الاثنين، 6 أغسطس 2012


أجاب فقيه بجاية وصالحها أبو زيد سيدي عبد الرحمان الواغليسي عن عوائد فقراء الزوايا بما نصه
قد نص أهل العلم فيما ذكرت من أحوال بعض الناس من الرقص والتصفيق، على أن ذلك بدعة وضلال. وقد أنكره مالك وتعجب ممن يفعل ذلك لما ذكر له أن أقواما يفعلون ذلك فقال: أصبيان هم أم مجانين؟ ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يفعل هذا وقد يغتر من لا يميز الأمور بما يذكر عن بعض أهل الصدق من الصوفية مما يقع لهم عند السماع عند صفوه من حالة صادقة من التواجد، وربما لا يملكون أنفسهم عن القيام والحركة، لغلبة ما يرد عليهم. وقد تخلصوا من مذام أنفسهم وقبائحهم وقوموا على منهاج الشريعة فكيف يتشبه بهم من هو في غمرات الجهل ولم يستخلص من أداء فرض، ولا اجتناب محرم، ثم يأكل حتى يملأ بطنه، ثم يقوم ويصفق ويشطح ويتمايل. وقد قال القرطبي: إن ذلك مما لا يختلف في تحريمه. وقد انتهى التواقح بأقوام إلى أن يقولوا: إن تلك الأمور من أبواب القرب وصالح الأعمال، وإن بذلك يتم صفاء الأوقات وسنيات الأحوال، فنعوذ بالله من البدع والضلال. وهذا الذي يقولون هو الذي يعتقده أهل زماننا في غالب ظني. وأما أن يفعل ذلك لأجل ما ذكرت من دفع المفاسد وكف الظلمة عن بغيهم وعدوانهم، إن ذلك إنما جرت العادة أن يتصدى له من يقتدى به عندهم من مشايخهم في مجامع الناس، فلا يعتقد العوام في ذلك من صالحات الأعمال كما تقدم، فلا يرتكب أمر ممنوع لمصالح موهمة، نعم لو تحقق أن ذلك تصان به الدماء والأموال ولا أدري ما أقول فيه. والله الهادي
ما أجاب به ابن لب عن سؤال من معنى ما سبق
وسئل الأستاذ أبو سعيد بن لب عن رجل رغب الناس في طريقة فقراء زماننا في المسجد له عظم على رؤوس الناس وقد قال: هذا الذي يذم الفقراء. إن ذمهم لأجل حلق الذكر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اثنى عليها ورغب فيها فحمل الذكر الوارد في الحديث على فقراء زماننا، ثم قال: وإن ذمهم لأجل الغناء والسماع، فإن عائشة رضي الله عنها كانت أغنى الناس وأعرفهم بالشعر، وكذا أبوها أبو بكر وأختها أسماء، فأنكر عليه فقال: ما أردت بأغنى الناس إلا غنى المال، ثم تأمل مقالته، وعلم أن المساق لا يعطي ذلك فأنكر وقال: إنما قلت أعرفهم بالشعر، ثم قال: وأيضا فإن القرآن يقرأ بالتلحين والترجيع، وجعل ذلك كله دليلا على جواز الغنا فيهم
فأجاب: هذا المكتوب قد وقع فيه أشياء فمنها تفسير المتكلم لحلق الذكر بالاجتماع للذكر بالأصوات كما يفعله فقراء هذه الأوقات. والغالب في مجالس الذكر المذكورة في الأحاديث التي يتلى فيها كتاب الله تعالى، كقوله عليه السلام "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه، بينهم إلا غشيتهم الرحمة". الحديث والتي يتعلم فيها العلم والدين كوصاة لقمان لابنه: يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء والتي تعمر بالوعظ والتذكير بالآخرة والجنة والنار كما قال حنظلة: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالجنة حتى كأنها رأي العين وهذه من مجالس العلم الباعث على العمل كمجالس سفيان الثوري، والحسن، وابن سيرين وأضرابهم. وأما مجالس الذكر اللساني بالتهليل والتحميد والتقديس. فقد صرح بها حديث الملائكة السياحين. ولكن لم يذكر جهر فيها بالكلمات، ولا رفع صوت ومثله حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلسين في مسجده يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه فقال عليه السلام كلا المجلسين بخير وأحدهما أفضل من صاحبه. أما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل، وإنما بعثت معلما ثم أقبل فجلس معهم. فهذا في الدعاء، وهو ذكر من الأذكار. وقد أمر الله بالذكر وأثنى أهل "ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين". ومن العتداء في الدعاء: العالي المفرط. وقد قال تعالى في عبده زكرياء "إذ ناى ربه نداء خفيا
قال عليه السلام " اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا". وفقراء الوقت قد تحيزوا بآيات، وتميزوا بأصوات، هي الى الاعتداء أقرب منها إلى الاقتداء. وطريقتهم إلى إتخاذها، ماكلة وصنعة أقرب منها إلى اعتدادها ربة وطاعة. وفي الحديث "خير الذكر الخفي" ومما وقع في المكتوب ذكر الغنا والسماع، فقد تكلم الناس في ذلك بكلام طويل مع اختلاف كثير. والحق الجواز إذا كان ما تضمنه من المقال مما لا يقبح أن يقال، لأن الشعر كلام هو فيه أكثر حسنا وقبيحه هو فيه أخف قبحا، لأن الإكثار منه لما يداخله في الغالب من المقال الدني منهي عنه ومع السلامة ترتفع الملامة
ومما وقع في المكتوب تصحيح طرأ على المتكلم في نقله، فاضطرب وتحير في فهمه، وصواب الكلام في حال عائشة رضي الله عنها أنها كانت أعنى الناس وأعرفهم بالشعر فأعنى فيه العين المهملة من العناية أي كما وقع في كتاب سيبويه، أن العرب يقدمون في كلامهم ما هم به أهم، وببيانه أعنى لأن عائشة كانت كثيرة الرواية للشعر، تورد كثيرا منه في تصرف الأحوال وفي الحكم وضرب الأمثال، كانت إذا نابها شيء أنشدت فيه أبياتا. وأماالغنا بالصوت فلم يذكر عنها قط. وأما استدلاله على جواز الغنا بتلحين القرآن فذلك غير ما نهى الشرع عنه أن يقرأ القرآن بالألحان كتلحين الغنا، لأن تزين الصوت مع حفظ أدائه وقانون ترتيبه على أسلوب مخالف لألحان الغنا. فإنها مرتبطة بالنغمات المختلفات، ويغلب الخروج عن أوضاع الكلمات. وقد ظهر أن ذلك الكلام من قائله كان جفاء قول وعتاب، بل فإن كان كبوة من جواد، فالعذر فيها يسمع، وإلا فالتصدي لأمثاله يجب أن يمنع
وقال أيضا رحمه الله: أما قولكم في مكتوبكم: إن ثم أقواما في الرقص والغنا. كيف تدعي المسامحة فيه وكثير من خيار أصحابنا كانوا ينقلون أن أشياخ فاس كانوا ينكرون ذلك، فهو كلام وارد، لأنه لم يذكر في الجواب أن أحدا لم ينكره وإنما ذكر أن الناس سومحوا فيه أي وإن كان مكروها عند الفقهاء، فليس في ذكر المسامحة في العمل ما يقتضي نفي الكراهة عنه جملة، بل لفظ المسامحة يعطي ثبوتها مع ما بعده من قوله: وإن فرض أن يتخلل ذلك ما يتردد المجتهد بين إجازته ورده، فهو يقضي بأنه مظنة لنكير من ينكر ولرد من يرد. وقد اشتهر الخلاف بين العلماء في القيام لذكر الله تعالى فقد أباحته الصوفية وعملت به ودأبت عليه، واستقرؤوه من قول الله سبحانه وتعالى في أصحاب الكهف "إذ قاموا فقالو ربنا رب السموات والأرض" وإن كانت الآية لها محامل أخر سوى هذا. والكلام إنما هو في حركة الجسد عند الذكر من حيث نفسها لا بالنظر إلى ما يقترن بها مما هو خارج عنها فلا يسمع مع هذا أحدا عنده شفقة اسلام وهو الإيمان أن يمنع لأجل حركة جسد فيها من المقال بناء مأوى للغرباء الواردين ومجتمعا للضعفاء وأبناء السبيل، إلى مالهم في ذلك من سد الحاجة وزوال الفاقة. أما إذا كان ذريعة ووسيلة إلى ما لا يحل ولا يجوز كما وصفتم. ومما علمتموه من شأن أولائكم القوم، فلا كلام في منع ما يكون من جنس نوافل الخير والقرب لمكان ذلك المخوف المتوقع، فكيف ما الخلاف فيه بين كراهة واباحة أو دخول منع فأنتم في واد ونحن في واد. ولو بين السائل ما بينهم لورد الجواب كما أردتم. وما ذكرتم من الأحكام المتعلقة بعمل أهل المدينة وغيرها، فليس من شاكلة ما وقع الكلام فيه، لأنا لم نستفد حكما شرعيا في الرقص والغنا من عمل الناس في هذا الوقت، بل حكم المسألة معلوم مفروغ منه مشهور، ولكن قصد بذلك تأنيس السائل، بانسحاب المسامحة على ما سأل عنه مما ذكر أنه وسيلة إلى باب عظيم من الخير من إطعام الطعام، وإرفاد الوارد المحتاج. ونبه مع ذلك على مدخل الخلاف. ثم عكستم أنتم السؤال قضيته المختلف فيها وسيلة في النازلة إلى مجرد محظور في الشريعة، لا يقوم بها بشيء، ولا يقتفي بمكانه ما يدخل في باب نوابل الخير، كيف ما أحسن أحواله أن يكون مباحا. قال ابن العربي في الأحكام: قد بينا جواز المزمر في العرس بما تقدم من قول أبي بكر "أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: دعها يا أبا بكر، فإنه يوم عيد" ولاكن لا يجوز انكشاف النساء للرجال، ولا كشف الأستار، ولا سماع الرفث، فإذا جر ذلك إلى ما لا يجوز منع من أوله واجتنب من أصله والسلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق