الجمعة، 14 سبتمبر 2012

نظراً لتخصصه الاقتصادي في دراساته الأكاديمية فقد اتخذ سمير أمين من الاقتصاد مدخلاً لقراءة متغيرات الحالة الاجتماعية في المجتمع المصري. اعتنق الفكر الماركسي، وأنا هنا أعني كلمة اعتنق بمعناها الدلالي المؤدي إلى مستوى الاعتقاد، فسمير أمين يتخذ من الماركسية، الماركسية بمعناها الأيدلوجي الكامل، أرضية يقف عليها في الرؤية والتحليل، وهذا لا يقلل من شأن كتاباته ودراساته بل قد يلفت إلى أهميتها. حيث تستطيع أن تقرأ عن قضية اجتماعية الكثير من الدراسات والكتابات التي تتحدث عنها، لكنك عندما تقرأ لسمير أمين فمن المؤكد أنك ستجد تركيزاً واهتماماً واضحاً بالجانب الاقتصادي وصراع الطبقات ما يجعل لرؤيته إضافة نوعية في مجال دراسة الظاهرة المعنية.
أسهمت طبيعة تكوينه الطبيعي الذي يميل إلى الطبقات الفقيرة والمطحونة في المجتمع إلى الانضمام للحركة الطلابية المصرية منذ الأربعينات من القرن الماضي، رغم أنه ولد لأسرة متوسطة الحال من الناحية الاقتصادية، ومستنيرة ثقافياً، فاستطاع أن يتجاوز وضعه الطبقي للتعاطف مع أقل الطبقات في المجتمع من خلال ثقافته التي توفر عليها باجتهاده الشخصي من ناحية، وبما وفرته له أسرته من مستوى ثقافي وتعليمي راق.
يتعامل سمير أمين مع النظرية الماركسية، ورغم اعتناقه لها بشكل أيدلوجي قد يكون أقرب للاعتقاد، بمرونة نسبية في رؤية البناء التفصيلي للنظرية، فهو يضيف إليها الكثير من التفاصل أثناء التطبيق على الظواهر الاجتماعية بما يجعله صاحب تنظير مستقل، ورؤية معمقة في المواءمة بين التنظير والتطبيق، ومنها مثلاً أنه لم يكن يرى أن "ثورة يوليو" 1952م لم تكن ثورة، بل كانت ثورة مضادة لثورة حقيقية كانت تتخلق في المجتمع المصري في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات.
في ظل ما سبق يتأكد لنا أن ما يقوله سمير أمين عن الثورة المصرية الحالية في غاية الأهمية، ويضيف لرؤية وتحليل تفاعلات الثورة المصرية مع واقعها المحلي وظروفها الدولية بما يجعل القارئ في أمس الحاجة إلى قراءة وجهة نظره التي قد يختلف معها، لكنه لا يمكن أن يقلل من شأنها أو يهِّـــون من قوتها في إضاءة دور العامل الاقتصادي في تحريك أحداث المجتمع.
يشير العنوان الكامل للكتاب بدقة إلى اهتمامات الكاتب وطريقته في عرض الظاهرة الاجتماعية (ثورة مصر وعلاقتها بالأزمة العالمية)، حيث يتبين البُعد الاقتصادي في التحرك والتغير الاجتماعي، وينتقل الكاتب من واقع المتغير الخارجي إلى تأثيراته في الداخل، كما يتنقل من المؤثرات التاريخية إلى انعكاساتها الحاضرة، مستشرفاً آفاق المستقبل، وهو في كل ذلك يسيطر على موضوعه ويعرضه بطريقته الخاصة التي تتميز بالوثوقية الواضحة والقدرة على كشف "تلاعبات" البُعد الاقتصادي في الهيمنة الرأسمالية (التي تصل في نظر الكاتب إلى مستوى الاحتلال المباشر) وتحالفها مع الرجعية الدينية والفكرية، كما يقارن الكاتب بين مختلف الثورات التي قامت في الفترة الزمنية الأخيرة في أميركا اللاتينية ومجموعة الدول الاشتراكية بنظيرتها المصرية بشكل يستحق القراءة والتأمل في فهم مسارات التاريخ للتوصل إلى رؤية أعمق.


شكراً جزيلاً لصديقنا ابن خلدون الذي لا يتأخر عن تقديم كل ما هو مميز في عالم الفكر..
وشكراً لصديقنا علي مولا على دعمه الدائم لمشروع ثقافي أصبح متألقاً ويمثل ظاهرة متميزة في العطاء..
أتمنى لكم قراءة طيبة ومفيدة...



4shared.com /office/ouVKpGbU/__-__.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق