الخميس، 16 أغسطس 2012

الطاهر بنجلون: أنا لا أكتب تحت الطلب والمرة الوحيدة التي فعلتها كانت حول سجن تازمامارت









 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الكاتب والشاعر المغربي بالفرنسية الحائز على جائزة غونكوز: هناك قرصنة للكتب في لبنان ومصر وسورية وكتبي مترجمة للعربية بشكل سيئ.
الرباط : سعيدة شريف
الكاتب المغربي الطاهر بنجلون من أكثر الكتاب المغاربة الذين يكتبون باللغة الفرنسية شهرة، ومن أغزرهم انتاجا وأكثرهم قراء في أوروبا والمغرب، كما أنه في الوقت نفسه، من أكثر الكتاب إثارة للجدل والانتقادات بسبب آرائه التي ينشرها في الصحف والمجلات الفرنسية.
«الشرق الأوسط» التقت بنجلون أثناء زيارته للمغرب لتقديم عمله الأخير، وهو مجموعة قصصية بعنوان «غراميات ساحرة»، وتحدث دونما تردد عن عدة قضايا ثقافية وسياسية أثرناها معه ومن بينها أحداث الدار البيضاء الأخيرة:
* أنت تنتمي الى الجيل الثاني من الكتاب المغاربة الذين يكتبون باللغة الفرنسية ولك اصدارات كثيرة في الشعر والرواية والقصة، فماذا يمكنك القول عن الكتابة المغاربية باللغة الفرنسية الآن؟
ـ أنا أنتمي الى جيل عبد اللطيف اللعبي ومحمد خير الدين ومصطفى النيسابوري. ولما بدأنا الكتابة باللغة الفرنسية في الستينات لم نكن نتصور أن الكتابة بالفرنسية ستستمر. كنا نحس أننا نشكل ظاهرة غريبة بالنسبة للعالم العربي، لأنه لم يكن مستساغا في البداية للبعض أن يكتب كاتب بلغة غير لغته الأم التي لا يتكلمها لا أبوه ولا أمه. هذا الأمر كان غريبا، ولكن في نفس الوقت كانت لدينا حاجة للتعبير، وأحسن أداة كنا نتقنها هي اللغة الفرنسية. فحفاظا على اللغة العربية ولكي لا نتعسف عليها ونشوهها فضلنا أو فضلت أنا شخصيا أن أتقن أكثر اللغة الفرنسية حتى يكون العمل الابداعي الذي أقدمه في المستوى. وقد حاول بعض الفئات في الستينات والسبعينات أن يجعلنا نحس بالذنب بسبب الكتابة بلغة هي ليست لغة البلد الأم. ليس الأساسي هو اللغة ولكن ما يكتب، فما كتبته في مجموعة «أنفاس» له جذور مغربية لا لبس فيها، فقد كنا نعبر عن واقعنا ولو باللغة الفرنسية، وآزرنا القراء واستمررنا في الكتابة. هذا عن المرحلة الأولى. أما في المرحلة الثانية التي استقررت فيها بفرنسا وزاولت مهنة الكتابة بشكل مستمر، لاحظت أن العالم الغربي كان ينتظر شيئا من عالمنا المغربي، فالكتابة بالفرنسية سهلت عملية التعرف علينا وعلى بلداننا. فكان التعرف بشكل نقدي، حيث لم نقدم مجتمعنا بشكل عجائبي أو فولكلوري، بل تحدثنا عن المشاكل التي كان يشهدها المغرب، مثل ما فعل الكاتب ادريس الشرايبي في روايته الرائدة «الماضي البسيط» حيث فتح الطريق في الخمسينات لهذا النوع من الكتابة. فقد لاحظ النقد الفرنسي أن لنا وجوداً في الساحة الأدبية بشكل جيد، ولهذا بدأ ينتبه الينا والى كتاباتنا. وأنا شخصيا فقد أخذت هذا الأمر بكل جدية وتمرست على الكتابة عن بلدي المغرب. فأنا أنتبه للنقد الايجابي حينما يكون موضوعيا أما النقد السلبي المبني على الشتم والقذف فأنا لا أعيره أدنى اهتمام ولا أرد عليه.
* اختلاف مستويات القراءة
* ولكن هذا الطابع الفولكلوري والعجائبي الذي ظهر في أغلب الكتابات الأدبية بالفرنسية ساعتها جعل النقد العربي وبالخصوص النقد المغربي يشن حملة على هذا النوع من الكتابات إذ اعتبرها كتابات دخيلة؟
ـ أولا ليس دور الكاتب هو دور باحث علم الاجتماع ولا باحث علم النفس، فالكاتب حينما يحكي قصة كيفما كانت فهو يقوم بعمل ابداعي خيالي. أنا لا أزعم أني أعطي صورة حقيقية عن الواقع المغربي، لأن الواقع متعدد ومعقد، وكتاب واحد لا يكفي للتعبير عنه. أنا أعبر عن مشاعري وعن أحاسيسي وعن ذاتي. وقراء كتبي متعددون منهم من يرى أنها تقدم مواضيع فولكلورية ومنهم من يجد ما يبحث عنه. فالصورة التي أقدم قبل أن تكون واقعية هي صورة خيالية وفي نفس الوقت لها أبعاد نقدية. فدورالكاتب والشاعر ليس تمجيد واقع معين، بل النقد والرؤية التي تساعد القراء على توعية المجتمع. السعادة والهدوء والطمأنينة لا تفتح طرق الابداع، فالذي يفتحها هو المشاكل والأمراض التي يعانيها البلد، فالمبدع يتشبث بالأشياء المعقدة السياسية منها والنفسية أو الاجتماعية ويوظفها بشكل جيد في أعماله حتى يعطي للقارئ قصة خيالية مزودة بواقع معروف وملموس. ولا يزعم أن هذا الواقع موضوعي مائة في المائة ومطابق للواقع العمومي.
* هل أهم دور النشر التي نشرت فيها كتبك هي التي تطلب منك هذا النوع من الكتابات؟
ـ لا أبدا، أنا لا أكتب تحت الطلب، والمرة الوحيدة التي كتبت تحت الطلب كانت في ما يخص كتابي الاخير عن سجن تازمامارات وذلك بطلب من صديق لي، وهي ولو كانت كتابة بطلب فقد كتبت بكيفية روائية وليست وثائقية، فعلاقتي مع دار النشر، ليست علاقة عرض وطلب. أنا الذي أقرر بكل حرية وبكل اطمئنان ما أكتبه وما سأكتبه وما سينشر، أنا اعيش خمسة شهور سنويا في بلدي المغرب، أتجول، ألاحظ وأسمع، وهذا هو دور الكاتب الذي يرصد الظواهر ويأخذ من كل ما يراه ويعيشه. وكما أقول عادة فالعمل الفني للكاتب هو بمثابة منزل يبنى على سنوات، ولا يمكن أن يشيد في أشهر قليلة، فأنا منذ ثلاثين سنة وأنا اشيد منزلا وهذا المنزل كل حجر فيه هو عمل من أعمالي، وأنا أسعى إذا قدرني الله الى أن أكمل هذا المنزل. أنا أكتب دائما عن المغرب، وتحدثت فقط في روايتين عن ايطاليا وعن المغرب في الوقت نفسه. ارتباطي بالمغرب يظهر بشكل جلي في أعمالي. والعجيب أن الصحافيين الفرنسيين يسألونني دائما لماذا أكتب عن المغرب ولا أكتب عن فرنسا. فكنت اجيبهم بأن فرنسا كتب عنها الكثير، أما المغرب فهو يحتاج الى أن يدخل في الأدب والابداع.
* ما عدا بعض الاستثناءات كالطاهر بنجلون وعبد الحق سرحان وأسماء قليلة فالرواية المغربية المكتوبة باللغة الفرنسية تعيش وضعية حرجة الآن قياساً بالتراكم الذي عرفته في السابق، ما سبب هذا التراجع؟ وهل الكتابة باللغة الفرنسية ظاهرة ظرفية؟
ـ الادب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية ليس ظاهرة ظرفية، فما زالت لحد الآن بالمغرب تنشر بعض الكتب باللغة الفرنسية لدى دور النشر. هناك محاولات، ولكن لا يمكن أن نقول أن هناك جيلا جديدا كما كان في السابق مع مجموعة «أنفاس»، هناك أفراد يكتبون وبالأخص النساء اللواتي لفتن الانظار في السنوات الاخيرة من خلال كتاباتهن عن المجتمع المغربي وقضاياه الأساسية، إذ قدمن شهادات عما تعيشه المرأة المغربية. لكن الادب المكتوب بالفرنسية عموما لا يمكن الحكم عليه الآن بالتراجع، لأن دور النشر سواء المغربية أو الفرنسية تنشر لكاتبات مغربيات، وفي غالب الاحيان هي كتابات ذات مستوى.
* هل هذا النوع من الكتابات النسائية التي تتراوح بين الرواية والسيرة الذاتية والتحقيق الاجتماعي هو مستقبل الكتابة الادبية الفرنسية بالمغرب؟
ـ لا يمكن لي الحكم على هذه الكتابات مسبقا، وما أعرفه هو أن عددا كبيرا من النساء يكتبن ويتخذن الكتابة متنفسا للتعبير عما يعانينه، وهذا شيء مهم جدا. المشكل الخطير والمقلق الذي لدينا في المغرب هو أن القراءة قليلة جدا، ففيما يخص جيلي كانت عادة القراءة مسألة مهمة بالنسبة لنا، ولم نكن نتجول من دون أن يكون معنا كتاب. والمغرب الحالي اليوم يشهد عزوفا كبيرا عن القراءة، وهذه الظاهرة ربما ظاهرة عابرة، ولكن مع ذلك يجب أن نبذل مجهودات على مستوى التربية والمدرسة حتى نكسب الناس عادة القراءة، فإذا بدأ الشباب بقراءة الكتب فالآباء هم أيضا سيتأثرون وسيعودون الى الكتاب. فبلاد لا يقرأ أناسها لن تشهد تقدما على مستوى الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي. ان عددا كبيرا من اصحاب المكتبات يشتكون من عدم اقبال الناس على الكتاب على الرغم من اثمانه المناسبة. المشكل لا يكمن في ثمن الكتاب، لكن دخول الفضائيات الى المنازل قضى على القراءة.
* المرأة المغربية
* في مجموعتك القصصية الاخيرة «غراميات ساحرة» تحتفي بالمرأة وبالمجتمع المغربي الحالي، هل يمكن اعتبار هذا العمل بمثابة رد اعتبار للمرأة المغربية التي ظهرت بشكل سلبي في اعمالك الابداعية السابقة؟
ـ في عملي الروائي الاول الذي ظهر في السبعينات بعنوان «حرودة»، تحدثت عن المرأة المغربية في الاربعينات والخمسينات، وكان النموذج الذي اعتمدت عليه هو حياة والدتي رحمها الله، لأن المغرب تقدم وتغير، فوضعية المرأة ولو أنها لم تتغير على مستوى نصوص القوانين فقد تغيرت في أذهان وسلوك الرجال والنساء في المجتمع الحاضر. المرأة المغربية قامت بنضالات مهمة، فقد قامت بدورها بكل جد ولم تتكل على مساعدة الدولة أو القوانين. وللمرأة المغربية مبادرات شخصية ساهمت في تشكيل ما يسمى بالمجتمع المدني وقامت بدور مهم فيه. وقد لاحظت في المغرب أنه لولا بعض الجمعيات التي كونت من طرف نساء واستماتتها من أجل تغيير أوضاعها، لما شهد المغرب ما يشهده الآن من تغيرات مهمة. المرأة المغربية فرضت اختيارها التقدمي والحداثي في البلد بالرغم من رفض بعض الفئات الدينية أو ما تسمى بالدينية لهذه المبادرات، ولا أظن أن الاسلام يسيء للمرأة، فهؤلاء يستعملون بعض الاساليب لكي يقتلوا هذه اليقظة والنهضة التي يشهدها المغرب.
* الى جانب موضوعات الحب والصداقة والمرأة التي تطرقت اليها في هذه المجموعة القصصية تطرقت الى موضوع الخيانة، أليس في هذه المجموعة شيء من الطاهر بنجلون الذي تعرض لمجموعة من المشاكل مؤخرا بفرنسا وخيانة بعض الأصدقاء له بالمغرب؟
ـ فعلا لقد انطلقت في هذا الكتاب من أجل الرد على بعض الخيانات التي تعرضت لها في الميدان الأدبي والشخصي. فعندما تكون العلاقة حميمة وحبية بين امرأة ورجل فالخيانة عندما تأتي لا تكون أمرا مفاجئا على الرغم من كونها شيئا بائسا. ولكن عندما يقوم انسان كانت تربطك به علاقة صداقة محضة بدون ولا مصالح مادية أو شيء من هذا القبيل وتمنحه ثقتك الكاملة فيخون تلك الثقة، تكون الصدمة كبيرة. لقد أصبحت الكتابة بالنسبة لي هي نوع من الرد على هذا الانفعال، فعبرها أخرج ما أثر في بعنف. فعلا لقد تعرضت لخيانات فيها أشياء صدمتني كثيرا وفيها أشياء كنت أتوقعها بشكل أو بآخر. فإذا أخدنا مثلا قصة «الحمام» في المجموعة فهي قصة تحكي عن شخص رغم أنه ينظف نفسه يوميا يحس أن رائحة سيئة تنبعث منه، فعندما توجه الى حمام الطفولة بفاس لكي يغسل ذاته بكيفية جذرية، لاحظ أن هذا الشيء رمزي لأن منظف الجلد بالحمام سيقول له: يا ابني أنت خالطت قوما فأصبت بالعدوى، ولهذا فيجب عليك الحذر بشكل كبير في هذه الحياة. وأنا شخصيا وقعت في فخ كبير لأن بعض الناس يستغلون الصداقة والمحبة ليطعنوك في ما بعد من الخلف. وفي الأخير اكتشفت أن أولئك الناس لا مهنة لهم سوى الخيانة، وهذا موجود بالمغرب مع الأسف.
* هل تتوجه الى قارئ معين؟ وهل تفكر في قارئ مختلف حينما تتنقل بين الأجناس الأدبية (الشعر، القصة والرواية)؟
ـ أنا لا أتصور قارئا واحدا أو معينا، فأنا أكتب ولا أضع القارئ في اعتباري في البداية. ولكن حينما أكتب الشعر فالقراء طبعا الذين أتوجه اليهم هم قراء مختلفون لأنهم ليسوا كالقراء الذين يقرأون الشهادات الوثائقية أو القصة أو الرواية. فما عدا الشعر لا يمكن لي بتاتا أن أحدد قرائي لأنني ألاحظ بعد نشر كتبي أن قرائي متعددون. أنا أتوجه الى كل جمهرة القراء كيفما كانوا وكيفما كانت لغاتهم وانطباعاتهم عما أكتب. أما الكاتب الذي يحدد مسبقا نوع قرائه فأكيد سيكون له قراء محدودون، فالذي يكتب مثلا القصة البوليسية له قراء معينون يتكونون من الذين تعجبهم القصة البوليسية. أنا أتوجه الى عموم القراء أينما كانوا. وهنا أود أن أتطرق الى مشكل كبير يعانيه الكتاب العرب سواء كانوا يكتبون بالعربية أو بلغة أخرى وهو مشكل القرصنة والسرقة الموجودة في بلدان مثل سورية ومصر ولبنان. فقد حاولت عدة مرات مع بعض الكتاب المهمين في العالم العربي أن نفضح هذا العمل اللاأخلاقي الذي يسيء بشكل كبير وخطير الى الأدب العربي عامة. ففيما يخص كتبي، فبعد أسابيع على صدورها باللغة الفرنسية تترجم بالأخص في سورية وبشكل رديء ودونما استشارة لا دار النشر ولا الكاتب. وهم لا يقفون عند حدود القرصنة بل يغيرون في النص ويحذفون ويبدلون فيه على حسب ما يرونه مناسبا لهم. وهذا مخل بالأدب وبأخلاقيات المهنة، ولهذا السبب فأنا قد يئست كثيرا من وجودي في العالم العربي. فأينما تجولت أجد عددا كبيرا من الأصدقاء الذين يقولون لي أنهم قرأوا بعضا من كتبي في ترجمتها العربية ولكنها لم ترقهم وأنهم لا يظنون أنها في مستوى ما أكتبه باللغة الفرنسية. وهذه الفوضى موجودة بالخصوص في سورية لأنها لم توقع على قوانين حقوق الطبع في العالم. وهذا له انعكاس سلبي على دور النشر الجيدة، وبالخصوص «دار توبقال» في المغرب التي نشرت لي عددا من الكتب في ترجمة عربية جيدة وجميلة جدا، حيث تجد هذه الدار نفسها في مأزق لأن نفس الكتاب يدخل الى المغرب من سورية بثمن منخفض جدا. وطبعا القارئ لا يميز بين الترجمات ويقتني الذي هو أقل ثمنا. فعلى الرغم من تنديد العديد من الكتاب العرب بهذه الممارسات المخلة بالأدب، فهم لم يجدوا من يدافع عن حقوق المؤلف التي هي مثلها مثل حقوق الانسان. فكلما تحدثت في الصحف العربية أثرت هذه القضية ولكن من دون جدوى، هذا إضافة الى أنني كتبت رفقة الناشر رسالة احتجاج الى دار النشر السورية فوصلتنا في ما بعد رسالة شتم وسب يسيئون فيها إلينا ويقولون انهم يهدفون الى المساهمة في نشر هذا الأدب. فهل من المعقول أن تكون المساهمة في نشر الأدب عبرالقرصنة والإساءة؟
* ما هو الجنس الأدبي الأثير لديك؟
ـ أنا أولا بدأت بالشعر لأن الشعر ديوان العرب وهو النوع الابداعي الأول الذي عرفه العرب، ولحد الآن ما زلت أكتب الشعر، وربما هذا نابع من تأثير الحضارة والثقافة العربية الاسلامية في. ولكن هذا غير مهم لأن الأساسي هو أن يكون لنا تراكم ابداعي متميز في جميع المجالات.
* جدوى الادب
* بعد الرجات التي عرفها العالم، خصوصا أحداث 11 سبتمبر (ايلول) والحرب في العراق، هل ما زلت تؤمن بقدرة المثقف على تغيير الواقع؟
ـ لا أظن أن المثقف يمكنه أن يغير الواقع، لكن دوره يكمن في أخذ الكلمة عند الضرورة والتعبير عن الأشياء التي يجب أن تقال في وقت معين. لكن الصوت العربي الآن في الغرب أو في اميركا لن يعار له الاهتمام ولن ينصت اليه، فقد تعودنا على هذا من قبل مع السياسيين، حيث أن السياسة العربية لم تؤخذ في وقت من الأوقات بعين الاعتبار لا في أميركا ولا في أوروبا. والآن وصلنا الى مرحلة ثانية وهي أن كلمة المثقف أو الأديب والمفكر العربي لن يسمع لها، بل الأنكى من ذلك أنه لن يطلب منه التعبير عن موقفه في هذه أو ذاك. ولهذا يجب أن يعرف الكل هذا حتى لا يستمرالتساؤل عن صمت المثقف العربي بأوروبا. فالمثقفون العرب بأوروبا لا يفسح لهم المجال للكتابة في أي مجلة أو صحيفة أوروبية مهمة، ومن تتاح لهم الفرصة يجدون صعوبات كبيرة في التعبير عن آرائهم بكل حرية.
* بقدر ما تعرف ابداعاتك الأدبية اقبالا كبيرا من طرف القراء والدارسين بقدر ما تثير مقالاتك بالصحف والمجلات جدلا واسعا في الساحة الثقافية العربية والمغربية، كان آخرها انتقاد الصحافة العربية للرسالة التي وجهتها الى الرئيس صدام حسين بعنوان «لو كنت صدام»، فما رأيك في هذا الجدل؟
ـ الرواية برأيي أهم من المقال، ولكن في بعض الأحيان تكون للمقال ردود فعل كثيرة لأنني أطرح فيه أشياء لم يتعود عليها القارئ العربي. ولهذا فالرأي المغاير غير المتداول في العالم العربي غالبا ما يقلق. وبالنسبة لمقالة «النوفيل أوبسيرفاتور» «لو كنت صدام حسين»، فهي مقالة استعارية وليست تحليلا سياسيا. لقد زرت العراق قبل صدام في 1975 وكتبت عددا من المقالات عن المجتمع العراقي، وكنت مسرورا جدا في ذلك الوقت لوجود دولة عربية تعطي للثقافة وللأدب والابداع مجالا كبيرا وتخصص له امكانيات كبيرة. فقد كان العراق قبل صدام بلد تعدد الأحزاب والآراء والأفكار. وبمجيء صدام قام بتحطيم الشعب العراقي بدفعه الى حربين اجراميتين ضد ايران وضد الكويت، وفي نفس الوقت استفاد من الحصار الذي كان في صالحه هو ولم يكن في صالح الشعب وذلك بتعاون اميركي وأوروبي. صدام كان كارثة بالنسبة لبلده وبالنسبة للعالم العربي والاسلامي. لقد طلبت منه أن ينسحب قبل الحرب وأن يعترف بجريمته بشكل مباشر أو غير مباشر. تلك الرسالة كانت نصا شبه أدبي، وفي نفس الوقت وهذا ما لا يعرفه الكثيرون، كنت قد طالبت في صحيفتي «لوموند» الفرنسية و«المساء» البلجيكية وفي بعض البرامج التلفزيونية الفرنسية بمحاكمة بوش وشارون لأنهما ارتكبا جرائم ضد الانسانية. والآن ما هي حصيلة كل ذلك؟ لقد تم الهجوم على العراق الذي دخل في استعمار جديد، ولحد الآن لم نعرف كم من طفل وامرأة ورجل عراقي قتلوا في هذه الحرب، ولن نعرف حقيقة هذا الاعتداء الذي كان ضحيته الشعب العراقي. ولحد الآن لم نعرف أين هو صدام ولا أين هم أبناؤه. هذه الأشياء يجب أن نواجهها بكل موضوعية بعيدا عن أي حساسية عربية أو غربية. والذي لا أستطيع فهمه حقا هو تأويل كل ما أقوله عمدا سواء في الصحف أو المجلات.
* بعد الأحداث الأخيرة بالدار البيضاء، كيف ترى المغرب، وهل يمكن أن يستمر في المسار الديمقراطي الذي بدأه وأن يحافظ على صورته؟
ـ على المغرب أن يستمر في النهج الديمقراطي وفي حرية التعبير التي شرع فيها في السنوات الأخيرة. وأظن أن أفضل رد فعل على هذه الجريمة هو أن يثبت المغرب اختياراته وألا يتراجع عنها. فالمغرب اختار أن يكون بلدا ديمقراطيا، ولحد الآن فنحن ما زلنا نتعلم ونبحث عن كيفية استعمال الديمقراطية في هذا البلد، كما أنه اختار أن تتوفر حرية التعبير والرأي والتي لا تحترمها في بعض الأحيان بعض المنابر الاعلامية التي تعمها الفوضى. ولهذا فعلى الصحافة أن تحتكم الى الموضوعية وأن تفتح المجال لكي يعبرالكل عن رأيه مع احترام القانون. أحداث الدار البيضاء كانت صدمة لكل المغاربة لأننا لم نكن نفكر في أن المغرب سيصبح يوما ضحية للعمل الارهابي والاجرامي الذي لا نرى أن له هدفا آخر سوى تحطيم البلد وقيمه الاجتماعية المتمثلة في التعايش والتسامح، ومس أمن هذا البلد واستقراره. لقد لاحظت أن مسيرة الدار البيضاء كانت تعبيرا عن رفض المغاربة لهذا العمل الاجرامي. الدرس الذي يجب أن نستفيده من هذه الأحداث هو ألا نستعمل الدين في الصراع السياسي، يجب أن نحترم الدين وأن نحرص على عدم تشويهه، وألا نمس بقيمة، وأن نعزل الدين عن السياسة. فنحن لن نشك ولو دقيقة في إسلامنا وفي عقيدتنا، فلا حاجة لنا للتطرف وعدم التسامح ولصراعات سياسية يستعمل فيها الاسلام مطية لأغراض أخرى.
* سيرة ذاتية
* بدأ الكتابة شعرا مع مجموعة «أنفاس» بالمغرب ثم انتقل الى الرواية والقصة، إذ صدرت له العديد من الأعمال الأدبية منذ السبعينات منها روايات: «حرودة» عن دار دونويل عام 1973، «موحى الأحمق، موحى العاقل» عن دار لوسوي عام 1981، «صلاة الغائب» عن دار لوسوي عام 1981، «طفل الرمال» عن لوسوي عام 1985، «ليلة القدر» عن لوسوي عام 1987 وهي الرواية التي حصل من خلالها على جائزة الكونكور الفرنسية في نفس العام. والى جانب الرواية أصدر الكاتب الطاهر بنجلون، الذي يقيم نصف العام بباريس ونصفه الآخر بالمغرب، مجموعة من النصوص القصصية والدواوين الشعرية والأنطلوجيات منها: «ذاكرة المستقبل» وهي انطلوجيا حول القصيدة الجديدة بالمغرب عام 1976، ديوان «في غياب الذاكرة» عام 1980، والمجموعة القصصية «الحب الأول هو دائما الأخير» عام 1995. ومن أعماله الأخيرة نذكر: رواية «ليلة الخطأ» 1997، رواية «مأوى الفقراء» 1999، ورواية «هذا الغياب القاتل للضوء» عام 2001، وهي الرواية التي أثارت حفيظة معتقلي تازمامارات بالمغرب لأنهم عابوا على الطاهر بنجلون عدم إثارة قضيتهم من قبل واستفادته منها الآن لكسب أرباح طائلة على حسابهم. وهو ما أنكره بنجلون في ما بعد وقال انه كتبها نزولا عند رغبة أحد أصدقائه الذي طلب منه كتابتها وبعد ذلك انقلب ضده، وهو الأمر الذي لم يرغب الطاهر بنجلون الخوض فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق