الاثنين، 13 أغسطس 2012

ختان الذكور والاناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين
سامي الذيب

ختان الذكور والاناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين
النيل والفرات:يتحدث الكتاب عن موضوع الختان من خلال دراسة مقارنة بين الأديان السماوية الثلاث وموقفها من الختان والآراء المعارضة أو المؤيدة بروح علمية وإنسانية.
غير أن هذا الكتاب إلى هذا مدهش بمقاراناته ومعلوماته وتحليلاته العميقة التي تضرب في جذور التاريخ والنصوص الدينية.
فهل هناك علاقة بين الختان والسياسة؟ وبين الختان وعمليات القتل الجماعي؟ وبين الختان والسلطة؟ وما هو سر صمت الأمم المتحدة عن ختان الذكور وعدم تحريمه كما حرمت ختان الإناث؟
كل هذه أسئلة يجيب عليها الكتاب بمعلومات ووقائع تخفى في العادة وراء ستار كثيف من التجاهل.


تعريف الناشر:
يتألف الكتاب بعد المقدمة من اربعة اقسام: تعريف الختان واهميته العذرية وتوزيعه الجغرافي- الختان في الفكر الديني اليهودي- الختان في الفكر الديني المسيحي- الختان في الفكر الديني الاسلامي.
القسم الاول يتضمن: تعريف الختان- الاهمية العددية والتوزيع الجغرافي. والقسم الثاني: الختان في نصوص الكتب المقدسة اليهودية - وجوب ختان الذكور عند اليهود- التيار اليهودي الناقد لختان الذكور- عملية الختان عند اليهود- ختان الاناث عند اليهود. والقسم الثالث: الختان في نصوص الكتب المقدسة المسيحية- موقف آباء الكنيسة واللاهوتيين من الختان- الجدل الديني حول الختان عند مسيحيي مصر- الجدل الديني حول الختان عند المسيحيين الاميركيين - ظواهر مسيحية غريبة حول الختان. والقسم الرابع: الختان في القرآن- الختان في السنة - الختان و"شرح من قبلنا"- الختان في سنة السلف- آراء الفقهاء والقدامى في الختان الخ.
هذا الكتاب لسامي الذيب، قد يحرر الناس من الاحساس بالاثم الدفين منذ طفولتهم. فالمؤلف بذل جهدا كبيرا في المقارنة بين الأديان السماوية الثلاثة وموقفها من الختان، بروح علمية وانسانية.
فهل هناك علاقة بين الختان والسياسة؟ وبين الختان وعمليات القتل الجماعي؟ وبين الختان والسلطة؟ وما هو سر صمت الأمم المتحدة عن ختان الذكور وعدم تحريمه كما حرمت ختان الإناث؟
اسئلة يجيب عليها الكتاب بمعلومات ووقائع تخفى في العادة وراء ستار كثيف من التجاهل.



سهام عبد السلام - النهار

يعرض البحاثة سامي الذيب خلافات بين الفقهاء ورجال الدين في الديانات الابرهيمية الثلاث, اليهودية والمسيحية والاسلام, على مر العصور منذ ظهور تلك الديانات الى وقتنا الراهن, ويرى ان الطوائف الدينية الثلاث ليست منفصلة, فقد تلاحقت وتفاعلت تأثيراً وتأثراً بعضها بالبعض, وان خطاب الكتب السماوية الثلاثة عن الختان تطور من فرض الختان في التوراة, الى افراغه من مضمونه المقدس في الانجيل, الى السكوت عنه تماماً مع التأكيد على فلسفة كمال الخلق في القرآن. وبعرض واف لما ورد عن الختان في هذه الكتب المقدسة واحاديث الانبياء والرسل والحكماء وآراء الفقهاء وعلماء اللاهوت في الديانات الثلاث, خلص المؤلف الى ان جميع فقهاء تلك الديانات الذين يؤيدون الختان يعتمدون على الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين في التوراة الذي يذكر أمر الإله ياهوه لابرهيم بالختان, باعتباره قطعاً دالا على عهد, فيقطع ابرهيم الغلفة منه ومن ابنائه, ويقطع الإله عهداً بمنحهم أرض كنعان واعتبارهم شعب الله المختار الذين يتعرف اليهم بعلامة الختان.

يرى البحاثة ان هذا العهد "تسييس لعملية جراحية", وانه يدل على رؤية للإله تنزله الى مرتبة راع بسيط يحتاج الى علامة خارجية يميز بها غنمه عن غنم سواه. ورأى بعض المفسرين ان ختان الذكر اليهودي في يومه الثامن مقصود منه تطهيره من النجاسة التي لا بد من ان تلحقه بسبب ملامسته لوالدته ودم الولادة, وكلاهما نجس وفق المعتقدات اليهودية. وثمة تشريعات يهودية تدل على ادراك اليهود لخطر الختان على الطفل, لذا اضطر الحاخامات الى السماح بامكان اعفاء بعض اليهود منه, اذ يعفى من الختان الطفل الثالث الذي مات له اخوان او ابنا خالة في الختان.

تم جمع التوراة - التي تنسب الى موسى - وتدوينها بعد نحو اربعة قرون من وفاة موسى وعشرة قرون من وفاة ابرهيم, وتضم اقتباسات من الحضارات المتعددة التي اختلط بها اليهود عبر هذه القرون. لذا يشك بعض دارسي الديانة اليهودية في الصدقية التاريخية لحوادث العهد القديم. ويذكر المؤلف ان الختان سبق ظهور اليهودية بزمن بعيد, اذ وجدت شواهد تاريخية موثقة عن اجراء ختان الذكور في سوريا القديمة في القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد. وفي مصر القديمة في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد, ولم يكن ختان الذكور مفروضاً على كل الشعب المصري, بل كان للكهنة.

واستخدم اليهود الختان كأداة سياسية على مر العصور. فالختان لم يكن يتم للجميع ولا بالدرجة نفسها التي يتم بها الآن على مر العصور. يرى المؤرخون ان الختان لم يصبح ارغامياً لليهود الا بعد عودتهم من المنفى في القرن السادس قبل الميلاد, وان طائفة من اليهود عقدوا عهداً مع من حولهم من أمم اخرى في القرن الثاني قبل الميلاد وامتنعوا عن الختان, بل اخفوا اثره في اجسادهم بشد جلد القضيب, وامكنهم هذا لان الختان, في العصور الأقدم لم يكن يشمل استئصالاً كلياً للغلفة كما يحدث اليوم, بل كان يتم بقطع طرف الطبقة الخارجية لها فقط. وعاد اتجاه اخفاء الختان للظهور في القرن الثاني الميلادي فابتكر الحاخامات في مواجهته الاستئصال التام لطبقتي الغلفة. وفي 1842راجعت مجموعة من اليهود الالمان الصفة الإلزامية للختان, لكنهم تراجعوا تحت ضغط رجال الدين المتشددين. وفي 1869 بدأ نقاش وسط اليهود الذين هاجروا الى اميركا حول اعفاء من يعتنق اليهودية في عمر متقدم من الختان, وأقر هذا الاعفاء عام 1892 استناداً الى تفسيرات لنصوص التوراة ترى ان أمر ابرهيم بالختان لا ينسحب على جميع اليهود في كل زمان ومكان, فضلاً عن ان اليهودي هو من ولد لأم يهودية بغضّ النظر عن ختانه. وبالمثل, لا يعد المختن يهودياً لو كانت أمه غير يهودية. كذلك وجد اولئك المجددون ان الختان يتعارض مع آيات توراتية اخرى تنهي عن الأذى وتأمر بالرحمة. وفطنت اليهوديات النسويات الحديثات الى هذا الطابع السياسي الذكوري للختان, ويورد ابو ساحلية آراء بعضهن, وبينهن الباحثة النسوية مريم بولاك التي تفند علاقة الختان بالهوية الدينية وتربطه بالسياسة عامة, وبسياسات النوع خاصة, فترى ان الختان مرتبط بسيطرة الرجل على المرأة, فهو يبطل سلطة الأم بفصل الطفل عنها وايذائه وسط عجزها عن حمايته في اشد الاوقات تعلقاً بطفلها, أي بعد ميلاده. فالسكين المصوب الى ذكر الطفل هو في حقيقته مصوب الى قلب الأم وروحها. والختان هو جرح للأم واخضاع لها, فبالختان يتم توجيه خطاب للأم فحواه "ان سلطتك على الذكور محدودة وهذا الطفل ينتمي الى الرجال". وهكذا يتم تشويش العلاقة بين الرجل والمرأة وبين الطفل وأمه, وترى مريم بولاك ان فصل الطفل عن أمه مقدمة لفصله عنها ثانية حين يرغم على الالتحاق بالجيش.

رغم ذلك يضفي رجال الدين اليهود اهمية كبرى على الختان فيعتبرون من لا يختن شخصاً دنساً لا تصح معاشرته ولا مصاهرته وسيحرم من دخول الجنة. بل ان بعض حكمائهم يفتون بأن الله سيغفر لليهود الكثير من خطاياهم بسبب ختانهم. ولا يخفي بعض اليهود ادراكهم للختان كأداة تحكم قاسية في النزعات الجنسية للطفل, ومنهم الطبيب اليهودي موسى ابن ميمون الذي عاش في القرن الثالث عشر, وذكر ان الختان مقصود به اضعاف القدرة الجنسية للذكر من غير تأثير على التناسل, لأن المرأة تقبل في شدة على الجماع مع الذكر غير المختن, وهذا في رأيه مناف للعفة. ويرى حكمة في ختان الطفل في يومه الثامن حيث يكون عاجزاً عن المقاومة, ولا يكون حبه قد تمكن من قلب والديه الى حد يدفعهما الى الامتناع عن ختانه رحمة به. ويرجع ابو ساحلية استنكاف الغربيين حالياً عن محاربة ختان الذكور كما يهاجمون ختان الاناث الى قوة سيطرة اليهود هناك على وسائل الاعلام ومصادر المال الذي يراه الغربيون عصب الحرب. وبذلك يتجنبون تهمة معاداة السامية التي تعطل احوال كل من يتهم بها في الغرب.

تناول ابو ساحلية ايضاً الختان في المسيحية, حيث يستند المسيحيون الذين يمارسون الختان الى ان المسيح ختن, رغم ان هذه الرواية عن ختان المسيح لم ترد الا في انجيل لوقا دون باقي الأناجيل. ويرى بعض المفسرين انه حتى لو كان المسيح قد ختن وهو طفل فذاك لأنه ولد يهودياً, وحين بعث نبياً أبطل بعض شرائع العهد القديم مثل قانون العين بالعين والسن بالسن, كما فسر النجاسة على عكس تفسير التوراة لها, فصار ما ينجس الانسان هو ما يخرج من فمه وليس ما يدخل فيه. وحاول اليهود الذين اعتنقوا المسيحية فرض الختان على المسيحيين الذين كانوا يدينون بديانات وثنية قبل تنصرهم, فهاجمهم بولس الرسول, واعتبر ختان الجسد غير ذي مغزى ديني. وفسر بعض رجال الدين المسيحي الختان تفسيراً رمزياً بأنه يعني الامتناع عن ارتكاب المعاصي الجنسية بالعضو الذكري ولا يعني قطع الغلفة. ويرى ابو ساحلية ان اليهود الذين تنصروا فشلوا في ادخال الختان الى الفكر المسيحي لأنهم لم يكونوا مركز قوة في الدولة الرومانية. لكن اليهود الذين أسلموا نجحوا في ادخال الاسرائيليات الى الفكر الاسلامي لأنهم كانوا مركز قوة ثقافية ومادية في الجزيرة العربية وما حولها في صدر الاسلام.

ويتطرق المؤلف الى الجدال الديني حول الختان لدى المسلمين, فيبدأ بذكر حقيقة ان القرآن لم يذكر الختان اطلاقاً, لكن بعض الفقهاء أوَّلوا بعض الآيات المتشابهات على محمل الختان, وهي الآيات التي اشارت الى وجوب اتباع المسلمين لسنة ابرهيم, وان الله ابتلاه بكلمات فأتمهن, وان صبغة الله خير صبغة. ويعرض المؤلف بالتفصيل للخلاف بين الفقهاء على دلالة تلك الآيات, فبعضهم يفسرها بأنها تشمل الختان وبعضهم يفسرها بأنها لا تشمله. بل ان ثمة تناقضاً بين تأويلهم لتلك الآيات وبين حديث نبوي ذكره بعضهم يقول ان آدم وليس ابرهيم هو اول من اختتن. وبعضهم الآخر يؤمن بأن الانبياء يولدون مختونين, وهذا تعارض آخر مع تأويل تلك الآيات بالختان. ويرى ابو ساحلية ان لكعب الأحبار - وهو يهودي أسلم - ضلعاً في كل تلك التأويلات والتفاسير لأنه ادخل الكثير من الاسرائيليات الى الفكر الاسلامي. ولم يقتصر الخلاف على تأويل الآيات على الفقهاء القدامى بل تجاوزهم الى فقهاء ومفكري القرنين التاسع عشر والعشرين, مثل العلماء والمفكرين الشوكاني ومحمد عبده ومحمود شلتوت ووهبه الزحيلي وسليم العوا, ويورد تفصيلاً آرائهم في هذا الموضوع. لكن معظمهم ينصرف رأيه الى ختان الاناث لا الذكور اعتقاداً منهم بما يروجه الاطباء عن فوائد الختان للذكر, رغم تعارض الختان في رأيهم مع فلسفة القرآن في كمال الخلق, ومع نهي الرسول عن تعديل الجسد حتى بالوشم والوخز.

هذا الكتاب اضافة مهمة للمكتبة العربية, اذ يتناول بالنقد حجة اعتاد مؤيدو الختان رفعها في وجه كل من يعارضه, وهي الحجة الدينية, استناداً الى سيادة العقلية النقلية والفكر غير النقدي بين السواد الاعظم من الناس, وميلهم الى تصديق ما يوافق عاداتهم القديمة. والجميع يعلمون ان ختان الذكور والاناس عملية دموية أليمة, لكنهم لا يجرأون على معارضتها او الامتناع عنها بسبب جدار الصمت والتحريم المفروض من حولها. وتبرير هذه العادة بالدين يريحهم لأن اضفاء القداسة على الختان يعفيهم من مسؤولية إيلام اطفالهم وايذائهم, ويساعدهم في انكار عدم جدوى الختان. وعرض الآراء المتضاربة لفقهاء الديانات السماوية الثلاث قديماً وحديثاً حول الختان أمر يهم كل رجل وامرأة في عالمنا العربي الذي تنتشر فيه عادة ختان الذكور, وبنسبة أقل ختان الأناث, كتقليد اجتماعي/ ثقافي بين معتنقي كل الديانات. فالجميع سيجدون في الكتاب بغيتهم: القارئ العادي الذي يشك في جدوى الختان لكنه يتخوف من معارضته اعتقاداً منه بقداسته, سوف يلمس ان شكه لم يكن في غير محله وان القداسة التي اضيفت على الختان موضع شك. والقارئ الذي يؤمن بأن الختان ضرورة دينية اذ لم يسمع من قبل آراء تناقض هذا الاعتراض سوف يقع هنا على الكثير من الاراء التي لم يتح له الاطلاع عليها من قبل والتي تعارض الختان وتشكك في خلفيته الدينية. والبحاثة الأكاديمي الذي يدرس موضوع التشكيل الاجتماعي لجسد الفرد, وفي ذلك الختان, سوف يعثر على مادة دسمة تثري دراسته بين دفتي كتاب واحد يغنيه عن التجول بين عدد كبير من المراجع, ويدله عليها في الوقت عينه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق