السبت، 18 أغسطس 2012

تاريخ الدراسات العامية في المغرب

  عبد الله التوراتي

تاريخ الدراسات العامية في المغرب
لعل المتتبع للدراسات المنجزة حول الدارجة المغربية يلحظ زخما كبيرا من البحوث والكتب والمعاجم والمصنفات المتنوعة والشاملة لجميع أصول وفروع هذه الدارجة، ويلحظ كذلك اتجاها أجنبيا في التنقير عن هذه البحوث، واتساعا كبيرا في تناول هذه اللهجات المشكلة للدارجة المغربية؛ والممتدة في شرق المغرب وغربه، وشماله وجنوبه، ومدنه وحواضره، وبواديه وجباله، والمتدسسة إلى لسان الخاصة من أهل هذا البلد، ولسان العامة والسوقة، متوغلة في المنازل والدروب والأزقة والأحياء، وإذا تلفتّ يمنة أو يسرة يرى تكالبا من الدارسين الفرنسيين الذين جعلوا من هذه الدارجة لغة مستقلة لها أصولها المباينة لأصول اللغة العربية، ولها نحوها وصرفها وبنيتها المختلفة عن اللغة العربية، ويرى كذلك حربا خفية تحت ستار العلم والتعدد اللغوي والثراء اللساني لضرب العربية ومزاحمتها بابنتها الدارجة وحصر استعمالها في كتاتيب الأطفال ومساجد المسلمين، حتى تتسع الصدور لتقبل اللغة الفرنسية لغة للحضارة والوحدة والارتقاء.

وقد عملنا في ورقتنا هاته على رصد الحركات الأولى للدعوة إلى الدارجة، وكيف كانت مدارس الاستشراق راعية لهذا النمط من اللهجات؟ وتبينا كيف دخلت هاته الدعوة إلى الجزائر، وذكرنا بعض الدراسات المنجزة حول عاميتها ودوارجها المتعددة، وبعد ذلك عرضنا للدراسات العامية في المغرب وسياسة فرنسا لترسيخها وجعلها لغة رسمية للبلاد؛ وقد بلغت الدراسات الأجنبية 140 بحثا ما بين معجم ومصنف ودراسة ومقالة علمية، وذكرنا أيضا المعاجم التي ألفها مغاربة عن الدارجة المغربية والتي كانوا يرومون من خلالها الرد غير المباشر على رجال الحماية والمشايعين لسياساتها، والإبانة على أن الدارجة المغربية بنت العربية وووليدتها والناشئة في حجرها على مرأى من بصرها ومسمع من أذنها، وأن الفصيح فيها كثير والمنحرف عن أصله قليل إذا ما أعملت قواعد الهمز والتسهيل والإبدال والاختصار والترخيم، وأكدنا هذا الأمر بجملة من القواعد والأصول المرعية في علوم اللغة العربية.


وقد ذكرنا جانبا من اهتمام المغاربة بالدارجة ودراستها، وتتبع أصولها ومقارنتها بأصولها العربية؛ عبر مجامع الألفاظ والأمثال والأزجال والقصص، وحمايتها من الدخيل الأعجمي، والسعي للارتقاء بها لسد الفجوة بينها وبين أصلها العربي، وتقريب لسان العامة من الفصيح، ودرء الفساد الذي طرأ عليها لتداخل الألسن وامتزاجها.


مقدمة كتاب "تاريخ الدراسات العامية بالمغرب"، والصادر مؤخرا عن المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق