الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

حصري مختصر تاريخ العدالة، تأليف: ديفيد جونستون ، ترجمة: مصطفى ناصر سلسلة عالم المعرفة العدد 387 أبريل 2012

صدر عن سلسلة عالم المعرفة العدد 387 تحت عنوان : مختصر تاريخ العدالة أبريل 2012 ،
فصول الكتاب
- من النموذج المعياري إلى الإحساس بالعدالة
- البيئة الإجتماعية للعدالة
- الغائية والوصاية في "جمهورية" أفلاطون
- نظرية أرسطو في العدالة
- من الطبيعة إلى الصنعة : من أرسطو إلى هوبز
- ظهور مذهب المنفعة
- نظرية إيمانويل كانت في العدالة
- فكرة العدالة الإجتماعية
- العدالة بوصفها إنصافا
- من العدالة الإجتماعية إلى العدالة العالمي
يسلط كتاب "مختصر تاريخ العدالة" لديفيد جونستون، وترجمة مصطفى ناصر، الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، الضوء على العلاقة
التاريخية والفكرية بين الحاكم والمحكوم ضمن إطار من العدالة والمساواة، ويتعقب تطور الفكرة الأساس للعدالة منذ العصور القديمة إلى وقتنا الراهن.
كما يشكل الكتاب على الرغم من اختصاره، مسحًا شاملًا لفكرة العدالة منذ ظهور بذرتها الأولى لدى البابليين والعبريين واليونانيين والرومان، وصولا إلى المفكرين المعاصرين مثل جون راولز وغيره، ويكرس كل فصل من فصول الكتاب الثمانية لبحث آراء أحد المفكرين الذين تبلورت من خلال جهودهم مفاهيم العدالة، مثل أفلاطون وأرسطو وتوماس هوبز، ومفكري مذهب المنفعة، مرورًا بآراء أدم سميث وبيكاريا وبينثام وجون ستيوارت مل، ثم الفيلسوف إمانويل كانت.
العدالة في الفكر الفلسفي
يبين الكتاب كيف ناقش أفلاطون في محاورة الجمهورية فكرة العدالة التي اعتبره محورًا في الجدال الذي دار بين تلامذة سقراط وبحضوره وأفلاطون منهم
والعدالة عنده هي المعاملة بالمثل أو التكافؤ. إنما الخلل الرئيس في رؤية أفلاطون هو أنها لا تقوم على فكرة أو مبدأ المساواة بين البشر. ونحن نعرف أن أفلاطون كان يعيش في مجتمع أثينا المنفتح وشبه الديمقراطي، لكن مجتمع إسبرطة ذا الطبيعة الأرستقراطية العسكرية كان مثاله الأعلى، ولذا فقد صارت العدالة عنده هي التعامل التبادلي المتوازن والمتكافئ، إنما لدى الطبقات العليا الحاكمة التي تسيطر فيها وعليها الأعراف والقيم والمصالح المتشابهة. وبذلك يصبح التصرف العادل هو أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، لكن هؤلاء الناس هم السادة والأحرار والمتملكون بالمدينة والذين تتقارب أفكارهم وتصرفاتهم. ويتقدم أرسطو عليه بالتعامل مع فكرة العدالة أو مبدئها على مستويين: المستوى الأخلاقي في كتابه: الأخلاق إلى نيقوماخوس، والمستوى السياسي في كتابه: علم السياسة. ولا تتأسس العدالة عند أرسطو أيضًا على المساواة بين البشر في الطبيعة والقيمة الإنسانية والحقوق، بل يظل المجتمع طبقات وفيه الأحرار والعبيد الذين يتفاوتون في الحقوق والقيم. وهدف هؤلاء الأحرار في المدينة هو الوصول إلى السعادة أو تحقيقها، وإن تفاوتوا تفاوتًا شديدًا في أفكارهم ومصالحهم بما يحقق السعادة لكل منهم. إنما في النهاية هناك قيم أربع هي: الحكمة والشجاعة والاعتدال (أو التوسط) والعدالة. والسير في طريق هذه القيم هو الذي يحقق السعادة. لكن مجتمع المدينة هو مجتمع سياسي، وله طرائقه الجماعية لتحقيق السعادة المستندة إلى هذه القيم، ذلك أن هذه الفضائل تتحول في المجتمع السياسي إلى فضائل سياسية شرطاها الحرية والنظام أو الانتظام. وإذا كانت المدينة الفاضلة عند أفلاطون هي مدينة الحكماء والفلاسفة؛ فإن المدينة الفاضلة عند أرسطو والتي تزدهر فيها القيم السياسية السالفة الذكر هي المدينة ذات النظام الملكي، وليست المدينة التي تحكمها القلة أو يحكمها الرعاع. وميزة النظام الملكي أن الأفراد فيه يتصرفون كل بحسب طبيعته وإمكاناته. وهكذا فقد ظهرت عند أرسطو وعلى استحياء فكرة الطبيعة أو القانون الطبيعي التي سادت فيما بعد في الفكر المسيحي الوسيط، والفكر النهضوي والحديث.

العدالة في عصر النهضة والحداثة
بينما يؤكد الكتاب على أن ما يميز زمان النهضة والحداثة هو القول بالمساواة بين البشر في الطبيعة والعقول والحقوق. وإنما يأتي التفاوت من التعليم والتربية، دون أن ينتقص ذلك من القيمة أو الحق. وقد أسس كانط الفيلسوف الألماني على ذلك فكرة الواجب الأخلاقي اللائق بطبيعة الإنسان وقيمته بينما أسس جان جاك روسو على مسألة الحرية فكرة الاختيار المؤدية عنده إلى العقد الاجتماعي. ومنذ ذلك الحين ساد الفكرَ الغربي كله مذهبان في فهم المجتمع وقيمه وأهدافه: فكرة المنفعة، وفكرة الواجب. فالمنفعة المشتركة هي التي يتوافق عليها الناس فينشئون النظام السياسي الذي يحققها - أما الكانطيون فظلوا مصرين على أن فكرة الواجب هي التي تنجم عن العقد أو التعاقد، فتنشئ الدولة، كما تؤسس لتحقيق العدالة القائمة على المساواة والحرية. وعاد توماس هوبز لدراسة أساس التعاقد أو العقد الاجتماعي، فرأى أن كل فرد يميل لتحقيق الحدود القصوى من منفعته الشخصية، وهكذا تتضارب المصالح، وتقوم حرب الجميع على الجميع ويستحيل قيام المجتمعات الإنسانية، ولذا يلجأ الجميع قسرًا إلى إقامة السلطة الفارضة للنظام والمهدئة بالقوة للمطامح والمطامع . فحق السلطة مطلق لأنه ضروري للبقاء الإنساني والاجتماعي، والسلطة بما هي عادلة بالطبيعة قادرة على فرض الاستقرار، وحفظ الحقوق أو ضمانها. أما جون لوك الفيلسوف المعاصر لهوبز والمعارض لرؤيته فهو يرى أن التعاقد الأصلي يقوم على التوافق النابع من حرية الاختيار، لأن الإنسان بطبيعته خيّر. وهذا أساس قيام المجتمع المدني الذي تكون الديمقراطية هي السبيل الأمثل لتحقيق السعادة فيه لسائر الفئات. وقد سادت في المجتمعات الحديثة فكرتا روسو ولوك، وإن ظل الصراع قائمًا حول ما يحقق في الحقيقة مجتمع العدالة والخير العام..لقد اعتبر كثيرون الأمريكي جون رولز صاحب كتاب: نظرية في العدالة (1971) أهم علماء الفلسفة السياسية في القرن العشرين. ورولز يقدم العدالة الاجتماعية والسياسية على الخير العام. والنظام السياسي الليبرالي هو الأدنى لتحقيق العدالة التي تعني بالتحديد: الإنصاف. فهو أدنى إلى فكرة الواجب عند كانط .وأبعد من الفلسفة النفعية الإنجليزية، والبراجماتية الأمريكية، دون أن يقطع معهما. فالعدالة هي المذهب السياسي الذي يحقق الرضا لدى الكثرة الساحقة من الناس. ولأن القلة لا يجوز إهمالها؛ فيمكن أن تكون هناك استثناءات لتجاوز المظالم الواقعة على فئات معينة مهما بلغ صغرها. وهذا مقتضى الإنصاف. وهكذا فإن النظام الديمقراطي الليبرالي المرن، والقائم على التوافقات المتراكمة، هو الذي يحقق المثال الذي يريده رولز للعدالة بوصفها إنصافًا.
العدالة محور أساس في الإسلام
ولم يتعرض ديفيد جونستون في كتابه الموجز للمجال الإسلامي. لكننا نعلم أن مسألة العدالة كانت محورًا رئيسًا في الخطاب القرآني، كما ظلت مثالًا وتصرفات مناط تفكير المتكلمين والفقهاء وأرباب النظر السياسي. فقد تحدث بعض المفكرين في الإسلام عن العدل الإلهي بوصفه أساسًا للحرية الإنسانية وباعتباره القيمة العليا في الإسلام. كما تحدث البعض الآخر عن العدل باعتباره صفة من صفات الأفعال الإلهية، لكنهم أعلوا من شأن الرحمة الإلهية بمقتضى نص القرآن، والروح الاجتماعية السائدة في المجتمعات الإسلامية الوسيطة . فالفكر الإسلامي تناول مذهبين : مذهب التنزيه والعدل، ومذهب العناية والرحمة والفضل. وفي مجتمع الرحمة أو الخير العام يظل العدل واردًا، باعتباره قيمة كبرى أيضًا. أما الفقهاء والسياسيون فقد اهتموا بالعدالة القضائية، كما اهتموا بالعدالة السياسية في التصرف بحريات الناس وحياتهم وأموالهم. ماذا تعني العودة للاهتمام بفكرة العدالة وأنظمة العدالة في العالم وعند العرب والمسلمين؟
وقد تقدمت في المجتمعات الإسلامية حديثًا فكرة الحرية، بسبب السيطرة الاستعمارية على أكثر بقاع العالم الإسلامي. وبعد الاستقلال استعادت فكرة
العدالة قيمتها لكن على الطريقة الاشتراكية، وبخاصة بعد قيام الأنظمة العسكرية التقدمية. وعندما صارع الإسلاميون تلك الأنظمة، ما صارعوها باسم
العدالة أو الحرية؛ بل أرادوا تطبيق شرع الله. والواقع أن الأنظمة العسكرية التي تنكرت لمبدأ الحرية، ما استطاعت تحقيق العدالة أيضًا، وظهرت فيها رأسماليات عشوائية وطفيلية، وخالطها فساد كبير. وفيما بين الثمانينات من القرن الماضي، وعام 2011 - عام قيام الثورات العربية - ساد التفكير بين النخب على تقديم اعتبارات الاستقرار بأي ثمن، خوفًا من الفوضى التي يمكن أن تنجم عن التمرد وعندما قامت الثورات ارتفعت شعارات الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. وقد وصلت التطورات بعد عام ونيف إلى اختلاط كبير لا يقف عند حدود الملفات والشعارات السالفة الذكر. وما تخلى أحد عن حق الحرية، لكن الناس يبحثون الآن عن الاستقرار والعدالة، وما تحقق من هذين الشعارين غير القليل حتى الآن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق