الاثنين، 6 أغسطس 2012

تعتبر المشروعية أحد الأسس التي انبنت عليها الدولة في المجال المغاربي منذ نهاية الحكم المباشر المشرقي وإستقلالية الغرب الإسلامي عن حكم المركز، الثورات القبلية ذات الصبغة المسيلمة والثورات الديموقراطية الخارجية، دفعت المجال الغربي إلى الإستقلال بالقرار التسييري المباشر ، مع الإبقاء على خرجانية المصدر والشرعية عند الإقتضاء، وقد تحول المغرب إلى مستوعب وذاتي في نفس الوقت، إذ استوعب المشرق عقيدة واختلافا وتطورا منذ دخوله في المجال الإسلامي على إثر الفتوحات الإسلامية للغرب، فأصبح وجها للتقلبات السياسية الحاصلة داخل مركز الإسلام، متأثرا بها كمجال مستقطب وجغرافية بعيدة تساعد الوافد السياسي المعارض، ولكن إستيعاب المشرق في المراحل الأولى أرفق بعملية  تجريبية من خلال نشوء حركات سياسية ومذهبية، كتجربة لمجال فتي دينيا وسياسيا بحثا عن الذات المغربية في وسط التقلبات المشرقية المعقدة، ففي هذا الإطار كانت التجربة الإدريسية أحد أهم التجارب التي تفسر نشوء الذات المغربية، على إعتبار أن الرفظ النبوئي المحلي البورغواطي والغماري على شاكلة مسيلمة والثورات الخارجية الإستقلالية، كانت تعبر في عمقها عن رفظ المستحدث في التسيير والمخصص لهذا المجال دون سواه في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، حيث بنى المشرق السياسي تسييره على عدة خروقات للنص، تتعلق بالملكية والضرائب أثقلت كاهل الفئات الإجتماعية القبلية الحديثة العهد بالإسلام، فكانت التجربة الإدريسية مرحلة بناء الذات بتفعيل المستوعب، فقدوم المولى إدريس إلى المغرب لاجئا كفرد وحاملا نفس الهم السياسي الذي يعاني به المجال المستقبل له، كانت محطة هامة في تاريخ المنطقة، ففي الإستقرار الإدريسي بالمغرب كانت بداية لنوعية من الحكم أنشأ وأفرز من خلال نوعية مجتمعية وصفها عبد الله ابراهيم في كتابه صمود وسط الاعصار محاولة لتفسير تاريخ المغرب 1976 الصفحة 60-61 "بالديموفوضوية وعقلية الظعن حيث لا تكاد تتكىء على الأرائك الوثيرة إلا لتنزع منها بعنف بعد ذلك لتحمل على ظهور  الجمال" "فكلما بنى فريق، خرب بعده فريق
المجتمع المغربي كمجتمع قبلي تكتلي، ترفض فيه كل قبيلة الخضوع لحكم الأخرى، تطرح إشكالية القدرة الغائبة ذاتيا في المنظومة السياسية القبلية التي لا تستطيع إفراز سلطة سياسية محلية، قادرة على توحيد المكونات القبلية بالإحتكام إلى شخص منها تعطى له صلاحيات الفصل، فكانت الدولة الإدريسية أول دولة بربرية تحت قيادة زعيم عربي، يدخلها في مرحلة الإستقلال التسييري الداخلي الرافظ لشرعية المركز السياسي، وبذلك يكون المغرب قد أدخل معادلة ثالثة ضرورية وهي الذاتية المغربية، وبناءا على معادلة الإسلام والمغرب والذات التي تشكل عنصر واحد، أصبح التاريخ المغربي يعمد إلى تثبيت الخصوصية الذاتية في خطابه الإيديولوجي لتصفية الموروث الداخل إلى ساحته الإجتماعية من المشرق العربي، فكان الموروث خارجيا وشيعيا، فكان لزاما على المغرب الحسم لفائدة الإسلام السني، وفي إطار حسمه يواجه خطابه إشكالية الإنتماء الشيعي لمؤسس الدولة الإدريسية، وهنا يبرز خطابان يخدمان حل المشكلة، الخطاب الأول تغييبي حيث نلاحظ أن العديد يتحدث عن التجربة السياسية الإدريسية كتجربة سنية متجاوزا شيعية المؤسس. الخطاب الثاني تنظيري أقام تصالحا بين مبادئ الشيعة الزيدية ومبادئ أهل السنة، ليخلص إلى أن تاريخ المغرب تاريخ موحد وهو تاريخ الاسلام السني بدون منازع، وما التجربة الخارجية والشيعية إلا تجارب دخيلة بحكم تأثير المركز على الأطراف ثقافيا، ومن هذا المنطلق يمكن أن نقول أن الخطاب الايديولوجي حول الذاتية المغربية، الذي تبلور من خلال عناصر وافدة من المشرق كاللغة والعقيدة والتشريع، يقبل المشرق عقائديا وينفيه سياسيا، بالتشبث بالمالكية فمالك بن أنس كان له موقف من العباسيين لصالح أخ إدريس المسمى محمد النفس الزكية، حيث أفتى عند قتل هذا الأخير بأن بيعة أبي جعفر لا تلزم لأنها كانت على الاكراه، فالوظيفة السياسية للمالكية كانت حاضرة في التبني رغم فقدانها لهذا العنصر مع المرابطين الذين استمدوا شرعيتهم من بني العباس
فمشروعية الدولة الإدريسية قائمة على الطاقة الذاتية والمحركة للمجتمع المغربي، المتمثلة في القدرة على استيعاب الآخر وصياغته في الطابع الخصوصي دون الذوبان وفقدان مقوم الذاتية المستقلة، ويبدو أن التوفيق بين الخصوصية المحلية والمولى إدريس كانت أهم ما ساهم في تجاوز مذهبية الرجل وعدم تناقضها مع خيار الإستقلال القومي، ومغربة  الدولة المغربية كانت بداية إدريسية بحتة، ترفظ المشرق سياسيا وتنفتح عليه ثقافيا وروحيا وإقتصاديا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق