تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية لجودت القزويني
عباس النابلسي
المؤسسة الدينية الشيعية لجودت القزويني
عباس النابلسي
المؤسسة الدينية الشيعية لجودت القزويني
عنوان الكتاب: تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية
المؤلف: جودت القزويني
الناشر: دار الرافدين - بيروت 2005م
*************************
«تاريخ
المؤسسة الدينية الشيعية» هو أحد ثلاثة كتب صدرت للمؤرخ الدكتور جودت
القزويني، تتناول جميعُها قضايا المرجعية الدينية الشيعية.
يتّسم
كتاب المؤسسة الدينية الشيعية بمنهجية مغايرة لما هو سائد في تحليل
تاريخ المرجعية الشيعية، ففي حين أنّ معظم الكتب التي تتناول هذا الموضوع،
تبحثه إما من الزاوية الشخصية للمرجعية، أو من الجانب العلمي البحت. يطل
عليناالمؤرخ القزويني، برؤية مختلفة في قراءته للأحداث التاريخية عموماً،
ولتاريخ المرجعية خصوصاً، حيث يتجلى المنهج النقدي في سياق العلاقة
الجدلية بين الديني والسياسي.
يشرع
المؤرخ في مقدمة كتابه بوضع الأسس المنهجية العامة لقراءة التاريخ، ويدخل
في نطاق نقدي واسع للأسس المعتمدة لدى المؤرخين والمحللين للقضايا
التاريخية. وقد ارتكز في رؤيته هذه إلى أمرين أساسيين:
الأول:
أنّ القراءة السائدة تتشكل رؤيتها من خلال اعتمادها على النص، وهذا
بدوره يوصل إلى التفسير الواحدي للتاريخ، وهو لا يتعدى التفسير الطائفي
القائم ضمن نطاق الملل والنحل، فهذه النظرة إذاً مبنية على العنصر الديني
المذهبي بكل جزئياتها ودلالاتها.
الثاني:
رفض اعتبار النص أساساً لقراءة الأحداث، لأنّه نصّ (مضلل)، ومربك، وخال
من الانسجام. فالنصوص التاريخية - بنظر المؤرخ - مفتعلة وتدخل ضمن دائرة
التاريخ المموّه، ولحلّ هذه الإشكالية - إشكالية التأسيس على النص – عمل
المؤلف على الخروج من هذا (المقدس)، ليضع مكانه الواقع التاريخي. فيتمّ
التأسيس بعد ذلك عبر الانتقال من الواقع إلى النص، وليس العكس. ويتقوم هذا
الواقع - بنظره - من خلال ترابط سلسلة أحداث تدور حول الواقعة سواء أكانت
خارجية أم داخلية. وتشمل هذه القراءة (الانقلابية) حتى الحوادث الميتة
التي لم يعرها الباحثون أدنى اهتمام. فهو بهذا المنهج يعطل النص التاريخي،
ويقلل من وثاقته، الأمر الذي يقوده إلى التخلّص من إشكالية التعامل مع
النص.
ولم
يقتصر منهج المؤرخ القزويني على معرفة الوقائع القديمة المتعلقة بخبرة
الماضي، وإنّما تعدّى إلى اللجوء لخبرة الحاضر في تفسير الغامض من
الأحداث واللامرئي منها، فهو يستفيد من مفردات الحاضر المعرفية في الكشف
عن مفردات الماضي كوحدة ترابطية عضوية، فالصّلة بين الماضي والحاضر هي
صلة تقمص،والتاريخ لا يتشكّل إلاّ من مزجهما معاً، وعدم فصلهما عن مجريات
الأحداث المتدفقة في الماضي والحاضر.
يطلق
الدكتور جودت القزويني مصطلح المؤسسة الدينية الشيعية على تاريخ الفقهاء
السياسي والعلمي، وإطلاقه اسم (المؤسسة)على هذا التاريخ ليس في محله! فهو
يحاول أنْ يوحي للقارئ أنّ ثمة هيكلية منظمة تشمل القضايا الفكرية
والسياسية والإدارية للمرجعية الشيعية على مرّ الزمن، والباحث القزويني لم
يتعاطَ في سياق بحثه على أنّ المرجعية الشيعية هي وحدة متناسقة تحكمها
أنظمة مترابطة، وعلاقات عضوية.
والدليل
على ذلك ما ذكره من الصراع الذي نشأ بين علماء الدولة الصفوية،
وبالتحديد بين المحقق الكركي والشيخ القطيفي، اللذين وصل بهما الأمر إلى
حدّ القذف والاتهام بسبب النزاع الناشئ من علاقة الفقيه بالسلطان. ومن
ذلك أيضاً الرؤية المتباينة بين علماء الدولة الصفوية المتمثلة بالشيخ
الكركي وعلماء الشيعة في الدولة العثمانية المتمثلة بالشهيد زين الدين
الجبعي العاملي، حيث عمل هذا الأخير داخل النظام السياسي السنّي العثماني،
وقام بتوحيد الجهود المعرفية لدى علماء السنة والشيعة، في حين أنّ علماء
الدولة الصفوية كانوا على عداء كامل مع الدولة العثمانية السنية، حيث
الشحن المذهبي أخذ بعداً كبيراً لدى علماء الدولة الصفوية بالتزامن مع
التحريض المضاد من علماء الدولة العثمانية.
وقام
جودت القزويني باستخدام مصطلح(المدرسة) على المكان الذي ازدهر فيه
التعليم الديني الشيعي في بغداد والحلة والنجف وقم وجبل عامل، في حين انه
أبعد مصطلح (الحوزة العلمية) عن التداول على اعتبار أنّ هذا المصطلح هو من
المفردات المستحدثة التي لم يتعدَّ وجودها القرن الرابع عشر الهجري
(العشرين الميلادي).
أرّخ
القزويني في كتابه هذا لثلاث مدارس رئيسة حَفِل بها النشاط الديني
والسياسي الشيعي وهي: مدرسة بغداد - مدرسة الحلة - مدرسة جبل عامل، والتي
شملت العهود السياسية الرئيسة التالية: البويهيين، السلاجقة، الدولة
المغولية الاليخانية، المماليك، العهد الصفوي الأول والعهد العثماني.
وقد شملت هذه الدراسة أيضاً لتغطي مدارس علمية شيعية اخرى، مثل: النجف، حلب، طبرستان (مازندران)، البحرين.
يستعرض
الدكتور جودت القزويني في الفصل الأول من كتابه المدرسة الأولى، وهي
(مدرسة بغداد)، فيؤرخ لها من حين دخول البويهيين إليها (334ه - /945م) .
ويعتقد وفاقاً لأغلب المؤرخين أنّ هذا العصر قد شهد ازدهاراً فكرياً لا
مثيل له في تاريخ الحضارة الإسلامية، من حيث تنوّع الآراء واختلاف
المذاهب الدينية، وتعدّد المشارب الفكرية. وقد كان للتشيع حظ وافر في هذه
الحقبة، إذ استطاع أن يقوم بنشر أهم وأكبر إنتاجاته الفكرية والدينية،
كالفقه وعلم الكلام وعلم الحديث. كذلك استطاع التشيع أن يكون أحد
الدعامات الأساسية للفكر السياسي الإسلامي عبر نشاط معظم علماء تلك
الحقبة.
وكان
على رأس هذه المجموعة العلماءئية التي أغنت المكتبة الإسلامية الشيعية
بالعلوم والمعارف ثلاثة علماء هم: الشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري
الشهير بالشيخ المفيد (413ه - /1022م)، يتبعه اثنان هما: علي بن الحسين
الموسوي الملقب بالشريف المرتضى(436ه - /1044م)، والشيخ محمد بن الحسن
الطوسي الملقب بشيخ الطائفة(460ه - /1068م).
أدّى
هؤلاء الفقهاء والمتكلمون الثلاثة أدوارهم العلمية تبعاً للظروف التي
أحاطت بهم ، كما أسسوا أركان المذهب الشيعي، واستفادوا من تنقية التراث
الذي وصلهم، في إرساء الأسس العقائدية للطائفة، وقد امتدّت حياتهم لتشمل
حكم عضد الدولة البويهي (367 - 372ه - /978 - 983م)، ثم استمرت حتى سقوط
البويهيين واحتلال السلاجقة لبغداد عام(447ه - /1055م)، إلاّ أنّه وبالرغم
من ظهور الشيعة كمدرسة لها دور هام في شرايين المجتمع الإسلامي، لم
يَرْقَ التشيّع ليسجّل نشاطاً سياسياً بارزاًَ خصوصاً فيما يتعلق
بالعلاقة مع السلطة البويهية، فقد حرصت المرجعيات الثلاث على أداء وظيفتها
بطريقة متوازنة، منحصرة نوعاً ما بما يتعلق بالشأن الديني والاجتماعي.
ومع ذلك فإنّ البويهيين كانوا يدعمون التيار الشيعي، أسوةً ببقية
التيارات الأخرى، فقد كان عضد الدولة يقصد زيارة الشيخ المفيد في داره،
كما كان يعقد مجالس مناظرات فكرية عامة يحضرها ممثلون عن المذهب الشيعي.
والجدير
بالذكر أنّه ومع عدم تسجيل أي نشاط سياسي بارز من هؤلاء الزعماء الثلاثة -
فضلا عن التنظير السياسي، سوى الرسالة المنسوبة إلى المرتضى وهي:(مسألة
في العمل مع السلطان) - فقد كان والد المرتضى وهو الحسين الطاهر يملك
نفوذاً سياسياً كبيراً، وقد ظهر ذلك في قدرته على إخماد الفتنة التي حلت
ببعض المناطق المتمرّدة ضد السلطة البويهية عام(368ه - /979م)، والتي
تمكن من إخضاع أهلها بعد حرب شديدة.
بحث
القزويني أيضاً في هذه المرحلة أهمّ الإنتاجات العلمية لعلماء الشيعة، وقد
اعتبرها مرحلة التطور العلمي وليس مرحلة تأسيس العلوم خلافاً لاعتقادات
البعض. وما يختص بتراث المرحلة السابقة فقد اختفى ضمن فصول التاريخ
الإسلامي! أما أهم الإنتاجات العلمية لتلك المرحلة، فقد شملت العلوم
التالية: علم أصول الفقه - الفقه المقارن - علم الفقه - علم الحديث - علم
الرجال.
بقيت
تلك المرحلة مستمرة حتى سقوط البويهيين على أيدي السلاجقة، وقد تضعضع
الفكر الإسلامي في هذه المرحلة، خصوصاً المذهب الشيعي، حيث انتقل زعيم
الطائفة آنذاك الشيخ الطوسي من بغداد عاصمة العلم إلى النجف التي لم يكن
لها وجود يُذكر على خارطة الحياة العلمية والسياسية، فحاول أن يبني مدينة
علمية ثانية، لكنه وبالرغم من وجوده اثني عشرعاماً فيها، فإننا لم نعثر له
على أي مؤلَّف، يزيد عما ألّفه ببغداد، سوى بعض المحاضرات والكتابات
التجميعية.
وبالرغم
من أنّ الشيعة تعرّضوا لإرهاب السلاجقة ببغداد، حيث أحرقوا مكتباتهم
الشهيرة والثمينة، إلا أنهم لم يتعرّضوا للوجود الشيعي بالنجف رغم قرب
المسافة بينها وبين عاصمة الخلافة بغداد، ويرى القزويني أنّ السبب في ذلك
هو التحالف السياسي الذي كان قائماً بين السلاجقة والمزيديين (أمراء
الحلة الشيعة آنذاك). كذلك فإنّ الفقهاء الشيعة لم يكونوا ليشكّلوا خطراً
سياسياً حقيقياً للحكم السلجوقي الجديد.
وعلى
كلّ حال، فإنّ الفكر الشيعي، وبالأخص الفقه منه، لم يستطع أن تقوم له
منارة جديدة في ظلّ النظام السلجوقي، الذي دعم التيارات التقليدية، وبقي
جامداً لمدة تقارب المائة عام، أي حتى انتهاء حكم السلاجقة في المنطقة
العربية، وقد عُرِف الفقهاء الذين تلوا الشيخ الطوسي - اي فقهاء مرحلة
السلاجقة – بـ(الفقهاء المقلدة). فبقي الفكر الاجتهادي الشيعي راكداً حتى
زوال السلاجقة، وظهور الفقيه الشيعي ابن إدريس الحلي(598هـ - /1201م).
وقد
انتقد القزويني - تبعاً لأكثر من باحث - تضخيم علماء الحوزة العلمية
لشخصية الطوسي، الذي قيل عنه: إنّ السبب الرئيس في عدم تجرؤ العلماء
الذين تلوه على تجاوز أفكاره، هو مكانته العلمية الكبيرة، والمؤلفات
الضخمة التي أنتجها إبان حياته. فهو يرى أنه ومع علو مقام الطوسي العلمي
إلاّ أنّ السبب الرئيس كان سياسياً، وهو احتلال السلاجقة لبغداد، حيث قضوا
فيها على التيارات التنويرية المتمثلة بالشيعة والمعتزلة، وتبنّيهم عقائد
المذهب الأشعري.
إلاّ
أنّ سقوط دولة السلاجقة في المنطقة عام (557هـ - /1179م) بفعل تفككها
الداخلي، أتاح للفكر الإسلامي الشيعي النهوض من جديد، بيد أنّ هذه المرة
أضحت في مناطق مختلفة، وهي: طبرستان (مازندران حالياً) - حلب - الحلة.
مدرسة الحلة
بدأ
مركز الحلة بالظهور أواخر القرن الخامس الهجري(الحادي عشر الميلادي)،
إلاّ أنّ الشهرة العلمية سرعان ما تفجّرت بعد سنوات من نمو الدراسة في هذا
المركز العلمي الفتي الجديد، لتجعلها مدرسة من مدارس الفكر الشيعي
المتميزة التي تجاوزت شهرتها مركزيْ حلب وطبرستان، وقد بقيت الزعامتان
الدينية والسياسية للعالم الشيعي متصدّرتين فيه قرابة ثلاثة قرون
متوالية.
وقد
اقترن اسم الفقيه الشيخ فخر الدين محمد بن إدريس الحلي بالنهضة العقلية
التجديدية التي عبر عنها في كتابه الفقهي المعروف بـ(السرائر)، الذي أودع
فيه نظرياته الاجتهادية، وطُرق استنباطه الشرعي للأحكام، ومارس نقداً
لتيار(المقلدة) الذين جمدوا على تراث الشيخ الطوسي، ولم يستطيعوا الإفلات
منه، الأمر الذي أشاع بأنّ جهود ابن إدريس الاجتهادية أعادت فتح باب
الاجتهاد الذي أوشك أن يغلق بعد وفاة شيخ الطائفة الطوسي.
إنّ
الحركة التي خلّفها ابن إدريس في إثارة الجدل بين المتخصصين، ميّزت
مرحلته كمرحلة جديدة من مراحل الانتقال السريع، والتطوّر في المؤسسة
الفقهية التي نضج فيها الفقه بما فيه من مأثورات ومسائل، سواء أكانت
مجمعاً عليها أم لا.
ويمكن
أن تكون الانتقادات التي تلقاها من بعض معاصريه وغيرهم، تتشابه في بعض
وجوهها بما حصل من انتقاد حاد لسلفه المجتهد ابن الجنيد (أستاذ المفيد)،
الذي أوقعه اجتهاده في أسر رفض فقهاء عصره لبعض طرائقه المعتمدة في
استنباط الأحكام الشرعية.
كما
أنّ متطلبات الاجتهاد تعيد إلى الأذهان نهضة الاجتهاد التجديدية التي
ولّدها الشريف المرتضى قبله، وربما كان مبدأ (الرفض) في أدبياتهما هو
المبدأ الذي ميّز اجتهادهما من خلال المرحلتين الزمنيتين اللتين أفرزتا
هذا المبدأ الحاد في رفض الموروثات المسلمة.
وقد
تهيأ لهذا المنهج العقلي الاجتهادي من يخفف من حدّته غير المتعارفة،
فيمتصّ الشيخ الطوسي الصدمة التي ولدها المرتضى في منحى التفكير العقلي،
ويتصدى فقيه آخر هو نجم الدين جعفر بن الحسن الملقب بـ(المحقق الحلي) في
القرن السابع الهجري (الثالث عشرالميلادي)، للموازنة بين آراء ابن إدريس
النقدية من جهته، والدفاع عن شيخ الطائفة الطوسي.
فقد
بدأت مرحلة جديدة على يد هذا الفقيه، وسيطر على مقاليد الدراسة والتدريس
في مركز الحلة، وتخرج على يديه جيل من المجتهدين، وقد ساهم المحقق الحلي
في مجال تنقيح مناهج الفقه، وإعادة ترتيب أبوابه، وإعطاء مفهوم نظري جديد
للاستدلال الشرعي من خلال فهمه لكلمة(الاجتهاد)، حيث نقل مفهوم الاجتهاد
من اللفظة السائدة الدالة على(رأي) المجتهد إلى مصطلح متكامل يعتمد على
عملية استنباط الأحكام من مصادرها التفصيلية.
ويأتي
المؤرخ الدكتور جودت القزويني في هذه المرحلة على ذكر إحدى أهم شخصيات
القرن السابع والثامن الهجريين، وهو الفيلسوف نصير الدين الطوسي(672ه - /
1274م)، الذي لعب دوراً علمياً وسياسياً مهماًَ، خصوصاً فيما يتعلق بدوره
غير المباشر في التأثير على (المؤسسة الدينية الشيعية) بجرّها للميدان
السياسي من خلاله، ومن خلال تلميذه العلامة الحلي، بالإضافة إلى بناء
مناهجها الفكرية على أسس جديدة من خلال مزج العقائد الكلامية بالفكر
الفلسفي.
ونصير الدين الطوسي هو أحد الشخصيات الملتبسة في التاريخ الشيعي من ناحية نشاطه الفكري والسياسي.
فمن
الناحية الفكرية، فإنّ نصير الدين الطوسي قد قضى أكثر من ربع قرن في
أحضان الإسماعيلية، وألّف عدة كتب تدل بوضوح على انتمائه لهذا المذهب.
أما
من الناحية السياسية، فقد ارتبط اسم الطوسي بأمرين ملتبسين، هما: علاقته
بالمغول لإسقاط الدول النزارية الإسماعيلية عندما كان الجيش المغولي
متطلعاً إلى الزحف على مدينة بغداد، وكان عليهم إسقاط قلاع الإسماعيلية .
والثاني:
دخوله في عالم السياسة وصيرورته شريكاً أساسياً في سلطة هولاكو
المغولية، التي يعتبرها المسلمون السلطة التي قضت على الكيان الإسلامي،
وفتّت معالم الدين فيه.
إلا
أنّ المصادر الإسماعيلية التي تجيرالطوسي لصالحها، تبرؤه من تهمة التعامل
مع المغول في سبيل القضاء على الدولة العباسية، وتتهم هذه الدولة
باستدعاء المغول للقضاء على الإسماعيلية العدو اللدود لها.
اما
المصادر الشيعية، فتعتبر أن نصير الدين الطوسي هو شيعي منذ النشاة، وقد
تتلمذ على يد العلماء الشيعة، وحاولت هذه المصادر أن تسلخ نصير الدين عن
كل ما يمت نسبته إلى الإسماعيلية، ففسرت دعوة حاكم قوهستان ناصر الدين
محتشم الإسماعيلي له أنها فرصة لاغتنام هذا الحاكم صحبة الطوسي والاستفادة
منه فقط. حتى أن بعض المؤرخين الشيعة يعتبر أنّ نصير الدين قد حُكِم عليه
بالسجن في قلاع الإسماعيلية، وذلك إثر اتهامه بالتقرب من الخليفة
العباسي، وبقي هناك مدة ثمان وعشرين عاماً.
مهما
يكون فإنّ عصر نصير الدين الطوسي قد شهد سقوط دولتين كبيرتين،
هما:الإسماعيلية، والعباسية. ففي الأولى كان فيها متنفذاً كبيراً، وفي
الثانية وزيراً لعب دوراً فاعلاً على أنقاض الدولة العباسية في ظلّ الحكم
المغولي الجديد.
بدأ
نصير الدين الطوسي مرحلة جديدة من مراحل نضوجه العقلي، وأخذ يمارس دوراً
علمياً وإدارياً بارزاً في الدولة المغولية. فقد شرع هولاكو في الاستفادة
من العقول المتخصصة في التخطيط لمستقبل هذه الدولة، وكان الفيلسوف الطوسي
على رأس هؤلاء، فقد تمكن من تطوير الثقافة المغولية وتحويل الغزو
المغولي إلى غزو ثقافي، حينما نقل الغازين الجدد لمرحلة متقدمة من
المشاريع العلمية التي لم تألفها تلك الحاضرة بالشكل الذي كانت عليها في
تلك المرحلة، ومن أهم أعماله:
-الإشراف على الأوقاف الإسلامية
- تأسيس أكاديمية علمية وأنشأ جامعة شاملة متخصصة
- إقامة أعظم مرصد عرف في الشرق بمدينة مراغة، وتشييده مكتبة حفلت بالكتب الثمينة
- إرجاع العقول التي هاجرت بعد الغزو المغولي والاستفادة منها في تشكيل لجان عليا تشرف على ثقافة البلاد.
ونصير
الدين الطوسي وإن لم يشتهر فقيهاً أو زعيماً للطائفة الشيعية، إلاّ أنّ
شخصيته الفلسفية العلمية، ووجوده في قلب السلطة المغولية جعلتا منه
مَعْلَماً بارزاً من معالم تحوّل مؤسسة الفقهاء ذات المباني العلمية إلى
مؤسسة تركزت في قلب السياسة والأحداث.
وبعد
وفاة الطوسي انتقلت الزعامة الشيعية إلى تلميذه الحسن بن يوسف بن
المطهرالملقب بـ(العلامة الحلي)، وقد أصبحت الدولة المغولية في ذلك الوقت
مجزأة إلى ولايات، فسميت بـ(الدولة الاليخانية)، وقد اعتبر الدكتور
القزويني أنّ العلامة الحلي كان مرشداً للدولة الاليخانية هذه.
ويرى
القزويني أنّ المصادر الشيعية تحاول تنزيه العلامة الحلي عن الدخول في
حقول السياسة ، إلاّ أنّ الأحداث التاريخية والمؤشرات تؤكدان على تأثير
العلامة المباشر على سير المجريات الثقافية فيما بعد في عهديْ السلطانيْن
محمود غازان واوليجايتو خان المعروف باسم خدابنده.
فبعد
تسلّم هذا الأخير الحكم تمّ إعلان المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة
المغولية. كان المخطِّط لهذا الإعلان هو العلامة الحلّي، والمنفِّذ له هو
السلطان نفسه. وقد تفاوتت الأقوال في سبب تبنّي اوليجايتو المذهب الشيعي،
بعدما كان أخوه غازان أيضاً قد غازل علماء الشيعة من قبل عبر زيارته
لمراقد الأئمة الشيعة في العراق.
فمن
هذه الأقوال ان خدابنده قد أعلن تشيعه بسبب ردة فعل جراء خلاف مذهبي وقع
بين الحنفية والشافعية، فأراد السلطان أن يحسم النزاع بين المذهبين
بالدعوة للمناظرة في بلاطه، وقد استطاع أحد الشيعة الحاضرين أن يبيّن صحة
المذهب الشيعي وبطلان المذاهب الاخرى.
ومنها،
القصة الشهيرة التي تقول بأن السلطان اوليجايتو قد طلّق زوجته ثلاثاً في
مجلس واحد، وهو ما يستدعي زواجها من شخص آخر حتى يستطيع إرجاعها إلى ذمته،
وهذا الحكم على المذاهب السنية كافة، سوى المذهب الشيعي الذي يعتبر هذا
الطلاق طلاقاً واحداً فقط، فأراد السلطان أن يعرف صحّة الأقوال، فجمع
العلماء من جميع المذاهب، فتغلب العالم الشيعي الحلي على علماء المذاهب
الأخرى، مما جعل السلطان يتبنى المذهب الشيعي ويعلنه مذهباً رسمياً في
الدولة المغولية.
هذه
الحكاية الشهيرة في الأوساط الشيعية والتي لم يتحدد مصدرها التاريخي
بشكل دقيق، قد اعتمد عليها القزويني وجعلها من الأقوال الأقرب صحة لتحول
السلطان المذهبي! وقد قام العلامة الحلي وقتئذ بكتابة مؤلفات عديدة
نزولاً عند رغبة اوليجايتو، وأغلبها مؤلفات مذهبية بنيت لإثبات صحة المذهب
الشيعي في قبال المذاهب الأخرى.
ولكن
بعد وفاة السلطان خدابنده لم ترد أيّة إشارة عن صلة العلامة الحلي بولده
أبي سعيد بهادر خان، الذي تولى منصب الخلافة وهو ابن الثانية عشرة من
العمر، وذلك بسبب انتقال النفوذ الحقيقي للسلطة للأمير جوبان ابن الملك
تناون واولاده الذين استولوا على إدارة الحكم بشكل فعلي.
وبعد
وفاة العلامة الحلي انتقلت الزعامة الشيعية إلى ولده محمد بن الحسن
الملقب بـ(فخر المحققين)، إلا أنّه لم تظهر لفخر المحققين صلة
بالأيليخانيين مثل والده، بسبب عدم استقرار الوضع السياسي، ولتشتت مراكز
القوى الحاكمة في البلاد.
وكل
ما عرف عن نشاطه السياسي منذ بداية حياته، هو أنه كان شريك والده في
رحلاته، كما كان أحد الأطراف المشتركة في المناقشات الجدلية التي كانت
تدور في بلاط السلطان خدابنده مع علماء المذاهب الإسلامية في بعض
الأوقات.
ولعل
أهم ما يُذكر في هذا الصعيد في حياة فخر المحققين، هو تتلمذ أحد أهمِّ
الفقهاء الشيعة على يديه، وهو الشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي
المعروف بالشهيد الأول.
مدرسة جبل عامل
تُعتبر
مدرسة جبل عامل العلمية المدرسة الأبرز بدءً من القرن الثامن الهجري
(الرابع عشر الميلادي)، وقد تجلّت أهميتها مع بروز رائدها الأول الشهيد
الأول(786هـ - /1384م) .
بقيت
الصلة بين أبناء جبل عامل وفقهاءئها وفقهاء مدرسة بغداد قائمة عبر العصور،
وقد شهدت مدينة الحلة نشاطاً مميزاً للجيل العاملي، تجلّى بتلمذة الشهيد
الأول على يد فخر المحققين.
وقد
شهدت مرحلة ازدهار المدرسة العاملية أزمة بين الشيعة ودولة المماليك، فقد
امتازت هذه الدولة بالعنف، واعتماد الوسائل المختلفة في قمع الخصوم. وقد
مرَّ الشيعة في ذلك الوقت بمأزقين كبيرين تمثّلا أولاً: بمذابح كسروان
التي وقعت تحت حكم المماليك البحرية عام(705هـ - /1306م)، والتي غيّرت في
تركيبتهم الاجتماعية.
وثانياً: بمقتل زعيمهم الشهيد الأول على يد المماليك البرجية (الشراكسة).
وكانت
بين هاتين المرحلتين فترات اتصال وتفاهم بين الشيعة والمماليك الأتراك
وفّرت أجواء من الحرية الدينية لنموّ التشيع في تلك الحقبة.
ويرى
القزويني أنّ تاريخ الاضطهاد الطائفي ضد الشيعة بدأ في مصر وبلاد الشام
عند سقوط الامبراطوريات الشيعية، وهي الدولة الفاطمية في مصر على يد صلاح
الدين الأيوبي (567هـ - /1171م) ، والدولة الأتابكية البورية على يد نور
الدين زنكي عام (549هـ - /1154م) .
وبعد
تفكّك الدولة الأيوبية، نهض المماليك الأتراك للسيطرة على زمام الحكم في
مصر، وكانت سياستهم مشابهة - بحسب النصوص - لسياسة أسلافهم في محاربتهم
للتشيع في مصر وبلاد الشام.
وقد
أفرد القزويني عنواناً خاصاً لمذابح كسروان، وشكك في كونها مذابح استندت
للصراعات المذهبية بين السنة والشيعة، فبعد أن يستعرض تفاصيل الحادثة
التي وقعت عام(705هـ - /1305م)، يظهر بطلان ما يذهب إليه أكثر المؤرخين
من أنّ الانتقام المملوكي كان بفعل فتاوى صدرت من علماء السنة وعلى رأسهم
الإمام ابن تيمية، والذي شكك أيضاً في نسبة نص الرسالة المنسوبة إليه في
وجوب قتال الشيعة وتصفيتهم.
وضع القزويني ملاحظاته على الحادثة على الشكل التالي:
- الاضطراب في سنة وقوعها.
- الاضطراب في تحديد الهوية المذهبية لسكان كسروان، هل أنّهم دروز أو موارنة أو من النصيرية أو من الشيعة.
- الاضطراب في سير المعركة وغموض تفاصيلها.
- تضخيم دور ابن تيمية في هذه الحادثة.
فكلّ ذلك يصبّ، بنظره، ضمن تيار التاريخ المعلب أو المنظومة الوهمية للتاريخ.
وفي
سياق الأحداث ذاتها يؤكد القزويني أنّ مقتل الشهيد الأول لم يكن بفعل
مؤامرة مذهبية نسجها علماء السنة، وإنما كان ذلك بفعل الصراع السياسي
الذي قام بين المماليك البحرية (الأتراك) والمماليك البرجية (الشراكسة)
الذين قاموا بالاستيلاء على الحكم في بلاد الشام، والذي راح ضحيته الشهيد
الأول، لكونه يُعتبر من الرموز السياسية للسلطة السابقة.
وفي
الوقت عينه يؤكّد القزويني أنّ الشهيد الأول لم يُقتل بالطريقة التي
تناقلتها روايات المؤرخين، وهي إعدامه والتمثيل بجثته. بل، كان ضمن معركة
شرسة قامت في جزين بين سلطة المماليك البحرية والبرجية، وهي المعركة
المسماة بـ(معركة الشُّهداء).
ومهما
يكن فإنّ الشهيد الأول كان أحد المجدّدين الأفذاذ في مسيرة
المرجعية الشيعية، فقد نقل عن الشيخ جعفر كاشف الغطاء (1228هـ - /1813م)
قوله: "بقي الفقه على بكارته لم يمسّه أحد إلاّ أنا والشهيد الأول ، وولدي
موسى".
وبالانتقال
إلى المرحلة التي تلتها، فإنّ أية نهضة علمية لم تحدث في بلاد الشام،
وبقي ثقل المؤسسة الدينية الشيعية في مركزها الأول مدينة الحلة، وقد مرّت
مدرسة الحلة بثلاث مراحل سياسية، وهي:
- الحكم الجلايري (814هـ - /1411م) - الدولة البارانية (814هـ - /1411م) - دولة المشعشعين (857هـ /1453م).
وفي
المرحلة الثانية برز الفقيه ابن فهد الحلّي، وقد تميز هذا الفقيه بقدرته
على تحويل الدولة البارانية إلى مذهب التشيع إثر مناظرته لعلماء السنة
في مؤتمر بغداد الشهير، مقتفياً أثر العلامة الحلي من قبل في تشييعه
للدولة الأليخانية. إلا أنّ التشيّع هذه المرة اكتسب طابعاً سياسياً أكثر
منه طابعاً فكرياًَ وثقافياً.
وكما
كان لمدينة الحلة امتدادها نحو جبل عامل، كان لها امتداد نحو البحرين،
حيث تتلمذ عدد كبير من فقهاء البحرين في هذه المدرسة، وقد ازدهرت مدرسة
البحرين ازدهاراً كبيراً بعد ظهور الدولة الصفوية في إيران، وساهم بعض
فقهاءئها بتولي منصب القضاء في إيران الصفوية أو في البحرين.
قيام الدولة الصفوية
يُعتبر
قيام الدولة الصفوية أوائل القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)
أكبر حدث في تاريخ التشيّع الاثني عشري، بعد تلك التجربة الفريدة التي
خاضها السلطان الجايتوخان المغولي بعد إعلانه التشيّع رسمياً في أطراف
إمبراطوريته العظمى.
تنطلق
هذه الدولة وتنطلق معها جملة من الجدالات حول علاقة الدين بالسياسة، فقد
كان لعلماء الدين الشيعة دورهم البارز في السلطة السياسية لهذه الدولة
العظمى، حيث يبرز الفقيه الأكبر في العهد الأول منها الشيخ علي بن الحسين
بن عبد العالي الكركي المشهور بالمحقق الكركي، وقد برزت ملامح هذا الفقيه
عند مجيئه إلى مدينة هراة وإقامته في خراسان، حيث سعى لمساندة تيار
الثورة الصفوية وفي محاولة لفرض سلطته الدينية. وينقد القزويني الكتّاب
المعاصرين في مقولتهم حول اعتماد الدولة الصفوية في بداية نشأتها على
استقطاب العلماء الشيعة العرب، فهو يرى على خلافهم بأن الصفويين قد أنشدوا
إلى توحيد البلاد الفارسية تحت سلطتهم قبل مجيء فقهاء الإمامية العرب إلى
بلادهم، وخصوصاً الفقهاء العامليين، حيث بدأوا بالظهور في الدولة الصفوية
ابتداءً من حكم الشاه عباس الكبير.
وقد
شكك القزويني - كعادته - بالرسالة المنسوبة إلى الكركي وهي (نفحات
اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت)، حيث تناول فيها الكركي موضوع الخلافة،
وحمل فيها على الخلفاء الراشدين.
شهدت تلك المرحلة أيضاً صراعاً
شيعياً - شيعياً، برز فيه الشيخ ابراهيم القطيفي كمعارض للدولة الصفوية،
وناقداً الشيخ الكركي دخوله في نطاق الجهاز الحاكم الإيراني، حيث ظهر
بوضوح الخلاف الشيعي الداخلي حول موضوع السلطة مجدداً، وهو ما ينبئ على
عدم وجود مؤسسة دينية متكاملة لتاريخ علماء الشيعة، وإنّ إطلاق المؤسسة على
حركة علماء الشيعة لم يكن في محلّه كما أسلفنا.
ولم
تكن الدولة الصفوية في تلك الفترة في أحسن حالاتها مع جيرانها، حيث
التهديد العثماني المستمر. فقد اتجه السلطان سليم إلى إيران وسحق الصفويين
في معركة (جالديران) فاحتل تبريز، وكسر هيبة هذه الدولة. وقد تجلى في تلك
الحقبة الصراع الطائفي على أشدّه، حيث لم يكن من قبل.
فقد
كانت الأفعال الصفوية المذهبية تقابلها أفعال عثمانية مذهبية أيضاً، مما
حدا بأغلب الكتّاب على الاعتقاد بانّ الصراع العثماني الصفوي هو صراع
طائفي بالدرجة الأولى.
وبالانتقال
إلى الدولة العثمانية الموازية للدولة الصفوية، فقد برز فيها فقيه آخر هو
زين الدين الجبعي العاملي الملقّب فيما بعد بالشهيد الثاني، فعمل على أن
ينأى عن الصراع العثماني الصفوي، ويدخل نفسه في نسيج المجتمع العثماني
السنّي، فاستطاع أن يجعل لنفسه كياناً في هذا الموطن المعارض لمذهبه، حيث
قام برحلة إلى العاصمة العثمانية القسطنطينية برفقة الشيخ حسين بن عبد
الصمد الحارثي الذي سينتقل إلى الدولة الصفوية فيما بعد.
استطاع
الشهيد الثاني في رحلته هذه أن يقنع السلطة العثمانية بعدم وجود ارتباط
بين شيعة بلاد الشام وشيعة الدولة الصفوية، وأن يحفظ الكيان الشيعي فيها
من الاضطهاد ، ومن ثمّ عمل على إقامة الروابط السليمة مع فقهاء البلاط
العثماني، وقام بتحسين صورة الشيعة العرب. وبعد عودته من الرحلة تلك أقام
في بعلبك، حيث اصبح معلّماً في المدرسة النورية، ودرّس فيها مختلف المذاهب
الإسلامية واعتبر أيام تلك الفترة من أفضل ايام حياته، حيث كانت العلاقة
ضمن المجتمع السني على أفضل ما يرام.
أما
قصة مقتله، فمع اكتنافها الغموض كبقية قصص مقتل العلماء الشيعة،
والتاريخ الشيعي عموماً، فإنّ سرّ مقتله يعتبر من الامور الغامضة، وهذا
خلاف ما يذهب إليه معظم المؤرخين الشيعة، فيرون أنّ السبب المذهبي هو
أساس هذا الحدث.
ومن
الجدير ذكره أنّ القزويني حاول أن يبدّد التفسيرات المذهبية الحادة
للصراع الناشئ بين الكيانات الشيعية والدول السنية المتعاقبة، بيد أنّه
اعتبر أنّ العهدين الصفوي والعثماني هما العهدان اللذان نشأ فيهما الشحن
الطائفي على أشدّه، وكل المحاولات التفسيرية للحوادث التاريخية السابقة
مرتكزة لدى المؤرخين على إنتاجات هاتين المرحلتين. فقد شكك في وجود مصطلح
(الرافضة) قبل هذين العهدين، وشكّك في أكثر من كتاب ورسالة لعلماء
الإسلام المتضمنة بعداً مذهبياً قبل هذه الأزمنة. فيرى القزويني أنّه ومع
تزامن الدولتين الأليخانية الشيعية والمملوكية السنية، فإنّ التسامح
الديني كان قد شكّل ظاهرة قوية آنذاك، وما حصل من مناوشات عقائدية حينها
لم يتعدّ النزر اليسير، خصوصاً ما حصل بين ابن تيمية والعلاّمة الحلي، حيث
لم يكن هذا الأخير يجيب على اتهامات الأول، ليؤكد القزويني مجدداً أنّ
التاريخ لا يزال يقرأ بلغة الحاضر المتحيّز، وليس من خلال واقع الماضي
المتجرّد.
بودي ان ترسلو لي الكتاب بصيغته الاليكترونية
ردحذف