و يلحق
بهذه المقالات الفاسدة و المذاهب الفائلة ما يتناوله ضعفة الرأي من فقهاء
المغرب من القدح في الإمام المهدي صاحب دولة الموحدين و
نسبته إلى الشعوذة و التلبيس فيما أتاه من القيام بالتوحيد الحق و
النعي على أهل البغي قبله و تكذيبهم لجميع مدعياته في ذلك حتى فيما يزعم
الموحدون أتباعه من انتسابه في أهل البيت و إنما حمل الفقهاء
على تكذيبه ما كمن في نفوسهم من حسده على شأنه فإنهم لما رأوا من
أنفسهم مناهضته في العلم و الفتيا و في الدين بزعمهم ثم امتاز عنهم بأنه
متبوع الرأي مسموع القول موطؤ العقب نفسوا ذلك عليه و غضوا منه
بالقدح في مذاهبه و التكذيب لمدعياته و أيضاً فكانوا يؤنسون من ملوك
المتونة أعدائه تجلةً و كرامةً لم تكن لهم من غيرهم لما كانوا عليه من
السذاجة و انتحال الديانة فكان لحملة العلم بدولتهم مكان من
الوجاهة و الإنتصاب للشورى كل في بلده و على قدره في قومه فأصبحوا بذلك
شيعة لهم و حرباً لعدوهم و نقموا على المهدي ما جاء به من خلافهم و
التثريب عليهم و المناصبة، لهم تشيعاً للمتونة و تعصباً لدولتهم
و مكان الرجل غير مكانهم و حاله على غير معتقداتهم و ما ظنك برجل نقم
على أهل الدولة ما نقم من أحوالهم و خالف اجتهاده فقهاؤهم فنادى في قومه و
دعا إلى جهادهم بنفسه فاقتلع الدولة من أصولها و جعل
عاليها سافلها أعظم ما كانت قوةً و أشد شوكة و أعز أنصاراً و حاميةً و
تساقطت في ذلك من أتباعه نفوس لا يحصيها إلا خالقها و قد بايعوه على الموت و
وقوه بأنفسهم من الهلكة و تقربوا إلى الله تعالى بإتلاف
مهجهم في إظهار تلك الدعوة و التعصب لتلك الكلمة حتى علت على الكلم و
دالت بالعدوتين من الدول و هو بحاله من التقشف و الحصر و الصبر على المكاره
و التقلل من الدنيا حتى قبضه الله و ليس على شيىء من الحظ
و المتاع في دنياه حتى الولد الذي ربما تجنح أليه النفوس و تخادع عن
تمنيه فليت شعري ما الذي قصد بذلك إن لم يكن و جه الله و هو لم يحصل له حظ
من الدنيا في عاجله و مع هذا فلو كان قصده غير صالح لما تم
أمره و انفسحت دعوته سنة الله التي قد خلت في عباده و أما انكارهم نسبه
في أهل البيت فلا تعضده حجة لهم مع أنه إن ثبت أنه ادعاه و انتسب إليه فلا
دليل يقوم على بطلانه لأن الناس مصدقون في أنسابهم و إن
قالوا أن الرئاسة لا تكون على قوم في غير أهل جلدتهم كما هو الصحيح
حسبما يأتي في الفصل الأول من هذا الكتاب و الرجل قد رأس سائر المصامدة و
دانوا باتباعه و الانقياد إليه و إلى عصابته من هرغة حتى تم
أمر الله في دعوته فأعلم أن هذا النسب الفاطمي لم يكن أمر المهدي يتوقف
عليه و لا اتبعه الناس بسببه و إنما كان اتباعهم له بعصبية الهريغة و
المصمودية و مكانه منها و رسوخ شجرته فيها و كان ذلك النسب
الفاطمي خفياً قد درس عند الناس ليبقى عنده و عند عشيرته يتناقلونه
بينهم فيكون النسب الأول كأنه انسلخ منه و لبس جلدة هؤلاء و ظهر فيها فلا
يضره الانتساب الأول في عصبيته إذ هو مجهول عند أهل العصابة و
مثل هذا واقع كثيراً إذا كان النسب الأول خفياً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق