المغرب في الأرشيف البريطاني/خالد بن الصغير
للنشر بالرباط، الطبعة الثانية من كتاب " المغرب في الأرشيف البريطاني:
مراسلات جون دراموند هاي مع المخزن )1846- 1886( " للباحث المغربي المتخصص
في التاريخ، خالد بن الصغير، ونفذت طبعته الأولى، الصادرة عام 1992 عن دار
النشر "ولادة" منذ سنوات
ويقدم الكتاب خدمة كبيرة للعديد من الباحثين في
مجالات التاريخ، والأنتروبولوجيا، والسوسيولوجيا، ويقدم لهم وثائق عربية
نادرة لم يسبق نشرها، كلفت الباحث المغربي خالد بن الصغير الكثير من
الوقت، والمال لنسخها، وإصدار الكتاب في ما بعد دون دعم أي جهة كانت، رغم
أهميته، وعرضه للبيع ضمن لائحة الكتب الناذرة عبر الإنترنيت في الولايات
المتحدة الأميركية بسعر خمسين دولارا.
ويبلغ مجموع الوثائق، التي
يقدمها هذا الكتاب، والمرجع المتميز والنادر، أربعمائة وثمانية وعشرين
وثيقة محررة بالعربية، منها مراسلات صادرة عن الجانب البريطاني، وأخرى عن
السلطات المخزنية، وهي موجودة اليوم بدار المحفوظات البريطانية في كيو
(Kew) جنوب غرب لندن، بعد أن تغير أخيرا اسمها القديم، الذي عمر منذ
افتتاحها سنة 1838، من البابليك روكورد أوفيس، (Public Record Office) إلى
الأرشيفات الوطنية (National Archives).
وفي تقديمه للطبعة الثانية
من هذا الكتاب المهم، استعرض الباحث خالد بن الصغير جميع المراحل التي
قطعها في إنجاز هذا الكتاب، والمشاكل التي اعترضت طريقه في إنجاز مهامه
الدراسية، المتمثلة بالأساس في ارتفاع تكلفة الإقامة بلندن، وفي تكاليف
نسخ تلك الوثائق العربية النادرة، التي كان من المفروض أن تحرص الجهات
المعنية بالمغرب على توفرها في المكتبة الوطنية. وأشار بن الصغير إلى أنه
اندهش، حينما عثر على تلك الوثائق العربية بالأرشيف البريطاني، في فترة
قيامه برحلتين دراسيتين إلى بريطانيا في صيفي 1986 و1987، منها مراسلات
صادرة عن الجانب البريطاني وأخرى عن السلطات المخزنية. وقال إنها مكنته من
الوقوف، ليس فقط أمام وثائق أجنبية صرفة تعبر عن وجهة نظر أحادية، بل أمام
مراسلات صادرة عن كلا الطرفين، وهو ما يمكن الباحث من توسيع آفاق بحثه
بناء على وثائق موضوعية تقدم له في الآن نفسه الرأي ونقيضه.
وأضاف
بن الصغير أنه "رغم ارتفاع تكاليف الاستنساخ، فقد هان كل شيء أمام إمكانية
الحصول على نسخ من نصوص تلك المراسلات الفريدة. ومكن الاستغلال الجزئي أو
الكلي لمضامين تلك الوثائق في كتابي الذي يحمل عنوان"المغرب وبريطانيا
العظمى في القرن التاسع عشر: 1856-1886"، الذي صدرت طبعته الأولى في نونبر
1990 عن دار النشر "ولادة"، والطبعة الثانية عام 1997 ضمن منشورات الكلية،
ثم طبعته المترجمة إلى الإنجليزية في 2005، من المساهمة في الكشف عن جوانب
ظلت خفية أو غامضة لدى الباحثين المهتمين بتاريخ المغرب المعاصر. وكان ذلك
سببا في استفسار البعض منهم عن إمكانية الوقوف على النصوص الكاملة لوثائق
بدت لهم أساسية لموضوع أبحاثهم.
وتدريجيا بدأت تشغل بالي فكرة نشر
هذه الوثائق، وما لبثت أن انخرطت في تنفيذها بعد تشجيعات لقيتها من بعض
زملائي. لكنني ترددت لأسباب عديدة، من بينها أن نصوص بعض الوثائق كانت إما
ناقصة لعجزي عن تسديد واجبات الاستنساخ المرتفعة، أو لأن بعضها صعب
القراءة، أو لغلبة العامية على أسلوب كتابتها. ومع ذلك، اقتنعت بأنه ليس
من حقي الانفراد بحفظ نصوص تلك الوثائق في حوزتي، في الوقت الذي قد يستفيد
منها باحثون آخرون في تخصصات أخرى.
وفي يوليوز من سنة 1991، عدت
مجددا إلى لندن في إطار رحلة دراسية لتحضير شهادة دكتوراه الدولة في
التاريخ المعاصر، فاستكملت من بعض الملفات ما كان ينقصني، كما استنسخت
نصوصا كاملة لوثائق اكتفيت في الزيارات السابقة بأخذ نقطها الأساسية أو
باختصار أفكارها العامة.كما كانت تلك الزيارة فرصة مواتية حصلت خلالها من
المحافظ على رخصة تسمح بنشر الوثائق المذكورة".
وكانت الحصيلة هي
صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، الذي اختار له صاحبه عنوان " المغرب في
الأرشيف البريطاني: مراسلات جون دراموند هاي مع المخزن (1845-1886)"، الذي
جمع بين دفتيه النصوص العربية الكاملة لأربعمائة وثمانية وعشرين وثيقة لم
يسبق نشرها، وكلها موجودة اليوم في الأرشيفات الوطنية البريطانية.
وتغطي تلك الوثائق المتنوعة، السنوات الممتدة من 1846 إلى 1886، وهي نوعان:
نسخ
المراسلات: وهي التي وجهها جون دراموند هاي إلى رجالات المخزن على اختلاف
مستوياتهم، وتشكل الحيز الأكبر من هذه الوثائق المنشورة، منها على سبيل
المثال المراسلات المتبادلة بين النائب السلطاني محمد بركَاش ودراموند
هاي، وتلك الموجهة من دراموند هاي إلى ممثلي المخزن، مرورا بالسلاطين
المولى عبد الرحمن (1822-1859)، والمولى محمد بن عبد الرحمن (1859-1873)،
والمولى الحسن (1873-1894)، والنواب السلطانيين بوسلهام بن علي أزطوط،
ومحمد الخطيب التطواني، ومحمد بركَاش الرباطي، والكتاب السلطانيين
والوزراء أمثال ابن إدريس العمراوي، والطيب بن اليماني بوعشرين، وموسى بن
أحمد، ومحمد بن العربي بن المختار الجامعي، وغيرهم.
والوثائق
الأصلية: والمقصود بها، المراسلات الموجهة من ممثلي المخزن إما مباشرة،
وإما عن طريق دار النيابة إلى دراموند هاي. وذلك مرورا بالسلاطين الثلاثة
سابقي الذكر، ونوابهم ووزرائهم. وتحتل مراسلات موسى بن أحمد إلى د. هاي
المرتبة الأولى من حيث عددها. وتأتي بعدها مراسلات محمد بركَاش، ومراسلات
الوزير محمد بن العربي بن المختار الجامعي. ومن حيث الأهمية نجد مراسلات
خاصة بين السلطان محمد بن عبد الرحمن ود. هاي، وأخرى بين هذا الأخير
ومخبره السري بوبكر الغنجاوي المراكشي. وسميت هذه الوثائق بالأصلية، لأنها
تحمل خواتم أو توقيعات أصحابها الصادرة عنهم على اختلاف مستوياتهم داخل
التشكيلة المخزنية وخارجها.
أما مواضيع هذه المراسلات بنوعيها،
فإنها كثيرة ويستحيل تعدادها في هذا التقديم المقتضب. ويمكن الرجوع في
نهاية المجموع إلى فهرس الوثائق المنشورة للتمكن من فكرة سريعة ومختزلة عن
مضمون كل وثيقة.
للإشارة فالوثيقة المكتوبة تحتل مكانة خاصة في
الكتابة التاريخية بوجه عام رغم الانتقادات التي يمكن أن تكون موضوعا لها،
خاصة الرسمية منها، الصادرة عن الدولة.
وعندما يتعلق الأمر
بالمغرب، كما جاء في التقديم، تتخذ المسألة أهمية أكبر لأسباب عديدة، ومن
أبرزها أن الأمر يتعلق بوجود مجتمع عالم تتداول فيه الكتابة خلال الحياة
اليومية، وتؤطر الحياة اليومية في كل المجتمعات، معاملات بين الأفراد
والجماعات تستلزم الكتابة والتدوين، ويحدث من ثمة تراكم للمكتوب كلما تعلق
الأمر بالبيع والشراء، أو بالزواج والإراثة، أو بالحرب والسلم. ولا يمكن
للكتابة أن تصبح نشاطا ساري المفعول إلا في المجتمعات الواعية بمدى
أهميتها، ومن ثمة كان المالك لناصية الكتابة ليس شخصا مرغوبا فيه فحسب، بل
مهاب الجاب ويحظى بالتقدير.
وإذا كانت لهذه النقطة أهمتها بين
الأفراد المنتمين إلى المجتمع الواحد، فإنها تكتسي أهمية أكبر حين يتعلق
الأمر بالتعامل بين دولتين متباينتين، وبالتالي بين مجتمعين متباينين
أيضا، وخاصة إذا كان الطرف الآخر ينتمي إلى مرجعية اجتماعية وثقافية
مختلفة تماما عن المرجعيات السائدة في المغرب، ألا وهي المرجعية الغربية
القائمة على مبادئ الحرية والعدل وحقوق الإنسان. وكانت تلك هي الحالة بين
المغرب، البلد الإسلامي المحافظ خلال فترة ما قبل الحماية، وبين بريطانيا
العظمى، الدولة الصناعية الرائدة وصاحبة القوة العسكرية الضاربة والمسيطرة
على بحار العالم بأساطيلها الحربية والتجارية. وبناء عليه، يصبح من
الأهمية بمكان، التعرف على مجموعة من الحيثيات التي كان يجري بها وفي
إطارها التحاور بين الطرفين في سياقات يغلب عليها الاختلاف.
ولد
جون دراموند هاي بمدينة فلانسيين (Valencienne) بفرنسا في فاتح يونيو
1816، ونشأ في مدينة إيدنبورغ (Edinburgh) عاصمة إسكتلندة إلى حدود سنة
1832. وكان والده وليام أوريول دراموند هاي (William Auriol Drummond Hay)
قنصلا عاما لبريطانيا بالمغرب منذ 25 غشت 1829. وعند زيارته الأولى للمغرب
في 1832، لم يكن عمره يتجاوز الخمس عشرة سنة. وفي سنة 1838، قام برحلة
استطلاعية في شمال البلاد فوضع على إثرها كتيبا عنوانه "ويسترن بارباري"
«Western Barbary» سجل فيه انطباعاته الأولى عن المغرب. وفي السنة
اللاحقة، تلقى تكوينا إداريا لمدة سنتين بوزارة الخارجية البريطانية، فعين
في ماي 1840 ملحقا بإستنبول. ثم تلقى أوامر بالتوجه إلى الإسكندرية في 19
يونيو 1840، لمساعدة القنصل العام البريطاني بها، فعاد إلى العاصمة
العثمانية في شتنبر من السنة نفسها، واستمرت إقامته بها لمدة قاربت الأربع
سنوات. وقد احتك أثناء هذه المرحلة بدبلوماسيين محنكين هما اللورد
بونسونبي (Lord Ponsonby)، والسير سترافورد كانينغ (Sir Straford Canning).
ومعلوم
أن كانينغ هو الذي خطط البرامج الإصلاحية التي اقترحتها بريطانيا على
العثمانيين خلال القرن التاسع عشر. وكان تأثيره كبيرا في مسار جون دراموند
هاي الدبلوماسي، خاصة على مستوى توجهاته الإصلاحية. ويمكن للقارئ أن يلمس
في الوثائق المنشورة ضمن هذا الكتاب التوثيقي مدى حجم هذا التوجه.
مراسلات جون دراموند هاي مع المخزن )1846- 1886( " للباحث المغربي المتخصص
في التاريخ، خالد بن الصغير، ونفذت طبعته الأولى، الصادرة عام 1992 عن دار
النشر "ولادة" منذ سنوات
ويقدم الكتاب خدمة كبيرة للعديد من الباحثين في
مجالات التاريخ، والأنتروبولوجيا، والسوسيولوجيا، ويقدم لهم وثائق عربية
نادرة لم يسبق نشرها، كلفت الباحث المغربي خالد بن الصغير الكثير من
الوقت، والمال لنسخها، وإصدار الكتاب في ما بعد دون دعم أي جهة كانت، رغم
أهميته، وعرضه للبيع ضمن لائحة الكتب الناذرة عبر الإنترنيت في الولايات
المتحدة الأميركية بسعر خمسين دولارا.
ويبلغ مجموع الوثائق، التي
يقدمها هذا الكتاب، والمرجع المتميز والنادر، أربعمائة وثمانية وعشرين
وثيقة محررة بالعربية، منها مراسلات صادرة عن الجانب البريطاني، وأخرى عن
السلطات المخزنية، وهي موجودة اليوم بدار المحفوظات البريطانية في كيو
(Kew) جنوب غرب لندن، بعد أن تغير أخيرا اسمها القديم، الذي عمر منذ
افتتاحها سنة 1838، من البابليك روكورد أوفيس، (Public Record Office) إلى
الأرشيفات الوطنية (National Archives).
وفي تقديمه للطبعة الثانية
من هذا الكتاب المهم، استعرض الباحث خالد بن الصغير جميع المراحل التي
قطعها في إنجاز هذا الكتاب، والمشاكل التي اعترضت طريقه في إنجاز مهامه
الدراسية، المتمثلة بالأساس في ارتفاع تكلفة الإقامة بلندن، وفي تكاليف
نسخ تلك الوثائق العربية النادرة، التي كان من المفروض أن تحرص الجهات
المعنية بالمغرب على توفرها في المكتبة الوطنية. وأشار بن الصغير إلى أنه
اندهش، حينما عثر على تلك الوثائق العربية بالأرشيف البريطاني، في فترة
قيامه برحلتين دراسيتين إلى بريطانيا في صيفي 1986 و1987، منها مراسلات
صادرة عن الجانب البريطاني وأخرى عن السلطات المخزنية. وقال إنها مكنته من
الوقوف، ليس فقط أمام وثائق أجنبية صرفة تعبر عن وجهة نظر أحادية، بل أمام
مراسلات صادرة عن كلا الطرفين، وهو ما يمكن الباحث من توسيع آفاق بحثه
بناء على وثائق موضوعية تقدم له في الآن نفسه الرأي ونقيضه.
وأضاف
بن الصغير أنه "رغم ارتفاع تكاليف الاستنساخ، فقد هان كل شيء أمام إمكانية
الحصول على نسخ من نصوص تلك المراسلات الفريدة. ومكن الاستغلال الجزئي أو
الكلي لمضامين تلك الوثائق في كتابي الذي يحمل عنوان"المغرب وبريطانيا
العظمى في القرن التاسع عشر: 1856-1886"، الذي صدرت طبعته الأولى في نونبر
1990 عن دار النشر "ولادة"، والطبعة الثانية عام 1997 ضمن منشورات الكلية،
ثم طبعته المترجمة إلى الإنجليزية في 2005، من المساهمة في الكشف عن جوانب
ظلت خفية أو غامضة لدى الباحثين المهتمين بتاريخ المغرب المعاصر. وكان ذلك
سببا في استفسار البعض منهم عن إمكانية الوقوف على النصوص الكاملة لوثائق
بدت لهم أساسية لموضوع أبحاثهم.
وتدريجيا بدأت تشغل بالي فكرة نشر
هذه الوثائق، وما لبثت أن انخرطت في تنفيذها بعد تشجيعات لقيتها من بعض
زملائي. لكنني ترددت لأسباب عديدة، من بينها أن نصوص بعض الوثائق كانت إما
ناقصة لعجزي عن تسديد واجبات الاستنساخ المرتفعة، أو لأن بعضها صعب
القراءة، أو لغلبة العامية على أسلوب كتابتها. ومع ذلك، اقتنعت بأنه ليس
من حقي الانفراد بحفظ نصوص تلك الوثائق في حوزتي، في الوقت الذي قد يستفيد
منها باحثون آخرون في تخصصات أخرى.
وفي يوليوز من سنة 1991، عدت
مجددا إلى لندن في إطار رحلة دراسية لتحضير شهادة دكتوراه الدولة في
التاريخ المعاصر، فاستكملت من بعض الملفات ما كان ينقصني، كما استنسخت
نصوصا كاملة لوثائق اكتفيت في الزيارات السابقة بأخذ نقطها الأساسية أو
باختصار أفكارها العامة.كما كانت تلك الزيارة فرصة مواتية حصلت خلالها من
المحافظ على رخصة تسمح بنشر الوثائق المذكورة".
وكانت الحصيلة هي
صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، الذي اختار له صاحبه عنوان " المغرب في
الأرشيف البريطاني: مراسلات جون دراموند هاي مع المخزن (1845-1886)"، الذي
جمع بين دفتيه النصوص العربية الكاملة لأربعمائة وثمانية وعشرين وثيقة لم
يسبق نشرها، وكلها موجودة اليوم في الأرشيفات الوطنية البريطانية.
وتغطي تلك الوثائق المتنوعة، السنوات الممتدة من 1846 إلى 1886، وهي نوعان:
نسخ
المراسلات: وهي التي وجهها جون دراموند هاي إلى رجالات المخزن على اختلاف
مستوياتهم، وتشكل الحيز الأكبر من هذه الوثائق المنشورة، منها على سبيل
المثال المراسلات المتبادلة بين النائب السلطاني محمد بركَاش ودراموند
هاي، وتلك الموجهة من دراموند هاي إلى ممثلي المخزن، مرورا بالسلاطين
المولى عبد الرحمن (1822-1859)، والمولى محمد بن عبد الرحمن (1859-1873)،
والمولى الحسن (1873-1894)، والنواب السلطانيين بوسلهام بن علي أزطوط،
ومحمد الخطيب التطواني، ومحمد بركَاش الرباطي، والكتاب السلطانيين
والوزراء أمثال ابن إدريس العمراوي، والطيب بن اليماني بوعشرين، وموسى بن
أحمد، ومحمد بن العربي بن المختار الجامعي، وغيرهم.
والوثائق
الأصلية: والمقصود بها، المراسلات الموجهة من ممثلي المخزن إما مباشرة،
وإما عن طريق دار النيابة إلى دراموند هاي. وذلك مرورا بالسلاطين الثلاثة
سابقي الذكر، ونوابهم ووزرائهم. وتحتل مراسلات موسى بن أحمد إلى د. هاي
المرتبة الأولى من حيث عددها. وتأتي بعدها مراسلات محمد بركَاش، ومراسلات
الوزير محمد بن العربي بن المختار الجامعي. ومن حيث الأهمية نجد مراسلات
خاصة بين السلطان محمد بن عبد الرحمن ود. هاي، وأخرى بين هذا الأخير
ومخبره السري بوبكر الغنجاوي المراكشي. وسميت هذه الوثائق بالأصلية، لأنها
تحمل خواتم أو توقيعات أصحابها الصادرة عنهم على اختلاف مستوياتهم داخل
التشكيلة المخزنية وخارجها.
أما مواضيع هذه المراسلات بنوعيها،
فإنها كثيرة ويستحيل تعدادها في هذا التقديم المقتضب. ويمكن الرجوع في
نهاية المجموع إلى فهرس الوثائق المنشورة للتمكن من فكرة سريعة ومختزلة عن
مضمون كل وثيقة.
للإشارة فالوثيقة المكتوبة تحتل مكانة خاصة في
الكتابة التاريخية بوجه عام رغم الانتقادات التي يمكن أن تكون موضوعا لها،
خاصة الرسمية منها، الصادرة عن الدولة.
وعندما يتعلق الأمر
بالمغرب، كما جاء في التقديم، تتخذ المسألة أهمية أكبر لأسباب عديدة، ومن
أبرزها أن الأمر يتعلق بوجود مجتمع عالم تتداول فيه الكتابة خلال الحياة
اليومية، وتؤطر الحياة اليومية في كل المجتمعات، معاملات بين الأفراد
والجماعات تستلزم الكتابة والتدوين، ويحدث من ثمة تراكم للمكتوب كلما تعلق
الأمر بالبيع والشراء، أو بالزواج والإراثة، أو بالحرب والسلم. ولا يمكن
للكتابة أن تصبح نشاطا ساري المفعول إلا في المجتمعات الواعية بمدى
أهميتها، ومن ثمة كان المالك لناصية الكتابة ليس شخصا مرغوبا فيه فحسب، بل
مهاب الجاب ويحظى بالتقدير.
وإذا كانت لهذه النقطة أهمتها بين
الأفراد المنتمين إلى المجتمع الواحد، فإنها تكتسي أهمية أكبر حين يتعلق
الأمر بالتعامل بين دولتين متباينتين، وبالتالي بين مجتمعين متباينين
أيضا، وخاصة إذا كان الطرف الآخر ينتمي إلى مرجعية اجتماعية وثقافية
مختلفة تماما عن المرجعيات السائدة في المغرب، ألا وهي المرجعية الغربية
القائمة على مبادئ الحرية والعدل وحقوق الإنسان. وكانت تلك هي الحالة بين
المغرب، البلد الإسلامي المحافظ خلال فترة ما قبل الحماية، وبين بريطانيا
العظمى، الدولة الصناعية الرائدة وصاحبة القوة العسكرية الضاربة والمسيطرة
على بحار العالم بأساطيلها الحربية والتجارية. وبناء عليه، يصبح من
الأهمية بمكان، التعرف على مجموعة من الحيثيات التي كان يجري بها وفي
إطارها التحاور بين الطرفين في سياقات يغلب عليها الاختلاف.
ولد
جون دراموند هاي بمدينة فلانسيين (Valencienne) بفرنسا في فاتح يونيو
1816، ونشأ في مدينة إيدنبورغ (Edinburgh) عاصمة إسكتلندة إلى حدود سنة
1832. وكان والده وليام أوريول دراموند هاي (William Auriol Drummond Hay)
قنصلا عاما لبريطانيا بالمغرب منذ 25 غشت 1829. وعند زيارته الأولى للمغرب
في 1832، لم يكن عمره يتجاوز الخمس عشرة سنة. وفي سنة 1838، قام برحلة
استطلاعية في شمال البلاد فوضع على إثرها كتيبا عنوانه "ويسترن بارباري"
«Western Barbary» سجل فيه انطباعاته الأولى عن المغرب. وفي السنة
اللاحقة، تلقى تكوينا إداريا لمدة سنتين بوزارة الخارجية البريطانية، فعين
في ماي 1840 ملحقا بإستنبول. ثم تلقى أوامر بالتوجه إلى الإسكندرية في 19
يونيو 1840، لمساعدة القنصل العام البريطاني بها، فعاد إلى العاصمة
العثمانية في شتنبر من السنة نفسها، واستمرت إقامته بها لمدة قاربت الأربع
سنوات. وقد احتك أثناء هذه المرحلة بدبلوماسيين محنكين هما اللورد
بونسونبي (Lord Ponsonby)، والسير سترافورد كانينغ (Sir Straford Canning).
ومعلوم
أن كانينغ هو الذي خطط البرامج الإصلاحية التي اقترحتها بريطانيا على
العثمانيين خلال القرن التاسع عشر. وكان تأثيره كبيرا في مسار جون دراموند
هاي الدبلوماسي، خاصة على مستوى توجهاته الإصلاحية. ويمكن للقارئ أن يلمس
في الوثائق المنشورة ضمن هذا الكتاب التوثيقي مدى حجم هذا التوجه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق