الاثنين، 6 أغسطس 2012

لم تكن المرحلة الوسيطية في تاريخ المغرب مرحلة تاريخية لدول تتعاقب على الملك باسم القبيلة المتغلبة، وإنما مرحلة تأسيسية لنموذج مغربي يجمع بين الداخل المتحرك اجتماعيا واقتصاديا وبين خارج مجلوب عن قصد أو دخيل في إطار توسع رقعة الدولة مجالا. الصراع الوسيطي النابع من منطلق النفع الاقتصادي القبلي والتوسع المجالي كان صراعا، وإن اتخذ صبغة سياسية دينية كمرتكز دعوي وتبريري ينبني على إعادة تنظيم المجال المغربي ووضع أسس التحكم فيه، لأن الأرض وما يتصل بها والتجارة وما يتبعها تغذي الخزينة على اعتبار أن الضريبة على تنوعها شرعية كانت أم لا، هي التي كانت تتحكم في مدى قدرة الخزينة على مواجهة نفقات الدولة كمؤسسة مرتبطة باستمالة المؤسسات الجهوية القائمة، والمكونة من أطراف متعددة كالقبائل والزوايا والطرق والأشراف ووجهاء القوم من أهل الحل والعقد. لم تكن الدولة الوسيطية تتحرك انطلاقا من رغبة مركزية وإنما من أولويات الجهات والمتحكمين فيها، فالصراع الوسيطي كان دينامكية تأسيس الملك في نفس الوقت كان صراع مصالح جهوية فرعية اجتماعية تعبر عن مطالب آنية لمجال معين يرى أن له حقوق لدى المركز الحاكم، خاصة وأن المركز لم يأتي بالاختيار أو التوافق وإنما بالغلبة تحت غطاء دعوي ديني، فحسب المصادر الوسيطية النقد للدولة المركزية كان في مجمله موجه لما ارتكبته من ابتعاد عن الأصل المؤسس، ولما ارتكبته من تجاوزات ضريبية وتمليك الأرض بعد مصادرتها من أصحابها، لقد رصدنا ذلك في نقد المرابطين والموحدين والمرينيين. دينامكية الصراع الوسيطي تبقى حالة معقدة يصعب رصدها لما لها من تشعيبات وآليات تتحكم فيها، لآن المجتمع الوسيطي مجتمع قبلي وعائلي بامتياز إذا ما استثنينا فئة الفلاحين والتجار والحرفييين، وحتى هذه الفئات وإن كانت تنتمي لنفس نمط العيش وإكراها ته، فتبقى من حيث تفكيرها مرتبطة بالقبيلة العائلة بمعنى آخر كانوا مرتبطين بالمجال والنسب، مرتبطين أخلاقيا وعرفيا بمن يقتسمون معهم النسب والمجال، فكما كانت الدولة حسب نظرية المؤرخ إبن خلدون مرتبطة بالعصبية والدعوة تأسيسا وحكما وشرعية كانت الفئات المجتمعية الأخرى مرتبطة بالنسب والمجال اقتصاديا وأخلاقيا وعرفا. إن منظومة الصراع الوسيطي سواء لدى المرابطين أو الموحدين أو المرينيين كانت مرتبطة في الوسط الاجتماعي بمصالح المجال أكثر من غيره وإن اختلفت المصادر المؤرخة لهذه الفترة التاريخية، لذا فان حصر الصراع في مسألة تأسيس الحكم أو شد بنيانه السياسي قد يقوض ما هو جوهري في هذا الصراع، ويبعدنا عن فهم طبيعة الصراع وخلفياته الاقتصادية والاجتماعية العميقة والهامة، حتى وإن كنا نقر جميعا مدى صعوبة تحليله انطلاقا من المصادر المتوفرة لدينا، لما لها وما عليها في عملية التأريخ للعصر الوسيط المغربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق