الخميس، 16 أغسطس 2012

  فلسفة التاريخ عند أبن خلدون

يقول ابن خلدون في المقدمة ((أنشأت في التاريخ كتابا أبذيت فيه لأولية الدول والعمران عللا واسباباً فهذبت مناحيه تهديبا ، وقربته لإفهام العلماء والخاصة تقريباً
وسلكت في ترتيبه وتبويبه مسلكاً غريباً ، وأختراعته من بين المناحي مذهبا عجيباً، وطريقة مبتدعة واسلوباً ،وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن وما يعرض في الاجتماع الانسانى من العوارض الذاتية ما يمنعك بعلل الكوائن وأسبابها ، ويعرفك كيف دخل أهل الدول من أبوابها ، حتى تنزع من التقليد يدك، وتقف على أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال وما بعدك[1] )).
في بداية ورقة عملي هذه أرادت أن أبتعد عن الديباجة المعروفة والتي تبدأ بتعريف المؤرخ أو الفيلسوف وقصة حياته والتي قد تكون ممله لحد الضجر بل أردت أن أضع نصاً لكي تكون مقدمه للمورخ حول الموضوع المتاره، وان أجعلها هو بذاتها يتحدث عن الموضوع دون تدخل منى اللهم بالكتابة .
يقول ابن خلدون:-
 ((واعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة أعتر عليه البحت وادي إليه الغوص وليس من علم الخطابة ولأهو أيضا من علم السياسة المدنية فقد خالف موضوعه موضوع هذين الفنين اللذين ربما يشبهانه وكأنه علم مستنبط النشأة ، ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة )) .
ماهو هذا العلم الجديد الذي أتى به ابن خلدون ولم يسبقه إليه أحد ، وكان يدرك هو ذلك تماماً؟.
هو فلسفة التاريخ التي لم تظهر في أوروبا ألا بعد ذلك بعدة قرون. بديهي أن التفلسف في التاريخ بدا مند القدم، فنجد بعض أثاره في كتاب "السياسة " لأرسطو، وكتاب " الجمهورية لأفلاطون. أما التعبير نفسه فلم يستحدث الافى القرن الثامن عشر [2].


ذكر أبن خلدون في المقدمة : (أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وركبه على صورة لايصح حياتها وبقائها الابالغداء ، وهداه إلى التماسه بفطرته وبما ركب فيها من القدرة على تحصيله ألا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغداء )؛ويضيف أبن خلدون ..... يستحيل أن تفي بذلك فلابد من أجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكتر منهم بإضعاف ، وكذلك يحتاج كل واحد منهم أيضاً في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه .
تم أن هذا الاجتماع أذا حصل للبشر وتم العمران العالم كلها فلابد من وازع يدفع بعضهم لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم ، وليست السلاح التي جعلت دافعة لعدوان الحيوانات العجم عنهم كفاية في دفع العدوان عنهم لأنها موجودة لجميعهم فلابد من شئ آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض ولا يكون من غيرهم،فيكون ذلك الوازع واحدا منهم يكون له عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة .
معنى هذا أن أبن خلدون يفسر قيام الدول ونشوء المجتمعات بحاجة الإفراد إلى التجمع من أجل تحقيق التكامل في المأكل والملبس والمسكن ، وما يترتب على ذلك من ظهور صناعات ومن قبول سلطة أعلى تنظم العلاقات وتتولى قيادة الإفراد من أجل تحقيق الاحتياجات ومن أجل الدفاع ، هذه السلطة تتمثل في يد الملك أو الحاكم، الذي يرأس الدولة التي تكونت لتلبية احتياجات الإفراد. ويحدد أبن خلدون الأطوار التي تمر بها الدول في ثلاثة أطوار متعاقبة أو دورية تبدأ بالبداوة تم يكون طور التحضر ، تم طور التدهور ، وقد نظر أبن خلدون إلى الدولة على أنها كائن حي يولد وينمو ثم يهرم ليفنى ،فللدولة عمر مثلها مثل الكائن الحي تماماً ، وقد حدد عمر الدولة بمائة وعشرين سنة وهى تتكون من ثلاثة أجيال ، وفى ذلك يقول :أن الدولة في الغالب لاتعدو أعمار ثلاثة أجيال ، والجيل هو عمر شخص واحد من العمر المتوسط فيكون أربعين الذي هو انتهاء النموء والنشوء .
ونحن ما يهمنا هنا هو نظرية ابن خلدون في تعاقب الحضارات ، على أساس تحديد الأطوار التي تمر بالدول والحضارات بطريقته الدورية وهذه الأطوار هى:-
أولاً:طور البداوة
يطلق أبن خلدون مصطلح طور البداوة في حياة الأمم والشعوب والدول على البدو الذين يعيشون في قبائل بالصحراء والبربر الذين يسكنون الجبال في جماعات عشائرية وأسرية ، والتتار الذين يسكنون السهول في عصبيات قوية ، وهولاء جميعاً لايخضعون لقوانين متحضرة ، ولا تحكمهم سوى حاجاتهم وعاداتهم ، وهم يعيشون مرحلة من الحياة البشرية تسبق مرحلة التحضر .
ويذكر أبن خلدون أن أجتماع هولاء (البدو- البربر- الثتار) أنما هو للتعاون على تحصيل معاشهم ، والابتداء بما هو ضروري منه قبل الكمالي ، ويكون تعاونهم بالمقدار الذي يحفظ الحياة فإذا اتسعت أحوالهم وحصل لهم ما فوق الحاجة من الغنى والترف دعاهم ذلك إلى السكون والدعة ، تم تزيد أحوال الترف والدعة فيتخذون القصور والمنازل .... وهؤلاء هم الحضر.
وتحكم أفراد البدو رابطة العصبية حيت نصرة ذوى الأرحام والأقارب ، وما يلزم عنها من تعاضد وتناصر ،وكلما كانت بين الإفراد البدو اكتر أصالة وأشد نقاوة ، كانت العصبية فيهم أقوى وبتالي كانت الرياسة فيهم على سائر البطون والقبائل التي تختلط فيها الأنساب ، وتحتفظ القبيلة بالسلطة مااحتفظت بعصبيتها ، ويدعم العصبية عاملان : أحترام القبيلة لشيخها ، ثم حاجتها المستمرة للدفاع والهجوم.
ويصنف ابن خلدون المجتمع في طور البداوة بأنهم : لايزالون على خلق البداوة وخشونتها وتوحشها من شطف العيش والبسالة والافتراس والاشتراك في المجد ، فلا تزال بذلك سورة العصبية محفوظة فيهم ، فحدهم مرهف وجانبهم مرهوب ، والناس لهم مغلوبون.
ويفصل أبن خلدون علاقات القربى داخل العصبية الواحدة فيقول : أن الرئاسة لاتزال في نصابها المخصوص من أهل العصبية ،حيت أن كل قبيلة وان كانوا عصابة واحدة لنسبهم العام ففيهم أيضاً عصبيات أخرى لأنساب خاصة أشد التحاما من النسب العام مثل عشير واحد أواهل بيت واحد أوأخوة بني أب وأحد لامتل بني العم الأقربين أو الأبعدين ،فهولاء أقعد بنسبهم المخصوص ويشاركون من سواهم من العصائب في النسب العام .
ويشير أبن خلدون إلى أن حياة التقشف تسبغ على البدو أخلاقا فاضلة كالدفاع عن النفس والنجدة والشهامة والغيرة على الاستقلال ، وتهدف رابطة العصبية فيهم إلى الملك أي التغلب والحكم بالقهر ، فان كانت بيوتات متفرقة وعصبيات متعددة فلابد أن تتغلب أقوى عصبية فتلتحم بها سائر العصبيات ثم تطلب الغلبة على القبائل القاصية حتى تستتبعها وتلتحم بها .
ويفسر هذه الأمور أبن خلدون فيذكر: أنه لما كانت البداوة سببا في الشجاعة كانت الأمم الوحشية أقدر على التغلب ممن سواها.... وإذا كان الغلب للأمم إنما يكون بالإقدام والبسالة فمن كان من هذه الأجيال أعرق في البداوة واكتر توحشا كان اقرب إلى التغلب على سواه اذا تقاربا في العدد وتكافأ في القوة العصبية .
كما يذكر ابن خلدون أنه اذا كانت الأمة وحشية كان ملكها أوسع وذلك ولأنهم أقدر على التغلب والاستبداد واستعباد الطوائف لقدرتهم على محاربة الأمم سواهم ، لأنهم يتنزلون من الأهلية منزلة المفترس من الحيوانات العجم وهؤلاء مثل العرب – يقصد البدو - وزناته -  بقصد البربر – ومن في معناهم من الأكراد والتركمان وأهل اللثام من صنهاجة.  
تانياً:- طور التحضر.
وفى هذا الطور يتحقق الملك وتؤسس الدولة وينتقل المجتمع من الحياة البدوية ألخشنة أومن العمران البدوي إلى حياة المتمدنة المترفة أو العمران الحضري ،وثم ذلك بعد ثغلب القبيلة بالعصبية الصاعدة على دولة مجاورة في دور هرمها يصير الملك لها ،ذلك أن أهل القبيلة بعصبيتهم اقتدروا عليها – على الدولة المجاورة الهرمة – بفقدان الحامية ،وضعفت الدولة فهي نهب لهم وطمعة لأكلهم يرددون عليها الغارة والنهب والزحف لسهولتها عليهم إلى أن يصبح أهلها مغلبين لهم .
ويفسر أبن خلدون نجاح العرب في الفتح الاسلامى فيذكر:- أن العرب (البدو) لايحصل لهم الملك إلا بعصبية دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة ، حيت يعمل الدين أن يؤلف كلمتهم لإظهار الحق ، ويتم اجتماعهم ويحصل لهم التغلب والملك .
ويضيف أبن خلدون موضحاً أتر الدين في أقامة الدولة فيذكر:- أن الملك أنما يحصل بالتغلب الذي أنما يكون بالعصبية واتفاق الأهواء على المطالبة وجمع القلوب وتأليفها،انم يكون بمعونة الله في أقامة دينه ،فقد قال الله سبحانه وتعالى {لوأنفقت ما في الأرض جميعاً مالفت بين قلوبهم ولكن الله إلف بينهم } .
لأن القلوب كما يقول أبن خلدون أذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا حصل التنافس وفشا الخلاف ،وإذا انصرفت إلى الحق ورفضت الدنيا والباطل وأقبلت على الله اتحدت وجهتها ، فذهب التنافس وقل الخلاف وحسن التعاون والتعاضد واتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة .
كما أن الحاجة الاقتصادية التي تدفع القبيلة إلى الدفاع عن نفسها أولاً ثم إلى الغزو ثانياً هى التي تدفعها حين تستقر إلى أن تحسن وسائل هذا العيش ،ومن مظاهر ذلك أن تتخذ لها مقراً ثابتاً،ومن ثم فانه بعد تأسيس الدولة تلجاء إلى تشييد المدن وتأسيس الدولة سابق على تشييد المدن لأنه يحتاج إلى المال والأدوات وقوى عاملة ضخمة لايمكن أن يسخرها ألا للملك .
1:- مزايا الحكومة
وكذلك يعتبر ابن خلدون الحكومة القوية أساس آخر من أسس التحضر ،ذلك أن الإنسان المستقر يحتاج إلى التنظيم والحماية حتى يطمئن على ثمار عمله فيزيد من أنتاجه ،كما أنه يحتاج إلى حكومة عادلة تحقق الأمان والعدالة والى حكومة قوية تستطيع الدفاع عن مصالحه ،والى حكومة واعية بأهمية التجارة الخارجية فتشجعها وتحميها.
ويرى أبن خلدون أن الدولة قوة أعلى من المجتمع وليس قوة مندمجة فيه ،وأنها لايمكن أن توجد الافى مرحلة معينة من تطور العمران ، فالعمران البدوي أو ما قبله ليس به نظام الدولة ، ولا توجد الدولة ألا في العمران الحضري ،هى أذن نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره .
2:- كثرة السكان.
يرى ابن خلدون أنه أذا كانت الحكومة تدعم قيام الحضارة فان كثرة السكان تخلقها لان اجتماع عدد من السكان وتنسيق جهودهم وتوزيع العمل بينهم يجعل ثمرة جهودهم تفوق حاجاتهم ، فلا يستهلكون ألا جزءا يسيراً ، ويزيد الباقي عن حاجاتهم يستثمرونه في الترف ومظاهر التحضر والترف يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها، وذلك أنه اذا حصل الملك والترف كثر التناسل فتقوى العصبية .
وفى ذلك يقول ابن خلدون :أن الترف يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها ،والسبب في ذلك أن القبيل أذا حصل لهم الملك والترف كثر التناسل والولد والعمومية ، فكثرت العصابة واستكثروا ايضاً من الموالى والصنائع ، وربيت أجيالهم في جوء ذلك النعيم والرفه ، فازدادوا به عددا إلى عددهم وقوة إلى قوتهم .  
تالثاً:- طور التدهور.
هذا هو الطور الثالث من أطوار الدول والحضارات ،هو طور التدهور أي وصول الدول والحضارات إلى الهرم ،ويتحقق التدهور عندما تتوفر العوامل الآتية:-
1- العصبية والموالى.
يعتبر ابن خلدون أن العصبية عامل من عوامل تدهور الدولة، كذلك الموالى والصنائع وفى ذلك يقول أبن خلدون:
(حيت أن بالعصبية تتم الرياسة والملك فان صاحب الرياسة يطلب بطبيعته الانفراد بالمجد إذ أن من الطبيعة الحيوانية خلق الكبر والأنفة فيأنف حينئذ من المساهمة والمشاركة في استتبعاهم والتحكم فيها ، ويجئ خلق التأله الذي في طباع البشر مع ما تقضيه السياسة من إنفراد الحاكم لفساد الكل باختلاف الحكام فيجدع حينئذ أنوف العصبيات ).
ويضيف أبن خلدون قائلاً:(.... وتفرع عصبيتهم عن ذلك وينفرد به ما استطاع حتى لايترك لأحد منهم في الأمر ناقة ولأجمل ، ويعانى في ذلك بأشد مما عانى في أقامة الملك لأنه كان يدافع الأجانب ، وكان أعوانه في ذلك أهل العصبية أجمعهم ،أما حين الانفراد بالملك فهو بدافع الأقارب مستعينا بالأباعد، فيركب صعبا من الأمر أنه أمر في طبائع البشر لابد منه في كل الملوك الذين يستظهرون على عصبياتهم بالموالى والمصطنعين).
وعلى هذا يمكن القول أن الحاكم أذا أستخدم الموالى والصنائع وقدمهم على أهل عصبيته كان هؤلاء الموالى والصنائع من عوامل ضعف الدولة لأن أهل عصبيته يصبحون من بعض أعدائه، فيجتاح في مدافعتهم عن الأمر إلى أولياء آخرين من غير جلدتهم يستظهر بهم عليهم ويتولاهم دونهم ، فيكونون اقرب إليه من سائرهم فيستميتون دونه في مدافعة قومه عن الأمر الذين يستطهرون على عصبياتهم بالموالى والمصطنعين .
وعلى هذا فان الحاكم أذا أستخدم الموالى والصنائع وقدمهم على أهل عصبيته كان هؤلاء الموالى والصنائع من عوامل ضعف الدولة لأن أهل عصبيته يصبحون من بعض أعدائه ، فيجتاح في مدافعتهم عن الأمر إلى أولياء آخرين من غير جلدتهم يستظهر بهم عليهم ويتولاهم دونهم ، فيكونون أقرب إليه من سائرهم فيستخلصهم صاحب الدولة ،ويخصهم بمزيد من التكرمة والإيثار ويقلدهم جليل الإعمال والولايات .
وهنا يظهر الخطر، ذلك أن الموالى والصنائع الذين أصبحوا أقرب إلى الحاكم من عصبيته يكونون خطراً على الدولة، ويكون ذلك مؤذنا – كما يقول ابن خلدون –
با هتضام الدولة وعلامة على المرض المزمن فيها لفساد العصبية التي كان بناء الغلب عليها ،ومرض قلوب أهل الدولة حينئذ من الامتهان وعداوة السلطان فيتربصون به الدوائر ،ويعود وبال ذلك على الدولة ولا يطمع في برئها من هذا الداء لأنه ما مضى يتأكد في الإعقاب إلى أن يذهب رسمها .
2- الترف.
يؤكد أبن خلدون انه اذا كان للموالى والصنائع دور في أنهيار الدولة ،فان الترف هو العامل الحاسم في ضعف الدولة وتدهور الحضارة .
ويفسر أبن خلدون دور الترف في تدهور الدولة من خلال العوامل الاقتصادية والأخلاقية والنفسية على النحو المفصل التالي:-
1:- العامل الاقتصادي.
يوضح أبن خلدون دور العامل الاقتصادي كأحد عوامل الترف المسئولة عن تدهور الدولة بان طبيعة الملك تقتضى الترف حيت النزوع إلى رقة الأحوال في الطعم والملبس والفرش والآنية وحيت تشييد المباني الحافلة والمصانع العظيمة والأمصار المتسعة والهياكل المرتفعة ، وحيت أجازة الوفود من أشراف الأمم ووجوه القبائل مع التوسعة في الأعطيات على الصنائع والموالى وإدرار الأرزاق على الجند .
ويضيف ابن خلدون بان الانغماس في الترف والنعيم يزيد لا من جانب السلطان وبطانته فحسب بل من جانب الرعية أيضاً,اذا الناس على دين ملوكهم حتى يصل الأمر إلى أن الجباية لاتفى بخراج الدولة فتتدرج الزيادة في الجباية بمقدار بعد مقدار لتدرج عوائد الدولة في الترف وكثرة الحاجات والإنفاق ، فتضرب المكوس على أثمان البياعات في الأسواق لإدرار الجباية .
ويقول ابن خلدون زيادة في التوضيح : قد يستحدث صاحب الدولة أنواعا من الجباية يضربها على البياعات ليفي الدخل بالخراج حتى تثقل المغارم على الرعايا ، ويكسد الأسواق وذلك أن الجباية مقدار معلوم لأتزيد ولا تنقص ،فإذا زادت بما يستحدث من المكوس فان مقدارها بعد الزيادة محدود وإلا انقبض كثير من الايدى عن الأعمار لذهاب الأمل في النفوس بقلة النفع ولا يزال الأعمار في نقص والترف في ازدياد حتى ينتقص العمران ويعود وبال ذلك على الدولة   .
ويزيد ابن خلدون العامل الاقتصادي تفسيراً : من ناحية تهرب أصحاب رؤوس الأموال أمام قوانين واحتكار الحاكم فيقول : قد يتفرق أهل الدولة في الآفاق طلباً للرزق ،أو قد يتوقع بعض الحاشية وقوع المعا طب فينزعوا إلى الفرار آخذين ما تحت أيديهم من أموال ، وان كان الخلاص من ربقة السلطان عسيراً ، وحتى وان خلصوا إلى قطر آخر امتدت عيون الملك في ذلك القطر إلى ما في أيديهم من الأموال ، هكذا تذهب رؤوس الأموال وتكسد الأسواق وتقل جباية السلطان وتقفر الديار وتخرب الأمصار .
2:- العامل الاخلاقى النفسي .
يذكر ابن خلدون انه اذا اتسعت أحوال البدو وحصل لهم ما فوق الحاجة من بعض الغنى والحرفة دعاهم ذلك إلى السكون والدعة وتعاونوا في الزائد على الضرورة واستكثروا من الأقوات والملابس والتألق فيها وتوسعة البيوت واختطاط المدن والأمصار للتحضر ،تم تزيد أحوال ألرفه والدعة فتجئ عوائد الترف البالغة مبالغها في التأنق في علاج واستجادة المطابخ وانتقاء الملابس الفاخرة في أنواعها .
ويضيف ابن خلدون إلى ذلك موضحاً دور الترف في أنهيار الدولة فيذكر: أن عوائد الترف تؤدى إلى العكوف على الشهوات وتثير مذمومات الخلق ، فتذهب عن أهل الحضر طباع الحشمة ويقذعون في أقوال الفحشاء فضلاً عن أن الترف يذهب خشونة أهل البداوة ويضعف العصبية والبسالة حتى انغمسوا في النعيم فأنهم يصبحون عيالا على الدولة كأنهم من جملة النسوان والولدان إلى المدافعة عنهم .
ويزيد أبن خلدون الأمر توضيحاً فيذكر أن الترف مفسد لباس الفرد ولشكيمة الدولة ،والترف مفسد للخلق بما يحصل في النفس من ألوان الفساد والسفه، والترف مظهر لحياة السكون والدعة ودليل ميل النفس إلى الدنيا والتكالب على تحصيل متعها حتى يتفشى الخلاف والتحاسد ويفت ذلك في التعاضد والتعاون ويفضى إلى المنازعة ونهاية الدولة .
ويقول ابن خلدون عن آثر الترف على الدولة :- وإذا كثر الترف في الدولة وصار عطاء الحكام مقصورا عن حاجاتهم ونفقاتهم احتاج صاحب الدولة الذي هو سلطان إلى الزيادة في أعطياتهم حتى يسد خللهم ويزيح عللهم ، فالترف مفسد للخلق بما يحصل في النفس من ألوان الشر والسفسقة وعوائدها فتذهب منهم خلال الخير التي كانت علامة على الملك ودليلا عليه ، ويتصفون بما يناقضها من خلال الشر فيكون علامة على الأديار والانقراض وتاخد الدولة مبادئ العطب إلى أن يقضى عليها .
ويختتم ابن خلدن عمر الدولة التي تسقط بسبب الترف ،بان الترف يؤدي إلى هرم الدولة وإذا شاخت الدولة لن تقوم لها قائمة ،وهذا هو دور الانهيار أو السقوط النهائي ،وهكذا شان كل دولة لابد وان يعرض فيها عوارض الهرم بالترف والدعة وتقلص ظل القلب فتنقسم .
تقييم نظرية أبن خلدون في التعاقب الدوري للحضارات .
تميزت نظرية أبن خلدون في تفسير مسار التاريخ بالواقعية والموضوعية، وهي غنية بالعبر والعظات وان آراءه في تعاقب الحضارات الدوري والديناميكية الفاعلة في انتقال الدولة من هذا الدور إلى ذاك تتسم ببصيرة نافذة وحدس ثاقب.وستظل لهذه الآراء قيمتها ما دامت القوة مبدأ قيام الدولة ،كما أن كتيراً من أرأته لاتزال تصدق على أحوال الدول التي تنشاء مستعينة بالقوة المادية حتى وان التمست بعد استقرارها الاستناد إلى القوة التقليدية .
لقد كون ابن خلدون نظريته في التعاقب الدوري للحضارات عن طريق ملاحظة الدولة وتطورها عبر التاريخ شمال أفريقيا في العصور الوسطى ، فلم تكن نظريته نظرية عقلية استنبطها من الفكر فقط ، ولذا فإنها جامدة بل لها بعض الاستثناءات .
لقد رائ ابن خلدون أن التاريخ عبارة عن سلسلة من الدول تسير كل منهما في حلقات متتابعة وتتشابه هذه الدول في مراحلها المختلفة وفى أعمارهم، وتقوم الواحدة على أنقاض الأخرى وهكذا....... وأن القضاء على الدولة يكون بالعنف الذي يحدث نتيجة توفر أسباب كامنة تظل تنخر في الدولة حتى تنهار، وأن الانهيار يكون للقبيلة الحاكمة والطبقة الحاكمة التي يكونها السلطان أو الحاكم.
لقد كان ابن خلدون رجل سياسة سبر أغوار دنيا السياسة في العالم الاسلامى في القرن الرابع عشر الميلادي الذي عاشه ، وشاهد الضعف والتدهور اللذين يسودان الأقطار الإسلامية بصفة عامة ، كما عايش أنهيار الوجود الاسلامى من شبه جزيرة ليبيريا،أي أنه رأى كل شئ ينهار ويتدهور فقال (أن الدولة دائما تنتهي بالانهيار الكامل ).
ولقد أدرك ابن خلدون أهمية دراسة الظروف الطبيعية – أي العوامل الجغرافية – من أجل معرفة تاثييراتها على مسار التاريخ ، إلى جانب التركيز على العوامل الاقتصادية ومسئوليتها عن الأحداث التاريخية سواء فئ طور البداوة أوفى طور التحضر أو حتى في طور التدهور[3] .
خاتمة الباحث. 
  أن ابن خلدون عندما تحدت عن التاريخ قد تحدت عنها من ناحية خبرتها بهذه الدول والتي كما ساقنا سابقاً فإنها نتيجة لما رآها من انهيار الدولة الإسلامية والموالى الذين كانوا هدفهم جمع الأموال من السلطان وهذه أحدى الأسباب التي جعلت الدولة الإسلامية تنهار في ذلك الوقت وتحديداً في القرن الرابع عشر .
أنا لااريد أن اشكك في عبقرية فيلسوفنا ولااريد أن أستعجل في الحكم عليها وخاصة فيما لحضته في هذا الكتاب!!!.
 الاانى أرادت أن أضع رائي في سياق الموضوع وخاصة فيما يخص تعريف الحضارة وهى كما موضحا في ورقة العمل السابقة والتي أخذت من كتاب الحضارة وإشكالية المصطلح للااستاد عطية الويشى والتي تتمثل في أن الحضارة: (هي تفنن في الترف وأحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه).
بينما نلاحظ هنا أن هذا التعريف لاينطبق على ماهو موجود في كتاب فلسفة التاريخ للدكتور رأفت الشيخ حيت أن الترف عندها هو سبب انهيار الدولة وانه نهاية طور من الأطوار الثلاثة التي صاغها فيلسوفنا.
 هل هذا عدم معرفة بالحقيقة أوتجاهل من المؤلف في هذا الموضوع؟ .
واقصد بهذا أن ابن خلدون هل هو من وضع هذه التعريفات؟ أم أنها مجرد استنتاجات وضعت من المؤلفين وتخمينات ؟وهل هذا الترف هو الذي ساعد الدول على النهوض أو هو الذي جعلها في الحضيض وانهارت به؟ .



[1] - د- زينب محمود الخضيرى – فلسفة التاريخ عند ابن خلدون – دار التنوير للطباعة والنشر –  ص53- 54.
[2] - نفس المرجع – ص54.
[3] -د رأفت الشيخ – في فلسفة التاريخ – الطبعة الأولى – عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية مصر – ص- 53 إلى 67.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق