الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

في «رحلة إلى شمال إفريقيا» أندري جيد يسطر فتنته بالموسيقى والصحراء ورعاة الماشية والناي

صدر حديثا في المغرب الترجمة العربية لكتاب “رحلة إلى شمال إفريقيا “ للكاتب والأديب الفرنسي أندري جيد، وقام بالترجمة الشاعر والكاتب المغربي محمود عبد الغني، وجاء الكتاب في واحد وسبعين صفحة من القطع المتوسط.

نقرأ في هذا الكتاب الصادر عن دار توبقال المغربية والذي تزين غلافه لوحة للفنان الفرنسي الشهير ماتيس، اليوميات التالية: موبيسيس أبريل، خارطة الطريق، توكورت، 7 أبريل، من بسكرة إلى توكورت، الإقلاع عن السفر، بوسعادة، الجزائر (البليدة)، بسكرة، العودة.

برع أندري جيد، براعة فائقة في تصوير الصحراء العربية ويصفها في دفتر يومياته خلال زيارته لمدينة بسكرة التونسية قائلا “أحب الصحراء حبا لا حد له. في السنة الأولى كنت أهابها بسبب ريحها ورملها وفي غياب أي هدف، لم أعد أعرف التوقف فكنت أتعب بسرعة. كنت أفضل الطرق الظليلة تحت النخيل، حدائق (الوردي)، والقرى. غير أنني في العام الماضي قمت بجولات كبيرة. لم يعد لي هدف آخر غير اجتناب رؤية الواحات. كنت أمشي، أمشي إلى أن أشعر في الأخير شعورا قويا بالوحدة في السهل، حينئذ أبدأ في النظر. كان للرمال ظلا مخمليا عند منحدر التلال، في هبوب كل ريح يوجد حفيف رائع، بسبب الصمت الكبير يسمح أدق الأصوات. أحيانا كان ينطلق نسر من التل الكبير. من يوم إلى آخر كان يبدو لي أن هذا الامتداد الرتيب يتضمن تنوعا خادعا”.


كما يصف رعاة القطيع الرحل بقوله “كنت أعرف رعاة القطيع الرحل. أذهب للبحث عنهم، أبادلهم الأحاديث، بعضهم من يعزف على الناي بمهارة. كنت أحيانا أجلس بالقرب منهم دون فعل أي شيء. كنت أحمل معي دائما كتابا، لم أكن أفتحه إطلاقا، ولم أكن أعود في الغالب إلا في الليل. لكن عثمان الذي حكيت له هذه الجولات قال لي إنها لم تكن حذرة، وإن العرب الجوالين يحرسون نواحي الواحات وينهبون الغرباء الذين يعرفون أنهم لن يدافعوا عن أنفسهم. وكان من الممكن أن يهاجمونني. منذ ذلك اليوم وهو يريد مرافقتي. لكن بما أنه لا يحب المشي، أصبحت جولاتي قصيرة، إلى أن توقفت فيما بعد”.

وينقل أندري انبهاره بأصوات الطبول والموسيقى الزنجية، وهو يصفها بقوله “لم يحضر أي فرنسي لهذا الحفل الليلي الرائع الذي حضرته بالصدفة تقريبا، بدعوة من صوت الطبل وزغاريد النساء. نظمت الحفلة في القرية الزنجية. حشد راقص من النساء والعازفين يصعد الشارع الكبير، متبوعا بحاملي المشاعل، وبمجموعة من الأطفال الذين يضحكون ويقدون تيسا أسود من قرنيه، مغطى بالشموع والأقمشة. أسورة معلقة على قرنيه، وخطام ضخم في منخريه، وقلائد في عنقه. وكان يرتدي خرقة من الحرير قرمزية. في الحشد الذي يتبعه تعرفت على الشيخ عاشور والعظيم. فسر لي أن هذا التيس سيذبح في الليل ليجلب الحظ السعيد للقرية. وقبل ذلك يجولون به في الشوارع، لكي تلج إلى داخله أرواح البيوت الشريرة، الواقفة على العتبات، وتختفي”.

كما لا يخفي أندري جيد سحره بالموسيقى الصحراوية والزنجية حين يقول “أيتها الموسيقى الزنجية! كم مرة ظننت أنني سمعتك، بعيدا عن إفريقيا. وفجأة يتشكل الجنوب حولك من جديد. في روما أيضا، في شارع “فيا غريغوريانا”، تحضرين عندما تأتي الشاحنات الثقيلة في الصباح الباكر فتوقظني. على ايقاع وثباتها الخرساء على بلاط الشارع، وأنا نائم، أسيء الظن، ثم أحزن لوقت طويل”.

ان أندري جيد ينقل –مسحورا– تفاصيل رحلته إلى شمال إفريقيا التي بدأت في شهر أبريل من العام 1899 من مدينة القنطرة.

ولا يخفي الكاتب علاقته الجميلة، والتي تطبعها التلقائية مع سكان البلدان التي يزورها فيقول “معذب بحب هذا البلد، الذي، كل سنة، أتحمس إليه في الخريف، وأتمنى في الأخير الشفاء بالعزم على تأليف كتاب عن إفريقيا. أعمل طيلة الصيف الموالي على ذكرياتي. ذكريات غامضة. الطزاجة تنقصها فلم أعد أعرف ماذا أعمل. كنت أعمل سدى. لا أتذكر من هذا البلد سوى اللذات، وهذا ما يجذبني إليه أكثر... فقررت أن أعود إليه مرة أخيرة، متذرعا بتدقيق خصوصية هذا المذاق”.

وحين يعود أندريه جيد إلى موطنه يشكوا حسرته قائلا “ليس لي رغبة كبيرة في رؤية الآخرين من جديد.. أشعر أنهم يشعرون بذلك. لماذا أذهب وأتحدث أمام “ ت...” عن السفر؟ بكل تأكيد، كل ما أحمله معي من هناك يعرفه.... ليس له أي شهية للسماع.

وينهي جيد ملاحظاته وإنطباعاته حول سفره الى اغوار إفريقيا المسحورة بقوله “أقرأ اليوم ملاحظاتي عن السفر. لمن سأنشرها. ستكون شبيهة بإفرازات صمغية، لن تقبل بتسليم عطرها إلا وهي دافئة بين يدي من يمسك بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق