الخميس، 16 أغسطس 2012


الحركة الوطنية المغربية بالمنطقة الخليفية

لعبت الحركة الوطنية بالمنطقة الخليفية أدوارا طلائعية في مختلف فترات الكفاح ضد المستعمر الاسباني، وكان لها حضور في مختلف المحطات الأساسية، وتفاعلت مع الأحداث الداخلية والخارجية، واستفادت منها في بلورة مواقفها التي انتقلت من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال.

 وقد ارتبط الوعي السياسي لدى قادة الحركة الوطنية الشمالية بالفشل العسكري للمقاومة المسلحة لعبد الكريم الخطابي، ورغم هذا الفشل فان المقاومة العسكرية لعبت دورا أساسيا في تنمية الشعور الوطني لدى هؤلاء القادة الذين تيقنوا من أهمية العمل السلمي والسياسي في تحقيق المطالب الأساسية للشعب المغربي، وهو ما تعبر عنه بوضوح رسالة عبد السلام بنونة لولده.

 بالإضافة إلى ذلك هناك عوامل أخرى ساهمت في تبلور الفكر الوطني في الشمال سنأتي على ذكرها لاحقا.

 هذه العوامل ستجعلنا أمام ضرورة طرح مقاربة تحليلية تجيبنا على أهم الأدوار التي لعبتها هذه الحركة في مواجهة الاستعمار الاسباني، وتحديد مميزاتها والخلفية التي تحكمت في رؤيتها ومواقفها، ومدى مساهمة العوامل الداخلية والخارجية في تبني أطروحة الاستقلال كمدخل للإصلاح بدل القولة الكلاسيكية الإصلاح مدخل للاستقلال.

 إن التأثير الايجابي للمقاومة الريفية في تنمية الحس الوطني والانفتاح الخارجي لدى قادة الحركة الوطنية المتمثل في الاتصال المبكر بالمشرق، والقرب من أوربا، وليونة المواقف الاسبانية بالنظر إلى التشدد الفرنسي في المنطقة الجنوبية، كلها عوامل ساهمت في بروز الحركة الوطنية بالشمال.

 وقد شاركت بعض الشخصيات من الشمال كبنونة في بلورة الرابطة المغربية مع بلافريج وغيره كأول تنظيم مغربي حسب الدكتور محمد ظريف.

 لكن الظهور البارز واللافت للحركة الوطنية في الشمال لم يتبلور إلا مع سنة 1930 م بصدور الظهير البربري، فقد أنشأ على إثره تنظيم سري ناهض بقوة السياسة العنصرية الاستعمارية التي تتوخى إحداث التفرقة الداخلية بين المغاربة أنفسهم، وهي سياسة فرق تسد.

 ولا ننسى هنا أن نذكر بالدور الذي لعبته زيارة شكيب أرسلان لمدينة تطوان في التحريض ضد الظهير، وكذا التظاهرات الشعبية الاحتجاجية التي انطلقت من المساجد.

 لقد ساهم صدور الظهير البربري في نمو مطالب هذه الحركة التي نادت بإصلاح التعليم، وبناء المدارس والثانويات، والتدريس باللغة العربية، كما طالبت بتسيير المجالس البلدية.

 لماذا ركزت الحركة الوطنية الشمالية في بدايتها على المطالبة بتأسيس المدارس؟

 إن ذلك مرتبط بالفراغ التعليمي في المنطقة الشمالية، وهذا ما جعل محمد بوجداد يؤكد أن اسبانيا لم تكن لها سياسة تعليمية واضحة كفرنسا، وقد بينت ذلك مراسلات من جانب اسبانيا تطلب من الحماية الفرنسية موافاتها بالمقررات والبرامج المتبعة في المنطقة الوسطى.

 كما أن الحركة الوطنية الشمالية أعطت للمسالة التعليمية أهمية قصوى في مواجهة الأطروحات الاستعمارية، ولذلك فقد سارعت إلى بناء المدارس، إذ انشأ عبد السلام بنونة المدرسة الأهلية، وعبد الخالق الطريس المعهد الحر والمكي الناصري معهد مولاي المهدي.

 ما أهمية إنشاء هذه المدارس خلال هذه الفترة؟ وما علاقتها بالكفاح الوطني؟

 لقد تنبه قادة الكفاح الوطني في الشمال إلى أهمية التعليم في تنمية الحس والوعي الوطن لدى السكان، فركزوا على مادة التربية الوطنية أساسا، وقد أدركوا أن التعليمي يمكن توظيفه لخدمة السياسي لارتباط هذا بذاك.

 فتدريس مبادئ الوطنية سيساهم لا شك في إنشاء جيل جديد مؤمن بالعمل الوطني.

 لذلك فقد اعتبرت حركة المدارس الحرة والمستقلة ماديا ومعرفيا عن الاستعمار الاسباني، رافدا من روافد الاستقطاب لدى الحركة الوطنية، وقد حاولت السلطات الاسبانية أمام هذه الوضعية خلق مدارس عصرية اسبانية عربية منافسة.

 ومهما يكن فان وعي قادة الحركة الوطنية بأهمية نشر التعليم ساهم بشكل إيجابي في تطور العمل السياسي.

 ترى ما الذي تحكم في اهتمام الحركة الوطنية بالتعليم؟

 لقد كان قادة الحركة الوطنية في الشمال بخلاف إخوانهم في الجنوب من الذين اتجهوا للدراسة بالمشرق، كما اشتغل معظمهم فيما بعد بالأسلاك التعليمية.

 نعود الآن للحديث عن المحطات الأخرى في تاريخ هذه الحركة.

 لقد شكلت سنة 1936 ميلاد حزب الإصلاح الوطني بقيادة عبد الخالق الطريس، وسنة 1937 أنشا المكي الناصري حزب الوحدة المغربية بدعم من الأسبان.

 وقد استفاد هذان الحزبان من مساحة الحرية التي منحت لهما، فقد عين عبد الخالق الطريس وزيرا للأوقاف، وصدرت العديد من الجرائد أهمها جريدة الحياة وجريدة الحرية وجريدة الريف للتهامي الوزاني، وجريدة الوحدة المغربية للمكي الناصري،وقد ساهمت هذه الجرائد في توعية المجتمع بحقوقه الأساسية.

 وقد استغلت الحركة الوطنية بالشمال ظروف وصول الجمهوريين بين سنة 1931- 1936 إلى السلطة باسبانيا في بلورة مطالب إصلاحية توافقت وخصوصيات المرحلة.

 وقد حصلوا على وعود. نعم وعود، لكنها كانت كاذبة.!.

 ومع وصول الجنرال فرانكو إلى السلطة ازدادت في البداية مساحة الحريات، لكنها ما لبثت أن توقفت بعد شهور قليلة، فبعد أن أحكم فرانكو سيطرته الكاملة على اسبانيا، عين اوركاز حاكما على المنطقة الشمالية، وقد اتبع هذا الأخير سياسة متشددة انتهت بمنع الأحزاب ومصادرة الصحف، ومنع الحريات.

 لقد انتهت المطالب الإصلاحية للحركة الوطنية إلى طريق مسدود، بسبب التعنت الاسباني.

 لقد انتهى مصير الإصلاحات إلى الفشل، وكان هذا سببا أساسيا في تحول الحركة الوطنية إلى المطالبة بالاستقلال.

 لكنه لم يكن السبب الوحيد.

ترى ماهي الملابسات الأخرى الداخلية والخارجية التي ساهمت في هذا التحول؟

1- التغيرات الداخلية:

 وصلت الحركة الوطنية في المنطقة الفرنسية مثلها مثل الحركة الوطنية في الشمال إلى طريق مسدود مع سلطات الحماية، فقد تم رفض جميع مطالبهم، وزج بزعمائهم في السجون.

 لقد توافقت الحركة الوطنية في الشمال مع نظيرتها في الجنوب بعد رفض سلطات الاحتلال لمطالبهما الإصلاحية، وبدأ معا مرحلة المطالبة بالاستقلال.

 كما أن تغير مواقف الملك محمد الخامس، وتزايد الاتصالات بينه وبين الحركة الوطنية، ساهمت في هذا التحول.

 فالحركة الوطنية الشمالية لم تنقطع صلاتها بالملك محمد الخامس، بل ظلت مستمرة على الدوام، فقد شارك عبد الخالق الطريس في مراسيم البيعة السلطانية، وكان هناك حضور دائم للشخصيات الوطنية الشمالية في الاحتفالات الرسمية بعيد العرش.

 وقد ساهمت زيارة محمد الخامس إلى طنجة سنة 1947 في تقوية موقف ومطالب الحركة الوطنية، فقد عبرت كل الصحف الوطنية الشمالية عن أهمية هذه الزيارة، التي شكلت مفصلا بين حقبتين زمنيتين مختلفتين، لقد بدأ الفكر الاستقلالي يتبلور أكثر فأكثر عند الملك محمد الخامس، وقد تجلى ذلك بشكل أكبر خلال زيارته لباريس سنة 1950.

 كما ساهم تحول الأحزاب الشمالية مع مرور السنوات إلى أحزاب جماهيرية ذات قواعد شعبية واسعة في ظهور اللجان الشعبية والمجلس التنفيذي والزوايا والفروع....وانضمت الطبقة العاملة إلى صفوف هذه الحركة مما ساهم في تقويتها حسب البير عياش.

 هذه هي ابرز التحولات الداخلية التي ساهمت في تغير موقف الحركة الوطنية بالمنطقة الاسبانية للمطالبة بالاستقلال.

 ما هي إذن العوامل الخارجية التي استفادت منها الحركة الوطنية المغربية عموما والشمالية خصوصا؟ وكيف استطاعت توظيفها في معركتها الاستقلالية؟

2- التغيرات الدولية:

 لقد ساهمت الحرب العالمية الثانية، وإنزال الحلفاء بالسواحل المغربية،ولقاء أنفا بالدار البيضاء، وإنشاء الجامعة العربية في تكريس خطاب الاستقلال الكامل والسيادة الوطنية.

 لقد ساهمت ظروف الحرب العالمية الثانية في طبيعة الخيار المغربي مع من؟ وضد من؟ أين تكمن مصلحة المغرب ؟ وفي أي طرف؟ مع الحلفاء أم مع دول المحور؟

 دون الحديث في التفاصيل الدقيقة، ورغم ورود بعض الأخبار عن إمكانية التحالف مع ألمانيا خصوصا في المنطقة الاسبانية،_عدو عدوي صديقي-،، وربما بسبب تقارب فرانكو/ ألمانيا.

 إلا أن الموقف النهائي كان مع فرنسا والحلفاء، فقد أكد الملك محمد الخامس على ضرورة مساندتهم في الحرب ضد النازية.

 بالإضافة إلى أن الحركة الوطنية أدركت ان ألمانيا في حالة انتصارها لن تمنحهم الاستقلال، فلماذا إذن استبدال استعمار باستعمار أقسى منه.

 كانت المصلحة الوطنية تقتضي الوقوف مع الحلفاء، وكان الهدف الأسمى والأساسي هو الاستقلال، وهذا الهدف لن يتحقق إلا بمثل هذا الموقف.

 لقد أراد المغرب أن يبدو في نظر الحلفاء وفرنسا بمظهر المدافع عن حرية الآخرين وحقوقهم، وعند الانتهاء من الحرب سيستعمل نفس الأسلوب معهم، أين حقنا وحريتنا في الاستقلال؟.

 كما ساهم الإنزال الأمريكي بالسواحل المغربية في تعزيز الموقف المغربي على الصعيد العالمي، كيف ذلك؟

 لقد عارض المغرب موقف بيتان ونوكيس الرافض للإنزال، لقد كان جواب محمد الخامس واضحا في المسالة( ان أمريكا لم تأت بغرض الغزو والاحتلال وإنما بهدف محاربة المحور).

 لقد أصبح المغرب على الطريق الصحيح، طريق الاستقلال ولاشيء آخر غير الاستقلال

 إنه التطلع إلى المساواة والحرية والكرامة.

المساواة تعني الندية، والحرية تعني الحقوق، والكرامة تتنافى والاستعمار.

 فالمبادئ تغيرت، والظروف اختلفت والموازين والقوى تبدلت...

 لم يعد للاستعمار أنصار.

 لقد سقط وجه الاستغلال.

بقلم الأستاذ: خاليد فؤاد طحطح





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق