الاثنين، 6 أغسطس 2012

 مسجد عمرو بن العاص والمدارس والمارستانات والزوايا
ومسجد عمرو بن العاص مسجد شريف كبير القدر شهير الذكر، تقام فيه الجمعة. والطريق يعترضه من شرق إلى غرب وبشرقه الزاوية حيث كان يدرس الإمام أبو عبد الله الشافعي. وأما المدارس بمصر فلا يحيط أحد بحصرها لكثرتها: وأما المارستان الذي بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون، فيعجز الواصف عن محاسنه. وقد أعد فيه من المرافق والأدوية ما لا يحصر. يذكر أن مجباه ألف دينار كل يوم: وأما الزوايا فكثيرة. وهم يسمونها الخوانق. واحدتها خانقة . والأمراء بمصر يتنافسون في بناء الزوايا وكل زاوية بمصر معينة لطائفة من الفقاء، وأكثرهم الأعاجم. وهم أهل أدب ومعرفة بطريقة التصوف. ولكل زاوية شيخ وحارس. وترتيب أمورهم عجيب. ومن عوائدهم في الطعام أنه يأتي خديم الزاوية إلى الفقراء صباحا، فيعين له كل واحد ما يشتهيه من الطعام. فإذا اجتمعوا للأكل جعلوا لكل إنسان خبزه ومرقه في إناء على حدة لا يشاركه فيه أحد. وطعامهم مرتان في اليوم. ولهم كسوة الشتاء وكسوة الصيف ومرتب شهري من ثلاثين درهما للواحد في الشهر إلى عشرين. ولهم الحلاوة من السكر في كل ليلة جمعة، والصابون لغسل أثوابهم، والأجرة لدخول الحمام، والزيت للاستصباح. وهم أعزاب. وللمتزوجين زوايا على حدة. ومن المشترط عليهم حضور الصلوات الخمس، والمبيت بالزاوية، واجتماعهم بقبة داخل الزاوية. ومن عوائدهم أن يجلس كل واحد منهم على سجادة مختصة به. وإذا صلوا صلاة الصبح قرأوا سورة الفتح، وسورة الملك، وسورة عم، ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظيم مجزأة، فيأخذ كل فقير جزءا، ويختمون القرآن، ويذكرون، ثم يقرأ القراء على عادة أهل المشرق. ومثل ذلك يفعلون بعد صلاة العصر. ومن عوائدهم مع القادم أنه يأتي باب الزاوية فيقف به مشدود الوسط، وعلى كاهله سجادة، وبيمناه العكاز، وبيسراه الإبريق. فيعلم البواب خديم الزاوية بمكانه فيخرج إليه، ويسأله من أي البلاد أتى، وبأي الزوايا نزل في طريقه ومن شيخه، فإذا عرف صحة قوله أدخله الزاوية، وفرش له سجادته في موضع يليق به، وأراه موضع الطهارة، فيجدد الوضوء، ويأتي إلى سجادته، فيحل وسطه، ويصلي ركعتين، ويصافح الشيخ ومن حضر ويقعد معهم. ومن عوائدهم أنهم إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جميع سجاجيدهم فيذهب بها إلى المسجد ويفرشها لهم هنالك. ويخرجون مجتمعين، ومعهم شيخهم فيأتون المسجد، ويصلي كل واحد على سجادته. فإذا فرغوا من الصلاة قرأوا القرآن على عادتهم. ثم ينصرفون مجتمعين إلى الزاوية ومعهم شيخهم

 قرافة مصر ومزاراتها
ولمصرالقرافة العظيمة الشأن في التبرك بها. وقد جاء في فضلها أثر أخرجه القرطبي وغيره، لأنها من جملة الجبل المقطم الذي وعد الله أن يكون روضة من رياض الجنة. وهم يبنون بالقرافة القباب الحسنة، ويجعلون عليها الحيطان فتكون كالدور، ويبنون بها البيوت، ويرتبون القراء يقرأون ليلا ونهارا بالأصوات الحسان. ومنهم من يبني الزاوية والمدرسة إلى جانب التربة، ويخرجون كل ليلة جمعة إلى المبيت بأولادهم ونسائهم، ويطوفون على الأسواق بصنوف المآكل. ومن المزارات الشريفة المشهد المقدس العظيم الشأن حيث رأس الحسين بن علي عليهما السلام، وعليه رباط ضخم عجيب البناء، على أبوابه حلق الفضة وصفائحها أيضا. كذلك، وهو موفى الحق من الإجلال والتعظيم. ومنها تربة السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام. وكانت مجابة الدعوة مجتهدة في العبادة. وهذه التربة أنيقة البناء، مشرقة الضياء، عليها رباط مقصود. ومنها تربة الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه، وعليها رباط كبير. ولها جراية ضخمة. وبها القبة الشهيرة البديعة الإتقان، العجيبة البنيان، المتناهية الإحكام، المفرطة السمو، وسعتها أزيد من ثلاثين ذراعا. وبقرافة مصر من قبور العلماء والصالحين ما لا يضبطه الحصر. وبها عدد جم من الصحابة، وصدور السلف والخلف رضي الله تعالى عنهم، مثل عبد الرحمن بن القاسم، وأشهب بن عبد العزيز، وأصبغ بن الفرج، وابني عبد الحكم، وأبي القاسم بن شعبان، وأبي محمد عبد الوهاب. لكن ليس لهم بها اشتهار، ولا يعرفهم إلا من بهم عناية. والشافعي رضي الله عنه ساعده الجد في نفسه وأتباعه وأصحابه في حياته ومماته، فظهر من أمره مصداق قوله الجد يدفي كل أمر شـائع والجد يفتح كل باب مغلق

 نيل مصر
ونيل مصر يفضل أنهار الأرض عذوبة مذاق واتساع قطر وعظم منفعة. والمدن والقرى بضفتيه منتظمة، ليس في المعمور مثلها. ولا يعلم نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل. وليس في الأرض نهر يسمى بحرا غيره. قال الله تعالى: فإذا خفت عليه فألقيه في اليم فسماه يما وهو البحر. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل ليلة الإسراء إلى سدرة المنتهى، فإذا في أصلها أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان. فسأل عنها جبريل عليه السلام فقال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات. وفي الحديث أيضا النيل والفرات وسيحون وجيحون كل من أنهار الجنة. ومجرى النيل من الجنوب إلى الشمال خلافا لجميع الأنهار. ومن عجائبه أن ابتداء زيادته في شدة الحر عند نقص الأنهار وجفوفها، وابتداء نقصه حين زيادة الأنهار وفيضها. ونهر السند مثله في ذلك، وسيأتي ذكره. وأول ابتداء زيادته في حزيران وهو يونيه، فإذا بلغت زيادته ستة عشر ذراعا تم خراج السلطان. فإن زاد ذراعا كان الخصب في العام والصلاح التام، فإن بلغ ثمانية عشر ذراعا أضر بالضياع، وأعقب الوباء. وإن نقص ذراعا عن ستة عشر نقص خراج السلطان، وإن نقص ذراعين استسقى الناس، وكان الضرر الشديد. والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار، وهي النيل والفرات والدجلة وسيحون وجيحون. وتماثلها أنهار خمسة أيضا: نهر السند ويسمى ينج اب ونهر الهند ويسمى الكنك، وإليه تحج الهنود. وإذا حرقوا أمواتهم رموا برمادهم فيه. ويقولون هو من الجنة. ونهر الجون بالهند أيضا، ونهر اتل بصحراء قفجق، وعلى ساحله مدينة السرا، ونهر السرو بأرض الخطا، وعلى ضفته مدينة خان بالق، ومنها ينحدر إلى مدينة الخنسا ثم إلى مدينة الزيتون بأرض الصين، وسيذكر ذلك كله في مواضعه ان شاء الله. والنيل يفترق بعد مسافة من مصر على ثلاثة أقسام ولا يعبر نهر منها إلا في السفن شتاء وصيفا. وأهل كل بلد لهم خلجان تخرج من النيل فإذا مد أترعها ففاضت على المزارع

 الأهرام والبرابي
وهي من العجائب المذكورة على مر الدهور. وللناس فيها كلام كثير، وخوض في شأنها، وأولية بنائها. ويزعمون أن العلوم التي ظهرت قبل الطوفان أخذت من هرمس الأول الساكن بصعيد مصر الأعلى ويسمون اخنوخ وهو ادريس عليه السلام. وأنه أول من تكلم في الحركات الفلكية، والجواهر العلوية، وأول من بنى الهياكل، ومجد الله تعالى فيها، وأنه أنذر الناس بالطوفان، وخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الأهرام والبرابي وصور فيها جميع الصنائع والآلات، ورسم العلوم فيها لتبقى مخلدة. ويقال: إن دار العلم والملك بمصر مدينة منف ، وهي على بريد من الفسطاط. فلما بنيت الإسكندرية انتقل الناس إليها، وصارت دار العلم والملك. إلى أن أتى الإسلام فاختط عمرو بن العاص رضي الله عنه مدينة الفسطاط، فهي قاعدة مصر إلى هذا العهد. والأهرام بناء بالحجر الصلد المنحوت، متناهي السمو مستدير متسع الأسفل، ضيق الأعلى كالشكل المخروط ولا أبواب لها، ولا تعلم كيفية بنائها. ومما يذكر في شأنها أن ملكا من ملوك مصر قبل الطوفان رأى رؤيا هالته، وأوجبت عنده أنه بنى تلك الأهرام بالجانب الغربي من النيل، لتكون مستودعا للعلوم، ولجثث العلوم، ولجثث الملوك، وأنه سأل المنجمين هل يفتح منها موضع، فأخبروه أنها تفتح من الجانب الشمالي، وعينوا له الموضع الذي تفتح منه، ومبلغ الإنفاق في فتحه. فأمر أن يجعل بذلك الموضع من المال قدر ما أخبروه أنه ينفق في فتحه، واشتد في البناء، فأتمه في ستين سنة. كتب عليها بنينا هذه الأهرام في ستين سنة فليهدمها من يريد ذلك في ستمائة سنة، فإن الهدم أيسر من البناء. فلما أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين المأمون أراد هدمها، فأشار عليه بعض مشايخ مصر أن لا يفعل فلج في ذلك، وأمر أن تفتح من الجانب الشمالي فكانوا يوقدون عليها النار، ثم يرشونها بالخل، ويرمونها بالمنجنيق، حتى فتحت الثلمة التي بها إلى اليوم، ووجدوا بإزاء النقب مالا أمر أمير المؤمنين بوزنه فحصر ما أنفق في النقب، فوجدهما سواء. فطال عجبه من ذلك ووجدوا عرض الحائط عشرين ذراعا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق