الخميس، 17 أبريل 2014


حديث الطريقة - تأليف: رينيه ديكارت
إن الذين لا يعلمون شيئاً عن ديكارت يعلمون أنه فيلسوف قال: "أنا أشك إذاً فأنا موجود"، ويعني ذلك أنهم يعرّفونه بواضع "الكوجيتو". أما الذين يعرفون عنه أكثر من ذلك قليلاً، فهم يردّدون أنه وضع طريقة أو منهجاً بقي العقل من الخطأ، مثلما نقول إن ذاك الدّواء يقي الجسم من الحمى أو الأمعاء من التعفّن؛ وإذا كانت هذه المعرفة لا تخلو من سطحية، فهي كذلك لا تخلو من صحة او إصابة، حيث يمكن القول إن التجديد الديكارتي يتمحور في مظهره العام والمعروف لدى العموم على أقل تقدير، حول هاتين النقطتين، بإعتبار أن الأولى تمكّن من المعرفة، والثانية تؤسسها.


ويعني ذلك أن الفلسفة الديكارتية ترتكز في أساسها على إهتمامين متباينين، لكنهما متشابكان متلاحمان: الأول وهو نظري، يعتني بماهية الحقيقة أو الحقائق التي يمكن للإنسان إدراكها ومعرفتها؛ أما الثاني، فهو عملي وينطلق من واقع الناس اليومي، ويعتني بكيفية الوصول إلى هذه الحقائق، مع تأكيد الطابع الشامل أو البشري لهذه الكيفية، أي مع تأكيد عدم إنصافها بصفات خاصة "تفوق البشر"، وتنتسب إلى معطيات باطنية أو فوق إنسانية.
إن الفلسفة الديكارتية فلسفة فريدة، لا يهمنا منها ما أخذته أو لم تأخذه عن السلف، بقدر ما يهمنا منها ما فعلت به، وما أنجزته منه، أعني صرحاً فكرياً، قائماً بذاته، مستقلاً إستقلالاً تاماً عما سبقه، وحتى عما لحقه، فالمهم في رأيي، لدى أي مفكر، ليس ما يرتبط منه بما قبله، لأنه كما كان يقول بعض أدباء القرن السابع عشر في فرنسا: "كل شيء قيل ونحن جئنا متأخرين..."، بل المهم في كل تفكير هو طرافته، وطموحه، ووجه المتميز، المناضل إن صح التعبير، من أجل حقيقة جديدة، وتصورات جديدة...
وهذا العمل الذي قدمه المؤلف للقارئ العربي، قد امتد على سنوات طويلة، ويعتبر "حديث الطريقة" من النصوص المؤسِّسة، في تاريخ الفكر البشري، إذا بدا هذا الحديث أطول من أن يقرأ بتمامه دفعة واحدة، فيمكن تجزئته إلى ستة أجزاء، يجد "القارئ" في الأول إعتبارات عديدة تتعلق بالعلوم، وفي الثاني أهم قواعد الطريقة التي بحث عنها المؤلف، وفي الثالث بعض قواعد الأخلاق التي استمدها من هذه الطريقة، وفي الرابع الأدلة التي بها يثبت وجود الإله والنفس البشرية، وهما أساس الميتافيزيقيا، وفي الخامس نظام المسائل الفيزيائية التي بحث فيها "المؤلف"، وخاصةً شرح حركة القلب وبعض الصعوبات الأخرى في "ميدان" الطب، ثم الفارق الموجود بين نفسنا ونفس الحيوانات، وفي الأخير، الأشياء التي يعتبرها "المؤلف" ضرورية للتقدم أكثر مما حصل "على طريق" البحث في الطبيعة، والدواعي التي دفعته إلى الكتابة.

يظهر الرابط بعد كتابة مشاركة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق