الاثنين، 6 أغسطس 2012

ومن أخبار برغواطة ما خبر زمور أن طريفا كان أبا ملوكهم. وهو من ولد شمعون بن يعقوب بن إسحاق -عليهم السلام- قال: وكان طريف من أصحاب ميسرة ملك المغرب الذي تقدم ذكره، فلما قتل ميسرة، وافترق أصحابه، احتل طريف بلاد تامسنا، فقدمه البربر على أنفسهم، فولى أمرهم وكان على دين الإسلام وإليه تنسب جزيرة طريف، فبقي أميرا عليهم، إلى أن هلك. وترك أربعة أولاد. فولى الأمر من بعده صالح بن طريف، وكلن مولده سنة 110 من لبهجرة، فتنبأ فيهم، وشرع لهم ديانة، وسمى نفسه صالح المؤمنين، وعهد إلى ابنه إلياس بديانته، وأمره ألا يظهر ذلك غلا إذا قوى أمره، وحينئذ يدعوا إلى مذهبه ويقتل من خالفه فيه من قومه. وأمره بموالاة أمير الأندلس. وخرج صالح إلى المشرق، وزعم أنه يعود إليهم في دولة السابع من ملوكهم، وزعم أنه المهدي الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان لقتال الدجال، وأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وتكلم لهم في ذلك بكلام كثير نسبه لموسى -عم- ولسطيح الكاهن وغيره.
ثم ولي بعده إلياس بن صالح بن طريف فأظهر ديانة الإسلام والعفاف وبقي أميرا خمسين سنة إلى أن هلك. وترك جمعة من الأولاد. فولى ابنه يونس بن إلياس، وذلك بعد ما وصل من المشرق، وحج ولم يحج أحد من أهل بيته. فتظهر ديانة جده، ودعا إليها وقتل من لم يدخل فبها حتى أخلى ثمانمائة موضع من مواضع البربر، يل أنه قتل منهم سبعة آلاف ونحو سبعمائة.
وهلك بعد أن ملك نحو أربعين سنة، وخرج الأمير عن بينه وقام أبو عفير يحمد بمن معاذ بن اليسع بن صالح بن طريف، فاستولى على ملك تلك البلاد، ودان بديانة آبائه. واشتدت شوكته، وعظم أمره. وكانت له وقائع في البربر مشهورة، منها وقعة تامعزا، أقام القتل فيها ثمانية أيام، ومنها وقعة ت، عجز الإحصاء عن عد من قتل فيها. وكان لأبي عفير من الزوجات أربع وأربعون، وكان له من الأولاد بعددهن. ومات بعد أن ملك تسعاً وعشرين سنة. ثم ولى عبد بن أبي عفير، وهو أبو الأنصار، وذلك عند تمام المائة الثالثة، وكان سخيا ظريفا، يفي بالوعد والعهد، يحفظ الجار ويكافئ على الهدية بأضعافها. وصفته: أفطس، شديد الأدمة في الوجه، ناصع بياض الجسم، طويل التحية وكان يلبس السراويل والملحفة، ولا يلبس االقميص، ولا يعتم إلا في الحرب، ولا يعتم أحد من قومه إلا الغرباء عندهم. وكان في كل عام تحشد ويظهر أنه يغزوا لمن يليه من القبائل، فيهادنوه، فيترك حركته. فملك في دعة نحو اثنين وأربعين سنة.
 ثم ولى أبو منصور عيسى بن أبي الأنصار ن الذي بعث زمورا هذا إلى المستنصر بالله الأموي سنة 352 وهو عبس بن أبي الأنصار عبد اله بن أبي عفير محمد بن معاذ بن اليسع بن صالح بن طريف. وكان سنه إذ ولي اثنين وعشرين سنة، فسار بسيرة أبيه ودان بديانته. واشتدت شوكته وعظم سلطانه. وكان أبوه قد وصاه عند موته بموالاة أمير الأندلس، وقال: "أنت سابع الأمراء من أهل بيتك، وأرجو أن يأتيك جدك صالح كما وعد" انتهى ما اختصرته من كلام رموز.
وقال أبو العباس المرجحي أن يونس القائم بدين برغواطة أصله من شذونة، من جهة وادي برباط، وكان قد رحل إلى المشرق في عام 201 مع عباس بن ناصحخ وزيد بن سنا الزناتي صاحب الواصلية، وبرغوث بن سعيد التراري، وجد بني عبد الرزاق، ويعرفون بني وكيل الصفرية، ومناد صاحب القلعة المنادية، قريب من سجلماسة وآخر ذهب عني اسمه. فأربعة منهم فقهوا في الدين. ادعى يونس صاحب برغواطة النبوة. قال: وكان يونس شرب دواء للحفظ، فحفظ كل ما سمعه، وطاب علم النجوم والكهانة، ونظر في الجدال، وانصرف، فترل بين هؤلاء القوم، فرأى جهلهم. وكان يخبرهم بأشياء قبل كونها، مما .يدل عليه التنجيم، فيكون كما قال، أو قريبا منه، فعظم عندهم. فلما رأى ذلك منهم وعلم ضعف عقولهم وكثرة جهلهم أظهر ديانته، ودعا إلى نبوته. وسمى من اتبعه برباطي، ثم أحالوه بألسنتهم، ردوه "برغواطي". وكان يونس قد قتل خلقا كثيرا من البربر حتىلا أطاعوه وعلى دينه تابعوه. وقال سعيد بن هشام المصمودي في وقعة ت قصيدة طويلة منها وافر:
 قفي قبل التفرق فاخبرينا                    وقولي واخبري خبرا مبينا
هموم برابر خسروا وضلوا                 وخابوا لا سقوا ماء معينا
يقولوا النبي أبو عفير                         فأخزى الله أم الكاذبينا
 ألم تسمع ولم تر يوم بهت                  على آثاري خيلهم رنينا
رنين الباكيات بهم ثكالي                     وعاوية ومسقطه جنينا
هنالك يونس وبنو أبيه                       يوالون البوار معظمينا
فليس اليوم ردتكم ولكن                       ليالي كتم مستيسرينا
يعني بقوله مستيرين من المياسرة أصحاب ميسرة. فأما الضلال الذي شرع لهم فأنهم يقرون بنبوة صالح بن طريف وأن الكلام الذي ألف لهم هو وحي من الله تعالى لا يشكون فيه تعالى الله عن قولهم وفرض لهم صوم رجب وأكمل رمضان وخمس صلوات في اليوم وكذلك في الليلة والضحية اليوم الحادي عشر من المحرم وفي الوضوء غسل السرة والخاصرتين ثم الاستنجاء والمضمضة وغسل الوجه ومسح القفا وغسل الذراعين والمنكبين ومسح الرأس ثلاث مرات ومسح الأذنين كذلك ثم غسل الرجلين من الركبتين وبعض صلا تهم دون سجود وبعضها على كيفية صلاة المسلمين. وهم يسجدون ثلاث سجدات متصلات ووجوههم وأيديهم من الأرض مقدار نصف شبر ويقرءون نصف قراءتهم في وقوفهم ونصفها في ركوعهم ويقولون في سلامهم بكلامهم: "الله فوقنا لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء" ثم يقولون مقر باكش خمسا وعشرين مرة وتفسيره الكبير الله ويقلون أيمن باكش تفسيره بسم الله وغير هذا. ويتزوج الرجل منهم ما استطاع من النساء ويطلق ويرجع ما أحب ويقتل السارق بالإقرار والبينة ويرجم الزاني وينفى الكاذب ويسمونه المغير. والدية عندهم مائة رأس من البقر ورأس كل حيوان عليهم حرام ولا يأكل الحوت عندهم ألا أن يذكى والديك والبيض عندهم حرام والدجاج مكروهة إلا يضطر إليها. وليس عندهم أذان ولا إقامة وهم يكتفون بمعرفة الأوقات بصراخ الديكة ولذلك حرموها. ويتبركون ببصاقة أي بصاق صالح. وكانوا أعلم الناس بالنجوم. وكانوا أجمل الناس رجالا ونساء وقرآتهم الذي وضع لهم صالح ثمانون سورة أكثرها منسوبة إلى أسماء النبيين أولها سورة أيوب وأخرها سورة يونس وغيرها من أسماء الأنبياء -عم- وفيها سورة فرعون الديك وسورة الجراد وسورة الجمل وسورة هاروت وماروت وسورة الحشر وسورة غرائب الدنيا وفيها علم عظيم عندهم ولم يترل كثير من القبائل على مذهب إلى عام
352

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق