الجمعة، 3 أغسطس 2012

اتجاهات فلسفة التاريخ المعاصرة

الاتجاه البرجماتي ألذرائعي
ازدهرت البرجماتية في الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية القرن العشرين على يد الفلاسفة تشارلز بيرس 1839-1914 ووليم جيمس 1842-1910م وجون ديوي 1859-1952م([1]). وهي ليست مذهباً فلسفياً بالمعنى التقليدي للكلمة, بل هي منهج أكثر من كونها عقيدة نظرية واحدة متسقة. هي اسم جديد لطريقة قديمة في التفكير (طريقة الفلسفة النفعية عند السفسطائيين, والتجريبية الإنجليزية عند بيكون ولوك وهيوم)([2]) ومن ثم فان أهميتها لأغراض هذه الأطروحة لا تكمن فيما تنطوي عليه من فلسفة للتاريخ فحسب بل في موقفها النقدي من المعرفة والتاريخ. والجديد في البرجماتية في كونها استبدلت بالنظرة إلى الماضي, النظرة إلى المستقبل([3]) فبدلا من الاهتمام بالماضي والتاريخ والبحث عن أصول الأشياء والظواهر والمعارف والمؤسسات, انصرفت البرجماتية للبحث في النتائج العملية, فهي لا تسال كيف نشأت المعرفة أو الأفكار بقدر ما تسأل عن النتائج التي تترتب على هذه الفكر أو تلك في عالم الخبرة الواقعية([4]), وفي ضوء هذا المبدأ العام يتحدد الموقف البرجماني من التاريخ والمعرفة التاريخية في كتابة (بعض مشكلات الفلسفة)([5]).ينتقد جميس ذلك الانقسام الذي ساد الفلسفة منذ ظهورها بين العقل والحواس، بين الروح والجسد بين المذهب العقلي والمذهب التجريبي، بين المادية والمثالية بين الحتمية التقدمية التفاؤلية وحتمية الاضمحلال المتشائمة، ويرى جميس أن كل هذه الثنائيات لا معنى لها، وان العالم هو مكان خبرة وتطور ارتقاء والتاريخ ليس وحدة متجانسة بل حقل ممكنات واختيارات واسعة([6]) ونادى بتعدد العوالم. ويرى جون ديوي في كتابه (تجديد الفلسفة) أن الخبرة هي مجموع التفاعل المتبادل بين كائن حي عاقل وبين بيئته، والتاريخ عند ديوي (هو خبرة الإنسان في تعلم كيف يفكر، ويحل مشكلاته ويتجاوز ذاته ويحول ظروف حياته([7]), والتقدم ليس تلقائياً ولا ضرورياً ولا كلياً، بل هو حسب ديوي تجارة "تجزئة" وليست هناك قوى كونية خارج الإرادة الإنسانية أو السلوك البشري تلزم حركة التاريخ بإتباع هذا المسار أو ذاك، والتغيير ضروري وجزء من مكونات التاريخ لكن التغيير لا يؤدي ضرورة إلى التقدم ويستمد التقدم معناه الوحيد في ضوء ما يعطيه البشر للتغيير من اتجاه وتوجيه والتقدم التلقائي إيمان طفولي وعاطفي غير مسؤول([8]), والصراع عند ديوي هو جوهر التغيير التاريخي; الصراع بين القديم والجديد بين القوى والمصالح والأهداف والاتجاهات. وفي هذا الاتجاه يأتي الفيلسوف الأمريكي (شارلس بيرد 1834-1948) الذي أكد في كتابه (الحضارة الأمريكية): "أن تطبيق المنهج العلمي على الدراسات السياسية والتاريخ سوف يمكن البشر من السيطرة على أنفسهم وعلى مستقبلهم, إذ يرى بيرد أن كل فلسفات وديانات العالم ترتكز على مجموعة من التأكيدات البسيطة الأساس التي تفضي إلى هدف أرضي مشترك: حياة طيبة"([9]), وفكرة الحضارة في الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن مجرد تعبير تمثيلي بل تتجسد في صورة مؤسسات لتأمين الحياة الطيبة للإنسان والحضارة هي تفسير تاريخي ودعوة إلى العمل في آن واحد، ويخلص بيرد إلى القول: أن قراءة التاريخ الأمريكي تؤكد مفهومنا عن التقدم: أساسه التجريبي الاجتماعي والخبرة الفردية والاستفادة الإنسانية من العلم لأغراض الخير والحق والجمال وضد الجهل والمرض وقوى النزعة البربرية في الأفراد وفي المجتمع([10])


(3) جميل صليبيا, المعجم الفلسفي, ج1 ص 24.
(4) ينظر على عبد الهادي عبد الله, رسالة ماجستير بعنوان البراجمانية عند تشارلس ساندرس بيرس, بأشراف فاتنة جميل حمدي, كلية الآداب جامعة بغداد 1997 ص 33- ص 44.
([3]) ينظر: ج. أيورمسن, الموسوعة الفلسفية المختصرة, ترجمة فؤاد كامل, ص133.
(6) رسل, تاريخ الفلسفة الغربية, ج3, ص57, ايضاً الموسوعة الفلسفية المختصرة, ص147.
[5])) وليم جميس، بعض مشكلات الفلسفة، ترجمة محمد فتحي الشنيطي، المؤسسة العربية العامة للتأليف والترجمة، ص131. ينظر ايضاً: دافيد مارسيل، فلسفة التقدم، ص131
[6])) رسل، تاريخ الفلسفة الغربية، ج3، ص75, ايضاً, الموسوعة الفلسفية المختصرة, ص147.
[7])) جون ديوي، تجديد في الفلسفة، ترجمة أمين مرسي قنديل، دار إحياء الكتاب العربي، مصر.
[8])) ديفد مارسيل، فلسفة التقدم، ص171.
[9])) المصدر نفسه، ص219.
[10])) المصدر نفسه، ص220.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق