الجمعة، 10 أغسطس 2012

رسالة أمير المؤمنين عبد المومن بن علي إلى الطلبة والموحدين الذين بغرناطة (2)

 
     كتبت في ذي القعدة سنة 554 هجرية، وهي من إنشاء أبي جعفر بن عطية، مجموع رسائل موحدية، الرسالة رقم: 19.
 
وفيها إشارة إلى عناية الموحدين بأمر الأندلس، واختطاط مدينة بجبل الفتح، جبل طارق، لتيسير العبور إلى الجزيرة الأندلسية قصد الجهاد، مع شرح كيفية ذلك، وتعيين المهندسين والمشرفين على مشروع إعمار مدينة جبل طارق.
 وفي نهاية الرسالة مطالعة بأحوال الموحدين وفتوحاتهم التي تجددت في الجهة الشرقية بالمهدية وقفصة وقابس، وأمر بتعريف كافة الموحدين والطلبة الموجودين بالأندلس بتلك البشائر، بشائر النصر القادمة من جهات الشرق المذكورة التي وقعت تحت نظر الموحدين:
 
 
     من أمير المؤمنين ـ أيده الله بنصره، وأمده بمعونته ـ إلى الطلبة والموحدين الذين بإغرناطة ـ أعزهم الله وأدام كرامتهم بتقواه ـ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
     أما بعد حَمدِ الله الذي على عونه مستندُ الاعتصام، وعلى معارج تيسيره منعطفُ كل مَرام، وبحوله وقوته مُورَّك كل بدء من الأمور وتمام، وهو أهل الشكر والحمد على الإحسان المتتابع والإنعام؛ والصلاة على محمد عبده ورسوله موضح سبُل السلام، والمُبتعَث إلى الأحمر والأسود من كافة الأنام، وعلى آله وصحبه البررة الكرام؛ والرضا عن الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، المخصوص بالعلامات الصادقة والأعْلام، المبشر من ظهور أمره العلي، وتعيينه المراد المعني، بما فاضت تباشيره، وسالت أساريره على صفحات الليالي والأيام.
 
    فإنا كتبناه إليكم ـ كتب الله لكم تعُّرف الآلاء المستجدة، وبركة المواهب التي هي من بحر عطائه مُستمدة ـ من منزل الموحدين ـ أظهرهم الله ـ بظاهر (المهدية) ـ فتحها الله ـ ووعد الله لأوليائه قد فَض الإنجازُ خاتَمه، وبرَّز لياليه المخبوءة وأيامه، وأجرى بأعلى حزبه المفلح قضاياه الماضية وأحكامَه، وأخبر طائفة هذا الأمر الكريم وعامري صراطه المستقيم، من ثمرات هذه الحركات المشهود لها بميامين الأقدار، المُستنَّة في مِضمار الاختيار، ما بلغ فيه ـ والحمد لله ـ من إظهار دينه وتمْشية أمره إلى أفضل مأمول، ووقف منه على عناية الله الباهرة للعقول، المطابقة لمواقع المطلوب، من فضله والمسؤول، ولله تعالى في بركات هذا الأمر العزيز رحمةً على العباد ممدودة، وإشارةً في معنى العموم مقصودة، وإرادةً في حِياطة المُعِْرق والمُشْيِم والمُنْجِد والمُتْهِم موجودة مشهودة، ليُأخذ الأمرُ العزيزُ بمجامع الاستواء، ويُطبق بمطاِرح الأدواء، ظلم الأهواء، ويُعمها تصديقا للخبر، وتحقيقا لوارد الأثر، بالقسط والعدل على حد سواء.
 
    ومازلنا ـ أعزكم الله ـ وهذه المطالع الشرقية مأَمُّ الركاب، وإليها مرتقى الأسباب، والجهاد المظفرُ ينتابها من كل مدخل مبارك وباب، نلتفت من تلكم الجهة إلى العدوة الأندلسية ـ حفظها الله ـ بما يجب لها من الالتفات، ويجعلها الجهة المُيمَّنة وإن تقسمت العزائم من جهات، تمكينا لاستحداث العزم، واستئناف الأمر الجزم، إلى أن أرسل الله من فضل إنعامه، وصيِّب إخطاره وإلهامه، ما استُخير فيه تعالى فصدقت به الاستخارة، واستقلت به الأفكار المدارة، وأذِنت فيه بما انشرح له من الصدر بإيذانها مُقدمة البشارة، وهو النظر في اختطاط مدينة عتيقة مباركة بجبل طارق ـ عمره الله ـ مجمع البحرين، والقطب الآخذ بأطراف البرين، يختص بعون الله بهذا الأمر العزيز إنشاؤها، ويكون إلى إيجاده اعتزاؤها وانتماؤها، ويرتكز بفِنائِها علمُ هذه الطائفة ولواؤها، وإنَّا لنرجو أن أشعة النصر لتلكم الجزيرة تثبتُ من مطلع هذا الشاِرق والشاهِق، وتلمع في كل مطْرح بكل بارق، وتضمَّ إلى حزب الله وفئته كل مُنافر ومفاِرق، ويكون النظر المحتل بذُراه، المنعقِد بعُراه، مطلا إن شاء الله على المغارب والمشارق.
 
    وقد قويت العزائم بحول الله على الاشتغال ببنائه، وعِمارة فِنائه، والأخذ في شأنه، وإعداده على مقتضى المدن المُحصنة المُحسنة لأوانه.
 
    واستخرنا الله تعالى ووجهنا الشيخ أبا إسحاق بَّراز بن محمد والحاج يعيش ـ أكرمهما الله ـ للاشتغال بذلك على ما وادعناهما عليه وذاكرناهما به في كيفية الاشتغال، وصورة الاعتمال.
 
    ولتجمعوا ـ أعزكم الله ـ ومن إليكم من الأشياخ الأندلسيين ـ أكرمهم الله ـ بهذا الجبل المبارك مع إخوانكم الطلبة الذين بإشبيلية ومن عندهم من أصحابهم والواصِلَيْن من قبلنا الذَيْن ذكرنا لكم توجيهَهُما؛ وتنظروا في ذلك المكان بالنظر الحسن الجامع لمصالح المدن ومرافقها، وإجادة الاختيار وتوسعة الفَناء.
 
    وقد خاطبنا الشيخ الأجل أبا حفص ـ أعزه الله ـ ليصل إلى ذلك المكان إن تمكن له؛ وخاطبنا الشيخ القائد أبا محمد عبد الله بن خيار ـ أكرمه الله ـ ليصله وتتلاقى هنالك الآراءُ المذاكرةُ المباركة. وعند الشيخ أبي إسحاق والحاج يعيش ما ذاكرناهما فيه مما يُعتمد عليه إن شاء الله. واللهُ يُعرِّف اليمن في ذلك والخِيرة، ويجعله عنوان الإقبال وفاتحة النصر بمنه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
    أعزكم الله ! خلال النظر في إنفاذِ هذا الكتاب إليكم، سنى الله تعالى ما يصلكم صُحبتَه من فتح (قفصة) وما اتصل بفتحها من مخاطبة عرب ( قابس) الذين فروا منها وقْت فتحها، وطلبهم للأمان على ما اقتضته المخاطبة إليكم.
ونحن قد استخرنا الله تعالى على التوجه إلى الغرب والحركة لاستقبال تلكم الجهات؛ وأخذنا في أهبة ذلك.
فاستعدوا له، وشُدُّوا أنفسكم، واضبطوا مواضعكم، فكان بنصر الله الذي وعد به وإتمام أمره لأهله، ولا بد من دوامه ما دامت السماوات والأرض.
 
     فلتُعرفوا بذلك جميع الموحدين وتُبشروهم به وبمطالعة الفتح لهم إن شاء الله. والسلام.
 
     كتب في الموفي عشرين من ذي القعدة سنة أربع وخمسين وخمسمائة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق