السبت، 2 نوفمبر 2013


العلم والدين فى الفلسفة المعاصرة - إميل بوترو


حول الكتاب

يرى الدكتور أحمد الأهواني في مقدمة ترجمته لكتاب بوترو: "العلم والدين في الفلسفة المعاصرة" أن موجة من التدين تجتاح العالم باسم العلم ذاته. وكتاب بوترو يعالج موضع الدين والعلم في الفكر المعاصر، والذي يعالج هذا الموضوع هو فيلسوف فرنسي عاش معظم حياته في أواخر القرن التاسع عشر، وتوفي بعد الحرب العالمية الأولى. وهو يرد الدين إلى عناصره، كما يحلل العلم ويبين أصوله، ويحاول أن يبين الصلة بين دائرة العلم ودائرة الدين. وبالرغم من أن الاستاذ بوترو، يضيف د. الأهواني، كان معاصراً لموجة الإلحاد التي اجتاحت العالم إلا إنه يدافع عن الدين، وكأنه كان يبشر بما انتهى إليه العلم من تقارب شديد مع الدين في الوقت الحاضر ( مقدمة د. الأهواني لكتاب بوترو: "العلم والدين في الفلسفة المعاصرة"، ص 5).

      يناقش بوترو في كتابه قضايا كثيرة، مثل: النزعة الطبيعية، ويعالج هذه النزعة عند أوجست كومت، كما يدرس هربرت سبنسر، وهيجل والواحدية، والمذهب النفساني والمذهب الاجتماعي، والنزعة الروحية عند ريتشل. كما يدرس الدين وحدود العلم، ويطرح موضوع الدفاع عن الدين، ويناقش قضية اتجاه العلم نحو الدين، كما يدرس فلسفة العقل، وفلسفة وليم جيمس (ينظر فهرس الكتاب: ص 311 – 312).

      ولعل خلاصة النظرية التي يطرحها إميل بوترو تكمن في الباب الثاني الموسوم: "الدين وحدود العلم: التصور الدوجماطيقي للعلم والتصور النقدي". تضمن هذا الفصل أربعة فصول اشتملت على قضايا مختلفة تدور حول العلاقة بين الدين والعلم.

       فقد ناقش في الفصل الأول قضايا، مثل: الدفاع عن الدين قائم على وضع حدود للعلم، والتجربة كمبدأ وحيد للمعرفة العلمية، والقوانين العلمية، ومناهج بسيطة للبحث، وحدود ودلالة التناظر بين المعارف العلمية والوقائع – المجال الذي يتركه العلم بهذا المعنى للدين كي ينمو – المعنى واللفظ: الصفة الممكنة والنسبية للصيغ الدينية.

      انتهى العلم، يشير بوترو، بعد محاولات طويلة إلى تحديد منهجه بنوع من الانتخاب الطبيعي، فقد أقام نفسه على أساس التجربة وحدها. ومع ذلك فلا بد من تحديد المديات والقيم الفلسفية للعلم. ويعود إلى مقالة ديبوا ريموند والتي اختتمها بقول: "لا أعلم". والتي لم تزل منذ سنة 1880 م تتعب عقول المفكرين. فقد نص على ألغاز سبعة أربعة منها على الأقل لا تقبل الحل أبداً، وهي: ماهية المادة والقوة، أصل الحركة، أصل الاحساس البسيط، وحرية الإرادة. وذلك بسبب أن هذه المشكلات الأربعة تخرج عن نطاق التجربة. ولذلك إذا كان العلم محدوداً من جهة امتداده فهو محدود من جهة عمقه، فالظاهرة لا يمكن أن تتطابق مع الموجود الذي لا يجرده العلم من عناصر الذاتية والفردية إلا حين يحيله إلى علاقات وقياسات وقوانين. وإذا كانت حدود العلم جلياً نظرياً فهي من الناحية العملية أكثر وضوحاً. فحياة الانسان العملية، وهو الحيوان العاقل، من شروطها غايات يستهدفها الانسان لأنه يقدر أنها مرغوبة أو حسنة أو واجبة. ومن المتعذر على العلم أن يقدم للإنسان فيما يختص بأي غاية مهما تكن من الأسباب الكافية ما يجعله يطلب بحثها لأن العلم يعلمنا أن هذه الوسيلة تفضي إلى تلك النتيجة، وهذا الأمر لا يهمني إلا إذا قررت طلب تلك النتيجة. العلم يقرر وقائع، ويقدم كل ما يعلمنا إياه كواقع. فيجب أن أتمثل الشيء لا كواقع بل كغاية، أي كشيء يمكن ألا يكون موجوداً، بل كشيء يستحق أن يكون موجوداً. والحياة الاجتماعية لا يمكن أن تقنع بمعطيات العلم، لأنها في حاجة لأن تكون عالية خصبة إلى اخلاص الفرد، وإيمانه بالقوانين الانسانية، وحماسته لخير الأجيال القادمة. ولكن العلم لن يقدم للفرد أبداً أسباباً مقبولة لخضوعه وتضحيته (إميل بوترو: العلم والدين في الفلسفة المعاصرة، ص 189 – 191).

      الحق أن ما طلبه العلم ووجده هو تعريفات فرضية تسمح له بسؤال الطبيعة. فخاصية ذوبان الفسفور في درجة 44 هي جزء من تعريفه، والمبدأ المزعوم بمساواة الفعل لرد الفعل هو جزء من تعريف القوة، ولا شيء من هذه العناصر معطى حقاً، وليس اجتماعها معطى كذلك. ومن كل هذه الاستدلالات يقرر بوترو أنه بموجب هذا المذهب لا يختلف أساساً مجموع المعارف الفعلية الرمزية بواسطة جنس الاعتقادات التي تقوم عليها حياتنا العملية. والعلم لا يمكنه أن يكون أولياً أن يحكم بوجوب استبعاد الاعتقاد البسيط من العقل البشري، ما دام هو نفسه يفترض ذلك الاعتقاد ويستبقيه في جملة المفاهيم الأساسية. فالاعتقاد الديني والايمان، تبعاً لذلك، لا يمكن استبعاده لهذا السبب الوحيد وهو أنه اعتقاد. ولكن العلم يسمح في هذا الصدد للدين يمجال عظيم، لأنه لا يزعم أن له حقاً على جميع صور الموجود، بل يبحث في جوانب الموجود التي لا يمكن أن تنطبق عليها المقولات العلمية دون أن يفكر في انكار أن مقولات أخرى مختلفة قد تلتقي مع الواقع أو في الممكن بمادة تناظرها. ويقرر بوترو بصراحة ووضوح شديدين أن: "وجود الدين ونموه لا يضايقه العلم الحديث بأي حال في نظر المدرسة التي يمكن تسميتها بالتقدمية" (إميل بوترو: نفسه، ص 191- 199). 

      أما المنظومة التي تشكل حجر الزاوية التي ينطلق منها بوترو في تحليل طبيعة العلاقة بين الدين والعلم فهي منظومة (اللاهوت المسيحي) إذ نجد تحليل هذه العلاقة مكشوفاً بالإشارة إلى أن العقائد والشعائر الروحية بشكل ما التي تعيش في التجربة أكثر مما تعيش في النصوص، فإما أن يحتفظ الدين بصيغته التي هي بقية علم وحضارة سابقين مع استخلاص المعنى الروحي من المعنى الحرفي والمادي، أو أن يتأثر خطى أمثال القديسين بولس وأثناسيوس وأوغسطين الأكويني فلا يخشى التلائم مع أفكار العصر الحاضر العلمية والفلسفية ليجعل منها الرمز الممكن الدائم بلا شك ولكنه مفهوم مباشرة عند الأجيال المعاصرة للحياة الدينية والأبدية والتي لا يمكن التعبير عنها (بوترو: نفسه، ص 200).  

      أخيراً، يقرر بوترو أن العلم يتجه إلى الدين، وهذا ما يؤكده كثير من الفلاسفة والعلماء المختصين، إذ يؤكدون أن مناهج العلم ومضامينه لا تتعارض مع الدين. وإننا اليوم نبحث في العلم لننفذ منه إلى الدين (بوترو: نفسه، ص 205).

رابط التحميل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق