حركة القرامطة في العراق والخليج ...اقتصادها وفلسفتها الأول 1
ربما لا توجد حركة في الإسلام اختلطت فيها الإسطورة مع الحقيقة والخرافة مع الواقع كما هو الحال مع حركة القرامطة لدرجة ان مستشرقين وباحثين كبار نسبوا اليه الكثير مما ليس لها واخذوا منها الكثير مما عندها . وقد يعود ذلك نسبيا الى حركة القرامطة نفسها . فالحركة القرمطية ليس لها دستور مكتوب او برنامج محفوظ او فلسفة باقية ثابتة . كل ما هو موجود هو عبارة عن شذرات لباحثين او مؤرخين متحيزين لها او عليها . فالبعض اعطاها اكثر بكثير من حجمها الحقيقي في حين ان البعض الأخر اخذ بعض ما لديها من خصائص . لقد نٌسب الى الحركة القرمطية مثلا انها تتبنى الفلسفة المادية وانها سبقت كل النظريات والفلسفات الإقتصادية في تطبيق الإشتراكية ، وبل قال البعض انها طبقت الشيوعية او بشرت بها . ويؤمن بذلك الكثير من كبار المستشرقين . فمثلا يقول احدهم ان حركة القرامطة هي حركة شيوعية وان برنامجها هو برنامج اشتراكي ولكن من اسباب عدم نجاحهم في تطبيق ذلك البر نامج هو الحرب الضروس التي خاضوها مع الدولة اضافة الى عدم نجاحهم في تلك الحرب وبالتالي عدم قدرتهم على اقامة الإستقرار الذي يتطلبه تطبيق البرنامج 1.
ويؤيد بعض الباحثين العرب ذلك واصفين الحركة القرمطية بانها ( اشتراكية مدروسة وممحصة على ضوء الواقع السياسي والإجتماعي والديني ) 2.
ويؤكد باحث اخر ( ان الحركة القرمطية قامت على دعائم من الإشتراكية الثورية الصحيحة وذلك من خلال دعاة سواد الكوفة والبحرين ) ثم يضيف ( ان القرامطة اخذوا الإشتراكية عن الإسماعيلة واخذها هؤلاء عن الفلسفة اليونانية وخصوصا كتاب جمهورية افلاطون )3.
وبالطبع فإن هذه الأراء بعيدة عن واقع الحال الذي كانت عليه الحركة القرمطية وعن فكرها الأقتصادي الذي سوف نأتي عليه لاحقاً .
كما يقولون بأنها قامت بتحرير المرأة قبل الف سنة من الحركات الغربية لتحرير المرأة . ويتجاوز اعدائها ذلك الى درجة اتهامها بالأباحية وغير ذلك من التهم .
والخطأ الذي يقع فيه الكثير من الباحثين هو انهم يقتطعون الحركة من اطارها التاريخي ومن الزمن الذي نشأت فيه ويبدأون بتطبيق فرضياتهم وفقا للتصورات المعاصرة .
لقد نشأت الحركة القرمطية في مجتمع اسلامي محافظ يرى في الخلافة الإسلامية المرجعية الدينية والسياسية والتشريعية لذلك فإن اي خروج على هذه الخلافة انما هو خروج على الشرع والعرف والدين والأخلاق. وما وصل الينا من اراء حول الحركة القرمطية انما هو شذرات من اقوال المؤرخين والكتاب والأفكار التي كانت سائدة في اوساط العامة عن تلك الحركة . وبالتالي فإن ارائهم عن الحركة ما كان يمكن ان تشذ عما هو متوقع من النظرة اليها في ضوء منزلة الخلافة . وبما انه لم يعرف لها دستور مكتوب فقد كانت التهم تلصق بها جزافاً وحسب هوى الكتاب والمؤرخين او حسب هوى العامة التي كانت ارائهم مصدراً من مصادر المؤرخين والكتاب .
وبالإضافة الى كل ذلك فقد كان بعض ما رشح من اراء من خلال النصوص الادبية المنسوبة الى شعراء القرامطة يعزز تلك النظرة التي كانت تؤكد خروجهم عما هو متعارف عليه من اعراف ومن اسس اجتماعية تنطلق بالأساس من مبادئ الدين الإسلامي .
ومع انه ليس بالجديد بل من المالوف جدا في تاريخ الشعر العربي نسب هذه الأبيات اوتلك الى هذا الشاعر او ذاك حتى ان كثير من الشعر ينسب الى اكثر من شاعر لذلك فإن التاكيد على نسب هذه الأبيات الى شعراء القرامطة هو امر يصعب الجزم به . ومع ان من المسلم به ان الأدب والشعر هما مرآة الحياة فإنه يمكن الطعن ببساطة بنسبة هذه الأبيات او تلك ، كما ان كون ابيات معينة قبلت من شاعر لا تعني انها تمثل فعلا فلسفة التيار السياسي الذي ينتمي اليه ذلك الشاعر ولدينا الكثير من الأمثلة في العصر الحديث . فالشعراء العقائديون كثيرا ما يشرّقون ويغربون في شعرهم ولكن تبقى الخطوط الأساسية للتيار السياسي والإجتماعي الذي ينسب اليه الشاعر ثابتة وليس لها علاقة بشعر الشاعر المذكور .
من الأبيات الشعرية المشهورة والمنسوبة الى احد الشعراء القرامطة والتي يستشهد بها كدليل قاطع على مروق القرامطة وخروجهم على الدين والأخلاق الأبيات الأتية .
خذي الدف يا هذه والعبي وغني هزاريك ثم اطربي
تولى نبي بني هاشم وهذا نبي بني يعرب
فقد حط عنا فروض الصلاة وحط الصيام ولم يتعب
اذا الناس صلوا فلا تنهضي وان صاموا فكلي واشربي
وما الخمر الا كماء السماء محل فقدست من مذهب
ولعل المقصود( بنبي بني يعرب ) الذي حط عنهم فرض الصلاة والصيام هو( ابو سعيد الجنابي ) القرمطي الذي حكم الخليج واغتيل سنة 301 هجرية .
كما يستند الباحثون الى شعر في تفسيرهم للفكر الفلسفي القرمطي المنسوب الى زعمائهم ومن ذلك الشعر القصيدة التي تنسب الى الزعيم القرمطي ( ابي طاهر ) الذي وحد قرامطة العراق والخليج والتي يقول فيها :
اذا طلع المريخ من ارض بابل وقارنه كيوان فالحذر الحذر
فمن بلغ اهل العراق رسالة باني انا الموهوب في البدو الحضر
فيا ويلهم من وقعة بعد وقعة يساقون سوق الشاة للذبح والبقر
سأصرف خيلي نحو مصر وبرقة الى قيروان الترك والروم والخزر
انا الداعي للمهدي لاشك غيره انا الصارم الضرغام والفارس الذكر
اعمر حتى ياتي عيسى ابن مريم فيحمد اثاري وارضي بما امر
ولكنه حتم علينا مقدر فنفنى ويبقى خالق الخلق والذكر
من الواضح ان هذه الأبيات لا تؤكد الإلحاد بل تنفيه وتظهر كما لو كانت افكاراً لفرقة اسلامية من الفرق الكثيرة التي كانت موجودة في ذلك الوقت برغم انها تختلط بكثير من المعتقدات القديمة التي تؤمن بالكواكب والنجوم وتؤكد اهميتها في تقدير مصير البشر.
فهي مثلا تؤمن بعيسى بن مريم والمهدي والخالق والخلق و النشور كما هو شأن الكثير من الفرق الإسلامية في ذلك الوقت برغم انها قد تختلف مع العقيدة المركزية للدولة . كما تتوعد اهل العراق من اتباع الدولة العباسية بالويل والثبور وتعد بغزو مصر وبرقة والترك والروم .
بعض مصادر البحث :
1- بندلي جوزي – الحركات الفكرية في الإسلام / بيروت 1955 ص 166 .
2- مصطفى غالب – القرامطة / بيروت 1978 ص126 .
3- عارف ثامر – القرامطة / بيروت ص 93-94 ز
4- عمارة بن المكي – تاريخ اليمن مع اخبار القرامطة / طبعة مصر ( بدون تاريخ ) ص 169 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق