرة أورديكا لمواطنه شافانياك، وإلى مدى الخطورة التي يمكن أن ينطوي عليها تمكينه من ترخيص مخزني يخول له الدخول بموجبه إلى منطقة شديدة الحساسية كالريف، وإلى عدم مشروعية الحماية التي بسطتها فرنسا على الشريف الوزاني لما في ذلك من خرق لمقررات مدريد[17].

وإذا كان الفصل السادس عشر، الذي اعتمدت فرنسا مضامينه لبسط حمايتها على الشريف الوزاني ينص بالفعل على أن "(...) الحماية المعتادة تستحفظ في صورة واحدة لتكون جزاء لبعض الخدمات العظيمة الصادرة من مراكشي لإحدى دول الأجناس (...) فإن الفصل نفسه يشترط أن "(...) كيفية هذه الخدمة ونية جزائهم بالحماية يقدم الإعلام به لوزير الأمور الخارجية بطنجة (...)"[18]. ويحق التساؤل هنا، هل قامت فرنسا من جهتها بتطبيق هذا الشرط الأخير، وبإطلاع بركاش بذلك، كما تنص عليه اتفاقية مدريد؟ في واقع الأمر، لم يحدث شيء من ذلك، إذ وضع أورديكا بتنسيق مع الحكومة الفرنسية بركاش ومعه المخزن المركزي أمام الأمر الواقع، بل وهدد بإمكانية قطع العلاقات بين البلدين. ومن جهة أخرى، يبدو من الصعب جدا التأكيد بأن مضامين اتفاقية مدريد قد تسمح لفرنسا أو لغيرها من الدول الأجنبية المتعاقدة مع المغرب ببسط حمايتها على شخصيات مغربية تحظى بأهمية كبيرة من حجم الشريف الوزاني الذي كانت له مكانة كبيرة ونفوذ قوي وأتباع كثيرون[19].

وفضلا عن ذلك، أصدرت الحكومة البريطانية أوامرها إلى سفيرها في باريس ليحتج باسمها لدى الحكومة الفرنسية وليعرف موقفها الحقيقي من تصرفات أورديكا الاستفزازية مع المخزن[20] .

واتضح بعد اتصالات عديدة بين باريس ولندن أن سلوك أورديكا قد اتسم بعدم الحذر وقلة الرزانة، وأن مواقف الحكومتين الفرنسية والبريطانية في شأن المغرب تظل مطابقة، وأن غايتها تنحصر في الحفاظ على الوضع الراهن[21]. وتعبيرا من الحكومة الفرنسية عن رفضها لأعمال أورديكا، فقد أرسلت إليه تعليمات سريعة تنص على عدم القيام بالزيارة التي كان يتأهب لها إلى حضرة السلطان في تلك الظروف، لأن الحكومة الفرنسية لم تكن لها رغبة في خلق "مسألة مغربية" في ذلك التوقيت[22].

أما بركاش، فقد حاول إقناع أورديكا بأن مساهمة الوزاني في تهدئة الأوضاع على الحدود المغربية-الجزائرية قد تمت بناء على طلب من السلطان نفسه. غير أن أورديكا لم يول أي اهتمام بأقوال بركاش، فجدد تحذيره من أن رفض المخزن لحماية الوزاني لابد وأن تكون له عواقب وخيمة على العلاقات المغربية الفرنسية.

وتلقى دراموند هاي من نائبه القنصلي المقيم في العرائش أخبارا عن إقدام الشريف الوزاني وأتباعه على حث سكان منطقة الغرب على التعامل معه، وعن أن العديد من الملاكين العقاريين أبدوا رغبتهم في الاستفادة من الاقتراح الذي قدمه إليهم الشريف الوزاني، للتملص من أداء الواجبات والكلف المخزنية. كما أصبحت علامات التوتر بادية في علاقات أبناء الوزاني مع عامل السلطان على مدينة وزان محمد بن عبد الجبار[23].

وأمام تفاقم الوضع، أمر المولى الحسن وزيره محمد بن العربي بن المختار الجامعي بالكتابة سرا إلى دراموند هاي عن الخروق التي أصبحت قوانين البلاد عرضة لها، وعن الضعف الذي لحق بسلطة المخزن وهيبته نتيجة لذلك. إذ لم يبق أمام الأعداء والحالة هذه سوى وضع أياديهم على البلاد. وطلب الوزير من دراموند هاي باسم السلطان أن يبادر بالكتابة إلى الحكومة البريطانية ليلتمس منها اتخاذ الإجراءات اللازمة أمام هذا الخطر الذي بات يهدد المغرب. واعترف الوزير الجامعي في رسالته بأن الحكومة البريطانية هي البلد الصديق الوحيد الذي كان من الممكن الاعتماد عليه في مواجهة تلك المحنة. غير أن رسالة الوزير المغربي، وإن كانت لا تذكر بصريح العبارة أن العدو المقصود بذاته هو فرنسا، فإن تصرفات أورديكا مع المخزن وموظفيه قد أثارت مخاوف المولى الحسن، فأصبح يعتقد شبه جازم بأن الحكومة الفرنسية كانت بصدد البحث عن أي ذريعة يمكنها استغلالها واتخاذها سببا لقطع علاقاتها مع المغرب فتبرر بذلك امتلاكها لأراضيه[24] .

وتوصل دراموند هاي بأخبار موثوق بها، أكدت له رغبة الشريف الوزاني في تسليح أتباعه للوقوف في وجه أي محاولة يمكن أن يقوم بها المخزن لاحتوائهم. كما أعلن الوزاني بأن دخوله تحت الحماية الفرنسية نابع من إيمانه الراسخ بأن المغرب لابد وأن يكون من نصيب فرنسا، وأنه مستعد للقيام بكل ما في وسعه لتحقيق تلك النتيجة. وبناء على هذه الاعتبارات، أكد دراموند هاي لوزارة الخارجية البريطانية أن الضمانات التي سبق للحكومة الفرنسية أن قدمتها في شأن رغبتها في الحفاظ على الوضع الراهن في المغرب أصبحت موضع شك. ولم يستبعد إمكانية تقديم الحكومة الفرنسية تشجيعات خفية لأورديكا، فيضرب استقلالية السلطان وجهازه المخزني بعرض الحائط. وعليه، فقد دعا حكومة بلاده إلى عدم إضاعة مزيد من الوقت، وإلى تحقيق تفاهم مع بقية الدول العظمى، للعمل على كل ما من شأنه أن يساهم في المحافظة على استقلال المغرب وضمان وحدته الترابية[25].

واستمرت الأزمة قائمة بين المغرب وفرنسا، بل وزادت تعقيدا بفعل الخلافات التي قامت بين أحد أبناء الشريف الوزاني وعامل السلطان على مدينة وزان عبد الجبار[26]. وفي تلك الظروف المتوترة، طالب أورديكا السلطان بعزل عامله على وزان بلهجة لا تخلو من التهديد، ثم حمل أحد أمناء طنجة مهمة إبلاغ فحوى الكلام الآتي إلى علم السلطان:

" (...) قل للسلطان إنه يبحث عن المشاكل بسبب الشريف (...) قل له إننا على استعداد لإرسال ثلاثين ألف رجل عبر الحدود لمساندة شريف وزان ومساعدته لممارسة الحكم لصالح الفرنسيين، وإننا سنتقدم نحو فاس ونحو جهات أخرى، إن كل هذا سيحدث عن قريب، عن قريب (...)"[27].

وفي غياب النائب السلطاني محمد بركاش الذي كان قد اتجه إلى فرنسا بقصد العلاج، فقد أرسل مولاي الحسن القائد بوشتة البغدادي إلى طنجة، وكلفه بالتفاوض مع أورديكا، بعد إجراء اتصالات سرية مع دراموند هاي والتماس النصيحة منه حول الطريقة الأكثر نجاعة الواجب سلوكها في المباحثات المرتقبة مع أورديكا[28]. كما تلقى البغدادي تعليمات أخرى للتباحث أيضا مع فبير (Weber) ممثل ألمانيا بطنجة. وفي هذا السياق، واستجابة لرغبة المولى الحسن، التقى دراموند هاي بالبغدادي في بيت محمد الطريس الذي أصبح ينوب عن بركاش في دار النيابة. وبما أن دراموند هاي قد توصل أثناء حديثه مع زميله الألماني فبير إلى ما يفيد بأن حكومة برلين ليس لديها اهتمام جدي بشؤون المغرب، فقد ارتأى أنه من غير اللائق تهميش النائبين الإيطالي والإسباني اللذان عبرا له في أكثر من مناسبة عن اهتمامهما بمصير المغرب وبقضية الحفاظ على استقلاله[29] .

وبناء على الأوامر التي تلقاها ابن البغدادي والطريس، والتي نصت على ضرورة استشارتهما للنائب البريطاني في الموضوع، قبل الدخول في أي مباحثات مع أورديكا، فقد نصحهما دراموند هاي بكتمان سرية الرسالة التي وجهها إليه الوزير الجامعي، وبسحب الرسالة الموجهة خصيصا إلى الألماني فبير. ثم أشار أيضا على الطريس بأن يبادر إلى الاتصال دفعة واحدة بكل من النائب الإيطالي والإسباني والألماني وتسليمهم جميعا رسالة مماثلة يطلب منهم فيها إخبار حكومات بلدانهم بالوضعية الخطيرة التي أصبح فيها المخزن، وبتخوفات المولى الحسن من العجز عن الحفاظ على السلطة والنظام فوق أراضيه[30].

وبهذا يكون دراموند هاي، بعد أن عمل موظفو المخزن بنصائحه، قد توفق في إشراك أهم زملائه المعتمدين بطنجة في المبادرة الهادفة إلى حل الأزمة المغربية الفرنسية القائمة. غير أن أورديكا، بعد اجتماعه بالبغدادي والطريس، قد ظل متمسكا بمواقفه، ورفض الاستماع إلى أية شكاوي لها صلة ما بموضوع حماية الشريف الوزاني. كما اعتبر بأن جميع التهم المنسوبة إلى ابن الوزاني ضد عامل وزان واهية ولا أساس لها من الصحة. وعلاوة على كل ذلك، فقد أصر على ضرورة عزل السلطان لعبد الجبار وإعفائه من مهامه كعامل على مدينة وزان[31].

واستمرت الأزمة قائمة على أشدها بين المغرب وفرنسا حتى نهاية 1884. وقد جرت اتصالات عديدة بين وزارات خارجيات أهم العواصم الأوربية، فأكدت فرنسا في مناسبات عديدة أن سياستها إزاء المغرب تظل كما كانت عليه من قبل، وأنها لا ترغب في خلق "مسألة مغربية" على الرغم مما أسمته بالهفوات التي ارتكبها نائبها أورديكا، وأن ما كانت تسعى إليه فرنسا هم إحداث تغييرات طفيفة في الحدود بين المغرب والجزائر[32]. وقد استدعي أورديكا إلى باريس، فأعطيت له هنالك تعليمات بتعديل مواقفه تجاه المخزن. ومع ذلك، فإن الأزمة لم تجد حلها النهائي إلا بعد إقدام السلطان على عزل عامله على وزان في نهاية ماي 1884. ولم تعد العلاقات المغربية الفرنسية إلى حالتها الطبيعية إلا بعد انصراف أورديكا من المغرب لممارسة مهام دبلوماسية جديدة في بوخاريست، بعد أن خلق فرصا عديدة للتوتر بين المغرب وفرنسا، لم يكن بالإمكان حلها دون المساهمة المباشرة للحكومة البريطانية سواء أفي طنجة أم في مختلف العواصم الأوربية[33].

ثانيا: الحماية البريطانية للشريف المصلوحي وملابساتها:
وعلى غرار فرنسا، فإن بريطانيا لم تتردد أيضا في محاولة الاستفادة من حماية شخصيات مغربية ذات وزن روحي ومالي وسياسي في المغرب، وذلك على الأقل من أجل التمكن من تحقيق نوع من التوازن مع فرنسا في المضمار نفسه. فما هي الظروف والملابسات التي تم من خلالها دخول الشريف المصلوحي تحت الحماية البريطانية؟

اختار محمد بن سعيد المصلوحي، سيد الزاوية المصلوحية وكبيرها والطير هاريس مراسل جريدة التايمز اللندنية والرحالة البريطاني المعروف المقيم في طنجة، ليكون واسطة بينه وبين ساتو (Satow) السفير البريطاني المعتمد في طنجة حتى يمكنه من تحقيق رغبته في الدخول تحت الحماية البريطانية. وانتهت تلك الوساطة، بعد مشاورات سرية وسريعة بين ساتو ووزير خارجية بلاده اللورد روزبوري(Rosebery)، بالموافقة على وضع الحاج محمد بن سعيد المصلوحي تحت الحماية البريطانية في خريف سنة 1893 [34].

ويبدو أن هذا القرار قد اتخذ على وجه السرعة، لأن المصلوحي كان مستعدا للاستظلال بحماية الفرنسيين، لو تعذر حصوله عليها من البريطانيين. خاصة وقد سبقت لنا الإشارة فيما سبق أعلاه، إلى أن المفوضية البريطانية في طنجة قد سبق لها أن وجدت نفسها أمام الأمر الواقع حين فوجئ رئيسها جون دراموند سنة 1884 بخبر دخول الشريف الوزاني تحت الحماية الفرنسية. وبطبيعة الحال، فإن ساتو لم يكن عليه أن يتهاون في واجبه، ويفسح المجال أمام فرنسا مرة ثانية لتحقيق مكاسب جديدة. ومن المعلوم أن فرنسا قد سبق لها بالفعل أن حققت نتائج هامة قوت من نفوذها في شمال غرب المغرب، بعد أن بسطت حمايتها على عدد لا يحصى من أتباع الشريف الوزاني في مدينة وزان وباديتها على السواء. هذا فضلا عن تحقيق فرنسا لمكاسب أخرى من خلال توظيف مكانة الرجل وزاويته في تنفيذ مهام لا يستهان بها داخل مناطق حساسة على الحدود المغربية الجزائرية حيث كثر أتباع ومريدو الزاوية الطيبية الخاضعة روحيا إلى زاوية وزان.

وبعد الحصول على موافقة روزبوري، بعث ساتو إلى المصلوحي، في بداية أكتوبر 1893، بطاقة رسمية محررة بالعربية والإنجليزية تفيد بأن الرجل قد أصبح في عداد الخاضعين لحماية التاج البريطاني في المغرب[35]. وعلى إثر هذا الإنعام، بعث الشريف مولاي الحاج بن سعيد بن مولاي عبد الله بن الحسين المصلوحي رسالة شكر وامتنان إلى ساتو عبر له فيها عن استعداده لرد الجميل وتقديم أي خدمة يمكن أن تطلبها منه المفوضية البريطانية ورئيسها. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن ساتو قد أحجم وقتئذ عن إحاطة المخزن المركزي علما بهذه الخطوة، على الرغم من أن موضوع احتماء المصلوحي ببريطانيا لم يبق في طي الكتمان بصفة مطلقة، لأن أحد أعضاء البعثة التنصيرية الجنوبية قد تحدث في موضوعها مع دوفيسم دو بونثيو(De Vismes de Ponthieu) ترجمان المفوضية البريطانية في طنجة عند مروره بأسفي في شهر ماي من سنة 1894[36].

وفي يوليوز من السنة نفسها، توصل ساتو برسالة المصلوحي كان من أهم ما تضمنته أن كبير الزاوية المصلوحية قد أكد له فيها بأن السلطان مولاي الحسن قد مر على عادة أجداده بمقر الزاوية المصلوحية رفقة أبنائه قبل مغادرة مراكش، فمكث فيها لحظات قصيرة وسأله هل التقى في السنة الفارطة بتجار فرنسيين، ويتعلق الأمر بالتاجر الفرنسي بول لامبير(Paul Lambert)، وعرضوا عليه الحماية الفرنسية، فكان جواب الشريف المصلوحي للسلطان بأنه قد التقى بهم حقا وباع لهم مقادير كثيرة من زيت الزيتون، لكنه لم يدخل في حماية بلادهم. ثم أعلن للسلطان على الفور أنه حصل فعلا على بطاقة رسمية من ساتو ممثل الحكومة البريطانية في المغرب تجعله في عداد المغاربة الخاضعين للحماية البريطانية. كما أوضح المصلوحي للسلطان بأنه قد تعود منذ مدة استضافة أعضاء المفوضية البريطانية كلما مروا في طريقهم على داره، فيرحب باستقبالهم ويقضون الليل في ضيافته قبل استئناف رحلاتهم.

وأضاف الشريف المصلوحي موضحا في رسالته إلى ساتو كيف أن السلطان مولاي الحسن بقي صامتا لبضع دقائق قبل أن يقول له بأنه قد أحسن التصرف حين اختار الدخول تحت الحماية البريطانية. وقد علل السلطان كلامه بالإشارة إلى أن بينه وبين دولة بريطانيا وعاهلتها العظيمة مودة كبيرة. وقد غادر السلطان دار المصلوحي، بينما قضي ابنه عبد العزيز الليلة ضيفا عنده، ولم يغادرها إلا في صباح اليوم اللاحق حسب ما هو وارد في الرسالة نفسها.

وبعد أن انتهى الشريف المصلوحي من بسط هذه التفاصيل التي يصعب تأكيدها في غياب مستندات أخرى، التمس المصلوحي من ساتو بعد وفاة المولى الحسن أن يخبر رسميا الطريس نائب السلطان في طنجة بدخوله تحت الحماية البريطانية، وأن يحصل منه على رسالتين لفائدته حتى يسلم إحداهما إلى القائد الحاج محمد ويدة ممثل المخزن في المجال الذي تقع فيه الزاوية المصلوحية وأراضيها، والثانية إلى عامل مراكش عباس بن داوود، يخبرهم فيها بأن الحاج محمد بن سعيد المصلوحي محمي بريطاني.

وقد ألح المصلوحي على أن يستلم الرسالتين المذكورتين على يد بوبكر الغنجاوي، وعلى أن يتولى الطريس في طنجة مهمة إخبار الوزير الصدر باحماد بالموضوع نفسه. ثم ختمها بالإشارة إلى أن في حوزته حوالي ثلاثمائة عينة من ظهائر التوقير والاحترام، سبق لأسلافه أن حصلوا عليها من مختلف سلاطين المغرب السابقين، ولم يفته التأكيد بالمناسبة نفسها بأن جميع القبائل المقيمة والمتحركة في المنطقة الممتدة بين واد نون وتافيلالت تخدمه وتطيع أوامره[37].

ولا مجال للشك في أن مضمون هذه الرسالة مفيد على عدة أصعدة، ويضطرنا إلى طرح أسئلة كثيرة ربما لا يسمح المقام بمناقشتها وتحليلها بالقدر المطلوب من الدقةوالعناية. ومع ذلك، لابد من التساؤل على الأقل عن السبب الرئيس الذي جعل المصلوحي ينتظر وفاة السلطان مولاي الحسن ليطلب من ساتو المبادرة إلى إشهار حمايته بعد أن مرة شهور عديدة على عقدها لصالحه؟ كما أن هناك عنصرا إضافيا مهما لا يجب الاستهانة به في هذا الصدد ألا وهو دخول بوبكر الغنجاوي في هذه القضية وتحريكه لخيوطها من وراء الستار. ولن نطيل كثيرا في اقتراح جواب كفبل بتفسير طلب المصلوحي بتنسيق مع الغنجاوي لإشهار حمايته على الملأ، إذ يتعلق الأمر بكل بساطة باندلاع الفتنة وسط القبائل المحيطة بحوز مراكش بعد وفاة السلطان مولاي الحسن ومبايعة نجله عبد العزيز وحاصة في قبيلة الرحامنة.

وبحكم توتر العلاقة بين قبائل الرحامنة والسراغنة ومسفيوة وزمران وبين القواد المخزنيين المسؤولين عن تسيير شؤونها لأسباب كثيرة أبرزها التسلط والابتزاز، ونظرا لما يمكن أن يترتب عن هذا التوتلر من تهديد لمصالح كبير الزاوية المصلوحية ومصالح صديقه وصهره بوبكر الغنجاوي الموجودة في جهات كثيرة من أراضي حوز مراكش، فقد أصبح من الضروري توظيفهما للامتيازات الجمة التي يمكن أن تقدمها لهما الحماية البريطانية. وتجدر الإشارة إلى وجود عداوة مستديمة ومشتركة لا توصف بين كبير الزاوية المصلوحية وصديقه الغنجاوي وبين عامل مراكش عباس بن داوود وغيره من ولاة المخزن في المنطقة[38].

وفي خضم هذا التوتر، أحس الغنجاوي وكافة آل المصلوحي بالعجز عن الصمود أمام قوة نفوذ القائد عباس بن داوود ودسائسه، وهو الرجل الذي تربطه علاقات قرابة وطيدة بالوزير الصدر أحمد بن موسى، وليس أمامهما من خيار كفيل بأن يستجيب لمتطلباتهما العاجلة غير الاعتماد على السند الفعال والقوي الذي يمكن أن يجدانه عند ساتو في طنجة. غير أن ساتو قد كان على بينة من هذه التناقضات وبتفاصيلها الدقيقة، فاختار الحذر الشديد، ورفض بلباقة هادئة تلبية طلب المصلوحي حتى لا يورط مفوضيته في النزاع القائم بين الأطراف المغربية المتناحرة. خاصة وأن العلاقات الثنائية بين المخزن والحكومة البريطانية لم تكن وقتئذ في حالة جيدة.

وبناء عليه، فقد ذكر ساتو في رده على طلب المصلوحي أنه لا يرى أي وجود أي فائدة في إحاطة محمد الطريس علما بحمايةحكومة بلاده لسيد الزاوية المصلوحية، لأنه اعتاد الاتصال المباشر بدار المخزن في القضايا ذات الأهمية البالغة، ثم أكد له أنه قد كتب لصديق له في فاس، لم يكشف عن إسمه، ولاشك أنه هو ماك ليود(Mac Leod) أو مخبره الأمين المقري، حتى يفتح غينيه وأذنيه لالتقاط ما يمكن أن يروج في شأنه داخل البلاط. ثم أمره لو اقتضت الضرورة أن يوجه تحذيرا شديد اللهجة إلى الوزير الصدر، ويقر له بأن المصلوحي يوجد تحت الحماية البريطانية، مما يستلزم توقيره واحترامه.

* اتهام المصلوحي و الغنجاوي بالتورط في تمرد الرحامنة:
بحكم توتر العلاقات بين قبائل الرحامنة و السراغنة و مسفيوة و بين القواد المخزنيين المسؤولين عن تسيير شؤونها لأسباب كثيرة أبرزها التسلط والابتزاز، نظرا لما يمكن أن يترتب عن هذا التوتر من تهديد لمصالح كبير الزاوية المصلوحية ومصالح صديقه وصهره الغنجاوي الموجودة في جهات كثيرة من حوز مراكش، فقد أصبح الضروري توظيغهما لإمتيازات الجمة التي يمكن أن تقدمها لهما الحماية البريطانية. وتجدر الإشارة إلى وجود عداوة مستديمة و مشتركة لا توصف بين كبير الزاوية المصلوحية و صديقه الغنجاوي و بين عامل مراكش عباس بن داوود وغيره من ولاة المخزن في المنطقة[39].

وفي خضم هذا التوتر، أحس الغنجاوي والمصلوحي بالعجز عن الصمود أمام قوة نفوذ القائد عباس بن داوود و دسائسه، وهو الرجل الذي تربطه علاقات قرابة وطيدة بالوزير الصدر أحمد بن موسى، وليس أمامهما من حل كفيل بأن يستجيب لمتطلباتهما العاجلة، غيرالاعتماد على السند القوي الذي يمكنهما أن يجدانه عند ساتو في طنجة. وكان هدا الأخير على بينة من هذه التناقضات وبتفاصيلها الدقيقة، فاختار الحذر الشديد، ورفض تلبية طلب المصلوحي حتى لايورط مفوضيته، خاصة وأن العلاقات بين المخزن والحكومة البريطانية لم تكن وقتئذ في حالة جيدة.

وبناء عليه، ذكر ساتو في رده على طلب المصلوحي أنه لا يرى فائدة في إحاطة الطريس علما بحماية حكومته لسيد الزاوية المصلوحية، لأنه اعتاد الاتصاال المباشر بدار المخزن في القضايا ذات الأهمية البالغة. ثم أكد له أنه كتب لصديق من فاس، لم يذكر إسمه وربما هو ماك ليود أو مخبره الأمين المقري، حتى يفتح عينيه وأذنيه لالتقاط ما يمكن أن يروج في شأنه داخل دار المخزن. ثم أمره لو اقتضت الضرورة أن يوجه تحذيرا شديد اللهجة إلى الوزير الصدر، ويقر له بأن المصلوحي تحت الحماية البريطانية، ولا بد من توقيره و احترامه. وذكر ساتو للمصلوحي أن أخبار فتنة حوز مراكش، وخاصة في الرحامنة وصلت إلى طنجة، ومفادها أن قبائل الرحامنة و السراغنة وغيرها تنوي التخلص من قوادها المخزنيين، نظرا لما مارسوه عليها من تسلط و ابتزاز. وحذر ساتو المصلوحي من عواقب استمرار هذه الفتنة، ليس على حوز مراكش و ما إليه من الأراضي الممتدة جنوبا فحسب، بل على مصير المغرب قاطبة، فطلب منه استعمال نفوذه في المنطقة للمساهمة في إخماد الفتنة المشتعلة وإخضاع القبائل المتمردة لنفوذ السلطان الجديد عبد العزيز[40].

غير أن فورة الرحامنة زادت استفحالا، وحاول متزعمها، الطاهر بن سليمان السلامي، القائد الرحماني السابق، أن يستقطب عناصر من القبائل المجاورة لمؤازرته و شد عضده، فأصبحت مدينة مراكش مهددة بالحصار، بل وبالتعرض لهجوم منظم يستهدف سكانها وممتلكاتهم، فضلا عن تقويض سلطة ممثلي المخزن في المدينة وأحوازها[41].

وفي هذه الظروف الصعبة، أمر السلطان الجديد الشريف المصلوحي، على عادة أسلافه، بأن يوظف نفوذه الروحي، و يحاول تحقيق صلح بين قبيلة الرحامنة وقبائل السراغنة ومسفيوة المؤازرة لها، لاستتباب الأمن في المنطقة وتمكينه من الدخول إلى مراكش في أمن وسلام. وحصلت هذه الاستعانة بخدمات المصلوحي والسلطان الجديد ووزيره باحماد، وبقية أعضاء التشكيلة المخزنية، يجهلون كل شيء عن دخول الشريف تحت الحماية البريطانية. ويبدو أن المصلوحي استجاب فعلا لأمر السلطان، فحاول أن يجمع وفدا من أبرز رجال الزوايا ومن بعض أعيان مراكش ومحتسبها، وذلك بتنسيق مع القائد ويدة للتوجه عند الرحامنة والقبائل المؤازرة لها تمهيدا لعقد الصلح[42].

غير أن ابن داوود اجتهد من جانبه لعرقلة هذه المبادرة، وتأكد ذلك حين اعترض على مرافقة أعضاء الوفد المذكور للمصلوحي في مهمته عند الرحامنة، وفقا لما تلقاه الشريف من تعليمات سلطانية. ومع ذلك، أصر المصلوحي على تنفيذ مهمته، فذهب لوحده عند الرحامنة، وعاد إلى مراكش ومعه خمس وستون نفرا من أبرز رجال القبيلة، ثم سلمهم رسالة توصية إلى السلطان في فاس طلبوا فيها الأمان على أنفسهم وذويهم. واستبشر خليفة السلطان مولاي العباس والقائد ويدة بهذه النتيجة، فاتجه أعيان الرحامنة في طريقهم إلى فاس. إلا أن مبعوثين سريين سخرهم بن داوود، تمكنوا من تخويفهم ومن زرع الشك بين ظهرانيهم، حين ذكروا لهم أن المخزن يستعمل وساطة المصلوحي للإيقاع بالرحامنة وتسميمهم فور وصولهم إلى فاس. وترتب عن هذا رجوع وفد الرحامنة إلى قبيلتهم، وفسح المجال بذلك أمام استئناف الأعمال العدوانية بين الأطراف المتصارعة[43].

ولما تفطن أعضاء الوفد العائدين إلى الرحامنة إلى أنهم كانوا ضحية مؤامرة دبرها ابن داوود، قرروا أن يتوجهوا من جديد إلى فاس وعادوا منها إلى مراكش يحملون معهم رسائل سلطانية جاء فيها أن مولاي عبد العزيز يصفح عنهم و يسمح لهم بأن يختارو بأنفسهم قوادا صغارا لتدبير شؤون منطقتهم. وحين علم بن داوود بعودتهم، أمر بأن تغلق أحد أبواب المدينة في وجوههم، فاضطروا إلى استعمال بوابة أخرى للدخول منها على خليفة السلطان مولاي العباس الذي كان مجتمعا مع المصلوحي و مولاي عبد الملك عم السلطان ومع القائدين السوسي وويدة. وعرض وفد الرحامنة الرسائل التي حملوها معهم من فاس على الخليفة السلطاني، إلا أن بن داوود رفض بلهجة شديدة أن يأخدها بعين الاعتبار، فأعلن عزمه على رفض المصالحة والاستمرار في مقاتلة الرحامنة بصفتهم لصوصا وقطاع طرق.

وعلى إثر هذا الموقف المتصلب والمتعنت، غادر وفد الرحامنة مراكش برؤوس منتكسة وعيون دامعة. وفي أراضي قبيلة الرحامنة، اجتمع هؤلاء العائدون بأعيان القبيلة، ونقلوا إليهم تفاصيل ماحدث. وبما أن العامل بن داوود سمح لنفسه بالتنكر لتعليمات السلطان والاستخفاف بأوامره، فقد انتهى أعيان القبيلة إلى تأويل ذلك السلوك تأويلا متطرفا حعلهم يسلمون بالإجماع بعدم وجود جهاز مخزني فعلي يمكن الاطمئنان إليه للحصول على حقوقهم المشروعة. ثم قرروا الانتقام لأنفسهم بأنفسهم، وعقروا الذبائح على عتبات كل الزوايا المجاورة لأراضيهم حتى يستقطبوا سكانها ويستنفرونهم للالتحاق بحركة التمرد، فاستجابت لدعوتهم ثلاث عشرة قبيلة[44] . وبهذا لم تفشل مبادرة الصلح التي قام بها سيد الزاوية المصلوحية فحسب[45]، بل ازدادت حدة التوتر واشتدت الأزمة بين الرحامنة والقبائل المؤيدة لها وبين جموع القبائل الموالية للمخزن والموجودة رهن إشارة عامل مراكش القادر على تحريكها والتحكم في زمامها وفقا لرغباته.

ولم يبق المصلوحي مكتوف الأيدي أمام هده التطورات، إذ كتب للسلطان شخصيا، واتهم بن داوود بإذكاء نار الفتنة واستفزاز الرحامنة لحملهم على التمادي في تمردهم، غير أن بن داوود وجد في قريبه الوزير الصدر أحمد موسى درعا واقيا، فاستحكمت عداوته مع المصلوحي أكثر مما كانت عليه من قبل وقرر الانتقام منه بأي ثمن. ويتهم المصلوحي خصمه بتخريض القبائل الخاضعة لسلطاته المباشرة مثل أولاد بوسبع وأيت يمور وغيرها، لمحاصرة زاويته في تامصلوحت، حيث مقر إقامته مع ذويه، وحيث يدخر ممتلكاته الثابتة والمنقولة، من عزائب وبهائم وغيرها. وفي هذا الإطار، هاجمت القبائل الديرية، يوم 8 ماي 1895، مقر إقامة المصلوحي ونهبت جميع ممتلكاته بحضوره وعلى مرأى و مسمع منه[46].

وأمام خطورة الوضع، اضطر الشريف إلى الفرار بنفسه مع أبنائه وذويه الأفربين، فأودعهم في ضريح سيدي إبراهيم بن حساين تأمينا لسلامتهم، بينما اتجه منفردا في جنح الظلام إلى الصويرة، ومنها إلى طنجة يحمل معه مجموعة من ظهائر التوقير والاحترام. وكان عازما على رفع قضيته إلى المفوضية البريطانية بصفته خاضعا لحمايتها، وأن يطلب من رئيسها التدخل لصالحه حتى تمكنه من استعادة ما ضاع منه، فضلا عن حمايته من تعسفات خصمه العنيد وعدوه اللدود بن داوود[47].

ولم يأت الهجوم الذي شنته القبائل الديرية على المنطقة بأمرمن بن داوود على ممتلكات المصلوحي وآله فحسب، بل شمل أيضا عزائب محمي بريطاني آخر معروف، ومن العيار الكبير ألا وهو بوبكر الغنجاوي، الصديق الحميم للمصلوحي والعدو اللدود الثاني لعباس بن داوود أيضا. ويبدو أن عامل مراكش تحين فرصة اندلاع هذه الفوضى العارمة، التي كان في الوقت نفسه مسؤولا عن إرثارتها، لتصفية حساباته مع إثنان من أبرز خصومه. إذ لم تستثن القبائل المغيرة حتى عزائب القاضي مولاي المصطفى الذي اتسمت دائما علاقاته مع عامل مراكش بالحيطة والحذر[48].

ومنذ رحيل ساتو عن المغرب في نهاية ماي 1895، تولى وايت (White) مهام السهر على شؤون المفوضية البريطانية بطنجة في انتظار تعيين خلف له، ففوجيء بوصول رسالة من أحمد بن موسى يشتكي إليه فيها من الغنجاوي ويتهمه بالتورط سرا في فتنة الرحامنة ومؤازرة عناصر من القبيلة المتمردة على المخزن بكل أنواع المساعدة، من إيواء ومد بالمال والسلاح. هذا فضلا عن اتهام الوزير الصدر للغنجاوي بنشر الدعاية المعادية للمخزن في المراسي، لأنه بعث إليها برسائل ضمنها أقوالا بوجود فوضى قبلية عارمة لا يمكن وصفها في حوز مراكش وبوقوع المدينة نفسها تحت حصار شديد فرضته عليها القبائل المتمردة من كل الجهات والأطراف أمام عجز المخزن، وأن كل هذا وذاك حصل في وقت يستعد فيه السلطان عبد العزيز للدخول إلى مراكش للمرة الأولى منذ استلامه الحكم[49].

* تبادل الاتهامات بين المصلوحي والغنجاوي وخصمهما بن داوود
ويقدم الغنجاوي رواية أخرى مختلفة تماما، فالرسائل التي تحدث عنها أحمد بن موسى، وأشار إلى أن الغنجاوي بعث بها إلى المراسي، موجودة فعلا، لكن مضمونها مناقض لما ذهب إليه الوزير الصد، إذ أرسل الغنجاوي حقا رسالتين إلى عملائه التجاريين في أسفي، "مردوخ بوتلير وشركائهما"، وطلب منهم نقل مضمونها إلى ساتو في طنجة. وجاء فيهما أن الغنجاوي لم يدخر جهدا في التنسيق مع محتسب مراكش عبد الله البوكيلي، لحث الرحامنة على التصالح مع أهل مدينة مراكش ومع رجاال المخزن فيها.

ويتهم الغنجاوي بن داوود، في الرسالتين المذكورتين، بمثل ما سبق للمصلوحي أن اتهمه به، وهو أن بقي مصرا على الرغم من جميع المبادرات التوفيقية على استمرار الخلاف قائما بين مدينة مراكش و قبيلة الرحامنة، لأنه فيما يبدو كان لا ينفق في كل خرجة يقوم بها أهل مراكش ضد الرحامنة سوى ألف ريال أو ألفين، غير أنه كان يسجل في كنانيش الصوائر بأنه أنفق ثلاثين ألفا أو أكثر. وحين حاول البوكيلي أن يتدخل في هذا الأمر بصفته محتسب المدينة، عبر له بن داوود عن استيائه الشديد منه إلى درجة أثارت خوفه، فاختار الفرار نجاة بنفسه إلى فاس.

ومن جهة أخرى، يذكر الغنجاوي في رسالته أن بن داوود طلب منه أن يقرضه عشرة آلاف ريال لتمكينه من أداء رواتب حراس الليل، فوافق على قرضه ستة ألف ريال من العملة الذهبية الفرنسية وبحضور عدلين، وذلك اتقاء لشره.

وفضلا عن عقاراته الكثيرة الموجودة في مراكش، كان الغنجاوي يمتلك أيضا عزائب كثيرة خارج أسوار المدينة، فلم يسبق أبدا للرحامنة أن وصلوها بسوء. وحين أحس التاجر المراكشي بأن الأحوال في المنطقة أصبحت على شفا حفرة ولا تبعث على الاطمئنان، سارع أعوانه إلى جمع كل ماشيته في عزيب كبير يعرف باسم "جنان فرادي". وكان هذا الجنان يتكون من ثلاث عرصات ومن محلات سكنية متواضعة يأوي إليها الفلاحون.

وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، سلط بن داوود القبائل الديرية ومن والاها على عزائب المصلوحي والغنجاوي والقاضي مولاي مصطفى في يوم واحد. ولم يقتصر الأمر على نهب رؤوس الماشية المودعة في "جنان فرادي" وبيعها على مرأى من الغنجاوي، بل تجاوزها إلى قتل بعض الفلاحين وغيرهم ممن كان موجودا في الجنان المذكور وفي بعض الأراضي المجاورة له[50].

وتوصل وايت برسالة خاصة من نائبه بالدار البيضاء، يخبره فيها بأن الغنجاوي في طريقه إلى طنجة ليطالب المخزن بأداء تعويضات تقارب 54.000 ريالا عن ممتلكاته المنهوبة في حوز مراكش بتحريض من خصمه عباس بن داوود. وصعُب على وايت إدراك الحقيقة أمام هذه الاتهامات المتبادلة. وبحكم تجربته الطويلة في المغرب، كان وايت على بينة من أن الأطراف المتنازعة في قضايا مماثلة، تستند دوما على رسوم عدلية ووثائق رسمية شتى لا يمكن الاطمئنان إلى سلامتها الشرعية. فضلا عن أن الأوضاع المتوترة في مراكش وأحوازها، لن تسمح بإجراء تحريات عاجلة في عين المكان.

وبناء عليه، قرر وايت أن يحيط كمبرلي، وزير الخارجية البريطاني، بكل ما اجتمع لديه من التفاصيل حول القضية [51]. ثم حرر رسالة إلى الغنجاوي أخبره فيها بالتهم المنسوبة إليه، وحذره مما يمكن أن تحل به من العواقب لو كانت له حقا يد ضالعة في حركة التمرد القائمة بحوز مراكش. وتمهيدا لتبرئة ساحته، طلب منه وايت أن يضع بين يديه حججا دامغة يمكنه إبلاغها إلى الوزير الصدر حتى تُرفع عنه التهم المنسوبة إليه[52].

وفي رده على اتهامات أحمد بن موسى للغنجاوي، أكد وايت أن مفوضية بلاده لن تسمح لأي كان من محمييها بمؤازرة المتمردين، وأنه عازم على القيام بتحريات للحسم في التهم المنسوبةإلى التاجر المراكشي. كما أثار انتباهه بجدية إلى النهب الذي تعرضت له ممتلكات الغنجاوي، ودعاه إلى تقدير جهوده المتكررة لمساعدة المخزن على إطفاء فتنة الرحامنة في حوز مراكش وداخل المدينة نفسها[53].

وعلى أساس هذه المعطيات، يتضح أن فتنة الرحامنة تعقدت تفاعلاتها واتسع نطاقها، ليس فقط في علاقتها بالوضع داخل أسوار مراكش، بل في أحوازها القريبة والبعيدة أيضا، ناهيك عن تعقيداتها المحتملة مع المفوضية البريطانية في طنجة. وأكدت أخبار توصل بها قنصل بريطانيا في الدار البيضاء من نايرن (Nairn)، وهو أحد رجال البعثة التنصيرية البروتيستنتية المقيم في مراكش، أنه لا مجال للشك في أن عباس بن داوود قد دبر بكل دقة وإحكام الهجوم الذي أتى على ممتلكات المصلوحي والغنجاوي في تمصلوحت وبادية مراكش. أما التهم المنسوبة إلى الغنجاوي، فيؤكد المصدر نفسه، أن مراكش تعرف غليانا كبيرا نتيجة لرواج أقوال كثيرة ومتضاربة لايمكن تأكيد صحتها أو نفيها، وتتحدث عن تزويد الغنجاوي وشريف تمصلوحت القبائل المتمردة بالسلاح والدخيرة.[54]

ومن جهة أخرى، تبدو اتهامات المصلوحي والغنجاوي لعامل مراكش باستغلال الفتنة القائمة لتعزيز مدخراته المالية صحيحة إلى حد ما، لأن بن داوود كان يحرص في مراسلاته مع قريبه الوزير الصدر على المطالبة بتزويده بمزيد من المال لإنفاقه في مواجهة المتمردين[55].

* مضايقات المخزن للمصلوحي و الغنجاوي وردود فعل بريطانيا:
وبغض النظر عن أهمية الصراع المستديم بين بن داوود و غريميه الغنجاوي و المصلوحي، فإن ما يهمنا هو أن المخزن بتشكيلته الجدية كان يجهل كل شيء عن دخول شريف تمصلوحت ونقيب زاويتها منذ مدة تحت الحماية البريطانية، إذ لم يتخبر بها إلا حينما حاول عامل الصويرة منع المعني بالأمر من السفر إلى طنجة، حيث كانت وجهته طلبا لمساعدة المفوضية البريطانية في استرداد حقوقه. وعلى أثر ذلك، وجه أحمد بن موسى رسالتين احتجاجيتين في الموضوع إلى وايت. وقد سلمه أولاهما على يد رقاص خاص، ثم أمر الطريس بأن يلتقي به شخصيا ويسلمه الرسالة الثانية في الموضوع نفسه، وبأن يكلمه بلهجة حازمة حتى يظهر له قوة تذمر المخزن وشدة قلقه على حماية بريطانيا للمصلوحي.

ويتهم الوزير الصدر محمد بن المصلوحي بأنه أحد أبرز المحرضين على إثارة تمرد الرحامنة و تأجيج نيرانه. كما يذكر أن علاقات المصلوحي كانت قوية جدا مع متزعم حركة التمرد، مبارك بن الطاهر بن سليمان، ومع غيره، وأنه آواهم في بيته مرات عديدة داخل مراكش، وحين علم المصلوحي بأن المخزن أصبح على بينة من ذلك، فر إلى تامصلوحت واستمر في تحريض قبيلة الرحامنة وغيرها من القبائل للتمرد على قوادها، بل زودهم بالمال و السلاح، ولما كان أهل الرحامنة يترددون على زاوية المصلوحي ويودعون مواشيهم وممتلكاتهم أمانة عنده، قام القواد الذين كان يحرض قبائلهم على التمرد بمصادرتها. وحين حلت جيوش المخزن بأراضي تمصلوحت، قادمة إليها من مراكش لمعاقبة المتمردين، فر الشريف المصلوحي قاصدا الصويرة. وفي هذه المدينة، كشف النقاب عن خضوعه للحماية البريطانية، فتدخل النائب القنصلي البريطاني لفائدته، وحال بينه وبين عامل الصويرة، فمكنه من السفر إلى طنجة حتى يرفع قضيته إلى رئيس المفوضية.

وبناء عليه، أمر السلطان وزيره أحمد بن موسى بأن يسارع إلى مطالبة بريطانيا بسحب حمايتها عن المصلوحي، لأنه أحد أبرز المتورطين في إيقاد فتنة الرحامنة من جهة، ولأنه في خدمة المخزن بصفته مقدما رئيسيا لزاوية تمصلوحت من جهة ثانية، مما يجعل دخوله تحت الحماية يخلق وضعا غير قانوني ولا يحترم نص الاتفاقية المبرمة بين المغرب و الدول الأجنبية في هذا الشأن[56].

ولبى وايت دعوة الطريس للاجتماع به في دار النيابة، فوجده في حالة لم يعهدها فيه من التوتر الشديد، فأعلن أنه ينوي التحدث إليه في موضوع بالغ الأهمية، بناء على أخبار أخيرة وصلته من البلاط. ثم سلمه رسالة باسم الوزير الصدر لا يختلف مضمونها عن الرسالة الأولى التي تسلمها منه أيضا على يد رقاص خاص. وسأل الطريس وايت إن كان المصلوحي حقا تحت الحماية البريطانية، وأنه إذا كان الجواب بنعم، فإن المخزن لن يعترف بحمايته بحكم وضعية المصلوحي المتميزة وعلاقاته الخاصة بالبلاط.

وحاول وايت أن يهدئ من روع الطريس الذي تحدث إليه بتوتر لا يمكن تجاهله، ثم شرح له بكامل السرية أسباب بسط حماية بلاده على المعني بالأمر. وذكر له أن مفوضية بريطانيا في طنجة علمت، منذ سنتين، أن مفوضية فرنسا كانت مجدة في إجراء اتصالات مكثفة مع المصلوحي تمهيدا لحمايته. وتفاديا لتحقيق الفرنسيين لهذا المسعى، سارع ساتو إلى حمايته، لأن فرنسا سبق لها أن بسطت حمايتها على الشريف الوزاني منذ سنة 1884، فإذا بتلك الحماية قد اتسعت إلى الأقربين، بل شملت أيضا عددا كبيرا من أتباعه في مدينة وزان و أحوازها، ولو لم تسارع بريطانيا إلى حماية المصلوحي لكان الأمر على مستوى من الخطورة والجدية.

وعلى أثر هذا التوضيح، بدأت ملامح الطريس تتغير تدريجيا، إلى أن ظهر عليه شيء من الانشراح، فوعد بالكتابة سرا وبسرعة إلى السلطان في الموضوع [57]. كما أطلع الطريس وايت على رسائل سلطانية تخص المصلوحي توصل بها مصحوبة بأوامر تدعوه إلى تسليمها لعامل طنجة ولغيره من موظفي المخزن، وتنص جميعها على منع الشريف المصلوحي من الركوب بحرا بل على القبض عليه. ثم أكد بأنه لن يسلمها إليهم بعدما علم بالأسباب الحقيقية التي دفعت ساتو إلى حماية المصلوحي. وفي نهاية اللقاء، أخبر وايت نائب السلطان بأنه توصل أيضا من الوزير الصدر بمراسلات في موضوع حماية المصلوحي، فبعث بها إلى وزارة الخارجية البريطانية للحصول في شأنها على مزيد من التعليمات[58].

وبحكم وجود ساتو وقتئذ في لندن، استدعته وزارة الخارجية للاستشارة، وطلبت منه أن يحرر مذكرة مفصلة يوضح فيها ملابسات حماية المصلوحي. وذكر ساتو في مذكرته أنه سبق له أن أمر القائد ماكلين أثناء وجوده في بلاط السلطان في فاس بأن يحيط أحمد بن موسى علما بدخول المصلوحي تحت الحماية البريطانية. وعلى هذا الأساس، يفترض أن يكون الوزير الصدر على علم بحماية المصلوحي، على الرغم من أنه لم يخبر رسميا بتفاصيلها. وذكر ساتو أيضا أن الغنجاوي والمصلوحي كانت لهما مراسلات مع دار المخزن، وأن المصلوحي قد أكد له بصفته ممثلا لبريطانيا في المغرب، أنه ينوي الذهاب إلى فاس في نونبر من السنة الفارطة أي 1894، لكنه لم يفعل و لم يوضح أسباب ذلك التقاعس.

وأشار ساتو في المذكرة نفسها إلى أن الغنجاوي وصديقه المصلوحي ممقوتان جدا من البلاط، وربما كان ثراؤهما الفاحش سببا وحيدا في ذلك المقت، كما نبه إلى العداوة التقليدية القائمة منذ ردح من الزمن بين والد القائد عباس بن داوود والغنجاوي، وإلى التهم المتبادلة بينهما باستمرار في قضايا كثيرة يصعب الوصول فيها إلى الحقيقة. وخلص ساتو إلى تزكية مبادرة وايت أثناء لقائه الأخير مع الطريس. ثم نصح وزارة الخارجية بعدم سحب الحماية عن المصلوحي لما في ذلك من مصلحة مشتركة للسلطان والمصلوحي في الوقت نفسه. علما بأن سحب حماية المصلوحي، لابد أن يلحق الضرر بمكانة بريطانيا ونفوذها في المغرب في أعين الدول الأخرى[59]. وتلقى وايت تعليمات دعته فيها وزارة الخارجية إلى مفاتحة أحمد بن موسى في ضوء مذكرة ساتو الاستشارية، ودعته إلى عدم السماح للمصلوحي بالتوجه إلى البلاط إلا بعد الحصول على ضمانات صريحة من الوزير الصدر حرصا على سلامته [60].

وفي هذا السياق، ذكر وايت الوزير الصدر بدوافع حماية بريطانيا للمصلوحي، وأوضح بأن ساتو كان مقتنعا بأنه لو سمح بدخول المصلوحي تحت حماية فرنسا، لشكل تهديدا حقيقيا لاستقلال المغرب. ثم تحدث عن حماية فرنسا للشريف الوزاني، وعما ترتب عنها من دخول جماعي لذويه الأقربين ولأتباعه تحت الحماية الفرنسية. و لم تفت وايت فرصة إثارة انتباه الوزير الصدر إلى نقطة هامة، وتتمثل في أن ساتو قد اشترط على المصلوحي قبل حمايته أن يحافظ على العلاقات التقليدية الجيدة القائمة منذ زمن بين زاويته والمخزن. وما أن اندلع تمرد الرحامنة، حتى طلب ساتو من المصلوحي بذل مساعيه لإخماده.

أما اتهام المصلوحي بالتورط في إذكاء تمرد الرحامنة، فإنه يصر على أنها تهمة ملفقة وغير صحيحة، بحكم صدورها أساسا عن خصمه عبا س بن داوو. وأبدى وايت استغرابه للوزير الصدر، وتساءل معه كيف يتلقى المصلوحي دعوة من ساتو يحثه فيها على مساعدة المخزن في تهدئة أوضاع المنطقة، فإذا به يتجرأ على القيام بما يناقضها ويساند المتمردين؟ ثم وعد بأن تتولى المفوضية إجراء بحث عميق، يثبت هذه الإداعاءات أو ينفيها، بمجرد عودة الهدوء إلى مراكش وأحوازها [61]. وشنت عساكر المخزن حملة شرسة أحكمت بها الطوق على المتمردين[62]، فاضطر أعيان الرحامنة إلى قبول شروط الصلح القاسية، كما فرضها عليهم عباس بن داوود، الذي ظل متحفظا من صلحه المبرم معهم على مضض[63].

وبعث الوزير الصدر إلى وايت مرسولا خاصا أكد له شفاهيا أنه يتفهم ويقدر كثيرا دوافع حماية بلاده للمصلوحي، بل و أعلن له موافقته على الاعتراف بها، لكنه يتمنى أن تبقى حمايته في طي الكتمان. وانتظر وايت كثيرا دون أن يتوصل في موضوع هذا الاعتراف برسالة مكتوبة وعده بها الوزير الصدر على لسان مبعوثه الخاص. ويبدو أن أحمد بن موسى حرص كثيرا على زيارة المصلوحي لبلاط السلطان حتى يتمكن –على حد قوله- من تطبيع علاقاته مع المخزن . غير أن المعني بالأمر رفض تلبية هذه الرغبة، واعترض بشدة على الذهاب إلى فاس في تلك الظروف. وقد اعترف صراحة لوايت بأنه لن يجازف بالذهاب إلى حضرة السلطان، حتى ولو توصل من الوزير أحمد بن موسى برسالة مكتوبة يعترف فيها حقا بحمايته وبتأمين سلامته، لاقتناعه بأنه لو فعل، لذهب حتما ضحية لعملية تسميم سرية.

وتوسل المصلوحي إلى وايت حتى يسمح له بالإبحار من طنجة إلى الصويرة، حيث ينوي الإقامة مع ذويه، ويستأنف النظر في مصالحه التي تضررت كثيرا من جراء غيابه الطويل عن المدينة. ولما كان السلطان يتأهب لمغادرة فاس، استجاب وايت لرغبة المصلوحي، وسمح له بتنسيق مع الطريس، بالابحار على متن مركب بريطاني نقله إلى الصويرة للمكوث فيها، وذلك في انتظار أن ينتهي المخزن من تهدئة الأوضاع في حوز مراكش، وتزول جميع الشكوك المحيطة بشخص المصلوحي، فيتجه آنئذ إلى حضرة السلطان لزيارته لو رغب في ذلك. وبخصوص الخسائر الناجمة عن هجوم القبائل بتحريض من بن داوود على عزائبه في تمصلوحت، والتي ذهب المصلوحي إلى طنجة خصيصا للمطالبة بتعويضه عنها، فقد كشف لوايت بأنه يفضل غض الطرف عنها، لأنه كثير الثراء و لا تكتسي عنده تلك الخسائر أهمية تذكر. وأوضح على أثر ذلك بأن كل ما يأمل فيه، هو العودة إلى مقره الأصلي في تمصلوحت، حتى يعيش في سلام وسكينة ودون التعرض لاي مضايقة[64].

وعلى الرغم من مرور بضعة أشهر على انعقاد الصلح بين أعيان الرحامنة و عامل مراكش، فإن إخضاع القبيلة إخضاعا تاما لم يكن أمرا هينا، وتطلب من المخزن كثيرا من الوقت و الجهد، وأشرنا إلى أن الغنجاوي قد اتهم إلى جانب المصلوحي بمؤازرة المتمردين من قبيلة الرحامنة منذ البداية. ويبدو أن حملة تأديبية طويلة الأمد شنتها عساكر المخزن تحت قيادة مولاي عبد الملك ضد الرحامنة، ودفعت بالبعض منهم إلى الفرار من بطشها، فلم يجدوا بدا من اللجوء إلى عزائب كثيرة كان يملكها الغنجاوي في المنطقة للاحتماء بداخلها. وذكر الوزير الصدر للقائد ماكلين أن الغنجاوي بعث رسالة إلى مولاي عبد الملك تتضمن لائحة طويلة بأراضيه و عزائبه في المنطق ، ثم حذره فيها من مغبة مسها أو مس اللاجئين إليها بسوء.

وأكد أحمد بن موسى للقائد ماكلين(Maclean) ، أن عدد اللاجئين للاحتماء بأراضي الغنجاوي يشكل ثلث مجموع أفراد قبيلة الرحامنة، وأن من بينهم بعض أراذل القبيلة و أجلافها. ثم طلب منه أن يكتب سريعا إلى شقيقه ألان ماكلين (Alain Maclean) بالدار البيضاء، إذ تدخل منطقة حوز مراكش أيضا ضمن اختصاصته القنصلية، حتى يأمر الغنجاوي بعدم حماية اللاجئين إلى أراضيه من الرحامنة ويسلمهم إلى المخزن. وحين تردد القائد ماكلين في الكتابة إلى أخيه وفقا لرغبة الوزير أحمد بن موسى، زاد عليه هذا الأخير إلحاحا حتى انتهى إلى اقناعه بالامتثال[65].

وحين توصل ألان ماكلين بطلب الوزير الصدر، اعتبر بأن القضية المطروحة على مستوى كبير من الأهمية والخطورة، فكتب في موضوعها إلى رئيس المفوضية البريطانية الجديد في طنجة وهو نيكولسن (Nicolson)[66]، للتشاور وتبادل الرأي، ثم أجاب الوزير الصدر برسالة بعثها إلى أخيه القائد ماكلين، فذكر له فيها أن سلطاته تظل محدودة، وأنه لايمكنه بأي حال من الأحوال أن يسمح للمخزن بالقبض على أفراد يوجدون داخل أراضي يمتلكها أحد المحميين البريطانيين. ومع ذلك، كتب رسالة خاصة إلى الغنجاوي يحيطه فيها علما بشكوى الوزير ضده، كما طلب منه أن يبذل كل ما في وسعه للحيلولة دون السماح باستعمال أراضيه حرما يلتجئ إليه أفراد سبق لهم أن سلكو نهجا مخالفا لقوانين البلاد، بل تجاوز القنصل ألان ذلك إلى حث الغنجاوي على مساعدة المخزن قدر الإمكان في تهدئة المنطقة[67].

وعلى الرغم من مباركة نيكولسن لجواب ألان ماكلين إلى أحمد بن موسى، فقد ألح على أن يراعي الحرص على حصر نظام الحماية في حدوده المعقولة، وأن لا يسمح باستفادة غير المؤهلين لذلك من امتيازاتها. ثم أوضح كيف أن الغنجاوي يتمتع حقا هو وذووه الأقربون وكذا جميع ممتلكاته بالحماية البريطانية. غير أن هذا لا يسمح له بأن يحول ممتلكاته إلى حرم يمكن للمتمردين على سلطة المخزن أن يلجأو إليه للإفلات من قبضته. ومع ذلك، ظل نيكولسن متخوفا بخصوص مصير اللاجئين إلى أراضي الغنجاوي، ولم يخف بأن حصول تجاوزات في هذا الشأن من كلا الطرفين كفيل بأن يؤدي إلى كثير من التعقيدات في موضوع الحماية القنصلية ويؤثر على مستقبلها في المغرب بوجه عام. وتمنى نيكولسن أن يوافق الغنجاوي على الاقتراح الذي تقدم به ألان ماكلين حتى لا تتاح فرصة إضافية أمام المخزن للشكوى منه مرة أخرى[68].

ولم تسعفنا وثائقنا في معرفة كي توصل الطرفان إلى حل قضية اللاجئين من قبيلة الرحامنة إلى أراضي الغنجاوي. ولم يطرأ تحسن نسبي في العلاقة بين المخزن والمحميين البريطانيين القويين، بوبكر الغنجاوي والشريف المصلوحي، إلا بعد زيارة نيكولسن الأولى إلى بلاط مراكش في أبريل 1896، وذلك فور دخول السلطان عبد العزيز إليها دخولا رسميا بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد. واستغل المصلوحي وجود نيكولسن في مراكش كي يتوصل إلى تطبيع حقيقي وآمن لعلاقاته مع المخزن، فتردد عليه مرات كثيرة في محل إقامته، ثم تحدث إليه بالتفصيل عن علاقاته السيئة والمتوترة مع عامل مراكش بن داوود، فأوضح له بأنه واثق من أن جميع التهم التي نسبها إليه المخزن، في مناسبات عديدة، تهم ملفقة نسجها خصمه بن داوود، وحاول نيكولسن أن يطمئن المصلوحي على مصيره، فأكد له أن وجوده تحت حماية بريطانيا يجعله في مأمن تام من كل محاولة يمكن أن يقوم بها المخزن ضده شخصيا أو ضد مصالحه. ثم ألح عليه حتى يجري مقابلة شخصية مع الوزير الصدر والسلطان ليثبت لهما رغبته الصادقة التصالح والإبقاء على علاقات طيبة معهما مستقبلا، ويقر لهما بأنه يظل - مهما كانت الظروف - أحد الرعايا الأوفياء والمحبين لبلاده. وتنفيذا لرغبات نيكولسن، التقى الشريف المصلوحي بالوزير أحمد بن موسى، فأحاطه بكثير من العناية، ووعده بالتمهيد لعقد لقاء مع السلطان عبد العزيز في القريب العاجل.

وتجدر الإشارة إلى أن المصلوحي تكبد فعلا خسائر مادية جسيمة من جراء هجوم القبائل الديرية بأمر من عباس بن داوود على عزائبه أيام فتنة الرحامنة.ومع ذلك،فقد أبلغ نيكولسن بأنه يقررتأكيدا لما سبق أن وعد به وايت في طنجة وتفاديا لإحراج المخزن ليس في وسعه إلا أن يتفهم ذلك. ويبدو أن عبد العزيز ووزيره الصدر اضطر إلى مجاملة المصلوحي باستقباله والتصالح معه نزولا عند رغبة نيكولسن من جهة أولى .ولحاجتهما إلى استخدام نفوذ المصلوحي ومكانته في منطقة كثيرة الغليان والحساسية من جهة ثانية.

وفي هذا الإطار،استأذن أحمد بن موسى نيكولسن حتى يسمح للمخزن بالاتصال مباشرة بالمصلوحي دون الحاجة إلى وساطة المفوضية البريطانية في طنجة لو كانت الحاجة في وقت من الأوقات إلى خدماته. ولم يعترض نيكولسن على ذلك، بل اعتبره مؤشرا إيجابيا على إمكان تحسين العلاقات بين الطرفين، مع ضمان احتفاظ الشريف المصلوحي بحقوقه كاملة، على الرغم من خضوعه للحماية البريطانية[69].

وبخصوص التهم المنسوبة إلى الغنجاوي، وعد نيكولسن الوزير الصدربأن تتولى مفوضيته إجراء بحث معمق في الموضوع . وتمادى التاجر المراكشي في نكران تلك التهم، وأصر على تبرئة ساحته منها جملة وتفصيلا، دون أن يتخلى عن المطالبة بتعويضات مالية ثقيلة عن خسائر فادحة لحقت بممتلكاته أثناء مواجهة العساكر لفتنة الرحامنة في مراحلها الأخيرة. وأوضح نيكولسن بإسهاب لأحمد بن موسى، أن إجراء بحث جدي في تهم المخزن المنسوبة إلى الغنجاوي أمر معقد وعسير للغاية، ولابد أن يحتاج إلى وقت طويل. وعلل كلامه بأن لكلا الخصمين من النفوذ والسطوة ما يمكنهما من الإتيان بعدد لا يحصى من الحجج والشهود والرسوم العدلية الصحيحة منها والمزورة تعزيزا لموقفيهما أمام القضاء، ناهيك عما يمكن أن يصاحب ذلك من قسم باليمين ومن كذب غموس وتهديد للشهود، وما إلى ذلك من الأمور المشبوهة، وكل ذلك من أجل بلوغ نتيجة ربما لن تكون وراءها فائدة تذكر لجميع الأطراف.

وعلى الرغم من استعداد نيكولسن الكامل ومفوضيته لتحمل مشاق إجراء هذا التحقيق لو تطلب الأمر ذلك،فقد أعلن صراحة لأحمد بن موسى بأن مصلحة الأطراف المعنية تقتضي طي الملف وعدم مواصلة الخوض في تفاصيله المزعجة. وبما أن غاية المخزن الأساسية قد تحققت، بالقضاء على تمرد قبيلة الرحامنة، وبالقبض على متزعمه الرئيسي الطاهر بن سليمان وعدد كبير من مؤيديه[70]، فإن نيكولسن لن يستطيع البت في مطالب الغنجاوي المالية الكبيرة أثناء وجوده في مراكش. وقدم اقتراحا دعا فيه إلى التخلي عن إجراء تحقيق في موضوع التهم المتبادلة بين الغنجاوي وغريمه بن داوود من جهة، وأن تتولى المفوضية البريطانية فحص المطالب المالية لفائدة الغنجاوي في طنجة بتنسيق مع الطريس من جهة ثانية. ورحب أحمد بن موسى بهذا الاقتراح ووافق عليه دون إبداء تحفظ، لأنه كان على بينة من خبايا وتفاصيل الخلاف المزمن بين قريبه بن داوود وخصميه الغنجاوي وشريف تمصلوحت[71].

* إصرار بريطانيا على حماية المصلوحي واحتفاظه بنقابة الزاوية
وإذا كانت قضية الغنجاوي، بحكم خصوصيتها، لا تطرح نسبيا مشاكل كبيرة مع المخزن، فإن مسألة حماية بريطانيا للمصلوحي ظلت قائمة وشكلت موضوع خلاف استمر بين مفوضيتها والمخزن. وتفيد مراسلات سلطانية في هذا الشأن، بأن نيكولسن لم يكتف أثناء سفارته في مراكش بالتوسط لتحقيق مصالحة بين المخزن والمصلوحي، بل تجاوزها إلى مطالبة السلطان بالاعتراف بنقابته على زاوية تمصلوحت. لكن أحمد بن موسى رفض التسليم بذلك. بل وأصبح غير متحمس حتى لتمكينه من الحماية البريطانية، وإن كان قد حبذها وأبدى موافقته المبدئية عليها في لقاء سابق مع نيكولسن بمراكش. ومن ثم ظلت قضية المصلوحي معلقة ولم يُحسم فيها حسما نهائيا[72].

وتنفيذا لتعليمات توصل بها الطريس ومساعده محمد اللبادي من الوزير الصدر، في مطلع سنة 1897، طلبا الاجتماع بنيكولسن في طنجة لينقلا إليه طلبات المخزن بخصوص وضعية شريف تمصلوحت، وذكر له الرجلان أن استمرار نقابة المصلوحي على الزاوية أمر قد ترتب عنه عدة مشاكل، بحكم العراقيل الكثيرة التي تواجه المخزن كلما احتاج إلى التعامل معه، بصفته خديما للمخزن ومحميا بريطانيا في الوقت نفسه. ثم عرضا على نيكولسن أن يختار بين سحب حماية بلاده عن المصلوحي وبين إعفائه من مسؤوليات النقابة على الزاوية وتعويضه بغيره، حتى يوضع حد للحالة الاستثنائية التي يوجد فيها الشريف في علاقاته مع المخزن والزاوية.

وعبر نيكولسن عن استغرابه من هذا الكلام، وأعلن لهما بأنه لا سبيل لطرح قضية سحب الحماية البريطانية عن الشريف المصلوحي، لأن الوزير الصدر سبق أن أكد له شخصيا تفهمه للأسباب الحقيقية التي دفعت بريطانيا إلى بسط حمايتها على شريف تمصلوحت. كما ذكّرهما بأن الوزير نفسه أعلن موافقته عليها أثناء وجوده في مراكش. ثم أثار انتباههما إلى أنه لو كانت للمخزن أي شكاوى ضد المصلوحي، فهو مستعد لكي يوليها كل اهتمامه ويبت فيها بكل ما يتطلبه الأمر من الجدية والنزاهة.

وأضاف بعد ذلك، أنه إذا كان المخزن يرغب في حرمان الشريف من امتيازاته فإن له كامل الحرية للقيام بذلك. لكنه حذر في الوقت نفسه، بأن مسؤولياته تضطره إلى إخبار حكومة بلاده بأن المخزن جرد الشريف المصلوحي من امتيازاته وقلل من مكانته لسبب واحد، ألا وهو وجوده تحت الحماية البريطانية. وحاول نيكولسن صادقا أن يفهم من الطريس واللبادي، كيف يمكن أن تثير مكانة المصلوحي الموروثة عن أسلافه بعض الصعوبات في تعامله مع المخزن؟ ولم يتردد في الاستشهاد بنموذج الشريف عبد السلام الوزاني، فأوضح كيف أنه يتمتع حقا بنفوذ يفوق كثيرا ما يتمتع به المصلوحي، وكيف أنه يمارس نفوذا روحيا وإداريا في مدينة وزان وفي غيرها من البوادي المجاورة لطنجة. ناهيك عن خضوع عدد كبير من ذويه وأتباعه إلى حمايته المباشرة والصريحة. ومع ذلك، لم يبد المخزن أي اعتراض على وضعيته هذه، ولم يطالب فرنسا في يوم من الأيام بأن تسحب عنه حمايتها. ولزم الطريس واللبادي الصمت أمام عرض نيكولسن المستفيض لنموذج الشريف الوزاني. وفي نهاية اللقاء، اقترح عليهما أن يبلغا السلطان ووزيره أحمد بن موسى، بأن حكومة بلاده ترى أنه من الأفضل إبقاء الأمر على ما هو عليه تفاديا لكل تعقيدات.

وأمام عجز الطريس واللبادي عن تقديم سبب معقول ومنطقي يبرران به عزم المخزن على تجريد الشريف المصلوحي من مكانته، فقد أبدى نيكولسن تخوفه الشديد من أن تكون الثروة الطائلة لمقدم الزاوية المصلوحية هي السبب الوحيد في الإصرار على سحب حماية بريطانيا عنه، تمهيدا للاستحواذ عليها[73]. وتأكدت هذه التخوفات حين توصل نيكولسن بأخبار سرية من البلاط تتحدث عن محاولة كان يقوم بها أحد أقارب الشريف المصلوحي، بمؤازرة من قائد المخزن على تمصلوحت، للحصول على موافقة من الوزير الصدر على خطة تستهدف إزاحة الشريف عن نقابته على الزاوية وتعويضه بفرد آخر تربطه بعض أواصر الدم بآل المصلوحي. وجدير بالذكر أن مشروعية امتلاك المصلوحي لكثير مما في حوزته من الأراضي والعقارات والأنعام وغيرها من المنقولات، تظل مرتبطة باستمرار نقابته على الزاوية المصلوحية، وبإشرافه على سلسلة من الأضرحة التابعة لها. وما كان يخشاه نيكولسن في الحقيقة، هو أن يكون الوزير الصدر نفسه أحد الطامعين في ثروات المصلوحي. ولو صح هذا الاحتمال، فإنه لن يتردد بطبيعة الحال في ترجيح كفة مرشح آخر ينتمي إلى نفس الدار ويكون أكثر استعدادا وليونة للتعامل وفقا لرغبات المخزن ورجاله.

وبعد نهاية لقائه مع الطريس واللبادي، طلب نيكولسن من القائد ماكلين أن يتكلم سرا باسمه مع الوزيرالصدر بكلام مماثل لما سبق له أن أجاب به الطريس واللبادي. وفي حالة عدم تحقيق نتيجة إيجابية، قرر أن يكتب مجددا إلى ماكلين، ويطلب منه أن يحذر أحمد بن موسى تحذيرا جديا، من أن التدخل بأي شكل في شؤون المصلوحي دون التشاور مسبقا مع المفوضية في طنجة والحصول على موافقتها، قد يثير حتما صعوبات كبيرة، ويمكن أن تترتب عنه متاعب جمة يُستحسن تفاديها. ويعتقد نيكولسن أن جهوده التوفيقية الهادفة إلى التأليف بين المصلوحي والوزير أحمد بن موسى ربما أساء خصوم الشريف المذكور فهمها، بل وشجعتهم على السير قدما في مخططهم للتمكن من إقصائه والتقليل من مكانته[74].

غير أن أحمد بن موسى أصر على موقفه، ورفض قبول حجج نيكولسن، فاعتبر حماية بريطانيا للمصلوحي باطلة ونقابته على الزاوية ورئاسته لها غير مقبولة بل لاغية. ثم أعلن موافقته على تعيين خلف للمصلوحي، وأمر اللبادي بأن يحيط نيكولسن بقرار فصل الشريف المصلوحي وتعويضه بشخص آخر:



"(...) أما دعوى الحماية، فقد أجاب عنها سيدنا أيده الله بأنه لا يخفى أن الشروط حاكمة بأن جميع من كان متلبسا بالخدمة المخزنية بأنواعها كائنا من كان لا تسوغ حمايته سواء كان عاملا أو أمينا أو شيخا أو مقدم زاوية. وهذا المصلوحي كان مقدما على الزاوية بالأمر الشريف حسبما هو مقرر معلوم، فهو أحد الولات يعمه ما يعم سائرهم، وقد تعلقت به حقوق للرعية وللمخزن، فلا يسوغ تسليم حمايته. وأما النقابة فلا يجمل بمحب عاقل سفير لدولة محبة منصفة أن يقول به، إذ لا يُتصور في عقل عاقل منصف إمكان الجمع بين الحماية وبين النقابة التي هي ولاية من الولايات وتتعلق بها حقوق الرعية التي لا يمكن الإنصاف فيها إلا بانبساط يد التصرف المخزني عليه دون تحجير، سيما إذا صار يتعرض على أولاده وأقاربه وغيرهم من المضامين إليه.

وهذا يُفضي إلى فتح باب كبير من الخرق على المخزن في رعيته ولا يبقى حكم من الأحكام جاريا على مقتضاه ويكون عين التدخل في أمور المخزن الداخلية التي من أعظمها نصب الولات وعزلهم. وذلك لا يسوغ لسفير من سفراء الدول الدخول فيه بوجه ويُنزه عن الكلام فيه كل من اتصف بالإنصاف والوقوف على مقتضيات الشروط.

وأما ما احتج به من القياس على حماية الحاج عبد السلام الوزاني، فالقياس ليس على بابه، فإن الحاج عبد السلام لم يكن مقدما على الزاوية بل المقدم كان غيره وهو السيد عبد الجبار، ولما عُزل وُلي مكانه السيد محمد بن المكي ولا زال إلى حد الآن. والسيد عبد السلام إنما كان كبير عائلته، فبينهما فرق. وعليه، فيأمرك سيدنا أعزه الله أن تكتب لهذا النائب بما ذُكر وبتنزيه جانب دولته المحبة ونوابها عن القول بتسليم حماية هذا المصلوحي، فضلا عن تسليم نقابته. وأن الذي تقتضيه الشروط والإنصاف الذي به حفظ نظام العالم هو تخلية سبيله جريا على ما عهد منهم من عدم الخرق على هذه الدولة السعيدة وسعيهم في كل ما يشد أزرها. وأن جانب المخزن أعزه الله هاهو قد عين غيره لولاية هذه النقابة ممن هو تحت يد حكمه ليكتب له النائب المذكور به ألا يكون ليتعرض على غيره وبأن يعطي حساب ما تصرف فيه عن مدة تكليفه لتبقى علائق الإنصاف والمراعاة بين الدولتين على ما كانت عليه(...)[75]".

وتردد اللبادي في إبلاغ فحوى هذه الرسالة إلى نيكولسن، لأنه كان يعلم مسبقا بأنه لن يوافق على الإجراء المُتخذ في حق المصلوحي، وخاصة بعد تحذيراته المتكررة في موضوع حمايته. ومع ذلك، كان لابد عليه أن يمتثل لأوامر الوزير الصدر، فسلمه رسالة يخبره فيها بأن المصلوحي قد نُزعت منه نقابة الزاوية المصلوحية بأمر من السلطان، وبأسباب اتخاذ ذلك الإجراء[76]. ورد نيكولسن بسرعة، فحرر رسالة مقتضبة وجهها إلى اللبادي ذكر له فيها أنه توصل برسالته.وبما أن موضوعها يكتسي أهمية كبيرة جدا، فإنه مضطر إلى التباحث في شأنها مباشرة مع الوزير الصدر أحمد بن موسى[77].

ولم يعتبر نيكولسن هذا الإجراء قاسيا في حق المصلوحي فحسب، بل رأى فيه محاولة جريئة تستهدف تقويض نفوذ بريطانيا في المغرب. وما كان يخشاه، هو أن لا تمر سوى أيام قليلة، فيشيع خبر فقدان المصلوحي لمكانته، وتردد الألسن في حواضر البلاد وبواديها، كيف أن السلطان ووزيره بن موسى لم يُراعيا إطلاقا استظلال المصلوحي بالحماية البريطانية. بل الأدهى من ذلك، هو أن حماية بريطانيا للمصلوحي اتخذت حجة أساسية لإسقاطه من مرتبته المتميزة. وعلى الرغم من هذه التخوفات، ظل نيكولسن متفائلا، بل وشبه واثق من أن الداهية أحمد بن موسى تعمد إخباره بإزاحة المصلوحي المفترضة عن طريق اللبادي، في محاولة لجس نبضه ومعرفة طبيعة ردة فعله، لو أقدم المخزن حقا على إقصائه. واستدل على ذلك، بأنه لم يتوصل مباشرة من البلاط بأي أخبار إضافية في الموضوع، مما حمله على الاعتقاد بأنه لو أقصي المصلوحي فعلا، لبادر ماكلين الحاضر داخل البلاط إلى الإسراع بإخباره، على عادته في مثل هذه المواقف، قبل أن يتولى اللبادي المهمة نفسها[78].

وأبدى نيكولسن مفاجأته الكبيرة أمام تعيين السلطان السريع لنقيب بديل على رأس الزاوية، ثم حاول أن يذكر الوزير الصدر، على نحو مفصل، بما مرت منه حماية شريف تمصلوحت من ملابسات وما قطعته من مراحل. وأثار الانتباه إلى إلحاحه المتكرر، وبطريقة سرية عبر عدة قنوات غير رسمية، على الوزير الصدر حتى يحرص على التشاور معه ويحصل منه على موافقة مبدئية قبل إحداث أي تغيير في وضعية المصلوحي الخاصة. كما ذكره بالضمانات الصريحة التي سبق أن قدمها إليه بعدم السماح للشريف بأن يسيء استعمال حمايته، ولا بأن يستغلها في ما يقلق راحة المخزن. هذا فضلا عن أنه أبدى استعداده الدائم، للاهتمام بأي شكوى يمكن أن تُرفع ضد المصلوحي. ومن جهة أخرى، أوضح نيكولسن لأحمد بن موسى من جديد، كيف أنه حرص على إحاطته علما بالأسباب التي دفعت بريطانيا إلى بسط حمايتها على المصلوحي، فبارك تلك الخطوة ووافق عليها بكثير من الارتياح.

ثم تساءل بعدئذ عن الأسباب الحقيقية التي جعلت السلطان ينتظر مرور سنتين على تخبره بحماية المصلوحي، ليقرر وزيره فجأة إقالته وإبعاده عن مهامه على رأس الزاوية بحجة أنه موظف مخزني. ألم يكن المصلوحي موظفا مخزنيا قبل سنتين وسكت المخزن عن دخوله تحت الحماية البريطانية؟ وخلص نيكولسن إلى أنه لن يحاول الدخول في مزيد من المناقشات، لأن الخطوة التي أقدم عليها المخزن وضعت حدا لذلك . ولم يبق أمامه سوى أن يخبر حكومة بلاده بقرار السلطان ووزيره، وأن يوضح لها كيف أن السبب الوحيد الذي اعتُمد عليه للحط من مكانة المصلوحي وحرمانه من حقوقه المـوروثة عن أسلافه يتلخص في وجوده تحت حمايتها. وفي انتظار وصول تعليمات من حكومته تخص هذه القضية، حذر نيكولسن الوزير الصدر تحذيرا شديدا، وحمله شخصيا مسؤولية اتخاذ كل خطوة يترتب عنها إلحاق الأذى بالمصلوحي، سواء في شخصه وذويه الأقربين أم في مصالحه الخاصة[79].

وما أن تسلم الوزير الصدر رسالة نيكولسن، التي استحسن سالزبوري مضمونها ووافق على لهجتها الحازمة[80]، حتى التمس من ماكلين الإسراع بإخباره بأنه لم يتخذ أي عمل مناوىء لمكانة شريف تامصلوحت المعهودة. وذهب إلى القول بأن اللبادي ليست له صلاحيات تسمح له بتوجيه مراسلة في الموضوع إلى نيكولسن. ثم استعطفه حتى لا يخبر الحكومة البريطانية بفحوى تلك القضية، ووعده بالكتابة إليه فيها بالتفصيل في أقرب الآجال[81].

وبنهج هذه الطريقة الملتوية، حاول الوزير أن يخرج نفسه من الورطة التي أوقعته فيها تفاعلات حماية المصلوحي، مع أن نص رسالته إلى اللبادي التي يأمره فيها بأن يبلغ نيكولسن قرار إقصاء المصلوحي من مرتبته، موجود بين أيدينا، ويؤكد بوضوح عكس ما ذهب إليه بن موسى في جوابه السري إلى نيكولسن. كما يؤكد تراجعه نهائيا عن قرار كاد أن يدخله المخزن المركزي حيز التنفيذ، لولا لهجة نيكولسن الحازمة والتهديدية[82].

أوفى الوزير الصدر بعهده هذه المرة، فكتب جوابا مطولا في الموضوع إلى نيكولسن. لكنه سلك فيه استراتيجية أخرى لمهاجمة المعنى الأول والأخير بهذه الحملة الشرسة، فسرد سيلا من التهم المنسوبة إلى الحاج محمد بن سعيد المصلوحي من ذويه وأقاربه. ومنها اتهامه بحرمان أخته من حقها في الإرث من مخلفات والدها، وبرفض المثول أمام الشرع في تمصلوحت، وإصراره على التقاضي معها في طنجة. ومنها اتهامه بالاستحواذ على مــمتلكات أبناء إخوته وحرمانهم أيضا من حقوقهم المشروعة، بصفتهم شرفاء، في الحصول على جزء من مداخيل الزاوية، كما اتهُُّم بالاستحواذ بطرق تعسفية وعنيفة على ممتلكات عدد كبير من أبناء عمومته، وبوضع يده على أموال طائلة أودعها قواد مخزنيون أمانة في ضريح مولاي إبراهيم.

وأنكر أحمد بن موسى أن يكون قد اتخذ خطوة فعلية لإقالة المصلوحي من مسؤولياته، أو أن يكون عين نقيبا آخر بديلا عنه. ثم طلب مرة أخرى من نيكولسن أن يحاول النظر بعين الإنصاف في فصول هذه القضية حفاظا على العلاقات الودية القائمة بين البلدين. لكنه تحاشى نهائيا العودة من جديد إلى مطالبة نيكولسن بسحب الحماية البريطانية عن المصلوحي، لأنه أصبح واثقا من حرص نيكولسن الشديد على بقاء المصلوحي تحت ظل حماية حكومته[83].

وكان طبيعيا أن يستبشر نيكولسن بمضمون هذا الجواب الذي أقر فيه المخزن صراحة بعدم إبعاد المصلوحي من مهامه كنقيب للزاوية. أما التهم المنسوبة إلى الرجل نفسه، فقد اكتفى نيكولسن بتقديم وعد للتحقيق فيها وإخبار أحمد بن موسى بنتائج التحقيق[84]. غير أن الشكاوي ضد الشريف المصلوحي ما لبثت أن تلاحقت واستفحلت مواضعها بعد ذلك على لسان قائد تمصلوحت. فاتهم الحاج محمد بن سعيد المصلوحي بالتعرض على مثول مجموعة من الناهبين والقتلة المُوالين له أمام الشرع. ولم يكن بوسع السلطان أن يفعل شيئا أكثر من توجيه أوامر إلى الطريس ليطلب منه إخبار نيكولسن بعرقلة المصلوحي لسير العدالة ويلتمس منه أن يحثه على تعديل سلوكه ويسمح للمخزن بمعاقبة رعاياه المخالفين ورد الحقوق الضائعة لأصحابها[85].

خالد بن الصغير،
أستاذ التعليم العالي، شعبة التاريخ،
كلية الآداب، المحمدية.
[1] - مجموعة (3309) السرية، رسالة جون دراموند هاي إلى اللورد دربي، طنجة، 16 غشت 1877.
[2] - انظر في هذا الشأن ما أتى به الباحث الهاشمي برادي في أطروحته غير المنشورة :
Lhachemi Berradi, Les Chorfas d’Ouezzane, le Makhzen et la France, 1850-1912, Aix-en-Provence, 1971, p. 245-250.
[3] - F.O 174/136.، رسالة دراموند هاي إلى الطيب بن اليماني بوعشرين، 26 نونبر 1861، ورسالة السلطان محمد بن عبد الرحمن الجوابية إلى دراموند هاي، 29 جمادى الأولى 1278/ 1 دجنبر 1861
[4] - انظر مجموعة من المراسلات في الموضوع في مجموعة F.O. 174/88 ، وجميعها مراسلا خطية بين هاي ووالدي إملي.
[5] - F.O. 174/89، بركاش إلى دراموند هاي، فاتج حجة عام 1289/ 30 يناير 1873.
[6] - روجرز، تاريخ العلاقات الإنجليزية المغربية حتى سنة 1900، ترجمة يونان لبيب رزق، الدار البيضاء، 1981، ص 249.
[7] - تحتوي وثائق مجموعة (5123) السرية على عدة مراسلات في موضوع العلاقات المغربية الفرنسية ما بين 1883 و 1884، انظر على سبيل المثال الرسالة 1 من المجموعة نفسها، من دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، طنجة، 31 يناير 1883.
[8] - الرسالة 4 من مجموعة (5123)، دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، 31 مارس 1883.
[9] - الرسالة 13 من المجموعة نفسها، من دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، طنجة، 15 نونبر 1883.
[10] - الملحق 1 بالرسالة 13 من المجموعة نفسها، مذكرة سرية من دراموند هاي إلى المولى الحسن، 13 نوبر 1883.
[11] - الرسالة 21 من مجموعة (5123)، من دراموند هاي إلى كرانفيل، طنجة، 17 يناير 1884، ثم الرسالة 22 من المجموعة نفسها، دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، طنجة 20 يناير 1884، وأيضا الكناش 348، الخزانة الحسنية، الرباط، وفيه عدة مراسلات بين السلطان وبركاش في الموضوع.
[12] - الرسالة 26 من المجموعة نفسها، دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، طنجة، 25 يناير 1884.
[13] - الكناش سابق الذكر، ثم الرسالة 27 من المجموعة نفسها، دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، طنجة، 24 فبراير 1884.
[14] - الكناس 348 سابق الذكر، ثم الرسالة 27 من مجموعة (5123)، دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، طنجة، 24 فبراير 1884.
[15] - الرسالة 23 من المجموعة نفسها، دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، طنجة، 21 يناير 1884.
[16] - ملحق بالرسالة 27 من المجموعة نفسها، من دراموند هاي إلى كرانفيل، طنجة، 27 يناير 1884، ثم مقتطفات من جريدة المغرب الأقصى في التاريخ نفسه.
- الرسالة 30 من مجموعة (5123)، مذكرةمفصلة من إنجاز وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 25 فبراير 1884.[17]
- عبد الرحمن ابن زيدان، إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، ج2، طبعة 1929، ص 428.[18]
- مذكرة وزارة الخارجية البريطانية سابقة الذكر.[19]
- الرسالة 31 من محموعة (5123)، من كرانفيل إلى لاينس، لندن، وزارة الخارجية، سرية، 28 فبراير 1884.[20]
- الرسالة 36 من المجموعة نفسها، من كرانفيل إلى لاينس، لندن، 5 مارس 1884.[21]
-الرسالة 40 من المجموعة نفسها، من دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، طنجة، 1 مارس 1884.[22]
- الرسالة 50 من مجموعة (5123)، من دراموند هاي إلى كرانفيل، طنجة، 14 مالرس 1884.[23]
- الرسالة 55 من المجموعة نفسها، دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، طنجة، 24 مارس 1884.[24]
[25]- ملحق بالرسالة 55 من مجموعة (5123)، من محمد بن العربي بن المختار إلجامعي إلى دراموند هاي، سرا، 15 جمادى الأولى 1301/ 14 مارس 1884.
- الرسالة 60 من مجموعة (5123)، دراموند هاي إلى :كرانفيل، سرية، طنجة، 29 مارس 1884.[26]
- ملحق بالرسالة 67 من المجموعة نفسها، وهو مقتطفات من رسالة واردة منمكناس بتاريخ 2 جمادى الثانية 1301/ 31 مارس 1884.[27]
- ملحق بالرسالة 73 من مجموعة (5123)، من الوزير الجامعي إلى دراموند هاي، سرية، مكناس، 29 مارس 1884.[28]
- الرسالة 73 من المجموعة نفسها، دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية جدا، طنجة، 9 أبريل 1884.[29]
- نفسها، وأيضا رسالة السلطان إلى الطريس، 20 جمادى الثانية 1301/ 17 أيريل 1884.[30]
- الرسالة 75 من المجموعة نفسها، دراموند هاي إلى كرانفيل، سرية، طنجة، 11 أبريل 1884.[31]
- الرسالة 88 من المجموعة نفسها، كرانفيل إلى لاينس، وزارة الخارجية، 3 ماي 1884.[32]
- وتحتوي مجموعة (5123) على مراسلات إضافية غنية بالتفاصيل الدقيقة عن مظاهر التوتر المغربي الفرنسي الناجم عن سلوكات الوزاني.[33]
- الرسالة 67 من مجموعة (6448) السرية، برقية من ساتو إلى روزبوري، طنجة، 30 شتنبر 1893.[34]
- الملحق 1 بالرسالة 130 من مجموعة (6561)، بطاقة الحماية البريطانية لفائدة الحاج بن سعيد المصلوحي، 4 أكتوبر 1893.[35]
- الرسالة 130 من المجموعة نفسها، ساتو إلى كمبرلي، سرية، طنجة، 25 غشت 1894.[36]
- الملحق 2 بالرسالة 130 من مجموعة (6561)، شريف تامصلوحت إلى ساتو، في 22 محرم 1312/ 26 يوليوز 1894.[37]
- رسالة عباس بن داوود إلى أحمد بن موسى، 12 محرم 1311/ 26 يوليوز 1893، مديرية الوثائق الملكية، الرباط.[38]
39- لم تكن علاقة عباس بن داوود جيدة أيضا مع القائد محمد ويدة السوسي المسؤل عن قصبة مراكشو الأراضي التابعة لال المصلوحي .كما اتسمت علاقات بن داوود مع قاضي مراكش مولاي المصطفى بكثير من الحيطة و الحذر. و لم يداخر جهدا للوشاية ببعضهما الآخر، عباس بن داوود إلى أحمد بن موسى، 12 محرم 1311/26 يوليوز 1893،(م.و.م)، محفظات الترتيب العام، ورسالة مولاي المصطفى إلى أحمد بن موسى، 10 ربيع الثاني 1312/16 أكتوبر 1894،(م.و.م) محفظات الترتيب العام.
40- الملحق 3 بالرسالة 130 من مجموعة (6561)، ساتو إلى شريف تامصلوحت ، 22 غشت 1894 ، الرسالة 140 من المجموعة نفسها، كمبرلي إلى ساتو، سري، الخارجية، 7 شتنبر 1894.
[41]- محمد بناني إلى أحمد بن موسى،11 ربيع الثاني 1312/12 أكتوبر1849،(و.م.م)، محفظات الترتيب العام، وأيضا رسالة محمد بن يحي الجديدي إلى أحمد بن موسى، 4 ربيع الثاني 1312/5أكتوبر 1894،(م.و.م) محفظات الترتيب العام، والرسالة 261 من مجموعة (6561)، وايت إلى كمبرلي، طنجة، 17 أكتوبر 1894.
[42]- الرسالة 314 من مجموعة (6561) و ايت إلى كمبرلي، طنجة، 16 نونبر 1849، الملحق بالرسالة نفسها، نايرن إلى القنصل ماكلين، مراكش، 4 نونبر 1894، و يتحدث فيها عن وقوع تحسن في الأوضاع الأمنية للمدينة وعن بداية محاولة للتصالح بين المتمردين من الرحامنة وغيرهم وبين عامل مراكش .
43- الملحق 2 بالرسلة 257، أحمد بن موسى إلى محمد بن سعيد المصلوحي ،16 جمادى الثانية 1312/15دجنبر 1894، الملحق3 بالرسالة نفسها، أحمد بن موسى إلى محمد بن سعيد المصلوحي، 19 دجنبر 1894.
[44] - الملحق 1 بالرسالة 257 من مجموعة (664)، المصلوحي إلى وايت طنجة،5 يونيو 1895، والملحق3 بالرسالة 248 من مجموعة (664)، محمد بن سعيد المصلوحي إلى ساتو، 24 ذو القعدة 1312/20 ماي 1895.
[45] - يبدو أن القاضي مولاي مصطفى الذي كانت كلمته مسموعة عند الوزير الصدر أحمد بن موسى لم يكن مطمئنا لمبادرة المصلوحي و لا لحسن نية الرحامنة ، انظر رسالة محمد المصطفى إلى أحمد بن موسى،11 جمادى الثانية 1312/10 دجنبر 1894، محفظات الترتيب العام ،(م.و.م) أما بن داوود فقد رفض الصلح جملة وتفصيلا، انظر رسالة عباس بن داوود إلى أحمد بن موس، 12جمادى 1312/11دجنبر1894،(م.و.م)،محفظات الترتيب العام .
[46] - رسالة طويلة ومفصلة من عباس بن داوود إلى أحمد بن موسى، 19 ذي القعدة 1312/14ماي 1895،(م.و.م)، محفظات الترتيب العام.
47- الملحق 1 بالرسالة 257 سابقة الذكر، الملحق 4 بالرسالة 257 من المجموعة نفسها، مقتطفات من "لوريفاي دومروك"، 5 يونيو 1895، استجواب طويل أجرته الصحيفة مع المصلوحي في طنجة، ولم تستسغ وايت ذلك، فطلب منه أن يتحلى بمزيد من الحذر، لأن الوزير الصدر لابد أن تصله أصداء الاستجواب ويعرف خبر دخوله تحت الحماية البريطانية.
48- رسالة بن داوود إلى أحمد بن موسى بتاريخ 19 ذو القعدة 1312/14 ماي 1895، سبق ذكرها.
49- الملحق 2 بالرسالة 248 من مجموعة(6664)، أحمد بن موسى إلى ساتو،7 ذو القعدة1312/3 ماي 1895، الملحق 1 بالرسالة نفسها، أحمد بن موسى إلى ساتو،18 ذو القعدة 1312/14 ماي 1895.
[50]- الملحق 4 بالرسالة 248 من مجموعة (6664)، مذكرة تتضمن ترجمة لرسالتين توصل بها "مردوخ بولتير وشركاهما"من الغنجاوي في أسفي وبعثا بهما باسمه إلى ساتو مؤرختان ب14ماي 1895.
[51]- الرسالة 248 من مجموعة (6664)، وايت إلى كمبرلي، طنجة، 30 ماي 1895.
[52]- وايت إلى الغنجاوي، طنجة 30ماي1895، الملحق 5 بالرسالة 248 من مجموعة (6664).
[53]- الملحق 6 بالرسالة 248 من مجموعة (6664)، وايت إلى أحمد بن موسى، طنجة ، 30ماي 1895، ويستشف من رسالة بعتها الغنجاوي إلى القائد مبارك بن الحسن بتاريخ 23ربيع الأول 1313/13شتنبر 1895،(م.و.م)محفظات الترتيب العام ،أن الغنجاوي و إن لم يتحدث بالتفصيل عن مساهمته في إخماد الفتنة ، فقد كان كان حقا وفيا في إخلاصه وولاته للمخزن المركزي، وكان الرجل مستاء جدا من اندلاع فتنة الرحامنة لخطورتها أيضا على مصالحه الشخصية الكثيرة في أراضي المنطقة.
[54]- استدراك مؤرخ ب31 ماي، وقد ألحق بالرسالة 248 من مجموعة (6664) سابقة الذكر.
[55] - عباس بن داوود إلى أحمد بن موسى، 12جمادى1312/11دجنبر1894، سبق ذكرها.
[56] - الرسالة 258 من مجموعة (6664)، وايت إلى كمبرلي، طنجة،11 يونيو 1896، الملحق 1 بالرسالة نفسها ،أحمد بن موسى إلى وايت، 12 ذو الحجة 1312/5يونيو 1895، السلطان إلى الطريس، 12 ذي الحجة 1312/6يونيو 1895،(خ.ع.ت) مح 13/وث132.
[57] - السلطان إلى الطريس،1محرم 1313/24 يونيو 1895،(خ.ع.ت)، مح14/وث2.
[58] - الرسالة 262 من مجموعة (6664) وايت إلى كمبرلي، سرية، طنجة، 12 يونيو 1895، الملحق بالرسالة نفسها، أحمد بن موسى إلى وايت، 12 ذو الحجة 1312/5يونيو1895، الملحق بالرسالة نفسها،أحمد بن موسى إلى وايت، 12 ذو الحجة 1312/5 يونيو 1895.
[59] - لرسالة 265 من مجموعة (6664)، مذكرة حررها ساتو بأمر من وزارة الخارجية، لندن،21 يونيو 1895.
[60] - الرسالة 270 من مجموعة (6664)، برقية كمبرلي إلى وايت، الخارجية، 24 يونيو 1895.
61- الرسالة 17 من مجموعة (6819) ، وايت إلى كمبرلي، سرية ،طنجة ،25 يونيو 1895،الملحق بالرسالة نفسها ، وايت إلى أحمد بن موسى، طنجة ، 25 يونيو 1895،الرسالة 27 من المجموعة نفسها، سالزبوري إلى وايت، الخارجية ،9 يوليوز 1895.
62- ويدة السوسي إلى السلطان، 12 شوال 1312/8أبريل 1895، بن يعيش إلى السلطان ،15 شوال 1312/12مارس 1895،(م.و.م)، محفظات الترتيب العام، الرسالة 221 من مجموعة (6664)، ساتو إلى كمبرلي،سرية، طنجة،17 ماي 1895، الملحق بالرسالة نفسها ،ألان ماكلين إلى ساتو، الدار البيضاء، 16 ماي 1895.
[63]- عباس بن داوود إلى أحمد بن موسى، 13 ذو الحجة 1312/7يونيو 1895،(م.و.م)،محفظات الترتيب العام، ثم الرسالة 16 من مجموعة (6819) ، وايت إلى كمبرلي .طنجة يونيو 1895.
64- الرسالة 179 من مجموعة (6819) وايت إلى سالزبوري، سرية ،طنجة، 3 شتنبر 1895، الرسالة 190 من المجموعة نفسها، سالزبوري إلى وايت، الخارجية، 21 شتنبر 1895.
[65] - الملحق 2 بالرسالة 52 من مجموعة (25/413. OF)، القائد ماكلين، من مخيم السلطان في الرحامنة،24 يناير 1896.
[66] - غادر ساتو المغرب في 22 ماي 1895، بينما تولى نيكولسن مهامه على رأس المفوضية ابتداء من 4 أكتوبر 1895، الرسالة 214، و 216 من مجموعة (6664)، برقيتان من ساتو إلى كمبرلي، طنجة، 20 و 21 ماي 1895، الرسالة 215 من مجموعة (6819)، برقية نيكولسن إلى سالزبوري طنجة، 4 أكتوبر 1895، الرسالة 232 من المجموعة نفسها، نيكولسن إلى سالزبوري، طنجة،5 أكتوبر 1895.
67- الملحق 3 بالرسالة 52 من مجموعة (25/413.FO)، ألان ماكلين إلى القائد ماكلين، الدار البيضاء،28 يناير 1896، الملحق 1 بالرسالة نفسها و من المجموعة نفسها، ألان إلى نيكولسن، الدار البيضاء، 28 يناير 1896، الملحق 4 بالرسالة نفسها، ألان ماكلين إلى الغنجاوي، الدار البيضاء،28 يناير1896.
68- الرسالة 52 من مجموعة (25/413. OF)، نيكولسن إلى سالزبوري، طنجة، 3 فبراير 1896، الملحق 5 بالرسالة نفسها، نيكولسن إلى القنصل ماكلين، طنجة، 2 فبراير1896.
- الرسالة 145 من مجموعة (25/413. OF)، نيكولسن إلى سالزبوري، مراكش،22 أبريل 1896.[69]
70- نسخة كتاب عزيزي شريف، من السلطان إلى القائد عبد الله بن سعيد السلاوي،18 شعبان1313/3فبراير1896.
71- الرسالة 146 من مجموعة(25/413. OF) نيكولسن إلى سالزبوري، مراكش،22 أبريل 1896، الغنجاوي إلى أحمد بن موسى، 22 ربيع الأول 1315/20 شتنبر 1897،(م.و.م) محفظات الترتيب العام.
72- السلطان إلى الطريس،15 ربيع الثاني 1314/23شتنبر 1896،(خ.ع.ت) مح 15/ وث 24.
73 - الرسالة 4 من مجموعة (6956)، نيكولسن إلى سالزبوري، طنجة، 4 يناير 1897، الرسالة 7 من المجموعة نفسها، سالزبوري إلى نيكولسن، الخارجية، 16 يناير1897.
74 - الرسالة 26 من مجموعة (6956)، نيكولسن إلى سالزبوري، طنجة، 29 يناير 1897، الرسالة 32 من المجموعة نفسها، سالزبوري إلى نيكولسن، الخارجية،10 فبراير 1897.
- أحمد بن موسى إلى محمد اللبادي،5 شوال 1314/9مارس 1897، (خ.ع.ت)، مح23/وث53.[75]
نفسها، الملحق1 بالرسالة 85 من مجموعة (6956)، محمد اللبادي إلى نيكولسن، 1 ذو القعدة 1314 / 4 أبريل 1897، الرسالة 80 من المجموعة - نفسها، برقية نيكولسن إلى سالزبوري، طنجة5 أبريل 1897.[76]
- الملحق 2 بالرسالة 85 من مجموعة (6956)، نيكولسن إلى اللبادي، طنجة،5 أبريل 1897.[77]
- الرسالة 85 من مجموعة(6956)، نيكولسن إلى سالزبوري، طنجة،5 أبريل 1897 .[78]
- الملحق 3 بالرسالة 85 من مجموعة (6956)، نيكولسن إلى أحمد بن موسى، طنجة، 5 أبريل 1897 .[79]
- الرسالة 86 مكرر من مجموعة (5956)، برقية سالزبوري إلى نيكولسن، الخارجية، 18 أبريل 1897.[80]
- الرسالة 87 من مجموعة (5969)، برقية نيكولسن إلى سالزبوري، طنجة،19 أبريل 1897.[81]
- الرسالة 102 من مجموعة (9656)، نيكولسن إلى سالزبوري، طنجة،21 أبريل 1897.[82]
- الملحق 1 بالرسالة 120 من مجموعة (6956)، أحمد بن موسى إلى نيكولسن، 16 ذو القعدة 1314/19 أبريل 1897 .[83]
الرسالة 120 من مجموعة (6956)،نيكولسن إلى سالزبوري،طنجة3ماي 1897، الملحق 2 بالرسالة نفسها ،نيكولسن إلى أحمد بن موسى ،طنجة -- 3 ماي 1897، الرسالة 130 من المجموعة نفسها، سالزبوري إلى نيكولسن، الخارجية، 25 ماي 1897 .[84]
[85] - ولمزيد من التفاصيل حول الظروفالعامة المحيطة بهاتين النازلتين، انظر خالد بن الصغير، المغرب وبريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر، 1856- 1886، منشورات كلية الآداب بالرباط، الطبعة الثانية، 1997، وأيضا خالد بن الصغير، بريطانيا وإشكالية الإصلاح في المغرب، 1886-1904، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 2003.
نقلا عن موقع وزارة التقافة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق