الاثنين، 6 أغسطس 2012

لسان الدين ابن الخطيب المؤرخ الوزير


ينتمي ابن الخطيب، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن علي أحمد السلماني اللوشي، المشهور بلسان الدين بن الخطيب، الى قبيلة سلمان أحد القبائل القحطانية باليمن، هاجروا الى الأندلس واستقروا بقرطبة، حيث انضم بنو الوزير –لقب أسلافه قديما- الى الحزب المعارض لحكم بن هشام الأموي،الذي تزعمه الفقهاء، وعدد من الجاليات المشرقية بقرطبة، وعرفت ثورتهم باسم ثورة الربض،نسبة الى المعركة التي وقعت في موقع قرب قرطبة يدعى الربض، وعلى اثر انهزام المعارضة هاجر بنو الوزير الى طليطلة عام 202هجرية الموافق لسنة 817 ميلادية، حيث استقروا بها قرابة قرن ونصف
انطق بنو الوزير الى مدينة لوشة على اثر الخطر الذي يهدد مدينة طليطلة،من قبل الحركات الاستردادية المسيحية، الهادفة الى القضاء على الوجود الاسلامي، فكانت هجرتهم أيام جدهم سعيد الذي لقب بالخطيب، وبذلك أصبح هذا اللقب يحمله السلمانيون بدل بنو الوزير. عرف بنو الخطيب بالعلم في هذه المدينة، واكتسبوا شهرة بها، فكان عبد الله بن سعيد فقيها ومحدثا، كما اشتهر سعيد –الجد الاقرب لابن الخطيب- الذي توفي في سنة 683 هجرية كعالم ديني في البيت السلماني، وورث والد ابن الخطيب أبو عبد الله الذي ولد في سنة 672 هجرية الموافق لسنة 1273 ميلادية، المكانة العلمية التي كانت لأسلافه، وانتقل الى غرناطة نتيجة التحاقه بخدمة السلطان أبو الوليد اسماعيل (713 هجرية – 1314 ميلادية / 723 هجرية – 1324 ميلادية)، ثم بأخيه أبي الحجاج يوسف (733 هجرية – 1333 ميلادية / 755 هجرية – 1354 ميلادية)، فكان يشتغل بديوان الكتابة، الى أن توفي في موقعة طريف الشهيرة يوم الاثنين سابع جمادى الاولى سنة 741 هجرية
لقد كان ابن الخطيب ذو نشأة بلاطية في عائلة ارسطوقراطية، خادمة في الجهاز الاداري النصري آخر معقل للتواجد الاسلامي في الأندلس، ارتبط لسان الدين بن الخطيب بشيخه بن الجياب، رئيس ديوان الانشاء النصري، وعند وفاة الاخير بوباء الطاعون، تألق نجم لسان الدين عند توليته رئاسة ديوان الانشاء، اذ اكتسب ثقة السلطان ابي الحجاج يوسف فأصبح كاتبه الخاص، علاوة على تكليفه بمهام خارجية، حيث بعث سنة 749 هجرية – 1443 ميلادية سفيرا الى أبي الحسن المريني وبعد مقتل أبي الحجاج يوسف في سنة 755 هجرية – 19 أكتوبر 1354 ميلادية، تولى بعده ابنه محمد الخامس الغني بالله، واستمر ابن الخطيب في خدمته،محتفظا بمناصبه ككاتب وسفير حيث أرسل الى السلطان المريني عام 755 هجرية – 1354 ميلادية طالبا النصرة ضد التحالف المسيحي الذي يهدد مملكة غرناطة، وقد حقق ابن الخطيب مهمته في البلاط المريني بمساعدة شيخه وصديقه أبي عبد الله محمد بن مرزوق
لقد تعاظم نفوذ ابن الخطيب السياسي حتى أصبح أحد الوجوه البارزة في السلطة الغرناطية بعد ان ظفر بلقب "ذو الوزارتين" وزارة القلم ووزارة السيف، إلا أن هذا النفوذ لن يستمر طويلا بعد الأحداث والاضطرابات الداخلية، إذ أنه في سنة 760 هجرية – 1359 ميلادية استولى اسماعيل بن أبي الحجاج على السلطة، وبدأ في اعتقال الشخصيات السياسية كمحاولة لتغيير الجهاز الاداري السابق، وكان في مقدمة المعتقلين الوزير ابن الخطيب رغم محاولة التشيع الذي أبداها للسلطان الجديد، للمحافظة على مركزه السياسي وأملاكه، وقد وصف ذلك بقوله :"وتقبض علي، ونكث ما أبرم من آماني، واعتقلت...، وبعد أن كسبت المنازل والدور، واستكثر من الحرس....، واستؤصلت نعمة لم تكن بالأندلس من النظائر ولا ربات الأمثال
التجأ السلطان الغرناطي الى المغرب بناء على علاقة وثيقة ربطته بالسلطان أبي سالم المريني في مرحلة منفاه بالأندلس من طرف أخيه أبي عنان، وتحت تأثير ابن مرزوق بعث أبو سالم سفارة بقيادة أبي القاسم التلمساني للإفراج عن ابن الخطيب، جاعلا مستقبل العلاقات المرينية الغرناطية معلقة على تلبية هذا الطلب، وبعد نجاح مهمة الوساطة، انطلق ابن الخطيب الى مدينة فاس فوصلها في سنة 761 هجرية، ليجد حفاوة وتكريما من السلطان أبي سالم، واستفاد ابن الخطيب في مرحلة وجوده في المغرب اقتصاديا اذ امتلك الضيعات الشاسعة ووفرت له أموال هامة، الى جانب عطاءات السلطان فبنى الدور بمدينة سلا للابتعاد عن سلطانه الغني بالله والتفرغ للغنى والعلم، كما ساعده عمال مختلف الاقاليم المغربية التي زارها بناء على مرسوم أصدره السلطان المريني في هذا الشأن، ونجد رحلته في كتابه "نفاضة الجراب في علالة الاغتراب" يصف فيه محيط رحلته ولقاءاته. وبعد أن استولى الغني بالله على غرناطة بمساعدة المرينيين، التحق به ابن الخطيب سنة 763 هجرية، فاستعاد أملاكه المصادرة سابقا، بل أصبح المسير الرئيسي لأمور المملكة الغرناطية، بعد أن أبعد عثمان بن يحيى بن عمر شيخ الغزاة المرنيين، الذي كان  يشكل أكبر منافس له في البلاط الغرناطي، كما لم يحتمل بقاء ابن خلدون في غرناطة خوفا من أن يستميل السلطان الغني بالله، ويصف لنا ابن خلدون مكانة صديقه بقوله :"وخلا لابن الخطيب الجو، وغلب على هوى السلطان، ودفع اليه تدبير الدولة،.... وانفرد ابن الخطيب بالحل والعقد، وانصرفت اليه الوجوه..." ان استبداد ابن الخطيب وانفراده بتسيير الدولة الغرناطية أثار حوله مجموعة من المنافسين والخصوم، وارتبطوا به أشد الارتباط وخدموا الدولة الغرناطية الى جانبه، وفي مقدمتهم تلميذه ومساعده في الوزارة الكاتب أبو عبد الله محمد بن يوسف المعروف بابن زمرك، وقاضي القضاة أبي الحسن علي بن عبد الله النباهي، وبعد أن تمكن خصومه من تأليب السلطان عليه، فر ابن الخطيب الى المغرب في جمادى سنة 772 هجرية ليستقر في بلاط المرينيين متمتعا بالاقطاعات، وبعد وفاة السلطان عبد العزيز بن أبي الحسن سنة 774 هجرية، رحل ابن الخطيب من مدينة تلمسان الى فاس العاصمة محتفظا بمكانته السياسية وأملاكه، بل أنه استكثر من شراء الضيعات وبناء المساكن حسب تعبير ابن خلدون، إلا أن تحركات ابن الخطيب السياسية ضد المملكة الغرناطية، دفعت السلطان الغني بالله الى المطالبة بتسليمه مرات عديدة، فدخل الغرناطيون في صراعات المطالبين بالعرش المريني جاعلة مساعدتها مقابل تسليم ابن الخطيب أو على الاقل محاكمته بالمغرب، وعندما تغلب أبو العباس على خصومه سنة 776 هجرية، تحرك الغني بالله لتنفيذ شرط المساعدة، حيث التقى ذلك مع تحريض سليمان بن داود للسلطان المريني، اذ كان ابن الخطيب قد رفض توليته منصب شيخ الغزاة المرينيين بغرناطة سابقا، تحت حجة أن المنصب للمنتمين الى القبائل المرينية دون سواها
اعتقل ابن الخطيب وأصدر فيه حكم بالقتل سنة 776 هجرية – 1374 ميلادية، تحت تأثير خصومه الغرناطيين، وفتاوي بعض فقهاء فاس بتهمة الالحاد والزندقة، التي لا تعني إلا القضاء على تحرك ابن الخطيب السياسي، فالتهمة الموجهة اليه لا تحمل أية خروق لابن الخطيب للمسائل الدينية، بل أن الامر كان يتعلق بمحاكمته على سياسته الأندلسية وهذا ما يتضح من خلال رسالة خصمه أبي الحسن النباهي :"فشرعتم في الشراء، وتشييد البناء،....، تبنون ما لا تسكنون وتدخرون ما لا تأكلون... أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق